بوتفليقة... سياسة مخضرمة تكرس السلطة

 

شبكة النبأ: جدل سياسي كبير تشهده الجزائر بسبب التغيرات المهمة والتعيينات الجديدة في المؤسسات الحكومية والعسكرية، التي سبقت ترشيح بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ 1999 لولاية رئاسيّة رابعة، والتي اعتبرها البعض مؤشر خطير في سبيل إقصاء المجموعات السياسية الأخرى ووضعها أمام الأمر الواقع وهو ما قد يسهم بتعقيد الأمور خصوصا وان الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة قد أعلنت معارضتها لترشيح بوتفليقة الذي يسعى الى تحقيق مكاسب سياسية مهمة جراء تلك التغيرات، وفي هذا الشأن فقد أعلن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر انه يرشح "رسميا" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة في الانتخابات المقررة في نيسان/ابريل 2014. وجاء في البيان السياسي للجنة المركزية اعلى هيئة في الحزب عقب اختتام اجتماع اغلبية اعضائها "ان اللجنة المركزية ترشح رئيس الحزب المجاهد عبد العزيز بوتفليقة للرئاسيات المقبلة".

ولم يعلن بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ 1999 موقفه من الانتخابات الرئاسية، وهو لم يشف تماما من جلطة دماغية اصيب بها في نيسان/ ابريل الماضي وجعلته يغيب عن البلاد ثلاثة اشهر، بينما اصبحت خرجاته الاعلامية محدودة جدا. وكان الامين العام للحزب عمار سعداني اعلن في كلمة افتتاح اجتماع اللجنة المركزية عن "الترشيح الرسمي" لبوتفليقة، معتبرا هذا الخيار "يفرض نفسه بالنظر الى حصيلة الرئيس الايجابية في جميع الميادين".

واشار سعداني الى ان مرض الرئيس لا يمكن ان يحول دون ترشحه ما دام "الدستور يسمح لرئيس دولتنا بالترشح لولاية رابعة". وذكر سعداني ان الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت "حكم اميركا وهو مصاب بالشلل لاربع ولايات"، ومات قبل ان يتم ولايته الرابعة في 1945. كما دعت اللجنة المركزية بوتفليقة "الى تعديل الدستور في اقرب الاجال" لدعم الاصلاحات السياسية التي اعلنها في نيسان/ابريل 2011، ومنها تعديل الدستور، لتفادي اندلاع "ربيع عربي" في الجزائر على غرار ما شهدته تونس وليبيا الجارتين ومصر.

واكد سعداني ان التعديلات الدستورية "سيتم عرضها على البرلمان" للمصادقة عليها،مستبعدا بذلك اجراء استفتاء عليه. وكان اعضاء من القيادة السابقة لحزب الاغلبية البرلمانية(208 من اصل 462 نائبا) اعلنوا انهم سيقاطعون اعمال اجتماع للجنة المركزية ومعهم 130 عضوا من اصل 340. وقبل بداية الاجتماع اعلن الامين العام للحزب ان عدد الحاضرين في القاعة288، من بينهم وزير العدل الطيب لوح ووزير الاتصال عبد القادر مساهل ووزير العلاقات مع البرلمان محمود خوذري، بالاضافة الى وزراء سابقين. بحسب فرانس برس.

ويعاني الحزب الذي يرأسه بوتفليقة "فخريا" من صراعات داخلية منذ عدة سنوات، ابرزها معارضة الامين العام الحالي (منذ انتخابه في 29 اب/اغسطس، من قبل عدد من القيادات واعضاء اللجنة المركزية. وتقدم المعارضون بشكوى قضائية لدى مجلس الدولة "للطعن في انتخاب عمار سعداني امينا عاما من قبل اقلية من اغضاء اللجنة المركزية" وبالنسبة لمعارضي سعداني فان الاعلان عن دعم ترشح بوتفليقة الذي لم يشف تماما من الجلطة الدماغية التي اصيب بها في نيسان/ابريل، يعد "سابقا لاوانه" بما ان الرئيس لم يعلن ترشحه.

وبعد خمسة أشهر من اصابته بجلطة دماغية أدخلته مستشفى في باريس اقترنت بسحابة من الشائعات عمن سيخلفة كشف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن قوته السياسية التي أبقته في السلطة أكثر من عشر سنوات. ومنذ عودته من فرنسا في يوليو تموز تحرك لتطويق منافسيه في مفاوضات جرت وراء الكواليس داخل التحالف القائم بين الجيش وحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم وهذا التحالف هو صاحب السلطة الحقيقية في البلاد.

وبعيدا عن الانزواء في فترة النقاهة يقول محللون وخبراء ان المحارب القديم خلال كفاح الجزائر من أجل استقلالها يبسط نفوذه فيما يبدو قبل انتخابات عام 2014 من خلال سلسلة من المناورات التي تقوي يد حلفائه. وبقي بوتفليقة بعيدا الى حد بعيد عن الانظار منذ يوليو تموز. لكن التعديل الحكومي ابقى حلفاءه في مناصب حيوية ومن بينهم رئيس الوزراء عبد المالك سلال ووزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي. ويقول محللون ومصادر إن الامر الاكثر أهمية هو انتقال بعض المهام التي كانت تسيطر عليها في السابق أجهزة المخابرات الى الجيش. ولعب قائد المخابرات منذ التسعينات محمد مدين دور صانع الشخصيات السياسية.

