السعودية واسرائيل.. الإبعاد المزدوج عن مرحلة البناء الأمريكي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: "كل الخيارات متاحة أمام دول الخليج..". هذا جزء من ردود فعل سعودية على الاتفاق الذي توصلت اليه ايران مع المجتمع الدولي مؤخراً حول البرنامج النووي الايراني، وجاء على لسان السفير السعودي في لندن، محمد بن نواف بن عبد العزيز. وهو تصريح يتطابق تماماً مع ما يكرره القادة الاسرائيليون بين فترة واخرى، حالما تصل المحادثات الى نقطة الانفراج، حيث أن الكيان الصهيوني يقرع باستمرار طبول الحرب بوجه المجتمع الدولي، وتحديداً أمام الحكومة الامريكية، في مسعى منه لتحشيد الرأي العالم العالمي ضد ايران، على أنها تشكل تهديداً للسلم العالمي، وليس فقط لإسرائيل.

اذا كانت الاضواء تركزت بسرعة فائقة مساء السبت الماضي على صالة اجتماعات ما يعرف بـ (5+1) في مدينة جنيف السويسرية، عندما تم الاعلان عن التوصل الى اتفاق مبدأي يخفف من حالة التأزم بين ايران والمجتمع الدولي، فان هنالك زاوية أخرى، ربما لم تصلها أضواء الاعلام لاسباب معروفة، تكمن فيها السعودية واسرائيل جنباً الى جنب في قوقعة واحدة، وهو أمرٌ ما يزال مثار تساؤل وبحث عن مفارقة عجيبة في تاريخ المنطقة.

هذا الانزعاج والتذمّر السعودي – الاسرائيلي المشترك من حلحلة الضغوط الاقتصادية على ايران، وتحقيقها مكسباً سياسياً جديداً من خلال بنود الاتفاق الجديد، يجعل الغرب بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص، اكثر قناعة بأن الاستقرار الذي تحتاجه المصالح الاقتصادية والسياسية في المنطقة لن يتحقق من خلال هذين المنزعجين مهما كانت مكانتها الاقتصادية والسياسية، ومهما كانت العلاقات معهما قوية واستراتيجية.

لكن؛ بدايةً علينا أن نميز بين طبيعة الانزعاج الاسرائيلي ومنطلقاته، وبين مثيله السعودي والخليجي واسبابه.. ففي الحالة الاولى، تخشى اسرائيل، ليس اليوم، إنما منذ عقود، من ظهور قوة نووية في الشرق الأوسط، تخلق توازناً غير مطلوباً للرعب النووي، بينما تريد الدولة العبرية الإبقاء على التفرّد في السيطرة والهيمنة والمكابرة على الآخرين، بمن فيهم الايرانيين والعرب بأجمعهم. بينما في الحالة الثانية (الخليجية)، فان الهم الأول والأخير، وهو التنافس والتزاحم على النفوذ والتأثير في المنطقة، فقد بات واضحاً للعالم بأسره وجود مدرستين طائفيتين في كل من ايران والسعودية، تغذيان التحرك السياسي في المنطقة والعالم، ومن دون الشحن الطائفي والتعبئة المعنوية، لن يكون ثمة معنى لايران ولا السعودية في المنطقة. مع قطع النظر للفارق الكبير بين آليات ووسائل المدرستين، فالمدرسة الشيعية، تتميز – في كل الاحوال- بالسلمية والتعايش ونبذ الكراهية، بينما المدرسة الوهابية تتميز، بل هي تختص بنشر الكراهية والتكفير والدموية.  

هذا المائز بحد ذاته هو الذي تبحث عنه امريكا في المنطقة، ولسان حالها القاعدة الشهيرة: "لا صديق دائم ولا عدو دائم، إنما مصالح دائمة". ولم تقصر الجماعات الارهابية والتكفيرية في سوريا والعراق والتي أزكمت أنوف رجال السياسة والمخابرات في واشنطن بجرائمهم، الامر الذي أدى لأن يطفح الكيل وتخرج عبارات الهجوم العنيف لجفري فيلتمان، الدبلوماسي الامريكي في الأمم لأن يرمي السعودية بنعوت سيئة هي الأولى من نوعها، مثل "الوقحة"، و"الدول الغاضبة والحاقدة". وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على إفلاس سياسي واضح يدفع الامريكان لأن يجدوا خيارهم المفضّل في ايران ذات السياسة الهادئة والناعمة، وربما تعلمت ذلك من الغرب، حيث تحدثت في اعلامها كثيراً عن "الحرب الناعمة" التي تشنها الدوائر الاعلامية والدعائية والمخابراتية في الغرب ضدها، الامر الذي يدفعها بالمقابل لأن ترد بالمثل، وابرز دليل على ذلك، ما صرّح به الرجل الأول في ايران علي خامنئي، في أول رد فعل له على التطورات النوعية في الدبلوماسية الايرانية الجديدة في عهد الرئيس الجديد "روحاني"، بأن "لا مانع من التنازل الناعم.."!

