العِرَاقُ... واسْتِرَاتِيْجِيَّةُ الدَّوّْرِ الفَاعِلْ

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

 

سَنَواتٌ طَويْلَةٌ، ومَطحَنَةُ الإِرهَابِ تَدورُ رُحَاهَا فِي العِرَاقِ، عَلى أَروَاحِ العِرَاقِيّينَ الأَبريَاء. أَمامَ هذهِ الوَتيرَةِ المُستَمِرَّةِ، مِنْ اسْتِهدَافِ الأَبريَاءِ، يَستَمِرُّ النَّاطِقونَ الرَّسميّونَ، باسْمِ الحكومَةِ، وباسْمِ وِزَارَةِ الدِّفاعِ، وباسْمِ وِزَارَةِ الدَّاخِلِيَّةِ، وباسْمِ قيادَةِ عمليّاتِ بَغدَادَ، إِضَافةً إِلى الكَثيرِ مِنَ البرلمانيّينَ والسِّياسيّينَ، بِتِكْرارِ تصريحاتٍ، باتَتْ مَعروفَةً لِكُثْرَةِ إِعادَتِها، عَلى مَسامعِ العِراقِيّين. هذهِ التَّصريحاتُ المُختَلِفَةُ، تَنتَهيْ دائماً، بنَتيجَةٍ واحِدَةٍ هِي: (تَدَخّلُ دُوَلِ الجوارِ في الشَأنِ العراقي، وتَجنيْدِها للإِرهابيّينَ، لِتَخريبِ العَمليّةِ السِّياسيّةِ فِي العِرَاق). إِنَّ هذا التَّوصيفُ الّذي يَشمِلُ دُولَ جِوارِ العِرَاقِ وهي: (إِيران، تركيا، سوريا، الأردن، السعودية، الكويت)، ولَمْ يُحَدِّدْ المَسْؤولُونَ، أَيّاً مِنْ هذهِ الدُّوَلِ، هِي المَعنيّةِ بالموضوعِ؛ بشَكلٍ مَدْعومٍ بأَدِلَّةٍ ثُبوتيَّةٍ، وهَذا خَطأ كبيرٌ جداً، وَقعَ بهِ المَسؤولونَ في الدَّوْلَةِ العِراقِيّة.

بِلا شَكٍّ، أَنَّ هناكَ استراتيجيَّةٌ مُوجّهةٌ، لتَحطيْمِ العمليّةِ الدِّيمُقراطيَّةِ في العراق. وَما الأَعمالُ الإِرهابيَّةُ، والفَسادُ الماليّ، وتَوابِعَهُما في مفاصلِ الدَّوْلَةِ، إِلاّ أًعمالٌ تَكتِيْكِيَّةٌ للوصولِ إِلى الهَدفِ المرَكَزيّ. إِنَّ الإِصْرارَ الصّارِمَ، مِنْ قِبَلِ المَسؤولينَ العِراقيّينَ، بعدمِ كَشفِ اسمِ الدَّوْلَةِ، أَو الدُّوَلِ المحادِدَةِ للعِرَاقِ، والّتي تَسْعَى لتَدْمِيرِ النِّظَامِ الدِّيمُقراطيّ فِي العِرَاقِ، لَمْ يُخرَقْ إِلاّ بَعدَ تَصريحِ السَيّدِ المالكيّ، كَمَا جَاءَ فِي، (مَوقِع السومريّة نيوز في 15 حزيران 2012): (وتعدّ اتهامات المالكي لقطر والسعودية، الأولى من نوعها التي يُطلقها بشكل مباشر، إذ كانت تقتصر على مقربين من المالكي، دأبوا على إطلاقها لاسيما في الفترة التي تلت انعقاد القمة العربية في بغداد في (29 اذار2012)، بعد ان شهدت هدوءً نسبيا قبيل القمّة، كما تعدُّ اول اتهامات مباشرة، من المالكي للدولتين بمحاولة اسقاط النظام العراقي، خلال الولاية الثانية له).

إِنَّ العملَ الإِرهابيّ فِي العِرَاقِ، خَرجَ مِنْ طَوّْرِ النِّزاعِ المَحَلِّي، الّذي تُسَيّطِرُ عَليّهِ أَطْرافٌ دَاخِليَّةٌ، وإِنْ كانَتْ تُحَرِّكُها (إِراداةٌ خَارجيَّةٌ). فَقَدّْ دَخَلَ العِرَاقُ بَعدَ أَحداثِ سُورِيّا، فِي مَرحَلَةَ الصِّراعِ الدُّوَليّ. فأَصبَحَتْ السَيْطَرةُ على النَّشَاطِ الإِرهابيّ، فِي هَذهِ المَرحلَةِ، تَختَلِفُ فِي تَفَاصِيْلِها، عَنْ سَابِقَتِها. فَفِي المَرحَلَةِ الأُوْلَى، كانَتْ تُرِيدُ بَعضُ الجِّهاتِ السِّياسِيَّةِ إِعادَةَ تَرتيْبِ أَوْرَاقِها، عَنْ طَرِيقِ ضَغْطِ المَجَامِيعِ الارهابيَّةِ، لِلحصولِ عَلى مَساحةٍ أَكبرَ، في دَائرةِ الحُكْمِ، وتَوّزيعِ المَناصِبِ الحُكومِيَّة.

لَكِنْ في المَرحلةِ الحَاليَّةِ، وهيَ الثَّانِيَّةُ مِن مَراحِلِ الصِّراعِ، أَصبَحَتْ أَهدافُ مِنْ يَقِفونَ وَراءَ الإِرهابِ أَوْسَع. فَهُم يَتَصدَّوْنَ الآنَ، لِلوصُولِ إِلى مَشروعٍ اسْتِراتِيْجِيّ، مُعَاكِسٍ لِلمشْرُوعِ (الوَهْمِيّ)، الّذي أَطْلَقَ عَليْهِ، مَلِكُ الأُردُن عَبدُ اللهِ الثَّانِي (الهِلالَ الشِّيْعيّ). فَمِنْ خِلالِهِ، يُريدُوْنَ صياغَةَ شَرقِ أَوْسَطٍ جَديدٍ، كمَا تَتصوَّرُهُ السُعودِيَّةُ وحُلفَاؤهَا، (دولُ الخَلِيجِ، وتُركيا، والأُردُن، وإسرائِيْل). وهذا المِحوَرُ سَأُسَمّيْهِ مِحوَرَ (السُعوديَّةِ – إِسْرائِيْل). وهَذا الشَرقُ الأَوْسَطُ، غَيرُ الشَرقِ الأَوسطِ الجَديدِ، الّذي رَسَمَتْ مَعالِمَةُ أَمريْكا، فِي نِهايَاتِ القَرنِ المُنصَرِم.