وقال مدير تلفزيون النهار والمحلل أنيس رحماني "بوتفليقة يريد وضع نهاية للدور السياسي لادارة الاستخبارات والامن." وأضاف "انها على نحو ما بداية تغير كبير في النظام السياسي بالجزائر." ووفقا للدستور فإن الرئيس المنتخب والبرلمان يمسكان بالسلطة لكن كثيرين من الجزائريين يعتقدون ان السلطة الحقيقية هي في يد مجموعة من كبار مسؤولي الامن والحزب يطلق عليها عادة اسم "السلطة". ويقول محللون إن بوتفليقة البالغ من العمر 76 عاما وهو لاعب سياسي داهية حتى قبل الاستقلال يتمتع بنفوذ كبير داخل "السلطة" لكن عليه ان يتعاون مع قوات الامن في ترتيب يؤدي في الغالب الى اتفاقات بالتوافق.

ويفسر بعض خصوم الحكومة التغييرات في ادارة الاستخبارات والامن على انها محاولة لخنق التحقيقات مع حلفاء لبوتفليقة ولاسيما وزير الطاقة السابق شكيب خليل الذي يواجه اتهامات فساد فيما يتعلق بعقود للطاقة. لكن أحد المصادر القريبة من بوتفليقة قال ان خطته هي "التأكد من ان كبار قادة ادارة الاستخبارات والامن سيرحلون قبل ان يفعل هو ذلك حتى يمكن اقامة نظام سياسي جديد .. نظام لا تلعب فيه ادارة الاستخبارات والامن دورا سياسيا."

ورغم مناورات بوتفليقة فان المخابرات العسكرية ربما يكون لها نفوذ في اتخاذ قرار بشأن من سيخلفه. وقال نور الدين بوكروح مرشح الرئاسة السابق "يمكنني ان أتصور تسلسلا للاحداث يتوصل بموجبه بوتفليقة ومدين رئيس ادارة الاستخبارات والامن الى اتفاق لتأمين فترة ما بعد بوتفليقة." واضاف "ليس من المستحيل ان يتمكنا من الاتفاق على مرشح توافقيوقال ريكاردو فابياني المحلل لدى مجموعة يوراسيا انه يعتقد ان شبكة المخابرات العسكرية مازالت في وضع يمكنها من فرض مرشح توافقي قبل انتخابات عام 2014 رغم "المكاسب السياسية لزمرة بوتفليقة." وفي ابريل نيسان 2012 قال بوتفليقة علانية ان زمن جيله ولى في اشارة الى الزعماء المخضرمين من زمن الاستقلال الذين يديرون البلاد من الناحية الفعلية.

42 مليار دولار

في السياق ذاته بدا المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الاولى في البرلمان) مناقشة ميزانية الدولة لسنة 2014 مباشرة بعد تقديمها من طرف وزير المالية كريم جودي بتوقعات نمو بنسة 4,5% وعجز بنسبة 18,1% من الناتج الداخلي الخام اي ما يعادل 42 مليار دولار. وبرزت في القانون زيادة النفقات بنسبة 11،3 بالمئة لتقارب 94 مليار دولار مقابل حوالي 52 مليار دولار من المداخيل في بلد يعتمد بنسبة 97% في اقتصاده على تصدير النفط والغاز.

وقلل وزير المالية من التخوفات بخصوص حجم العجز مؤكدا انه سيتم تغطيته "بنسبة 50% من "صندوق ضبط الايرادات" الذي يصب فيه الفرق بين سعر النفط المرجعي (37 دولارا) والسعر الحقيقي في السوق والمتوقع ان يصل الى 90 دولارا بالنسبة للنفط الجزائري. وينتظر ان يصل حجم صندوق ضبط الايرادات الى 7226 مليار دينار اي ما يفوق 88,7 مليار دولار، تراكمت عبر عدة سنوات. اما باقي العجز فستتحمله الخزينة العمومية، كما اوضح جودي. وينتطر ان يوقع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على آخر ميزانية في ولايته الثالثة وتعد هذه الميزانية الاخيرة في الخظة الخماسية(2010-2014) والتي تعتبر المعارضة انها لم تحقق كل ما كان يرجى منها رغم تخصيص 286 مليار دولار لها.