أهم ما تحتاجه الولايات المتحدة والغرب في المنطقة، وربما في العالم الاسلامي برمته، ترويج مفاهيمها وافكارها تمهيداً لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتأتي في المقدمة، مشروع الديمقراطية.. فايران كانت السبّاقة لإدارة ورعاية المشروع الديمقراطي في العراق، واللعب بالاوراق الحزبية والفئوية بنجاح فائق، حيث جعلت الجميع يشتركون في الحكم، وهم جميعاً متصارعون ومتنافسون بشكل غير شريف على الحكم. وهذا ما مكّن الامريكان من الانسحاب مع الحفاظ على ماء الوجه الذي كاد ان يراق أمام العالم خلال فترة الاحتلال، وارتكابهم مجازر ومخالفات انسانية خطيرة، ليس أقلها فضيحة "أبو غريب". وكان لايران موقف آخر، وهو جديد ضمن هذا المشروع، وهو في مصر، عندما أدانت العملية الانقلابية التي قادها العسكر ضد الرئيس المصري المخلوع، محمد مرسي، عادةً خطوة العسكر بانها انقلاب على الديمقراطية وانتهاك لأراء الناخبين.

هذه الرؤية والسلوك السياسي، مفقودٌ بالمرة لدى السعوديين وكذلك الاسرائيليين، فالاثنين يشتركان في نزعة الهيمنة والتعجرف والتطرف في كل شيء، بل نلاحظ إظهار الحساسية الشديد لديهما من أي حكومة تصل الى السلطة في طهران، تتسم بالمرونة والدبلوماسية والتهدئة. بل العكس، يبدون ارتياحهم لوجود حكومة متطرفة ترعد وتزبد وتطلق التهديدات، لأنها تكون خير وسيلة لتكريس وجدوهما السياسي في المنطقة، من خلال الضغط على واشنطن بالحاجة الى مزيد من الدعم والتأييد لمواجهة "الخطر الايراني".

ويؤكد مراقبون ومتابعون أن هذه الدوامة غير مريحة ولا محبذة لدى واشنطن، لتكلفتها وتكبدها العناء والتأزم وتعريض المصالح الامريكية للخطر بين دول متنافسة ومتصارعة دون طائل في الشرق الأوسط. لكن هذا لا يعبر بأي حال من الاحوال، عن رغبة امريكية في إنهاء حالة الصراع والتأزم في المنطقة بشكل كامل، لأن حالة الصراع وتكريس حالة الأزمة والشد السياسي والاقتصادي، هو الذي يجعل الجميع بحاجة الى المساعدة والوساطة والحماية الامريكية. وهذا يصدق جداً على السعودية وشقيقاتها الصغار في الخليج. ولنا في تجربة "صدام" ما بعد غزو الكويت خير دليل وبرهان على ما نذهب اليه. فقد تم التوقيع على عشرات الاتفاقيات الأمنية والعسكرية في ظل وجود صنم أجوف وكبير باسم "صدام" في بغداد، مع علم الكويتيين بحقيقة هذا الصنم، إلا ان ذكريات الغزو وآثاره وما خلفه من دمار ونهب واعتداءات، لن يدع للشارع الكويتي فرصة بسيطة لأن يتفكّر في الأمر ويحول دون تعرض بلاده لاستفزاز ونهب جديد.

هذه المرة، يأتي دور السعودية.. فقد بات التقارير ترى وتؤكد لقاءات وزيارات سعودية – اسرائيلية متبادلة، سواء بوفود مخابراتية او سياسية.

فقد كشفت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن قيام وفد من الموساد الاسرائیلي بزيارة عدد من العواصم الخلیجیة في وقت سابق من ا لعام الماضي، بهدف تنسيق المواقف والتوافق بشأن عدد من القضایا في مقدمتها صیاغة سیاسة خلیجیة واحدة تجاه ایران ومواجهة التحدي الذي يمثله حكم الاخوان في مصر، قبل الانقلاب عليهم.

وحديثاً كتب "افرايم عنبار" مقالاً في صحيفة "اسرائيل اليوم" بتاريخ 19/11/2013 يؤكد فيه وجود تعاون بين اسرائيل ودول عربية لم يسمها ضد ايران، ويقول: "إن مسار الرحلة الجوية الى أهداف ذرية قد يمر كما كانت الحال في الماضي فوق دول عربية. وبخلاف الماضي يوجد هذه المرة امكان إغماض العين بل التعاون، لأن العالم العربي يخاف من ايران ذات القدرة الذرية جدا"!

هذا الاستقطاب الجديد يجعل السعودية في حالة استثنائية لم تمر بها من قبل في تاريخها، وهي تركع وتخضع لأي قرار تتخذه اسرائيل في المنطقة بداعي الحفاظ على أمن وسلامة الخليجيين من الخطر الايراني. بمعنى أن السعوديين والخليجيين بشكل عام، يجدون انفسهم اليوم أمام النجاح الايراني المتصاعد سياسياً ونووياً، وأمام الاستفزاز الاسرائيلي، وايضاً أمام الكوابح الامريكية الشديدة التي ربما تتقاطع مع رغبة السعودية في ترجمة غضبها و امتعاضها من التقارب الايراني – الامريكي الى تحركات على الأرض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/تشرين الثاني/2013 - 22/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م