الحرف التقليدية... تاريخ يتلاشى

 

شبكة النبأ: الكثير من المهن والحرف التقليدية التي تعتبر مصدر اقتصادي مهم  للكثير من  البشر في العديد من دول العالم، باتت اليوم تتلاشي وتضمحل ولأسباب مختلفة ومنها التطور الصناعي والتكنلوجي الكبير والاعتماد على الآلات المتطورة لأجل تسهيل ورفع عمليات الإنتاج في سبيل الحصول على ارباح اضافية، هذا بالإضافة الى العوامل والاسباب الاخرى و عدم الاهتمام الحكومي بهذه المهن والحرف كما يقول بعض اصحاب الاختصاص، الذين اكدوا على ضرورة حماية هذه الحرف التقليدية باعتبارها جزء اساسي من تاريخ الشعوب وباب من ابواب السياحة وذلك من خلال دعم العاملين وانشاء الورش وتطويرها، وفي هذا الشأن فالتقنية التي يستخدمها الحرفيون في شمال نيجيريا لصبغ القطن بلون الازرق النيلي هي نفسها منذ اكثر من 500 سنة الا ان التراجع الكبير في عدد السياح في المنطقة قد يهدد هذا التقليد القديم.

وفي كانو، ثاني مدن البلاد ينقع مزيج مؤلف من عيدان النيل والرماد والبوتاسيبوم لاكثر من شهر في "آبار" صغيرة عمقها 180 سنتمترا قبل ان تستخدم كصباغ للقماش. والابار ال125 الموجودة وراء جدران عالية في حي كوفار ماتا تمتلكها العائلات نفسها منذ تشييدها في العام 1498. ويوضح يوسف سعيد البالغ 38 عاما مهاراتنا المحلية هي سر استمراريتنا. وعزم الحرفيين الراسخ لمواصلة هذا التقليد الذي يعود الى قرون عدة، كان اقوى من تراجع صناعات النسيج في كانو.

فنيجيريا ورغم انها اكبر منتج للنفط في افريقيا، عاجزة عن تأمين التيار الكهربائي بشكل متواصل وتضطر المصانع التي تواجه انقطاعا يوميا في الكهرباء الى اللجوء الى مولدات مكلفة جدا. وبسبب الكلفة الاضافية الناجمة عن ذلك ومنافسة الاقمشة المستوردة بأسعار اقل بكثير، اغلقت المصانع العشرون التي كان تجعل من كانو عاصمة للنسيج في البلاد، الواحد تلو الاخر في السنوات العشرين الاخيرة على ما يقول علي مادوغو نائب رئيس نقابة المصنعين في البلاد.

وفي سوق النسيج الكبيرة في كانو التي يأتي اليها الشارون من كل ارجاء نيجيريا والدول المجاورة، بات غالبية الاقمشة مستوردة من آسيا على ما يقول ليتي كوكول من جمعية تجار النسيج. وحاولت الحكومة مرات عدة اعتماد اجراءات حمائية مثل فرض رسوم على استيراد الاقمشة لكنها كانت من دون فائدة. وحرفيو آبار النيل غير المعنيين بمشاكل الكهرباء، هم اخر من يصنع الاقمشة في المدينة. وهم لا يزالون يجذبون زبائن محليين الا انهم يعانون من قلة الزوار الاجانب بسبب عدم الاستقرار الامني.

فقد اوصت غالبية السفارات الاجنبية رعاياها في نيجيريا بعدم التوجه الى شمال البلاد الذي يشهد منذ العام 2009 تمردا اسلاميا متشددا تقوده حركة بوكو حرام. ومع ان غالبية الهجمات تتركز في الشمال الشرقي المعقل التاريخي لبوكو حرام، استهدفت كانو (شمال) هي ايضا ولا سيما في كانون الثاني/يناير 2012 حيث اسفرت سلسلة من الهجمات المنسقة عن سقوط ما لا يقل عن 185 قتيلا في يوم واحد.

ولم تكن نيجيريا يوما مقصدا سياحيا كبيرا لكن كانو ذات التاريخ الغني كانت تجذب خصوصا الاجانب المقيمين في لاغوس وابوجا. ويقول سعيد باف السياح كانوا يأتون بأعداد كبيرة كل يوم الا انهم باتوا الان يخشون غياب الامن. الحركة بطيئة منذ سنتين. وبسبب ذلك فان الابار ال125 لا تستخدم كلها. ففي كل بئر يكلف خليط النيل حوالى 220 يورو وهو سعر باهظ جدا للكثير من مستثمري الابار مع ان الصباغ يمكن استخدامه بعد ذلك لمدة سنة.