فالتَّغييرُ الجَديدُ في ميزانِ القِوَى، (فِي مَنطِقَةِ قَلْبِ الشَرقِ الأَوسَطِ)، الّذي حَصَلَ بِسَبَبِ وجُوْدِ إِيرانَ، كَقُوّةٍ نَوَوِّيَةٍ فِي المَنطِقَة. جَعَلَ مِحْوَرَ (السُعوديَّةِ – إِسْرائِيْل)، يَتَبَنّى رُؤيةً جَديدةً لشَرقِ أَوسطٍ جديدٍ ثَانٍ، خَالِيَاً مِنَ الدَّوْرِ الإِيْرَانِيّ. إِنَّ العَمَى السِّيَاسِيّ لِهَذَا المِحْوَرِ، جَعَلَهُ يَنْسَاقُ لِلمَشْرُوعِ الأَمْرِيْكِيّ الإِسْرائِيلِيّ، تَعْبِيراً عَنْ تَبَعِيَّتِهِ التَّاريْخِيَّةِ، لِهَذا المَشْرُوع. دُوْنَ التَّفكِيْرِ بِأُفُقٍ مُسْتَقْبَلِيٍّ نَاضِجٍ، مِنْ خِلالِ التَّعَاونِ مَعَ إِيْرَانَ، لِوجُودِ مُشْتَركَاتٍ آيِدْيُولُوْجِيَّةٍ واقْتِصَادِيَّةٍ وثَقَافِيَّةٍ وحَضَارِيَّةٍ وجِيُوسِيَاسِيَّةٍ، تَشْتَرِكُ بِهَا دُوَلُ المَنْطِقَةِ (عَدا إِسْرائِيْل)، مَعَ إِيْرَانَ.

بَعدَ انتِهاءِ حَربِ العِراقِ مَعَ إِيْرَانَ، وجَرَّاءَ تَجرِبَةِ إِيْرانَ المُرَّةِ، مَعَ أَكثَرِ دُوَلِ المَنْطِقَةِ، ومَعَ أَمْريْكا والغَرْبِ، لاتّخَاذِهَا مَوْقِفِ المُعَادِي لَهَا. استَطاعَتْ إِيْرَانُ، أَنْ تَضَعَ لَها رُؤْيَةً استِراتِيجِيَّةً، لِكَي تُحافِظَ بِها، عَلى وجُودِهَا إِقليمِيّاً ودُوَلِيّاً. فأَصْبَحَتْ إِيرانُ (راغِبَةً أَو مُكرَهَةً)، داخِلَ حَلَبَةِ الصّراعَاتِ الدّوَليَّةِ. وأَخَذَتْ تَسْعَى لِضَمَانِ مَصَالِحِها، كَمَا يَسْعَى الآخَرونَ لِذَلك. مُستفيدَةً مِنَ الوَضعِ الاقتِصَادِيّ المُتَرَدِي فِي أَمريْكا، ورَغبَةِ بَعضِ دُوَلِ أَوْرُبّا (بريطانيَا وفَرنْسا والمانيَا)، في تَنشِيْطِ علاقَتِها مَعَ إِيْرانَ، لِضَمَانِ مَصَالِحِها. وفعلاً، بتَارِيخِ 11 ت2 2013،تَمَّ تبادُلُ التَمثيّلِ الدُّبلوماسِيّ، بيّنَ بريْطانيَا وإِيرانَ، وإِنْ كانَ بأَدنى مُستَوياتِهِ (قائمٌ بالاعمَالِ غَيرُ مُقيْم). وهَذا هُو شَأْنُ صِرَاعِ القِوَى، فِي مَيْدَانِ السِّياسَةِ الدُّوَلِيَّةِ، فَكلٌّ يَبْحَثُ عَنْ مَصَالِحِه.

 (وعالم الصراع -نظرياً وتطبيقياً- هو عالم القوة والصراع، ولا يمكن لأي كيانات سياسية ان تنفذ اليه بدون ان تتسلح على قدر امكاناتها بمتطلبات القوة والصراع، وإلاّ فلن تستطيع أن تجد لنفسها مكاناً مرموقاً وسط هذا السباق المحموم نحو القوة، الذي انجزت فيه كثير من الدول قدراً يفرض لها الاحترام والمهابة بين الجميع)(آيديولوجية الصراع السياسي/د. عبدالرحمن خليفة).

فِي 29 ت1 2013، زارَ السيَّدُ نُوْرِيْ المَالِكيّ، الوِلايَاتَ المتّحدَةِ الأَمريكيَّة. وتَضَمَّنَ جَدوَلُ أَعمَالِهِ، إِضَافَةً إِلى لِقَاءِ الرَّئيسِ أَوْبَامَا، لِقَاءِ عَدَدٍ مِنْ كِبَارِ المَسّؤولينَ، السِّياسِيّينَ الأَمريكيّين. وكذلكَ لقاءات مَعَ شَخصيَّاتٍ أَكاديميَّةٍ، مَعنِيَّةٍ بالشأْنِ السِّياسِيّ، والعِلاقَاتِ الدُّوليَّة. ولقاءات معَ شخصيَّاتٍ تَحمِلُ اتْجاهاتٍ فَكريَّةً وثَقافِيَّةً مُؤَثِّرَةً فِي أَمريْكا، وأَلقَى مُحاضَرَةً عَنِ الإِرهابِ، فِي مَعهَدِ السَلامِ الأَمريكيّ. كَمَا أَنَّهُ طَرَحَ عِدَّةَ مَواضِيعَ، في هذهِ الزّيارَةِ، مِنها:

1. عَقْدُ مُؤتَمَرٍ دُوَليٍّ في بَغدَادَ، لمناهَضَةِ الإِرهَاب.

2. تفعيلُ دَوْرِ الاتفَاقِيَّاتِ المُبرَمَةِ بَيّنَ العِراقِ وأَمريْكا، والتَّأكيْدُ على التِزامِ الجَانِبيّنِ، باحترامِ بِنُودِ هذهِ الاتِّفاقيّات.

