العنف المعنوي

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: وهو العنف اللفظي الذي يعرفه علماء الاجتماع بانه استعمال عبارات مخلة بالآداب والأخلاق الحميدة ، من خلال  الكلمات والألفاظ المسيئة والتي تحمل عبارات السخرية والاستهزاء والسب والشتم من قبل الوالدين أو من المحيط الخارجي والأفراد المحيطين بالشخص نفسه .. والعنف اللفظي يشكل أحد جوانب التعدي على حياة الأشخاص الآخرين من أطفال أو نساء أو رجال ..

وهناك تسمية العنف الرمزي، حسب بيار بورديو، و هو عنف هادئ، غير مرئي ومقّنع. (لكونه غير معروف بهذه الصفات، فقد نختاره بقدر ما نعانيه).

ويوضح بورديو أن النخب تمارس تمايزها وطغيانها عبر ما يسميه بالعنف الرمزي حيث تقوم النخب بترويج مفاهيمها وأساليبها على أنها هي الطرق السليمة التي ينبغي للجميع السير فيها ومحاكاتها، ومن يخالف هذه الصورة والسياق المفترض يشعر بذنب المخالفة، وبانطباع سلبي عن ذاته، التي تتمزق بين طبيعتها وطبيعة مصطنعة لمثال دخيل عليها. ومن الأمثلة الواضحة على العنف الرمزي، حين يحتقر أبناء القرى لهجتهم أمام لهجة أبناء المدن التي قد تبدو راقية وقوية. رغم أن هذه كتلك، معطى طبيعي لا يتضمن السوء أو الخير  بذاته.

يتحدث بيير بورديو عن العنف الرمزي الذي هو عنف غير فيزيائي، يتم أساسا عبر وسائل التربية وتلقين المعرفة والإيديولوجيات،. وبالإمكان تهديم شخص ما من دون أن يلاحظ المحيطون به هذا الأمر، عن طريق الكلمات البريئة ظاهرياً أو الإشارات أو الافتراضات أو مجرد الإبعاد.هذا العنف (الخفي) لكن المتكرر، المزمن وأحياناً اليومي، الذي يصيب نفسية الإنسان ليس جسده بالإرهاق الشديد والألم الذي يعاني منه غالباً بصمت والذي يقوده بالتالي إلى الانكماش والانكفاء نحو الذات، قاتلاً فيه ومقصياً أفضل طاقاته وإبداعاته، مما ينسحب بالتالي إلى طريقة تعامله مع محيطه الصغير أو الكبير، والى عدم التحسب لردود أفعاله التي تتسم غالباً بسمات الطيش والتهور مفضية بالتالي به وبغيره إلى دوامة التطرف والعنف.

والعنف الرمزي يختلف عن العنف المادي، وربما كان أبلغ أثرًا منه، فهو معني، كما يقول عبدالإله بلقزيز، بإلحاق الضرر السيكولوجي بالإنسان. أي استهداف شعوره الذاتي “بالأمن، والطمأنينة، والكرامة، والاعتبار، والتوازن… إلخ”. وربما يرى البعض أن العنف النفسي مبرر لترهيب بعض مرتكبي الخطأ، وهذا المقال لا يناقش هذا القول ولا يقف عنده، بقدر ما يهدف إلى إلقاء الضوء على مسألة أعمق وأبرز، وغير مبررة، وهي أن العنف الرمزي قد يتعدى حدود قضية ومسألة محددة ليصبح هجوما على فئات مجتمعية، فتصبح المسألة أخطر هنا لأنها تحدث على مستوى مجتمع لا فرد.

تأثير العنف اللفظي سئ على الطفل وعلى المراهق حيث يؤدي اما الى الانطوائية والانعزالية واما الى تصعيد الروح العدوانية لدى الطفل الذي تعرض للعدوان اللفظي مما قد يدفعه الى رد العدوان بعنف جسدي أو ترجمة ذلك بالعدوان على الآخرين الذين يفوقهم قوة في محاولة لاثبات وجوده وفي احيان كثير يؤدي الى الانتحار. أما بالنسبة للمرأة فيعتبر العنف اللفظي من أبشع انواع العنف الممارس ضدها والمؤثر في نفسيتها وله مردودات سلبية على حياتها الأسرية واستقرارها .

ومن أهم أسباب العنف اللفظي التنشئة الاجتماعية المنزلية المبنية على الذم والتحقير والسب والشتم حيث انها تحفز الروح العدوانية المكبوتة لدى الطفل لتثير فيه العنف والحقد والكراهية التي يترجمها اما بالعدوان اللفظي على الآخرين واما باستخدام القوة ضدهم من أجل رفع القهر الناتج عن الاستهزاء وضروب العنف اللفظي الآخرى الممارسة ضده . هذا وتشير دراسات متعددة الى أن نسبة 75% الى 85 % من الصراعات العدوانية بين طلبة المدارس بما فيها صراعاتهم ضد الذات (الانتحار) في دول مختلفة سببها الاستفزاز والسخرية والتربية والتنشئة الاجتماعية الغير سوية .