ويغط حرفي جالس على كرسي صغير قطعة قماش قطني مصنوع يدويا في الصباغ بواسطة قفازات مطاطية. وينبغي ان يغمس القماش لدقيقة في المحلول وان يعلق في الهواء الطلق لدقيقة او دقيقتين. ويوضح سعيد نكرر هذا الامر حتى الحصول على اللون المرجو. وفي غضون ساعة يتم الوصول الى لون ازرق فاتح ويمكن ان تتكرر الاجراءات نفسها ثلاث ساعات للوصول الى الوان اغمق. وقبل صباغ القماش، تقوم نساء بتزيينه وفقا لعشرة نماذج متوافرة. وتباغ قطع القماش المصبوغة والمزينة بسعر 15 يورو تقريبا في السوق. بحسب فرانس برس.

وانفقت حكومة ولاية كانو حوالى 70 الف يورو هذه السنة لترميم موقع كوفار ماتا. لكن سعيد يؤكد انه رغم مرور خمسة قرون لا تزال الجوانب الداخلية لابار النيل على حالها. لكن البعض يشكك في ذلك والذين شهدوا على بناء هذه الابار لم يعودوا هنا ليشهدوا على ذلك. لكن الحرفي يؤكد ان "المواد المحلية" التي استخدمت لتلبيسة الابار لا تزال عازلة. وكل الاجانب الذين حاولوا نسخ هذه التلبيسة عجزوا في ذلك حتى الان على ما يفيد بفخر مؤكدا "هذا هو سرنا الدفين".

قطاع الصوف يتدهور

في السياق ذاته بقي الصوف ينسج طوال قرون في منطقة كشمير ويصدر إلى المتاجر الفاخرة في الغرب، لكن هذا القطاع يتدهور اليوم في ظل انتشار المنتجات المقلدة المنخفضة الكلفة وغياب ضمانات استداماته. وتعمل هدايات أولاه في منزلها الواقع في وادي النعم في منطقة هملايا على آلة حياكة خشبية قديمة، في حين يقبع والدها المريض في سريره. وتخبر هدايات من بلدتها النائية الواقعة في منطقة كشمير الباكستانية تعلمت المهنة من والدي، لكن ابني لا يريد المضي قدما في هذا المجال. فهو يفضل العمل في الحقول أو مزاولة مهن أخرى أكثر ربحية من الحياكة.

ومنطقة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان أعطت اسمها للصوف الناعم والرفيع الخيوط المستخرج من الماعز الذي يرعى في جبالها الشامخة. ويباع هذا الصوف بأسعار جد مرتفعة في أوروبا وأميركا وآسيا، وهو بالكاد يدر 3 آلاف روبية (30 دولارا) على حائكيه الذين يعملون على حياكة شال واحد أسبوعين كاملين. وطوال عقود، بقي سكان وادي النعم يأخذون مواعزهم للرعي في الصيف ثم يجزون صوفها في أيلول/سبتمبر ويحيكونه في الشتاء حتى يأتي موسم المبادلات التجارية في الربيع. ولم تعد بلدة هدايات أولاه تضم اليوم إلا نحو عشرة حائكي صوف معروفين ب "خاديس"، في مقابل أكثر من مئة حائك في ما مضى. ويبدو أن الطلب المحلي قد تراجع أيضا. وتخبر زينت بيبي البالغة من العمر 32 عاما والتي تتساءل ابنتها ذات الأعوام العشرة لماذا تضيع أمها وقتها في هذا العمل الغريب والقديم الطراز أن الشال الذي تمت حياكته يدويا يكلف 10 آلاف روبية (100 دولار)، لكن تتوافر نسخا مقلدة منه في الأسواق الشعبية بسعر ألفي روبية أو ثلاثة (20 إلى 30 دولارا).

وتشرح فاطمة يعقوب الأستاذة المحاضرة في جامعة الفنون والثقافة في كشمير الباكستانية أن المستهلكين يجدون اليوم ملابس معاصرة بأسعار أفضل. ويبعدون بالتالي عن الصناعات التقليدية التي يتدهور وضعها يوما بعد يوم. وبغية إنعاش القطاع، لا بد من أن تقوم السلطات الباكستانية بتحديثه ومساعدة الحائكين على استبدال آلاتهم القديمة بأخرى جديدة وتدريب اليد العاملة الشابة وإعداد إستراتيجية تسويق فعالة، على حد قول تقديس جيلاني رئيسة أكاديمية الثقافة في كشمير.