3. التَّأكيدُ على أَهمِيَّةِ الاستِثمَارِ في العِراقِ، مِنْ قِبَلِ الشَرَكاتِ الأَمريكيَّة.

4. تَزويْدُ العِراقِ بِقاعِدَةِ مَعلوماتٍ، عَنْ التَّجَمُعاتِ الإِرهَابيَّةِ في العِرَاقِ، والتَّنسِيقِ الاستِخبَارَاتِيّ بَيّنَ الجَانِبَيّنِ، في مَجَالِ مُكافَحَةِ الإِرهَاب.

5. تَزويْدُ العِرَاقِ بأَسلِحَةٍ مُتطوِّرَةٍ لمُقاتَلَةِ الإِرهَاب.

6. أَنْ يَقومَ العِرَاقُ بِدَوْرِ تَقريْبِ وِجهاتِ النَّظَرِ، بَيّنَ إِيْرانَ والولاياتِ المُتَّحِدة. (خُصوصَاً إِذا أَخَذْنا بالحُسّبَانِ، إِنَّ تَقارُبَ إِيْرانَ وأَمريْكا، سَيضَعُ حَدّاً لِتدَهورِ الأَوضَاعِ في أَفغانِسْتَانَ، بِحُكْمِ المَوقِعِ الجِيُوسِياسِيّ، الّذي يَربِطُ إِيرانَ وأَفغانِستانَ). ولِهذا الموَضوعِ انعِكاسَاتٌ ايْجَابيَّةٌ عَلى العِرَاق.

7. أَنْ يَقُوْمَ العِراقُ بدَوّرٍ وَسيطٍ، لإِنْهاءِ تَداعِيَاتِ الأَزمَةِ السُّوريَّةِ. مِنْ خِلالِ الحِوَارِ السِّياسِيّ، بَيّنَ أَطرافِ النِّزاع.

عَلى مَا يَبْدُو، أَنَّ سِيَاقَ الأَحدَاثِ الّتي تَمَّ ذِكْرُهَا، تُقْلِقُ مِحْوَرَ (السُعودِيَّةِ – إِسرائِيْلَ). ومِنْ أَجْلِ تَطْمِيْنِ هَذهِ الدُّوَلِ، زَارَ وَزيْرُ خَارجِيَّةِ أَمريْكا (جون كيري) السُعودِيَّةَ فِي 4 ت2 2013، والتَقَى مَلِيْكَهَا عَبدَ الله. (ووصفَ الوزيرُ الأميركي العلاقةَ بين السعودية وبلاده بـ(العميقة والاستراتيجية)... وإِنها (سوف تستمر إلى ما لا نهاية)، واعتبر السعودية شريكا لبلاده (لا يمكن الاستغناء عنه)، وقال: (من الواضح أن هذا الشريك لديه آراء تخصه، ونحن نحترم ذلك). فيما كان الأمير سعود الفيصل أشار إلى تحليلات وتعليقات وتسريبات حول العلاقات السعودية الأميركية، وإنها ذهبت إلى حد وصفه بـ(التدهور ومرورها بالمرحلة الحرجة والدراماتيكية))(جريدة الشرق الأوسط/5 ت2 2013).

صعود ايران وتَهاوِي مشاريع مِحْوَرِ (السُعودِيَّةِ – إِسْرائِيْل)

الكاتِبِ والأَكادِيْمِيّ الأَمريْكِيْ، مِنْ أَصلٍ لُبنًانِيّ، د. فؤاد عجمي/ معهد هوفرـ جامعة ستانفورد الأميركية. وهو مِنَ الأَصْوَاتِ الّتي تُسَانِدُ تَيّارَ المُحَافِظيْنَ الجُدُدِ، وسِيَاسَتِهِم الخَارِجِيَّةِ، وخَاصَّةً فِي العِرَاق. والّذي يَعكِسُ بِشَكلٍ مّا، رَأيَ النُّخبَةِ الأَمريْكيَّةِ مِنَ المُحَافِظِينَ، وقَلَقِها عَلى استِمْرَارِ عِلاقَةِ أَمريْكا بِحُلَفَائِها القُدَامَى، فصَرَّحَ قَائلاً:

(المثير للسخرية هنا، هو أن أصدقاء الولايات المتحدة، الذين تتعامل معهم في الشرق الأوسط، هم روسيا وإيران وسوريا، بينما الدول التي تشعر بالغضب، حيال ذلك، هي الدول التي ترتبط مع أمريكا، بعلاقات تحالف تاريخية، وعلى رأسها السعودية وإسرائيل.) (سي أن أن /11/11/203).

هَذا القَلَقُ دَفَعَ (جون كيري)، ليَتَحرَّكَ زَائِراً، الإِمَارَاتِ العَرَبيَّةِ المُتَّحِدَةِ، بتاريخ 11 ت2 2013، لتَطمِيْنِها. وهُو قَادِمٌ إِليّها مِنْ (جُنَيّفْ). بعدَ لِقائِهِ بالوَفدِ الإِيْرانِيّ، برئاسة وَزيرِ الخَارجِيَّةِ مُحمَّد جواد ظريف، لمُناقَشَةِ المِلَفِّ النَّوَويّ الإِيْرانِيّ. وتَزامَنَ مَعَ ذَلك تَوَصُّلُ إِيْرانَ فِي 11 ت2 2013، إِلى اتِّفَاقِ تَعاونٍ، مَعَ الوِكالَةِ الدُّوَليَّةِ للطاقَةِ الذَّريَّةِ، حَوْلَ بَرنامَجِها النَّوَويّ.

