القائد والمعنويات ركيزتان لبناء الدولة

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: للدولة، أية دولة، ركائز عديدة تُسهم في بنائها، وتبلور مؤسساتها، وتستثمر كل المزايا الموجودة لدى الشعب، لكي تصبح الدولة متميزة مستقرة ومتقدمة، ومن أهم هذه الركائز، القائد، ومعنويات الشعب، بما في ذلك المزايا الاقتصادية والعلمية وما شابه، ولا شك أن المسلمين الذين يتوزعون اليوم في دول عديدة، لم يعيشوا في دول اسلامية قوية مستقرة ومتقدمة، على الرغم من توافر جميع الشروط والمرتكزات التي يمكن أن تجعلها في المقدمة دائما، ولكن نظرا لعدم استثمار مزايا المسلمين، فإنهم باقون في نهاية الركب العالمي!.

وقد ألقى الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، كثيرا من الضوء الفكري في مؤلَّفاته على هذا الجانب، فنبّه سماحته جميع المعنيين، الى الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون، وأوضح بالدقة والأدلة الراسخة أسباب هذا التخلف، وقدم الحلول والمعالجات التي تتميز بالوضوح والسهولة في التنفيذ، من اجل أن ينتقل المسلمون الى واقع افضل، وحياة أكثر ابداعا وتطورا يليق بمكانة الانسان، وقيمته التي كفلتها جميع القيم الانسانية.

ولكي نطل على الاوضاع المؤسفة التي يعيشها العالم الاسلامي، نطلع على هذه الصورة المكتوبة التي ينقلها لنا الامام الشيرازي، في كتابه القيّم الموسوم بـ (تحويل المعنويات الإسلامية من القوة إلى الفعل)، إذ يقول الامام في هذا الشأن: (يمر العالم الإسلامي اليوم بمرحلة مأساوية عظيمة، ربما لم يمر بمثلها في قرونه السالفة، حيث تتكالب عليه الأعداء من كل حدب وصوب، وكل عدو يأمل ان يحصل على أكثر من موقع قدم له، في جسم سقيم هزيل، أتعبته الأمراض ومزقته الخلافات وطحنته الحروب. ومع ذلك ما زال هناك بصيص أمل).

انتشال المسلمين من واقعهم

من الواضح بصورة جلية، أن واقع المسلمين ينطوي على بؤس وتخلف وفقر وفوضى لا احد يستطيع انكارها، كذلك هناك غياب للقائد الذي يتميز بصفات قيادية متميزة، تجعله قادرا على منح الشعب القدرة على التغيير والتطور، من خلال قيادة ذات رؤية فاعلة واسعة الآفاق، تقف على تفعيل المزايا والمعنويات والطاقات الهائلة التي يمتلكها المسلمون.

لذلك يطرح الامام الشيرازي بوضوح بالغ، كيفية تحويل القوة المعنوية الى فعل واضح قوي مؤثر، يصب في صالح المسلمين، ويسهم في تثوير طاقاتهم، ويساعدهم على اجتراح السبل التي تمنحهم قدرة كافة وفرصا جيدة للتطور، هنا يتساءل الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه قائلا: (كيف يمكن ان نحول القوة المعنوية والقوة الإسلامية الكامنة في قلوب المسلمين الى الفعلية).

ويطرح سماحته الرؤى الفكرية والعملية لـ (تغيير المسلمين وانتشالهم من واقعهم المزري). ويؤكد على ركيزتيّ القيادة الناجحة، وقضية استثمار المعنويات، لأن وضوح السمات القيادية، تؤثر بقوة على المجتمع عموما، بمعنى لا يصح أن تبقى القيادة غامضة.

لذلك يحذر الامام الشيرازي من التباس وغموض الشخصية القيادية، إذ يقول سماحته في هذا المجال: (عندما تكون الصورة غير واضحة عند البعض، ويشوبها بعض الغيوم، من الطبيعي ان يقع اللبس والغموض حول مجموعة حقائق ومواقف مهمة). إذن ثمة تحذير كبير من غموض الشخصية القيادة، وعدم قدرتها على استثمار القدرات المعنوية الهائلة التي يمتلكها المسلمون من الناحيتين الفكرية والمعنوية، ويؤكد الامام الشيرازي على أن القائد الناجح والنظام الافضل، هو الذي يتمكن من تحريك الساكن والكامن من الطاقات، والمواهب والقدرات وهي كثيرة لدى المسلمين.

القيادة الرائدة

كما ذكرنا آنفا هناك نوع من التلازم بين القيادة، وبين المعنويات، أو هناك نوع من الترابط والعلاقة الطردية بينهما، فكلما كانت القيادة ناجحة، كلما كانت اكثر قدرة على تفعيل المعنويات، وتحويلها من حالتها الساكنة الى المنتجة، بمعنى أن حاضر ومستقبل الامة او الشعب، تعتمد على القدرات القيادية المحنكة التي يتسم بها القائد، والتي ستنعكس حتما على حكومته، كونه هو الضابط الاساسي لحركة الحكومة، وهو المنظّم والمراقب لما تتحلى به من مزايا، وما يمكنها من تحويل القول والفكر الى منتَج، يمكن أن نلمسه لمس اليد، ونراه رؤية العين المجردة والبصيرة العميقة.

لذلك هناك مزايا وشروط للقائد والقيادة، لأن شرط القيادة يتعلق بشرط القدرة على استثمار المعنويات، وهذا هو الاكثر اهمية في ادارة شؤون العمل القيادي، يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب: (يؤكد الإسلام على مسألة – القيادة- باعتبارها الرائدة في ترجمة النظام الإسلامي الى واقع الحياة، فهي المسؤولة قبل غيرها، ومراقبة من مختلف الجهات، ولأهمية القيادة في الإسلام حددت المهام بدقة ووضعت الشروط والمواصفات لكل قائد).

ولعل الميزة الاهم في في صفات القائد الناجح، تتعلق بالتوازن الذاتي الذي يتمتع به والحكمة وبعد النظر، وسماحة النفس، والانفتاح على الجميع، والتخلّص كلياً من جميع الصفات والسمات والملكات التي تطبع افكار وافعال الطغاة، مثل حب الذات، وعشق السلطة، وبناء النفوذ، والميل الى الفخامة الفارغة، والاستبداد، والظلم والتعالي على الجميع، والانفراد باتخاذ القرار، حتى لو كان مصيريا!.

ولعل الميزة الاساسية التي يجتمع عليها الطغاة عبر التاريخ، أنهم يتشابهون في صفات الاستبداد والدكتاتورية، والاستغلال، والاستعباد، كما يشير الى ذلك الوقع الفعلي لجميع الانشطة التي يقوم بها القادة المستبدون، لهذا ينبغي أن تخلو شخصية القائد الاسلامي من جميع هذه الصفات المدمرة، وسبب وصفها بالمدمرة أنها تقضي على الروح المعنوية التي يتحلى بها الشعب، فيصبح ضعيفا منعزلا قانطا وذا ارادة ميتة، فلا يملك القدرة الفعلية ولا النفسية على مجاراة الشعوب المندفعة الى امام دائما.

لذلك يقول الامام الشيرازي حول صفات الحاكم الاسلامي، أنها يجب أن تخلو مما يوحي بالتسلّط والانفراد، إذ يقول سماحته: (لا دكتاتورية .. ولا استبداد .. ولا استغلال.. ولا استعباد.. ولا ترفع، كما يفعل بعض حكام اليوم في البلاد الإسلامية، ولا كحكام الدول المستعمرة والدول التي تظلم شعبها أو شعوب العالم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/تشرين الثاني/2013 - 21/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م