وتتنازع الهند وباكستان السيطرة على منطقة كشمير، لكن الحائكين جميعهم في هذه المنطقة المقسومة إلى قسمين يواجهون المشاكل عينها. وقد قامت السلطات الهندية باتخاذ تدابير للحد من تدهور هذا القطاع التقليدي ونفور الشباب منه. وهي حصلت من منظمة التجارة العالمية على ضمانة لمنشأ المنتج ونوعيته في ما يخص شالات البشمينة. كذلك استحدثت مختبرا في سرينغار عاصمة كشمير الهندية للتأكد من أن كل شال يختم بضمانة "بشمينة من كشمير" هو أصلي. بحسب فرانس برس.

ويعد البشمينة من أجود أنواع صوف كشمير وهو يستخرج من عنق الماعز الذي يرعى على ارتفاع يتخطى الأربعة آلاف متر في برد قارس. وشالات البشمينة الزاخرة بالألوان تباع بمئات أو حتى آلاف الدولارات في المتاجر الفاخرة. لكن الانتاج القليل لا يكفي لتلبية الطلب، ما يزيد من النسخ المقلدة. من هنا أهمية الضمانة الجغرافية وضرورة التمييز بين الصوف المصنع وذاك الأصلي.

التحف التراثية

على صعيد متصل تشكل صناعة التحف التراثية، والمجسمات الدينية المسيحية، من خشب الزيتون في مدينة بيت لحم، بالضفة الغربية المحتلة، تاريخ وتراث فلسطيني يعود إلى ما قبل القرن السادس عشر للميلاد. وتشتهر مدينة بيت لحم، مسقط رأس السيد المسيح عليه السلام، بمشاغل تراثية حرفية لصناعة تلك التحف، يطلق عليها اسم السنتوارية، حيث تزدهر هذه الحرفة مع قرب الاحتفال بأعياد الميلاد، وتوافد الحجاج المسيحيين إلى المدينة المقدسة.

وتقع في مدينة بيت لحم كنيسة المهد التي يعتقد أن العذراء مريم ابنة عمران ولدت طفلها المسيح عيسى في مغارتهاـ لتصبح أهم موقع ديني مسيحي. ويحرص الحجاج حسب منسق الإعلام في ووزارة السياحة الفلسطينية جريس قمصية على اقتناء التحف المصنوعة من شجرة الزيتون، التي تعد شجرة مباركة تم ذكرها في الكتب السماوية، لافتا إلى أهمية التحف كونها صنعت في أرض السلام، ومن شجرة مباركة، في أرض مباركة.

ويضيف قمصية أن بيت لحم تستعد في كل عام مع بداية شهر نوفمبر/ تشرين ثاني للأعياد الميلادية، بصناعة التحف التراثية، كرمز أصيل لمسيحي فلسطين، مشيرا إلى أن الوزارة وبالتعاون مع البلدية والمحافظة تضع لمساتها الأخيرة لاستقبال الحجاج الوافدين من مختلف دولة العالم. وأشار قمصية إلى أن تحف فنية من الأرض المقدسة تعد مقتنيا هاما للحجاج.

زخريا زخريا، فلسطيني مسيحي صاحب ورشة لإنتاج التحف الفنية، يقول هذه الورشة تعمل منذ العام 1958، وتنتج كل ما يتعلق بالرموز الدينية المسيحية، من صلبان، وتماثيل لمريم العذراء، والطفل يسوع، والمغارة، وزينة شجرة الميلاد. ويعتمد زخريا على شجرة الزيتون لإنتاج تحفه، لافتا إلى أن الحركة السياحية في المدينة بدأت بالتحسن بعد أن تأثرت بالأوضاع السياسية العامة في المنطقة كأوضاع مصر الشقيقة والتهديد بضربة عسكرية على سوريا.

وتمر التحف حسب العامل إبراهيم محمود في عدة مراحل لتصبح جاهزة للمتسوقين، لافتا إلى أنها تحتاج إلى التقطيع والنحت والزخرفة والتمليس والدهان، فـأصغر تحفة تعرض للبيع تحتاج وقت وجهد كبيرين لتخرج بهذا الشكل. ويستطرد محمود الذي يعمل منذ خمسين عاما في النحت وإنتاج تحف تراثية المهنة دينية تراثية، عشقها سكان بيت لحم لما لها من طابع ديني مسيحي.