إِنَّ صُعُودَ إِيرانَ كعُنْصرِ قُوَّةٍ جَديْدَةٍ فِي المِنطَقَة، يُزَاحِمُ مَراكِزَ قِوَىً فِيها، أَمْرٌ غَيرُ مُرْضٍ لمراكِزِ القِوَى تِلك، ومِنْها الكِيَانُ الصِّهيُونيّ. فَقَدّْ وصفَ رَئيْسُ وزراءِ الكِيَان الصِّهيُونيّ (بنيامين نتنياهو)، بأَلَمٍ شَدِيْدٍ، الصّفْقَةَ الّتي عَقدَتْها إيرانُ، معَ المُجتَمِعِ الدُّوَليّ في (جُنَيّفْ)، بأَنّها أَسْوَأُ اتّفاقٍ فِي التّاريخ،(بالرغمِ مِنْ أَنَّها لَمْ تُحقِقْ، سِوَى لقاءٍ للتَفاهُمِ، والاتّفاقِ عَلى مَوعدٍ لاحقٍ في 20 ت2 الجاري)، حَيّثُ قَال:

(يتبختر الايرانيون برضىً تام في جنيف، ولم لا، وقد حصلوا على ما يرغبون بلا مقابل. لقد حصلوا على قرار برفع العقوبات عنهم، بينما لا يدفعون أي ثمن مقابل ذلك، لأنهم لم يخفضوا في نشاطهم النووي. ايران حصلت على اتفاق القرن، بينما المجتمع الدولي حصل على أسوأ اتفاق. هذه صفقة سيئة واسرائيل ترفضها جملةً وتفصيلاً. فأقول علانية، ان اسرائيل غير ملزمة بهذا الاتفاق، وستقوم بكل ما بوسعها من اجل الدفاع عن نفسها، وأمن مواطنيها.)(مقطع من فديو مترجم لتصريح نتنياهو/موقع بي بي سي/8 ت2 2013).

إِنَّ انعقادَ الدّورةِ الثّامنةِ والسِتّينَ للجمعيَّةِ العَامَّةِ للأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، بتاريخِ 24 أيلول 2013، شَكَّلَتْ انعِطافَةً تاريخيّةً، فِي مَجالِ الانفِراجِ السِّياسِيّ النِّسْبيّ، فِي عِلاقَاتِ التَّفاهُمِ بيّنَ أَمريْكا وإيْرانَ، بشَأْنِ الملَفِ النَّوَويّ الإِيرانِيّ، فأَصبحَتْ فُرَصُ إِيرانَ، للقِيَامِ بدَوّرٍ ناشطٍ في المنطقةِ، أَوفرُ حَظّاً مِنَ محور (السُعوديَّةِ – إِسْرَائِيْلَ). لِتَكُونَ إِيْرانُ عُنصُراً استِراتِيجِيّاً مُؤثِّراً، فِي مَنطِقةِ الشَّرقِ الأوّسَطِ، لَهُ أَهميَّتُةُ في إِعادَةِ تَرتيبِ الأَدوارِ الجيوسِياسيَّةِ، وهذهِ الأَدوَارُ، كانَتْ مرتبَةً كالآتي: (السُعوديَّة ومنظومَة دُوَلِ الخَليجِ، إِسرائيل، الأَردُن، تُركيا، العِراق، إِيْران).

وإذا ما أَضَفْنا إِلى تَحَسُّنِ علاقَةِ إِيْرانَ معَ أَمريْكا، تَحَسُّنِ علاقَةِ تُركيا مَعَ العِرَاقِ، فإِنَّ المعادَلةَ الاسْتِراتيجيَّةَ السَّابِقَةَ، ستَتَغيَّرُ عَناصِرُها وتكونُ أَولَويّاتُ تَرتِيْبِها، حَسَبَ فَاعلِيَّةِ، كُلِّ عُنصُرٍ مِنها فِي المَنطِقَةِ. ويُمكِنُ استنتَاجُ ذلك، مِنْ عمليَّةِ اسْتِقْراءِ المَواقِفِ المُختَلِفَةِ، للسِّياسَةِ الدَّوليّةِ، والسِّياسَةِ الإِقليميَّةِ لدُوَلِ المَنطِقَةِ. مَعَ مُلاحَظَةِ، حَركَةِ التَّحالُفاتِ بَيّنَ الدُّوَلِ، الّتي تقعُ خارجَ المَنطِقَةِ. لنَصِلَ إِلى نَتيجةٍ مُؤَدّاها، أَنَّ أَهميَّةَ الأدوارِ سَتكونُ عَلى الشَكلِ التَّالي مِنَ الأَسبَقيَّة: (إِيران، العراق، تركيا، السعودية ومنظومة دول الخليج والأَردُن، وإِسرائيل). مَع مُلاحظَةِ استِبعَادِ طَرَفَيّنِ، مِنْ عَناصِرِ المَنطِقَةِ، هُما سُوريّا ومصر، بِسَبَبِ عَدَمِ حَسمِ وَضعِهما الدَّاخِلي والخَارِجي، بشَكلٍ تَامّ.

ومِنَ إِحدَى المفاجئات السِّياسِيَّةِ، فِي تَرتيبِ أَورَاقِ دُوَلِ المَنطِقَةِ، تَحَسُّنُ العِلاقَاتِ العِراقيَّةِ التُركيَّةِ. والّتي سَيَتبَعُها تَطوّرُ العِلاقاتِ السُوريَّةِ التركيَّةِ، سَلباً أو إِيجاباً (عندَ حَسمِ الوَضعِ السوريّ بأَي اتّجاهٍ سَيكون). فَمِنْ خِلالِ مُبادَرَةِ تُركيا، بتَكليْفِ وَزيرِ خَارجيَتِها لزيارةِ العِراقِ، فِي يومِ الأَحدِ 10 ت2 2013، زيارةً رسميَّةً، حَامِلاً معَهُ، دَعوَةً للسيّد المالكيّ لزيارَةِ تُركيا. وفِي أَعقابِ لقَاءِ السَيّدِ أُوغلو، مَعَ السيّد المالكيّ، أصدَرَ مَكتَبُ السيّدِ المالكيّ بَيَانَاً، استَعرَضَ فيهِ مَحاوِرَ لِقاءِ الجَانِبَيّنِ، فأَعربَ السيّدُ المالكيّ، عَن التالي:

1. إِنَّ العِرَاقَ يُريدُ بناءَ عِلاقَاتٍ طيّبَةٍ، مَعَ كُلِّ دُوَلِ العَالَمِ لا سِيَّما دُوَلِ الجِوَار. مَبنيَّةٌ عَلى المَصالِحِ المُشتَركةِ، والاحتِرامِ المتَبادَلِ، وعَدَمِ تَدخُلِ كُلِّ طَرَفٍ، فِي الشُّؤونِ الدَّاخليّةِ للطّرفِ الآخَر.

2. التّعاوِنُ والتَّشاوِرُ، وإِقامَةُ علاقَاتٍ ثُنائِيَّةٍ مَتينَةٍ، بَيّنَ العِرَاقِ وتُركيا، لِتَكُونَ قَاعِدَةً صَلْبةً للتّعاونِ عَلى صَعيدِ المَنطِقَة.

