شبكة النبأ: لماذا يُصبح الفرد
مأزوما؟ ولماذا يكون المجتمع برمته متشنجا، متعصبا، رافضا للانسجام
والتناغم، ثم كيف يمكن أن تكون منطقة واسعة كالشرق الاوسط مثلا، وهي
تضم دولا ومجتمعات عديدة، كيف يمكن أن تكون (كما هي الآن) شعلة من نار
لا تنطفئ؟، لا شك أن الازمات التي تضج فيها، هي التي تجعلها أكثر مناطق
العالم سخونة، من حيث الازمات، والصراعات، والتناحر بصورة شبه دائمة؟!.
إن الأزمات كما يتضح للمراقب او المعني، صناعة يجيدها بجدارة من
يرفض التنوع، حتى اذا تعلق الامر بالفرد، فالانسان الذي لا يجد القدرة
على التعامل مع التنوع في الافكار، والمعتقدات وشتى الانتماءات، سيكون
قادرا بالمقابل على صناعة أزمة مع الآخرين، تعكس تشبثه بأحاديته وحبه
لتضخيم الذات على حساب الآخرين، وحرصه على خصوصيته دون الاهتمام
بخصوصية الاخر، بطرق غير مشروعة وغير محبذة، كونها لا تستند الى العقل
او الحكمة، او الفطرة الانسانية التي تدعو الى التناغم والانسجام، بين
البشر استنادا الى انتمائهم الانساني.
السؤال الذي نقرأه بوضوح هنا، هل المجتمعات العربية الاسلامية الشرق
أوسطية، مجتمعات رافضة للتنوع؟، إن الاجابة الصحيح والدقيقة سوق تضع
النقاط على الحروف حتما، واننا عندما نعترف برفض التنوع، فهذا ليس
تجاوزا ولا تهمة ننسبها نحن لانفسنا، او ينسبها لنا الآخرون، إنها واقع
نعيشه فعلا، فسلسلة الازمات التي تعيشها مجتمعاتنا، تؤكد أننا نرفض
التنوع على مستوى الجماعات والمجتمعات وحتى الافراد.
أما لماذا هذا الرفض للتنوع ؟ وما هي أسبابه ونتائجه؟ فإن الامر
يحتاج الى وقفة متفحصة ودقيقة، بداية نلاحظ أن هناك نوعا من الأنا
العالية لدينا، ونعني بمفردة لدينا، جميع المجتمعات المتجاورة في الشرق
الاوسط، لاسيما العربية والاسلامية، إنها كما يشير الواقع وتؤكد
الاحداث الساخنة، مجتمعات مأزومة، تجيد صناعة الازمة مع نفسها! ومع
الاخرين ايضا، وينسحب هذا على الافراد، فربما يختلق أحدهم الاسباب كي
يصنع التناقض مع الاخر، ولا يلتقي معه، وغالبا ما يكون الانتماء
الفكري، الديني، العقائدي، هو المسبب الاول لرفض التنوع، ومن ثم صناعة
الازمة وادامة استفحالها، لتتحول الى صراع، وربما الى حرب مباشرة او
بالنيابة، كما يحدث الآن في دول عديدة من منطقة الشرق الاوسط، لذلك
هناك أزمة دائمة في مجتمعاتنا، وهناك دائما من يصب الزيت على النار،
حتى يبقى جمر الازمات متوقدا على الدوام!.
لا يتعلق الامر بالمجتمعات فقط، بل داخل المجتمعات نفسها، نجد صورة
اخرى لصناعة الازمة، هناك الصراعات بين الاحزاب السياسية، وبين
المسارات والايدلوجيات، بين العلماني الليبرالي الديني الاسلامي وهكذا،
وهناك أفراد بارعون في صناعة الازمة ايضا على مستوى الافراد، إن هؤلاء
جميعا، (الافراد والمجتمعات)، مصابون بعقدة (رفض التنوع)، بل الخوف
والرعب من هذا التوجه الذي يمكن أن يطفئ نار الازمات، ويشيع الاستقرار
والتصالح بين الجميع، بل يجعل الانسجام والتناغم سمة من سمات المجتمعات
في علاقاتها مع بضعها، ويشمل ذلك الافراد ايضا، ولكن لابد أن يكون هناك
استعداد جدي و واضح لنشر ثقافة التنوع.
علما أن التنوع لا يعني فرض الرأي أو الفكر، أو المعتقد الآخر على
طرف ما، لأن التخوّف قد ينبع من هذا الوهم او التصوّر، فالتنوع هو
(الاختلاف المتفق عليه) بين الافراد والجماعات ايضا، وهو (الخلاف
المشرعن)، أي خلاف الحدود المعروفة، فكل مجتمع له ما يؤمن به من افكار
ومعتقدات، بل هناك مكونات داخل المجتمع الواحد، تختلف في الفكر
والمعتقد، وينسحب هذا على الافراد، لذلك كلما قبلنا بالتنوع مع احترام
الحدود، والخصوصيات وعدم فرضها على الاخر، كلما كنا أكثر قدرة على
إطفاء الازمات بدلا من إشعالها او صناعتها.
بهذه الطريقة، يمكن أن نشكل مجتمعات متناغمة، وأفرادا متصالحين مع
بعضهم وأنفسهم، ويمكن أن نصنع منطقة خالية من الازمات، بمعنى أوضح ثمة
معادلة ينبغي اعتمادها، هيى قبول التنوع مقابل إطفاء الازمات! |