وفي شارع المهد القريب من كنيسة المهد تنتشر عشرات المحال السنتوارية ويقبل الحجاج على اقتناء محتوياتها. ويقول نمر رشماوي صانع تحف بشارع المهد، معبرا عن عمق ارتباط المدينة وأهلها بهذه الحرفة منذ 50 عاما وأنا أنتج التحف التقليدية، مر من بين يدي ملاين التحف، هي الآن في شتى أرجاء الأرض، بت أعشق المهنة، هي جزء مني وأنا جزء منها. وتضنع التحف من خشب الزيتون لما له من خاصية هامة لاحتوائه على الزيت ولتعرجاته بألوان مختلفة.

وفي العديد من الورش أدخل مؤخرا ماكينات حديثة لنحت التحف بالشكل الأولي، بهدف توفير الوقت والجهد في هذه المرحلة وإنتاج كمية أكبر من التحف، التي تنتقل لمراحل تالية، تكون غالبا يدوية. ويعلق عيسى مصلح، صاحب محل بيع التحف التقليدية الدينية في شارع المهد، أمله على الحركة السياحية الدينية لهذا العام ليحقق ربحا، ينتظره منذ عام كامل، على حد قوله، مردفا الحركة السياحية الدينية لا تنقطع في بيت لحم، إلا أن موسم الأعياد الميلادية موسم لكسب الرزق، فالسياح يفضلون المنتجات التقليدية اليدوية بالرغم من ارتفاع أسعارها على المنتجات الصينية التي باتت تغزو الأسواق الفلسطينية وبأسعار زهيدة.

وفي محل مصلح سياح أوربيون اقتنوا تمثال الطفل يسوع والأم مريم، فيما تصل أسعار بعض التحف الفنية الكبيرة المكونة من عدة مجسمات إلى خمسة آلاف دولار حسب مصلح، لافتا إلى أن غالبية التحف المعروضة تناسب كافة السياح وبأسعار مختلفة تعتمد على الحجم وطبيعة العمل.

المسرح المتجول

يأكلون ويشربون وينامون ويربون أطفالهم على خشبة مسرحهم المتجول في تايلاند، وهم يتحولون ليلا بأزيائهم المزخرفة إلى فنانين يحاولون الحفاظ على فن أصبح اليوم قيد الاندثار. ويقول أروب بروما البالغ من العمر 21 عاما وهو ينزل من خشبة المسرح التي أرسيت في معبد في الحي الصيني في العاصمة التايلاندية المعروف ب "تشايناتاون" "قدمنا عروضا في انحاء البلد برمته. ونحن نبقى ثلاثة إلى أربعة أيام في كل مكان قبل أن نوضب متاعنا. ويقوم مع فرقته المؤلفة من نحو 30 شخصا بتأدية أحد الفنون القديمة للأوبرا الصينية التي يغني فيها الممثلون بلكنة صينية في بلد يضم 14% من سكان ذوي الأصول صينية.

ويقول الممثل الشاب الذي انضم إلى الفرقة عندما كان في الثانية عشرة من العمر احب السفر واللهو وانا أصادق أشخاصا أينما أذهب، كما لو كنت أنفتح على العالم. وعندما تنطفئ الأضواء ويزيل الممثلون المكياج الكثيف الأبيض والأسود عن وجوههم، تبدأ حياة الفرقة المتجولة في كواليس معبد تشايناتاون. وقد أرسيت الأراجيح الشبكية تحت المسرح داخل خيم صغيرة في بعض الأحيان مع أنظمة إضاءة ركبت بما أتيح من وسائل.

ويشرح تشوتشارت أنغتشاي البالغ من العمر 40 عاما والذي يعد عميد الفرقة بعد أن أمضى 30 عاما في صفوفها تبدأ حياتنا ليلا. ويتابع قائلا بعد العرض، أستحم وآكل وأشاهد التلفزيون حتى الثالثة أو الرابعة صباحا. ثم أنام وأستيقظ في فترة بعد الظهر. وتعيش الفرقة كعائلة كبيرة، وتقوم إحدى الممثلات بإرضاع وليدها وهي تتزين في الصالة المشتركة. وبعد بضعة أيام توضب الفرقة متاعها وتقصد موقعا جديدا. وتقدم الأوبرا الصينية عروضا عن حكايات من الصين القديمة مع أغنيات خاصة تدوم عدة ساعات من مغيب الشمس حتى منتصف الليل.

