حرب المعارضات... انقسام الغايات يفضح الأجندات المشبوهة

متابعة : كمال عبيد

 

شبكة النبأ: منذ عدة أشهر تكثفت المعارك وتصفية الحسابات بين مسلحي المعارضة والجهاديين المتطرفين في عدة مناطق بسوريا، مما ينم عن تصاعد العداء بين خصوم الرئيس السوري بشار الاسد، فقد أوضحت المستجدات الاخيرة على الساحة القتالية السورية أن الجماعات المسلحة وما يسمى بالمعارضة السورية المزعومة أكثر انقساما وتشرذما وتوافق في الرؤى مما تبدو عليه او تظهره وسائل الإعلام غير المنصفة للقضية الشعب السوري.

فكما يبدو أن هذه المعارضة المزعومة وصلت إلى طريق مسدود بسبب التوتر المتنامي فيما بينها  فإلى جانب اعمال العنف والتقاتل بين فصائل هذه المعارضة على الارض، تنتشر جرائم القتل والخطف والسلب في المناطق التي يسيطرون عليها، فكلما طال أمد الصراع في سوريا أصبح من الواضح مدى التنوع وعدم التجانس الذي تتسم به المعارضة المسلحة المزعومة، إذ يرى الكثير المراقبين ان تلك الفصائل والجماعات المعادية لبعضها تسببت بتآكل من الداخل، مما رجح ميزان على الساحة القتالية كفة الجيش السوري، الذي نجح في تحقيق مكاسب ميدانية مؤثرة الى جانب نجاحات سياسية حققتها الحكومة السورية على الصعيد الدولي.

في الوقت الذي احبطت المعارضة جميع سيناريوهات توحيد الصفوف وبات الانقسام العائق الاكبر امام محاولات فرض تسوية سياسية يحفظ ماء وجهها، فيما اقرت العديد من الدول الداعمة للمعارضة بالاضافة الى المنظمات الحقوقية الدولية ارتكاب الجماعات المسلحة العديد من الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين، فضلا عن عمليات تعذيب واعدام منظمة بحق اسرى الجيش السوري.

لكن قد تتحدى الجبهة الإسلامية النفوذ المتزايد لجماعتين كبيرتين للمعارضة الإسلامية المسلحة مرتبطتين بالقاعدة وانضم إليهما آلاف الأجانب للقتال في سوريا هما الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة.

حيث دعا المتحدث الرسمي باسم الدولة الاسلامية في العراق والشام التنظيمات الاسلامية المتشددة الى الانضمام الى مشروع تنظيمه، بحسب تسجيل صوتي بثته مواقع جهادية، وقال ابو محمد العدناني "نتوجه الى كل المجاهدين قادة وجنودا، جماعة وافرادا ان تسرعوا بالاتحاق بمشروع الدولة الاسلامية في العراق والشام"، وتأتي دعوة العدناني بعد اسابيع من امر زعيم القاعدة ايمن الظواهري بإلغاء الدولة الاسلامية في العراق والشام، مؤكدا ان جبهة النصرة هي فرع التنظيم في سوريا، وكان ابو بكر البغدادي زعيم الفرع العراقي للتنظيم، اعلن جمع "دولة العراق الاسلامية" وجبهة النصرة تحت راية "الدولة الاسلامية في العراق والشام".

وقال في رسالة صوتية في نيسان/ابريل ان جبهة النصرة "ما هي الا امتداد لدولة العراق الاسلامية وجزء منها"، معلنا "الغاء اسم دولة العراق الاسلامية والغاء اسم جبهة النصرة وجمعهما تحت اسم واحد هو الدولة الاسلامية في العراق والشام". بحسب فرانس برس.

وقال الظواهري في تسجيله الصوتي "اخطأ الشيخ ابو بكر البغدادي باعلان دولة العراق والشام الاسلامية دون ان يستأمرنا او يستشيرنا او حتى اخطارنا (...) واخطأ الشيخ ابو محمد الجولاني باعلانه رفض داعش واظهار علاقته بالقاعدة دون ان يستأمرنا او يستشيرنا او حتى اخطارنا".