3. أَنْ تَكُونَ العِلاقَاتُ بَيّنَ دَولتيّنِ مُتكافِئَتيّنِ، قَائِمَةً على أُسُسٍ متينَةٍ ودائِمَةٍ، بحيّثُ تَبقى مُستمِرَّةً مَعَ تَبدُّلِ الأَشخاصِ والحُكومَات.

ومِنْ جَانِبهِ، أَكَّدَ وَزيرُ الخَارجيّةِ التُركيّ، عَلى ما يلي:-

1. ضَرورةُ التَّعَاونِ والتَّنسِيْقِ، بَيّنَ البَلدَينِ عَلى كُلِّ المُستوَياتِ، خُصوصَاً فِيما يَتعَلَّقُ بالتَّطوّراتِ الجَّاريَةِ فِي المَنطِقَة.

2. تَفّعيلُ عَمَلِ الِّلجَانِ المُشْتَرَكةِ، بَيّنَ البَلدَيّنِ تَمهِيداً، لِزيَارَةِ السَيّدِ المَالكيّ، المرتَقَبَةِ إِلى تُركيا.

3. نَدَّدَ بالأَعمالِ الإِرهابيَّةِ الّتي، يتَعرَّضُ لها العِرَاق. وأعربَ بِأَنَّ تُركيا عَلى استعدادٍ للتَّعَاونِ والتَّنْسِيقِ مَعَ العِرَاق، حَتّى عَلى الصَّعِيدِ الاسْتِخبَاريّ. وإِنَّ العِرَاقَ وتُركيا، يَقِفَانِ ضِدَّ اثارَةِ النَّعَراتِ الطّائِفِيّةِ فِي المَنطِقَة. ودَعى إِلى تَعاونٍ إِقليمِيّ أَوّسعَ فِي هَذا المَجَال.

4. كَمَا أَكَّدَ عَلى ضَرورةِ مُضَاعَفَةِ التَّشَاورِ الثُّنَائِيّ، فِيْمَا يَخُصُّ تَطَوّراتُ المَنطِقَةِ، لا سِيَمَا فِي الشَأْنِ السُّوْرِيّ. ( باختِصَارٍ مِنْ جريدةِ القُدسِ العَربِي/10 ت2 2013).

وقَدّْ عَزَّزَ السَيّدُ وَزِيْرُ خَارِجيَّةِ تُركيا، رُؤيَةَ تُركيا الجَدِيْدَةِ، فِي التَّعامُلِ مَعَ الوَاقِعِ العِرَاقِيّ. فَقَامَ يَومَ 11/11/ 2013، بزيارَةٍ لمدِيْنَةِ النَّجَفِ الأَشرفِ، وأَجرَى لِقاءً مَعَ المَرجِعِ السَيّدِ السِيْستَانِيّ. وقامَ بزيارَةٍ للضَريْحِ العَلَويَ الشَريْف. ثُمّ زارَ مَدِيْنَةَ كَربَلاءَ المُقَدَّسَةِ، حيّثُ زارَ المرقدَيّنِ الشَريفيّنِ الحُسيّنيّ والعَبّاسِيّ(ع). وأَردَفَ ذلك، بزيارَةِ مَرقَدَيّ الإِماميّنِ الجَوادَينِ(ع)، وكذلكَ زارَ مَرقَدَ الإِمَامِ أَبي حَنيفَةِ(رض). إِنَّ السيّدَ وَزيرَ خارجيَّةِ تُركيا، بَعَثَ مِنْ خِلالِ جَولتِهِ فِي المَناطِقِ المُقدَّسةِ، رِسالَةً قَويَّةً إِلى السُعوديّةِ والقِوَى التَّكفيريَّةِ، بِأَنَّ تُركيا (الّتي أَغلَبُ سُكانِها، مِنَ المُسلمينَ السُنَّةِ، ومِنْ أَتْبَاعِ المَذهبِ الحَنَفِيّ)، لا تُوجَدُ لَدَيها، أَيَّةُ تَحَفُظاتٍ، فِي التَّعاوِنِ المُشتَركِ مَعَ العِرَاقِ ذِي الغَالِبيَّةِ الشِّيعيَّةِ.

لَقَدّْ بَيَّنْتُ بِاختِصَارٍ، مَواقِفَ مِحْوَرِ (السُعودِيَّةِ – إِسْرائِيْل)، مِنَ التَّغَيُرَاتِ المُحْتَمَلِ، حُصُولِها فِي المَنطِقَةِ، والّتي لَها انعِكاسَاتٌ ايْجَابِيَّةٌ عَلى إِيْرَانَ. وخِشْيَةُ هذا المِحْوَرِ، مِنْ تَضَرُرِ مَصَالِحِهِ الاسْتِراتِيْجِيَّةِ، فِي المُستَقبَلِ المَنْظُوْرِ، جَرّاءَ انْتِزَاعِ إِيْرَانَ ومِنْ ثُمَّ العِرَاقِ، عَناصِرِ القُوَّةِ الجِيُوسِيَاسِيَّةِ، مِنْ دُوَلِ مِحْوَرِ (السُعودِيَّةِ – إِسْرائِيْل)، وبِالنَّتِيْجَةِ تَهاوِي جَمِيْعِ المِشِارِيْعِ، الّتِي خَطَّطَ لَها وعَوَّلَ عَلى تَنفِيْذِهَا، هَذا المِحْوَرُ القَلِقُ سِيَاسِيَّاً، والمُرتَبِطُ جَذْرِيَّاً بالتَّطَلُعَاتِ الأَمْرِيْكِيَّةِ فِي المَنْطِقَة.

التَّخطِيْطِ والعَمِلِ الاسْتِراتِيْجِي المُنَظَّمِ لِصَالِحِ تَدعِيْمِ الأَمْنِ الوَطَنِيّ

سَأُبَيّنُ بِاخْتِصَارٍ، مَا يَنْبَغِي عَلى العِرَاقِ فِعلُهُ، لِيَكُونَ صَاحِبَ دَوّرٍ جِيُوسِيَاسَيٍّ مُؤَثِّرٍ، يَفْرِضُ بِمُوجِبِهِ عَلى القِوَى دَاخِلَ وخَارِجَ المَنْطِقَةِ مَوَاقِفَهُ، وُفْقَ مُقْتَضَيَاتِ مَصَالِحِةِ الوَطَنِيَّةِ وسِيَادَتِهِ الدُّوَلِيَّة.

