غرقنا في 47.4 ملم من الماء!

زاهر الزبيدي

 

 حتى يومنا هذا، لم يخض العراقيون، والحمد لله، في تجارب الأعاصير والأمطار الموسمية ولا في البراكين ولا في الطوفان أو السيول الجارفة، وقانا الله من شرها، إلا أنه غرق في 47.4 ملم من مياه الأمطار !، في تجربة مؤلمة عاشها شعبنا على مدى عامين بمعاناة كبيرة مع كافة إنعكاساتها النفسية والاقتصادية والصحية عليهم وخسائرها الأخرى غير المنظورة، والسؤال هو: ماذا يحدث لو أصابنا ما أصاب الفلبين مثلاً؟ لكنا اليوم مشردين في الصحار والقفار نبحث عن موئل لأبنائنا وأعراضنا.

ومن عقم الإجراءات الخدمية وحلولها الترقيعية في هذا المجال؛ نكتشف أن هذا النصف متر من الماء قد فضحنا وفضح فسادنا الكبير الذي يتحدث الكثيرون عنه في مجال تقديم الخدمات فإذا صح ما يقال عن الفساد أو التلكؤ في تنفيذ المشاريع الكبرى في مجال تصريف المياه ؛ فنحن أمام مأزق كبيرة يتحتم علينا معه أن نعيد النظر بكل إجراءاتنا في هذا المجال.

ما قدمته الدوائر البلدية والجيش بالخصوص كان نموذجاً رائعاً مشرفاً اعترف به المواطنون إلا أنه لا يرقى ليكون حلاً نهائياً لمشاكلها فربما يتحدث البعض عن أن المياه كانت أكثر من القابليات الإستيعابية لشبكات التصريف، فكيف تم تحديد تلك القابليات عند إنجاز المشاريع أو ألم يكن إضافة نسب أعلى للتوقعات التخمينية لما قد يمر به العراق من ظروف عصيبة كالتي تحدث الآن؟ المفترض أن لا يتم تنفيذ المشاريع، على أنواعها، دون إضافة عامل أمان في حال إرتفاع المناسيب للضعف حتى لأننا دون ذلك سوف نخسر الكثير في المستقبل إذا ما تحققت التوقعات التخمينية لعامل الأمان هذا.

الحكومة اليوم تبذل مبالغ كبيرة تخصص لتجاوز محنة الفيضانات ومثل تلك المبالغ تصرف للجهد الهندسي المستخدم في العمل وأخرى للتعويضات الكبيرة التي تقدم للمواطنين ومجموع كل تلك المبالغ مع مبالغ المشاريع الآنية تمثلاً مبالغ المشاريع العملاقة التي نأمل بها.

بالطبع انشطرت بيوت كثيرة وتنوعت الأراض المستخدمة وتشابكت الأحياء فيما بينها والحرص كل الحرص كان يجب أن يكون في تحديد الإحتياجات الفعلية من الخدمات للضعف، فلو كانت المياه قد فارت على العراق بنسب كبيرة فما بال النفايات تغمر المدينة وتكاد لا تمر بحي إلا وشاهدت أكوام من النفايات لا تستوعبها الحاويات.

فالخدمات تعاني من القصور وما أجمل أن يعترف البعض بهذا القصور ويعملون على إجتنابه بالتخطيط الجيد والرؤية الصحيحة فما عاد في العمر وقت يحتمل الإنتظار سنين كي نهنأ بخدمات واضحة المعالم تظهر التغيير الكبير على وجه العاصمة وبقية محافظات الوطن.

لقد زُهقت أرواح ما كان علينا أن نساهم في إزهاقها، وخرُبت بيوت كنا الأجدر ببنائها ورفعها ولكنه الحال الذي عليه نحن اليوم، بحاجة الى جهد كبير يفوق إعمال المجالس البلدية بل يتعداها الى مجلس أعلى للإعمار على غرار ماحدث في عقود من الزمن يخطط لبناء خزانات كبيرة على محيط بغداد ومشروع عملاق لتصريف المياه لتلك الخزانات.. وإلا فسيأتي اليوم الذي سنغرق فيه بـ "شبر" من الماء.. وقانا الله شر هذا اليوم.. وحفظ الله العراق.

[email protected]

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/تشرين الثاني/2013 - 19/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م