ظاهرة العنف اللفظي أو هذا المرض الاجتماعي كما يسميه المختصّون أضحى مستشريا في ثقافة الكثير من المجتمعات العربية، وقد عززته الكثير من الاحصائيات، فعلى سبيل المثال  الإحصائية التي صدرت في سنة 2007 عن المرصد الوطني للشباب في تونس والتي أثبتت أن 88 بالمائة من الشباب التونسي يمارس العنف اللفظي .

وفي المجتمع الجزائري يعد العنف اللفظي من المواضيع الشائكة ، لا سيما وأن الخبراء يشيرون بهذا الخصوص الى أن الإساءة اللفظية غالبا ما تؤدي الى العنف الجسدي، وأن سب الذات الإلهية، المعاكسات، العبارات المفتقرة الى الحياء، أهم أعراض العنف اللفظي الذي أصبح ظاهرة متفشية بشكل واضح في أوساط الشباب. أسباب الظاهرة وتأثيراتها كانت موضوع نقاش أساتذة مختصين في علم النفس خلال احد الملتقيات الجامعية، حيث يعبر العنف اللفظي حسب الأستاذة (شبحة بداك) مختصة في علم النفس بجامعة تيزي وزو، عن خلل عميق في التنشئة، وهو لا يعد ظاهرة جديدة ولكنه اتخذ مؤخرا أبعادا خطيرة، ما يدفع إلى التساؤل: هل هو ناتج عن الحراك الاجتماعي أو تغير مكانة كل من الرجل والمرأة في المجتمع؟

إن الملاحظ في هذا السياق هو أن خروج المرأة للتعلم والعمل أكسبها أدوارا جديدة - خاصة المتزوجة - بعدما كان دورها محصورا في مجال الزواج والإنجاب، والملفت في المسألة هو أن عمل كلا الزوجين في الخارج لا يعني أنهما يعملان سويا داخل البيت، وعلى هذا الأساس تتعرض المرأة للإساءة اللفظية سواء من طرف الزوج أو أهله إذا ما أهملت شؤون البيت، إضافة الى العنف الرمزي الذي تعكسه إشارات احتقار، تهميش وعزل.

ومن خلال مداخلة بعنوان (سوسيولوجيا العنف والعنف اللفظي في المدرسة)، أوضحت الأستاذة (نجية مادوي) من جامعة البليدة، أن العنف من الظواهر التي تفشت في السنوات الأخيرة، لاسيما في الوسط المدرسي، حيث يشكل العصيان، السب، أعمال التخريب، السرقة والفوضى، أهم عنوان لعنف التلاميذ مقابل الإساءة اللفظية التي يتعرض لها بعض المتمدرسين في حالة التأخر أو عدم أداء الواجبات. وتشرح الأستاذة أن هناك أسبابا تدفع التلاميذ إلى العنف، خاصة في مرحلة المراهقة التي تميزها تغييرات عضوية ونفسية تجعلهم أكثر اضطرابا، وتدفعهم الى السب والشتم أو التهديد الذي يدفع ثمنه المعلم جسديا، باعتبار أن العنف اللفظي غالبا ما يؤدي الى العنف الجسدي.

وفي سياق متصل، أكد الاستاذ صادق بن عبد الله محفوظ، من جامعة البليدة، أنه يمكن فهم ظاهرة العنف في المجتمع الجزائري، انطلاقا من الظروف السوسيو اقتصادية والثقافية، ويستشهد بدراسة حديثة ، أظهرت أن العنف الشفهي احتل المرتبة الأولى، يليه في المرتبة الثانية العنف الجسدي. كما بينت نفس الدراسة أن معدل العنف الممارس من طرف التلاميذ في مرحلة التعليم ضد أساتذتهم، وصل الى 80، وأن 53 من التلاميذ مورس عليهم العنف من طرف الأساتذة، فيما تعرض 51 منهم للشتم والسب، وطرد 27 منهم من الأقسام.

وكشفت مداخلة الأستاذة حياة سنوسي، من جامعة البليدة، أن العنف اللفظي رغم جذوره التاريخية، إلا أن أهم أسبابه في الوقت الراهن، تفسرها جملة التحولات السريعة على الصعيد الثقافي، الاجتماعي والحضاري. ومن دوافع هذه الظاهرة التي تؤثر على الحياة النفسية، الشتم والسب والازدراء الممارس من قبل الوالدين، مما يحفز العدوانية لدى الطفل، إضافة الى عوامل تعود الى شخصية الطفل كالشعور المتزايد بالإحباط، فضلا عن ذلك ترتبط الظاهرة ببعض المتغيرات الأسرية كالتفكك الأسري، التمييز بين الأبناء وأساليب التنشئة غير السوية (التسلط أو التدليل الزائد)، الى جانب الوضع الاقتصادي والسكني، نقص الوعي الاجتماعي، صراع الأجيال وبرامج العنف التي تروج لها وسائل الإعلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/تشرين الثاني/2013 - 22/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م