لَقَدّْ وَضَّحَ (زبغنيوبريجنسكي)، فِي كِتَابِهِ (لاعِبُونَ اسْتِراتِيْجِيّونْ)، دَوّرَ تُركِيَا وإِيْرانَ المؤَثِّرِ اسْتِراتِيْجِيَّاً، عَلى وَضْعِ المَنْطِقَةِ بِقَوْلِهِ: (ومهما يكن الأمر، فإنَّ كلا الدولتين (تركيا وإيران)، هما دولتان محوريتان جيواستراتيجيتان مهمّتان بصورة رئيسية. فتركيا تؤَمِّنُ الاستقرار في منطقة البحر الاسود، وتسيطر على مداخله من اتجاه البحر الابيض المتوسط. وتَوازن روسيا في القوقاز. وهي مستمرة لحد الآن في تقديم الترياق للأصولية الاسلامية، وتخدم بوصفها مرسىً جنوبياً لحلف الأطلسي. وتركيا غير المستقرة، من المحتمل أن تثير المزيد من العنف، في دول البلقان الجنوبية. كما تسهل اعادة فرض السيطرة الروسية، على الدول المستقلة حديثاً في القوقاز. وكذلك ايران، فبالرغم من غموض موقفها إزاء (أذربيجان)، فهي تؤمن على نحومماثل، الدعم المسبب لاستقرار النسيج السياسي، المتنوع الجديد لآسيا الوسطى. وهي تسيطر على الساحل الشرقي للخليج العربي..... وبالرغم من العداء الايراني الراهن للولايات المتحدة، فهي تقف كحاجز لأي تهديد روسي، على المدى البعيد للمصالح الأمريكية في منطقة الخليج العربي. (تَقِفُ كَحَاجِزٍ لأَيِّ تَهديْدٍ رُوسِيّ: لأَنَّ إِيْرَانَ لا يُمكِنُ بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الأَحوَالِ، أَنْ تَندَمِجَ كليّاً مَعَ رُوسْيَا، بِحُكْمِ وَضْعِهَا الآيِدْيُولُوجِيّ، الرَّافِضُ لِلتَّبَعِيَّةِ لِلغَيّرِ. هَذهِ الاسْتِقْلالِيَّةُ الاسْتِراتِيْجِيَّةُ، تَجَعُلها تُشَكِلُ الحَاجِزَ الّذي قَصَدَهُ (بريجنسكي).(تَوْضِيْحٌ مِنَ الكاتِب)). (موقع مركز/أس.بي.آر/ للاعلام والدراسات الاستراتيجية).

إِنَّ وَصْفَ (بريجنسكي)، لِلمَوْقِعِ الاسْتِراتِيْجِيّ، والمواقِفِ السِيّاسِيَّةِ، لِكُلٍ مِنْ تُركيَا وإِيْرَانَ، (مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِ الاسْتِراتِيْجِيَّةِ الأَمْريْكِيَّةِ)، نَسْتَدِّلُ مِنْهَا عَلى أَهَمِّيَةِ دَوّْرِ العِرَاقِ، فِي مُعَادَلَةِ تَوَازُنِ القِوَى إِقْلِيْمِيّاً. وتَزْدَادُ أَهَمِيَّةُ العِرَاقِ، إِذا مَا عَرِفْنَا أَنَّ رُوْسْيَا، تُحَاوِلُ جَذْبَ العِرَاقِ لِجَانِبِها، لِيَكُونَ أَقرَبَ مَا يُمْكِنُ، إِلى فَلَكِهَا الاسْتِرَاتِيْجِيّ، مِنْهُ إِلى الفَلَكِ الاسْتِرَاتِيْجِيّ الأَمْرِيْكِيّ. حَتّى يَصبَحَ العِرَاقُ عُنْصُراً ضَاغِطاً عَلى تُركِيَا، لِلحَدِّ مِنْ تَدَخُلِهَا فِي دُوَلِ البُلقَانِ، إِذا مَا طَلَبَتْ مِنْها أَمْريْكا ذَلِك. والاسْتِفَادَةُ مِنَ العِرَاقِ كَعُنْصُرٍ وَسِيْطٍ، لِتَقْوِيَةِ عِلاقَةِ رُوسْيَا مَعَ إِيْرَان. إِضَافَةً لِمَا تَقَدَمَّ، فَإِنَّ رُوسْيَا تُريْدُ مِنَ العِرَاقِ أَنْ يَكونَ، مِحوَراً جِيُوبُولُوتِيْكِيَّاً، تَضْغَطُ بِهِ عَلى أَمْرِيْكا بِصُورَةٍ غَيْرِ مُبَاشِرَة.

يَبدُوأَنَّ التَّاريْخَ، يُحَتِّمُ أَنْ تَكُوْنَ الأَدوَارُ، دَائِمَةَ التَّغَيُرِ عَمّا كانَ مُخَطَطٌ لَها. وسَيَصبَحُ تَسَلْسُلُ أَهمِّيَةَ دُوَلِ المَنطِقَةِ، بِوجُودِ العِرَاقِ كَمِحوَرٍجِيُوسِيَاسِيٍّ، كالتّالي: (إِيران، العراق، تركيا، السُعوية ومنظومة دُوَلِ الخليجِ الأُخرى، الأَردُن، وإِسْرَائِيْل). وهذا التّغييرُ إِنْ تَحقَّقَ، يَجِبُ إِعادَةُ النَّظَرِ، فِي الطَّرحِ الّذي قَدَّمَهُ السَيّدُ (أُوْغْلُوْ)، فِي كِتَابِه (العُمْقُ الاستراتِيجي/د. أحمد داوود أُوْغْلُوْ/ص375):-

(وفي الوقت الذي تحلّلَ فيه نظام الحرب الباردة القديم في شرق اوربا، بدأ العمل (المقصود عمل أمريكا) على ارساء السياسة الشرعية، للنظام العالمي الجديد في الشرق الاوسط. كما ان التوجه الذي كان من الممكن ان تنتجه، مفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الانسان في الشرق الاوسط، وهي مفاهيم يقوم عليها النظام الجديد، توجهت نحوخيار تكامل النظام القائم في المنطقة، مع النظام العالمي الجديد دون احداث تغيرات كبيرة.).