لكن هذه الفرق المتجولة تواجه صعوبات في الحفاظ على جمهورها. فالتايلانديون الشباب يفضلون تصفح الانترنت أو زيارة المراكز التجارية. كما أن عروض الأوبرا الصينية الطويلة وذات الرموز تتطلب تركيزا وصبرا. والشباب التايلانديون من أصول صينية لا يفهمون بأغلبيتهم اللكنة الصينية التي يستخدمها الممثلون. وتقول جيرابات ساتانغ البالغة من العمر 33 عاما والتي تعد من أصغر الحاضرين إلى العرض الحالي أن الأهل لم يعودوا يتكلمون بالصينية مع الجيل الجديد. غير أن نحو 20 فرقة أوبرا صينية لا تزال تصمد في تايلاند في وجه هذه المصاعب جميعها. وهي تروج لعروضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" لاستقطاب أكبر عدد من الشباب. بحسب فرانس برس.

ويشرح الممثل الشاب أنوب بروما أن الحواسيب وفيسبوك تساعد المسرح الصيني المتجول على الصمود من خلال الترويج للعروض من دون أن نضطر إلى توزيع الإعلانات المطبوعة. ويؤكد الممثل الشاب أنه جد فخور بالمساهمة في الحفاظ على هذا النوع من الفنون الذي يعود إلى عدة قرون. ويختم قائلا ليست المسألة مسألة رقصات وأغنيات بل الحفاظ على نوع معين من الفنون.

الخبز الطازج في الصيف

من جهة اخرى وعندما فتحت سيلين توريه السنة الماضية مخبزا في شارع بلفيل في الدائرة التاسعة عشر الشهيرة في باريس، تفاجأت عندما علمت بأنه لا يحق لها أخذ عطلتها على هواها، لأن تسليم الخبز من الأولويات في باريس. وفيما تقفل معظم المتاجر التي تبيع اللحمة أو الفاكهة أو الصحف خلال فصل الصيف، تبقى المخابز مفتوحة في الأحياء كلها لتأمين الخبز الطازج للسكان.

وبالتالي، اكتفت سيلين ب15 يوما من الراحة في تموز/يوليو بسبب نظام موروث من الثورة الفرنسية يمنع الخبازين الباريسيين البالغ عددهم 1200 تقريبا من أخذ عطل طويلة في فصل الصيف. فالخبز يشكل أساس غذاء الفرنسيين، لذا ينبغي الحرص على تأمينه على الدوام. وفي 21 تشرين الاول/اكتوبر 1789، شنقت الحشود الجائعة الخباز دينيس فرانسوا على أحد المصابيح وعرضت رأسه على رمح في شوارع باريس. فصوتت الجمعية التأسيسية على عجلة على قانون يسمح للسلطات للمرة الأولى باستدعاء الخبازين لئلا تفتقر باريس إلى الخبز.

وبعد اعتماد الاجازات المدفوعة في القرن العشرين، طرحت مشكلة العطل نفسها. وسنة 1957، منح القانون رؤساء البلدية صلاحية تنظيم اقفال المخابز السنوي بطريقة تضمن توفير الخبز للسكان. وبالتالي، يتعين على الخبازين في باريس وضواحيها في كل صيف فتح متاجرهم لمدة شهر على الأقل، إما في تموز/يوليو وإما في آب/أغسطس، بحسب السنة. ويستفيد مخبزا سيلين الواقعة في حي مزدحم من اقفال نصف المخابز أبوابها لتحقيق أرباح مهمة. فنسبة مبيعاتها اليومية تتخطى نسبة المبيعات العادية ب400 أو 500 يورو.

وتقول الشابة في الصباح، عندما نفتح في السادسة، يكون عدد كبير من الناس في انتظارنا في الخارج. فمن الصعب ايجاد مخبزا مفتوحة، خصوصا في آب/أغسطس. والفرنسيون متمسكون جدا بالخبز الطازج ويرفضون التخلي عنه من أجل أنواع أخرى من الخبز جديدة ومتنوعة. ومهنة الخباز هي المهنة الحرفية الوحيدة التي تنظم فيها العطل، إلى جانب الصيدلة التي تخضع لقانون مشابه. وبموجب مرسوم خاص، تتوزع مخابز باريس وضواحيها الى مجموعتين تتناوبان على أخذ العطل كل سنة. بحسب فرانس برس.