وتسبب اعلان زعيم القاعدة في العراق ببلبلة بين المسلحين الاسلاميين المتطرفين وبانقسامات بين المنضوين تحت لواء جبهة النصرة التي تعد من اكثر المجموعات المناهضة للنظام السوري تاثيرا على الارض.

ويرى الكثير من المحللين ان هذه الانقسامات بين الجماعات المسلحة في سوريا تظهر مدى التنافس والغايات والأجندة التي تهدف اليها الدول الداعمة والمحرضة للمعارضة تحت غطاء الثورة المزعومة.

كما يرى معظم المحللين ان المعارضة تبدو المنقسمة بشدة لذا فهي تسعى بجهد جهيد لرسم سياسة إستراتيجية جديدة باتفاق على قيادة جديدة في محاولة لتوحيد صفوفها قبل محادثات سلام مزمعة، حيث وحد مقاتلون إسلاميون في سوريا قواهم لتشكيل ما قد يصبح أكبر جيش للمعارضة في البلاد وهو ما يزيد من تقويض نفوذ القادة العسكريين المدعومين من الغرب وقد يشكل تحديا للقاعدة، وتزامن الإعلان عن تشكيل قيادة مشتركة للجبهة الإسلامية - وهي اندماج لستة فصائل إسلامية كبرى في المعارضة كانت أعلنت في وقت سابق أنها تعتزم الاندماج - مع روايات عن اندلاع معركة عند الحدود التركية بين فصائل إسلامية متنافسة انتهت بسيطرة جماعة متحالفة مع القاعدة على بلدة أطمة.

لكن جميع المؤشرات تضفني بأن هذه المعارضة المتشرذمة تواجه شبح الفشل بعد ان اخفق معارضو النظام السوري في التوصل لاتفاق داخلي رغم الدعوات المكثفة في الاونة الاخيرة من اجل توحيد رؤيتهم.

فقد عرقل التشرذم والاقتتال بين الفصائل الساعية للإطاحة بالرئيس بشار الأسد ولم تظهر أحدث محاولة لتوحيد المعارضة حتى الآن قدرتها على إحداث تنسيق فعال بين الجماعات التي تسيطر معا على مناطق كبيرة من سوريا وعشرات الآلاف من المقاتلين.

وأدت المكاسب التي حققها الجيش السوري منذ تراجعت الولايات المتحدة عن التدخل في أعقاب هجوم بالغاز السام على مناطق تسيطر عليها المعارضة في أغسطس آب الماضي إلى تقوية موقف كثير من مقاتلي المعارضة المسلحة على حساب الجيش الحر المدعوم من الغرب والمكلف نظريا بتنسيق الحرب وحفزت في الوقت نفسه بعض الفصائل الكبرى من أجل توحيد صفوفها، وفي الوقت الذي تحاول فيه القوى العالمية الكبرى المنقسمة دفع المعارضة والحكومة إلى المحادثات لم يبد المقاتلون على الأرض اهتماما يذكر بالتفاوض مع الحكومة السورية.

ومما يبرز الصراعات بين الفصائل قال نشطاء في المعارضة إن ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام سيطر على بلدة أطمة وهي نقطة عبور للأسلحة والمعارضين السوريين على الحدود التركية وطرد منها مقاتلي جماعة صقور الإسلام وهي جماعة إسلامية صغيرة معتدلة تخضع لقيادة هيئة الأركان العامة للجيش السوري الحر التي تتخذ من تركيا مقرا لها، وقاتلت جماعة صقور الإسلام وحدات أخرى موالية للجيش السوري الحر في وقت سابق ولمح الناشط المحلي المعارض عبد الله الشيخ إلى احتمال تواطؤ قادة الجيش الحر مع ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام لطرد مقاتلي صقور الإسلام من أطمة. وقال نشطاء إن مقاتلي جماعة الدولة الإسلامية أسروا قائد صقور الإسلام وأكثر من 20 من رجاله.

