اسرائيل وايران... الصفقة المعجزة!

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: أظهرت المستجدات والتطورات الأخيرة المتمثلة بالتقارب السطحي الأمريكي الإيراني غير المسبوق، مخاوف عميقة لدى حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط وخاصة اسرائيل، مما ادى الى خلاف بين وجهتي نظر أمريكا وإسرائيل حول التعامل مع قضية النووي الايراني، حيث تدافع ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما عن الاتفاق الجاري التفاوض حوله، بينما دعت اسرائيل مرارا على لسان رئيس وزرائها الى عدم قبول هذا الاتفاق الذي تخشاه بشدة، محذرة من انه قد يؤدي الى حرب.

لكن يرى الكثير من المحللين ان عزم اسرائيل على كبح البرنامج النووي الايراني وهو ما كشف عن نفاد صبر اسرائيل من الولايات المتحدة حليفتها الرئيسي، يهدف الى الضغط وابرز خطر هذا الاتفاق بتصعيد الحرب الكلامية والدبلوماسية من أجل استفزاز الام الحنون (أمريكا)، التي باتت اليوم تغرد بعيدا عن سرب طفلها المدلل (إسرائيل) خاصة في الآونة الأخيرة، ويرى هؤلاء المحللين ان تصعيد اللهجة الاسرائيلية في التحذير من هجوم وشيك على ايران واشنطن بدرجة اكبر من استهدافه طهران، لأن اسرائيل تنظر الى ايران على نطاق واسع ، وخصوصا أنها الدولة الوحيدة المسلحة نوويا في المنطقة، مما يعني امتلاك إيران لسلاح نووي يصبح خطرا كبيرا عليها ولذا فانها تهدد منذ فترة طويلة بشن هجوم وقائي عليها، واسرائيل التي تعد الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك اسلحة نووية، مع انها لا تعترف بذلك، تقول ان حيازة ايران على القنبلة الذرية يشكل تهديدا لوجود اسرائيل، وقد اعربت مرارا عن استعدادها لشن ضربات عسكرية على المنشآت النووية الايرانية، وتضغط إسرائيل بقوة ضد اتفاق مقترح يعرض في بادئ الأمر تخفيفا جزئيا للعقوبات مقابل بعض الخطوات من ايران لتقييد انشطتها.

حيث دأب نتنياهو على اصدار تهديدات مستترة بأن إسرائيل التي يعتقد على نطاق واسع انها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط قد تشن هجوما عسكريا بمفردها على إيران. وتقول طهران إن برنامجها النووي مخصص لاغراض سلمية بحتة.

لكن الكثير من الخبراء الأمنيين يعتقدون ان إسرائيل لا تمتلك القدرة العسكرية الكافية لمنع إيران من المضي قدما في برنامجها النووي، ويقول محللون سياسيون إن إسرائيل ستواجه عزلة دولية إذا نفذت الهجوم في الوقت الذي تجرى فيه المحادثات.

إذ يعتقد أن اسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط. وتقول منذ فترة طويلة انها تحتفظ لنفسها بحق استخدام القوة لمنع ايران من الحصول على سلاح نووي. غير ان خبراء عسكريين كثيرين يشكون في قدرة اسرائيل على تدمير المواقع النووية الإيرانية بدون مساعدة امريكية، وتقول واشنطن انه من المهم السعي للوصول الى حل من خلال التفاوض خاصة بعدما انتخبت ايران الرئيس المعتدل نسبيا حسن روحاني هذا العام.

حيث ترى اسرائيل أن واشنطن باتت تقامر بأمن في سعيها للاتفاق مع ايران، بينما تحاول الولايات المتحدة تفهم المخاوف العميقة لإسرائيل بشأن إيران، وعليه يموج اعقد صراع بين خصمين سياسيين هما إسرائيل وإيران ما بين المماطلة السياسية والدبلوماسية الناعمة لأمريكا بحيث أضفى صراع بينهم جدلية وازدواجية على المستوى الدولي لما يحتويه من مناورات سياسية وأجندات مفتوحة.

من جهته حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من إن "اتفاقا سيئا" بين القوى العالمية وايران بشأن برنامجها النووي قد يفضي الى حرب، وقال معاونوه إن حزمة تخفيف العقوبات المعروضة من القوى العالمية على إيران والتي تصفها واشنطن بأنها محدودة ستلغي في حقيقة الأمر ما يصل الى 40 في المئة من تأثير العقوبات وتخفف الضغط على طهران للتخلي عن برنامجها النووي الذي يعتقد الغرب واسرائيل انه يهدف لصنع سلاح نووي.