وفِي هَذا الطَّرحِ دِلالَةٌ مُؤَكَدَةٌ، تَقودُنَا للاسْتِنْتَاجِ، بِأَنَّ أَمْريْكا رَاغِبَةٌ، بِإِبْقَاءِ الأَنْظِمَةِ الدِّكتَاتُورِيَّةِ كَمَا هِيَ عَليْه. لكِنَّ الواقِعَ تَغَيّرَ، فَهلّ أَمْريْكا باقِيَةٌ عَلى مَا كانَتْ مُخَطِطَةً لَه؟.

اضَافَةً لذلك، هُناكَ أَوْساطٌ دَاخلَ أَمريكا، تُعارضُ السِّياسَةَ الخارجيّةَ الأَمريكِيَّةَ. وكذلكَ وجودُ أَوسَاطٍ مَعنِيَّةٍ، بالشّؤونِ الثَّقافيَّةَ والفِكريَّةِ، أَخذَتْ تُوَجِّهُ الانتقاداتِ الشَّديدَةَ، للمُؤسَّساتِ السِّياسِيّةِ الأَمريكيَّة. وتُعيْبُ عَلى أُولئكَ السّاسَةِ، بأَنَّهُم يَدْعونَ، لاحترامِ مَبَادِئ الحُريّاتِ وحُقُوقِ الإِنسَانِ، وحَقِّ الشُّعوبِ فِي تَقريرِ مَصيرِهَا، والتَّدَاولِ السِّلميّ للسُلطَةِ. وفِي الوَقْتِ نَفسِهِ، تُقيْمُ أَوسَعَ وأَوّثَقَ العِلاقَاتِ، مَعَ دُوَلٍ لا تَحتَرِمُ أَسَاسَاً تِلكَ المبادئِ والحُقوقِ، وعَلى رَأسِها السُعوديّةِ ومِنْ ثُمَّ دُوَلِ الخَليجِ الأُخرى، وبَقِيَّةِ الأَنظِمَةِ الدِّكتَاتورِيَّةِ العَرَبِيَّة.

هُناكَ أَمْرٌ لا بُدَّ مِنَ الإِلتفاتِ إِليْه، أَنَّ أَمريْكا غَيّرَتْ سِياسَتَها بَعيدَةَ المَدى، إِلى سِيَاسَاتٍ، مَرحليَّةٍ قَصيرَةِ المَدى فِي المَنطِقَةِ، فأَبتَدأَتْ مَعَ مِصر. وبَعدَ أَنْ كانَتْ تُجَارِي السُعوديَّةَ وتُركيا وقَطَرَ، فِي دَعمِ الاخْوَانِ المُسلِميْنَ فِي مِصْرَ، للوصُولِ إِلى سَدَّةِ الحُكمِ، انقَلَبَتْ (أمريْكا) عَلى سِياسَةِ دَعمِ الاخْوَانِ، لتَيَقُنِها مِنْ أَنَّ المَنْهجَ الاخْوَانيّ، سَيكونُ طَرَفاً فِي ازدِيَادِ التَّوَجُهِ الرادِيكالِيّ الإِسلامِيّ. وسَيَنتُجُ عَنْ ذَلكَ، نُشوءُ ثَلاثَةَ أَمورٍ هي:-

الأَمْرُ الأَوَّلُ:

تَعاظُمُ دَوّرِ تُركيا فِي المَنطِقَةِ، وهَذا مَا لا تَرغَبُ به أَمريْكا، لأَنَّ تُركيا تَلعبُ عَلى ثَلاثَةِ مَحَاور. فَهِيَ مِنْ جِهَةٍ مُوالِيَةٍ لأَمريكا، لأَنَّها عُضْو فِي الحِلْفِ الأَطلَسيّ. ومِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ، فَهِيَ تَغِذُّ السَيّرَ سَاعِيَةً، للدخُولِ فِي مِحوَرِ الاتّحادِ الأَورُبِيّ. ومِنْ جِهَةٍ ثَالِثَةٍ أَنَّهَا جَادَّةٌ لاختِرَاقِ المَنطِقَةِ العَربِيَّةِ، باستِغلالِ الامتِدادِ الاخوَانيّ، الّذي يَربِطُ حِزبَ العَدَالَةِ والتَنْمِيَةِ الحَاكِمِ فِي تُركِيا، مَعَ حِزبَ الاخْوَانِ المُسلِميْنَ فِي مِصر.

الأَمُرُ الثّانِي:

تَشكِيلُ مِحوَرٍ، يَربِطُ كُلاً مِنَ السُعوديّةِ وتُركيا ومِصرَ، بَعضِها معَ بَعض. وبالتّالي، فَإِنَّ هَذا المِحورَ، سيَجعَلُ مِنْ مِحوَرِ رُوسيَا وحليفَاتِها (الصين، كوريا الشمالية، إِيران، سوريا)، طرفاً أَكثرَ تَماسُكاً وانسجاماً، فِي تَحدّي أَمريْكا ومُواجَهةِ مَشاريْعِها فِي المَنطِقَة. (فالدول التي تمتلك القدرة على تحديد الاستراتيجيات العالمية في العلاقات الدولية، تحدد أولاً أوجه المصلحة والمنفعة، التي ستعزز بها عناصر قوتها؛ كما تحدد بؤر التوتر والصدام الكامنة التي يمكنها ان تؤثر في هذه المصالح. ويفسح هذا التحديد الاستراتيجي لها المجال، لطرح خياراتها في التوافقات ذات المدى القصير والمتوسط والطويل، كما يوضح لها خياراتها الصدامية في المراحل المختلفة.)(المصدر السابق).

الأَمْرُ الثَالِثُ:

إِنَّ أَمريْكا لا تُريدُ أَنْ تَرى، مَزيداً مِنَ الفَشَلِ فِي سِياسَتِها الخَارجِيَّةِ، الّتي وَرِثَها (أُوْبَامَا)، مِنْ صُقُورِ البَيّتِ الأَبيَضِ، إِبّانَ رئاسَةِ (جورج بوش)الإِبْن.