فقد غطى نفوذ الإسلاميين على الفصائل العلمانية التي عرقلتها الخصومات داخل سوريا وبين معارضي الأسد في المنفى، وتقوم دول الخليج العربية - لاسيما السعودية وقطر - بتسليح ومساعدة فصائل بالمعارضة لكن لم يتضح بعد حجم النفوذ الأجنبي على التشكيل الجديد.

وقال مصدر مرتبط بجبهة النصرة إن الجماعة تعتقد أن قطر ساعدت بالوساطة والتمويل في اندماج الجماعات في الجبهة الإسلامية وإن الجماعات المرتبطة بالقاعدة تشعر بقلق من التحالف الجديد، وأضاف "أخشى أننا نتهيأ لانقسام خطير ... بين الجبهة الجديدة وجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام.

من جانبه رأى آرون لوند الخبير السويدي في شؤون الحرب السورية ان "+الجبهة الاسلامية+ تجمع بعض المجموعات الكبرى من الحركة الاسلامية الى المعسكر الاكثر تشددا لكنها لا تضم اية فصائل من تنظيم القاعدة"، واضاف لوكالة فرانس برس "انه امر قد يكون مهما جدا اذا استمر"، وفيما اشار الى ان هذا التحالف ياتي ردا على التقدم الذي احرزته القوات السورية في الاونة الاخيرة وموقف الجهاديين "العدائي" تجاه مجموعات اخرى معارضة، قال "اعتقد ان هناك تدخلا خارجيا ايضا"، واوضح "كان هناك الكثير من الحديث كيف ان السعودية ودولا خليجية تدفع في اتجاه توحيد صفوف المعارضة".

من جهته قال توماس بييريه من جامعة ادنبره "اذا تبين ان هذه الجبهة ستبقى متماسكة على المدى الطويل، فذلك يشكل تطورا مهما جدا. انها قوة عسكرية كبرى تفوق الخمسين الف عنصر ستهيمن بشكل كبير على ساحة المعارضة".

ويشير سقوط بلدة أطمة -وهي نقطة عبور للأسلحة وللمعارضين السوريين- إلى حالة الفوضى في صفوف جماعات المعارضة التي تتقهقر أمام الوحدات الإسلامية المتشددة، وكان صعود القاعدة في سوريا قد ساعد على تغيير الحسابات الدبلوماسية الدولية وأضعف من الدعوات الغربية التي تطالب بإقصاء الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، ويقول نشطاء إن وحدات الجيش الحر ومنها صقور الإسلام والدولة الإسلامية في العراق والشام تعاونت في المنطقة من قبل في الأساس لقتال ميليشيات كردية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي تغلغل في أطمة.

لكن الجانبين تحاربا فيما بينهما كذلك ما يلقي الضوء على العلاقات المعقدة بين معارضي الأسد، وفي أغسطس آب الماضي سيطرت الدولة الإسلامية في العراق والشام على بلدة أعزاز على الحدود الشمالية وطردت وحدة أخرى تابعة لهيئة أركان الجيش الحر مما دفع تركيا لإغلاق معبر حدودي قريب.

لذا يواجه الائتلاف المعارض المدعوم من الدول الغربية، سلسلة من الخلافات بين مكوناته. كما ينتقد المقاتلون المعارضون والناشطون على الارض عدم قدرة الائتلاف على تزويد المقاتلين بالسلاح النوعي الذي يحتاجون اليه لمواجهة القوة النارية لقوات نظام الرئيس بشار الاسد، اضافة الى نقص المساعدات الانسانية للمناطق الواقعة تحت الحصار.

وعليه  تضفي  المعطيات انفة الذكر ان الصراع في سوريا تحول إلى حروب متداخلة، لم تعد خافية على أحد ولم تعد تنطلي المزاعم الثورية التي يتخفى وراءها ما يجري في سوريا، بعد أن اتضحت أبعاد المؤامرة الكبرى على البلاد السورية، وهذا ما بات وضحا ان ما يسمى بالمعارضة السورية هي معارضة دموية بأجندات طائفية و شراذم تنشر الموت تقود حربا بالوكالة ستواصل نحو بداية النهاية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/تشرين الثاني/2013 - 26/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م