وقال مصدر أحيط علما بالمفاوضات لرويترز إن إيران تلقت عرضا يتيح لها فرصة بيع ما قيمته نحو 3.5 مليار دولار من النفط على مدى ستة أشهر وكذلك ما قيمته ملياري دولار إلى ثلاثة مليارات من البتروكيماويات ومليار دولار إلى مليارين من الذهب. وقال المصدر الذي انتقد العرض إنه سيسمح لطهران أيضا باستيراد ما قيمته نحو 7.5 مليار دولار من المواد الغذائية والأدوية بالإضافة إلى خمسة مليارات دولار من سلع أخرى محظورة في الوقت الحالي، ورفض عدة مسؤولين غربيين يشاركون في المفاوضات الحديث عن التفاصيل لأن المفاوضات ما زالت جارية.

وقال نتنياهو متحدثا امام البرلمان إن مواصلة الضغط الاقتصادي على ايران هو البديل الأمثل لخيارين آخرين قال انهما "اتفاق سيء" والحرب، واضاف "سأذهب الى حد القول ان اتفاقا سيئا قد يؤدي الى الخيار الثاني غير المرغوب فيه" وهي اشارة الى الحرب.

وقال الرئيس باراك أوباما إن مرحلة أولى من أي اتفاق مع ايران ستتضمن "تخفيفا محدودا للغاية" للعقوبات يمكن العدول عنه لكن اسرائيل تقول ان الفوائد التي ستجنيها ايران ستكون اكبر مما هو مقدر وان الخطوات التي ستتخذها طهران لن تحد من طموحاتها بدرجة تذكر.

وقال وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينتز المكلف من نتنياهو بوضع السياسة الخاصة بإيران إن حزمة تخفيف العقوبات المعروضة من القوى العالمية على ايران في إطار المفاوضات النووية قد تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار من التكلفة الإجمالية السنوية للعقوبات والبالغة 100 مليار دولار، ولم يذكر تفاصيل حساباته في هذا الشأن وبالنظر إلى السرية التي تحيط بالعرض الغربي فإنه لم يتسن التحقق منها، واضاف إن إسرائيل تعتقد أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العام الماضي تكلف الاقتصاد الإيراني نحو 100 مليار دولار سنويا أو قرابة ربع انتاجها.

وسئلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين ساكي عن التقدير الذي يتراوح من 20 مليار دولار إلى 40 مليار دولار فقالت للصحفيين "أؤكد لكم أن هذا الرقم غير دقيق ومبالغ فيه ولا يمت للواقع بصلة"، ورفض مسؤلون في عدة دول غربية اتصلت بهم رويترز تأكيد أو نفي أرقام محددة بخصوص قيمة التخفيف المعروض في العقوبات وحذرت من كشف بنود اتفاق افتراضي في مثل هذه المرحلة المبكرة.

وقال دبلوماسي غربي "هناك عرض مطروح ويبدو لي أن هذا تقدم مهم. لا يمكننا إعطاء أي تفاصيل فنية واليوم الذي سيحدث فيه أي تسريب هو اليوم الذي سيرغب فيه شخص ما في إفشال المفاوضات"، وقال دبلوماسي أوروبي إن تفاصيل الاتفاق حجبت عمدا. وأضاف "اتخذ قرار بإبقاء كل شيء طي الكتمان. لأن هناك مواقف متطرفة على الجانبين قد تستخدم ذلك لتشويه العملية ومحاولة إحباط المفاوضات".

وقال وزير الخارجية الامريكي جون كيري ان فرض الكونجرس الامريكي لعقوبات جديدة على ايران قد يتسبب في "انهيار" المفاوضات الدولية الجارية بهدف كبح جهود ايران المشتبه بها بخصوص الأسلحة النووية.

وقال كيري للصحفيين قبل مقابلة اعضاء بمجلس الشيوخ بشأن المسألة "المخاطرة هي انه اذا تحرك الكونجرس من جانب واحد لتشديد العقوبات فقد يزعزع الثقة في تلك المفاوضات ويوقفها فعليا ويتسبب في انهيارها".

من جانبه حذر الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز في مقابلة نشرتها صحيفة فرنسية من انه اذا نجحت ايران في صنع القنبلة الذرية فان كل دول منطقة الشرق الاوسط ستحذو حذوها،

واكد الرئيس الاسرائيلي الذي يستقبل نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند انه يثمن موقف باريس الصارم تجاه ايران في المفاوضات الجارية بين طهران ومجموعة الدول الست الكبرى حول الملف النووي الايراني، مشددا على انه "لا يجوز رفع الضغط" عن ايران قبل ان تتخلى، "على الاقل على المدى البعيد"، عن برنامجها النووي.