بِناءً عَلى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ العِرَاقَ، يمتَلكُ مَفاتِيْحاً مُهِمَّةً، تَجعلُ مِنهُ عُنصُراً نَشِطاً فِي إِدارَةِ الصِّراعِ فِي المَنطِقَة. واجْمَالاً يُمْكِنُ ذِكْرُ بَعضَ هذِهِ المَفَاتِيْحَ وهي:

(1). تَوفُرُ الاسْتِثماراتِ الكَبيرةِ والكَثيرةِ، فِي العِرَاقِ وبِمُختَلفِ المَجالات. (2). ضَمَانُ استمرارِ، إِنتَاجِ النَّفطِ العِراقِي، والّذي سَيُسْهِمُ فِي خَفْضِ سِعرِ النَّفطِ عالمياً. (3). العِراقُ يُعتبَرُ الآنَ بَلداً مُستورداً بامتِيازٍ، لأنَّهُ لا يَمتلِكُ صِنَاعَةً مَحلِيَّةً تَسِدُّ احتياجَاتَهُ المختَلفَة. (4). العِرَاقُ بَلَدُ جوارٍ لإِيرانَ، وشريكٍ اسْتِراتِيجيّ مَعَ أَمريْكا. وذلكَ يُسهِمُ فِي تَطويرِ العلاقَاتِ، بَيّنَ (إِيْرانَ وأَمْريْكا)، وبَيّنَ أَطرافٍ أُخرى أَيضاً. (5). تَوظيفُ العامِلِ الجُغرافِيَ (الجِيُوبُولُوتِيْكي)، كعُنصرٍ مُؤثّرٍ، بالجَانِبِ السِّياسيّ فِي المَنطِقَة. (6). الاستفَادَةُ مِنْ وَرقَةِ حِزْبِ العُمّالِ الكُردُستانِيّ، للضَّغطِ بورَقَتِهِ على تُركيا لِتحقِيقِ مَصالِحِ العِرَاق.

لَكِنْ كُلَّ عَناصِرِ القُوَّةِ الّتي ذُكِرَتْ أَعلاه، لا يُمكِنُ الاستِفادَةُ مِنْها، مَا لَمْ تّتَوفَّرُ عِندَ مُؤَسّساتِ الحُكمِ فِي العِرَاقِ، ثَلاثَةُ عناصِرَ مركزيَّةً مُترابطَةً، لا ينفَكُّ بعضُها عَنْ البَعضِ الآخرِ مُطلَقاً، هي:-

العُنصُرُ الأَوَّلُ:

 وجُودُ نَشاطٍ دُبلوماسِيٍّ فَاعِلٍ، يَفهَمُ امكانَاتِ الدَّاخِلِ، ومُتَطَلبَاتِ الخَارِج. وأَنْ يَمتَازَ بِميْزَةِ رَدِّ الفِعلِ السَّريْعِ، إِزاءَ كُلِّ جَديْدٍ يَطرَأُ، ولَهُ تَأْثِيرٌ عَلى الوَضْعِ العِرَاقِيّ، سَواءً كانَ ذَلِكَ فِي المُحِيْطِ الإِقْلِيْمِيّ أَوالعَالَمِيّ.

العُنصُرُ الثَّانِي:

وجُودُ رُؤيَةٍ استِراتِيجيَّةٍ دَقيقَةٍ، تَعتمِدُ عَلى التَّخطِيطِ العِلمِيّ، وتَوظيْفِ المَوارِدِ المُختَلِفَةِ، للوصُولِ إِلى الأَهدافِ المَنشودَةِ، مَعَ تَحدِيدِ مَراحِلِ تَحقِيقِ كُلِّ هَدَفٍ.

العُنصُرُ الثَّالِثُ:

وجُودُ بيئَةٍ استِراتيجِيَّةٍ داخليَّةٍ مُتكامِلَةٍ، تَشمِلُ جَميْعَ الجَوانِبِ الّتي، تُنَمّي قُوَّةَ البَلَدِ دَاخليّاً، (تكافلٌ اجتماعي. وَعيٌ جماهيري. تعاونٌ بينَ الدَّولَةِ والمُجتمَع. نَشَاطُ الجِهَازِ الإِداريّ فِي الدَّوْلَة. وجودُ نِظامٍ قَضائيٍّ يُطبِّقُ القَوَانيْنَ بِصَرامَةٍ. وجودُ خَدماتٍ مَلموسَةٍ، تُقَدِّمُها الدَّوْلَةُ للمُجتَمَع. أَنْ تُحقِقَ الدَّولَةُ الرَّفاهيَّةَ لعُمُومِ المُجتمَعِ، وِفْقَ بَرامِجٍ مُستَقْبَلِيَّةٍ، وإِنْ كَانَ ذَلِكَ سَيَتِمُّ عَلى مَراحِل. القَضاءُ عَلى البَطالَةِ والأُمِّيَة.... الخ).

إِنَّ الاسْتِخدامَ الصَّحِيحَ والمؤَثِرَ، لِتلكَ المَفَاتِيْحِ، سَيَرسِمُ مَلامِحَ جَديدَةً لاسْتِراتِيْجِيَّةٍ مُتكامِلَةٍ تَشْمِلُ الأَمْنَ، والاقتِصَادَ، وبَقِيَّةَ العَناصِرِ المُرتَبطَةِ، بتَطّويرِ البُنْيَةِ الاجتِماعِيَّةِ، والعُمرانِيَّةِ والثَّقَافِيَّةِ، والعِلمِيَّةِ والمَعلومَاتِيَّة. كمَا أَنَّ تَرصِينَ بُنيَةُ الأَمْنِ الوَطنِيّ العِراقِيّ، ليسَتْ بالمُهِمَّةِ المُسْتَحِيلَةِ، إِذا مَا أَحسَنَ السَّاسَةُ العِراقِيُّونَ، اسْتِخْدَامَ المَفاتِيحِ المُؤَثِّرَةِ، فِي إِدَارَةِ الصِّراعِ السِّياسِيّ فِي المَنطِقَة. ليَنتَقِلَ العِرَاقُ، مِنْ مَرحَلَةِ البَلَدِ المُتَأَثِّرِ بالاسْتِراتِيْجِيّاتِ الخَارِجِيَّةِ، إِلى دَوْرِ البَلَدِ المُتَمَكِّنِ، فِي التَّأْثِيرِ عَلى الخَارِجِ، باستِخدَامِ اسْتِراتِيجِيَّةِ الدَّوْرِ الفَاعِل.

* كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

Mjsunbah1@gmail.com

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mohamedjoaad.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/تشرين الثاني/2013 - 20/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م