وقال النائب رمضان تعزيبت عن حزب العمال (يساري ) "المشكل انه لا يوجد تقييم لما تم انجازه في هذه الخطة الخماسية حتى اننا اكتشفنا ان بعض الوزراء كانوا يقدمون ارقاما غير صحيحة حول تطبيق البرنامج كما هو الحال بالنسبة للسكن". ورغم اعترافه بتحقيق انجازات "مهمة" في مجال الطرق والمطارات والموانئ الا ان القيادي في حزب العمال اكد ان " البرنامج الخماسي الذي خصصت له الدولة 286 مليار دولار خطة جيدة لكنها لم تحقق كل ما كان منتظرا منها". واوضح " بالنسبة للعمل مثلا اعطى رئيس الجمهورية تعليمات بان تكون المناصب الدائمة هي القاعدة بينما المناصب المؤقتة هي الاستثناء واذا بنا نسمع هذه السنة عن خلق 1,6 مليون وظيفة مؤقتة مقابل 80 الف وظيفة دائمة فقط".

ويدافع حزب الرئيس بشدة عن انجازاته ويصفها ب "الفرعونية". وقال النائب محمد جميعي ان "الانجازات التي حققتها الجزائر يمكن وصفها بالفرعونية مقارنة باقتصادات دول مساوية اواحسن من الجزائر". وكذلك اكد الوزير الاول عبد المالك سلال ان ما تم انجازه منذ سنة 1999، تاريخ وصول بوتفليقة الى الحكم، يعد حصيلة "جد إيجابية" ويعكس "نهضة قوية" تعيشها الجزائر. ووعد سلال بتقديم حصيلة هذه الانجازات "في بداية السنة المقبلة" اي قبل الانتخابات الرئاسية، ما اعتبرته المعارضة مؤشرا على ان بوتفليقة سيترشح لولاية رابعة. وذكر سلال ان الرئيس حقق ما وعد به الشعب الجزائري وهو "استعادة الامن و استرجاع الجزائر لمكانتها الدولية واعادة بناء البنية التحتية بعد التهديم الذي تعرضت له خلال سنوات الإرهاب".

اما النائب الاسلامي عن حزب جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف فاعتبر ان قانون المالية هو قانون سياسي لانه ارتبط مباشرة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2014". وانتقد بن خلاف الزيارت التي يقوم بها رئيس الوزراء عبد المالك سلال الى مختلف الولايات الجزائرية، واعطاء وعود بتقديم المزيد من الاموال للمشاريع المحلية. وقال "نحن نعرف كيف تصرف الاموال لشراء السلم الاجتماعي وكيف يتم توزيع الاموال على الولايات في حملة انتخابية مسبقة رغم ان الولايات لم تصرف حتى الاعتمادات السابقة في اطار الخطة الخماسية". بحسب فرنس برس.

واوضح القيادي في حزب عبد الله جاب الله المرشح السابق للانتخابات الرئاسية ان "الشيء الذي لم نفهمه هو ان نفس الوزير الذي قدم مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2013 والذي الغي بسسب مرض الرئيس كان يتكلم عن التقشف بينما يقول ان قانون 2014 اعد بدون تقشف". وتابع "هذا يدخل في اطار الحملة الانتخابية التي بدأت بانجازات الرئيس وان الوضع المالي للبلد جيد رغم ناقوس الخطر الذي يدقه صندوق النقد الدولي او الخبراء حول ضرورة تنويع الاقتصاد الجزائري". وفي نطر بن خلاف فان "هناك امور ملموسة لا ينكرها الانسان لكن الاموال الكبيرة التي تم رصدها لم تتم حمايتها من الفساد ومن الناهبين الذي اخذوا الكثير من الاموال وذهبوا".

وبالنسبة للخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول فان"الارقام التي تقدمها الحكومة غير دقيقة وتتناقض حتى مع الهيئات الرسمية مثل بنك الجزائر المركزي والجمارك". واضاف "المشكل الاساسي في الاقتصاد الجزائري هو انه اقتصاد ريعي يعتمد فقط على تصدير المحروقات واستيراد 70% من حاجيات البلد".

ياسمينة خضرا

من جانب اخر اعلن الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا انه سيترشح الى الانتخابات الرئاسية في 2014، مؤكدا ما صرح به في منتدى صحيفة ليبرتيه. وقال خضرا "هذا قرار رسمي، انا مرشح الى الانتخابات الرئاسية في 2014". وياسمينة خضرا واسمه الحقيقي محمد مولسهول ولد في العام 1955 في الصحراء الجزائرية. وهو حائز على عدة جوائز دولية عن العديد من كتبه ويتولى حاليا ادارة المركز الثقافي الجزائري في باريس.

وردا على سؤال بشان برنامجه الانتخابي، اعتبر خضرا انه سيوضع "عندما سيشعر بان اقتراحه سيحظى بالقبول". وفي حال العكس "لا يمكن ان نسير ضد ارادة شعب". واستبعد خضرا اي رعاية محتملة من حزب سياسي، واكد انه "سيجمع تواقيع". ويفرض القانون الانتخابي بالفعل على المرشحين المستقلين جمع ستين الف توقيع على الاقل من الناخبين. ويفترض جمع هذه التواقيع عبر 25 ولاية على الاقل ويتعين جمع 1500 توقيع على الاقل في كل ولاية. وقال الكاتب "اعرف اني اخوض المعركة"، مؤكدا انه "يتقدم" و"يستعد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/تشرين الثاني/2013 - 15/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م