وقال "هذا صحيح، نحن في اسرائيل ثمنّا حقا الموقف الفرنسي الصارم تجاه ايران"، وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو دعا في مقابلة مع صحيفة لو فيغارو الفرنسية باريس الى عدم "التراجع" في موقفها من ايران في المفاوضات التي تستأنف في 20 الجاري في جنيف، وذلك في الوقت الذي تبدو فيه المواقف الفرنسية من الملف النووي الايراني قريبة من الموقف الاسرائيلي، وردا على سؤال عن الترسانة النووية الاسرائيلية قال بيريز "اولا، نحن لم نقل يوما اننا نمتلك القنبلة (الذرية). ثانيا، نحن لم نهدد احدا يوما".

كما اتهم وزير الاقتصاد الاسرائيلي نفتالي بينيت خلال زيارة الى واشنطن الادارة الاميركية بانها "تقامر" بـأمن اسرائيل في سعيها للتوصل الى اتفاق مع طهران حول الملف النووي الايراني، وبينيت، زعيم "حزب البيت اليهودي" الديني المتشدد المؤيد بقوة للاستيطان، ارسله رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الى الولايات المتحدة في مهمة مستعجلة لحشد اعضاء الكونغرس الاميركي ضد تسوية دبلوماسية محتملة بين الدول الكبرى وايران حول البرنامج النووي الذي تطوره الاخيرة وتؤكد انه محض مدني بينما يشتبه الغرب واسرائيل في انه يخفي شقا عسكريا سريا.

وقال بينيت امام معهد بروكينغز للدراسات "في الوقت الذي انا فيه تواق للسلام فانا لا اعتقد ان هذا هو الوقت الملائم للمقامرة بأمننا"، وأضاف انه في الوقت الذي يترنح فيه الاقتصاد الايراني فان "هذا هو الوقت المحدد للقول للايرانيين +إما هذا او ذاك+: إما ان يكون لديكم برنامج للسلاح النووي او ان يكون لديكم اقتصاد، ولكن لا يمكنكم الحصول على الاثنين معا"، وتابع "الامر اشبه بمباراة ملاكمة حيث الخصم مرمي فيها ارضا والحكم يعد: ستة، سبعة، ثمانية، تسعة، وفي تلك اللحظة بالذات نذهب وننتشله ونزيل الضغط عنه. الان ليس وقت التهاون"، وشدد الوزير الاسرائيلي على ان الهدف من المفاوضات الجارية بين ايران ومجموعة الدول الست الكبرى اي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا، لا يجب ان يكون وقف البرنامج النووي الايراني فحسب وانما تفكيكه بالكامل، واضاف "انا مقتنع باننا اذا زدنا وتيرة الضغط سنحصل على الصفقة الصحيحة".

من جهتته قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إنه يتفهم "المخاوف العميقة" لاسرائيل بشأن برنامج إيران النووي وان الدولتين الحليفتين تشتركان في هدف كبح التهديد المتصور رغم اختلافهما في الأساليب، وقال كيري لتلفزيون ام.اس.ان.بي.سي انه تحدث هاتفيا للتو مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل ظهوره على شاشة المحطة وإنهما تحدثا عدة مرات هذا الأسبوع بشأن المفاوضات مع إيران، وقال كيري "نجري حوارا وديا ومتحضرا للغاية بشأن هذا. احترم تماما مخاوفه العميقة - باعتباره رئيس وزراء اسرائيل - بشأن طبيعة هذا التهديد لاسرائيل. نتفهم ذلك".

الى ذلك ذكرت مصادر امنية اسرائيلية لوكالة فرانس برس ان التكلفة الاجمالية للبرنامج النووي الايراني بلغت 170 مليار دولار، واشارت هذه المصادر الى انه تم "استثمار" 40 مليار دولار "في السنوات العشرين الاخيرة في انشاء وتشغيل المنشات النووية".

واضافت المصادر ان ايران خسرت "130 مليار دولار بسبب العقوبات المفروضة عليها منذ عام 2012"، وقالت المصادر ان بين هذه الخسائر 105 مليارات دولار مرتبطة بالحظر المفروض على بيع النفط الايراني و25 مليار دولار على العقوبات المالية على المصارف والتجارة والصناعة وخسائر في مجالات التنمية والاستثمارات.

وتعارض اسرائيل بشدة التوصل الى اتفاق بين ايران ودول 5+1 (الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا وبريطانيا وروسيا والصين) تتعلق بتحديد انشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات، واكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الاحد في بداية الاجتماع الاسبوعي لحكومته ان اسرائيل ستبذل اقصى جهدها لاقناع المجتمع الدولي بمنع ابرام "اتفاق سيء" حول النووي الايراني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/تشرين الثاني/2013 - 15/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م