ويشرح دومينيك أنراكت وهو عضو في مكتب غرفة الخبازين المهنية نحاول توفير الخبز في كل مكان. فالأشخاص المعوقون أو المسنون لا يستطيعون قيادة السيارة لشراء الخبز. ويضيف تصلني أحيانا رسائل من خبازين مستائين، لكن بعض الأحياء خالية من المخابز، لذا لا ينبغي أن تبقى بعض المخابز مفتوحة. وتشرح كاتي ديمونسي وهي مديرة مخبزا يفتح لى مدار السنة في بلفيل نقوم بجولة على مخابز الحي لنرى أيا منها مقفل ونحرص على أن يكون الخبز متوافرا لجميع الزبائن. وبما أن الفرق البلدية لا تقوم بجولات كثيرة للتأكد من احترام الخبازين لقانون العطل، فإن عدد المخالفين غير معروف. وفي العام 2011، صدر 20 حكما فقط في هذا الخصوص. وبحسب اتحاد المخابز الوطني، فإن قانون استدعاء الخبازين في الصيف لا يطبق إلا في باريس وضواحيها. أما في باقي أنحاء فرنسا، فيتفق الخبازون أحيانا في ما بينهم كي يبقى الخبز مؤمنا باستمرار للزبائن.

صناعة الاحذية الحرفية

الى جانب ذلك تستعيد المهن القديمة مجدها ففي اكاديمية رياتشي احد المعاهد المعروفة في فلورنسا في مجال الجلد، يأتي الطلاب من كل ارجاء العالم لكي يتعلموا مهنة صناعة الاحذية. بوكولا اسافا نيجيرية في الثلاثين لها ولدان وهي تخيط بطانة حمراء لحذاء رجالي رمادي اللون مصمم بحسب مقاسات الزبون في حين ان مبتدئين اخرين من حولها يحضرون قوالب احذية خشبية.

وتوضح لقد حزت اجازة ماجستير في ادارة الشركات من جامعة ليفربول" في بريطانيا "ومن ثم اسست شركتي الخاصة لصناعة حقائب اليد في لاغوس. انا هنا لاتعلم التميز الايطالي في صناعة الاحذية. التصميم سيكون لي لكن بتأثير من الماركة الايطالية غوتشي. ويقول انجيلو امبراتريتشي (75 عاما) "المعلم" في صناعة الاحذية الذي يعلم الصناعة الحرفية للأحذية في اكاديمية رياتشي الصنع الحرفية تتلاشى في ايطاليا بسبب كل الصعوبات الادارية . فيجب تحضير فواتير حتى لأعمال التصليح الصغيرة. بعض الاسكافيين الذين اعرفهم لا يحسنون القراءة او الكتابة! وقد احبط ذلك عزيمة الكثير منهم. ورغم سنه المتقدمة فهو ينقل بشغف الى طلابه الذين يزداد عددهم، اسرار مهنة لقنه اياها عمه اعتبارا من سن الحادية عشرة.

وقائمة الانتظار من اجل حضور صفوفه قد تطول سنة احيانا او سنتين. وشارك نحو مئة طالب في صفوفه في السنوات العشر الاخيرة. ويستمر الايطاليون بالتدرب على هذه المهنة من خلال نظام تعليمي مع ان فرص العمل المتاحة تتضاءل. لذا فان الطلاب في اكاديمية رياتشي في غالبيتهم من الاجانب يأتون اليها ليتعلموا اسرار الصناعة الايطالية.

وتقول دانا السيف وهي شابة سعودية في الخامسة والعشرين من العمر كانت تعمل في مصرف قبل ان تنطلق في مغامراتها الايطالية عندما ادخل الى متجر انظر فقط الى احذية الرجال. هناك الكثير من الاحذية الرجالية القبيحة. اريد ان اركز على الاناقة. في البداية كنت افكر بفتح متجر في ايطاليا لكن مع الازمة الاقتصادية اظن ان الاحذية ستباع بشكل افضل في السعودية.

ماشيزان ماسجوم من سنغافورة يبلغ الحادية والاربعين كان يعمل حتى الان وثائقيا في التلفزيون وهو يحلم بان يغير مجال عمله قائلا ساستهدف النساء العاملات الانيقات. سيكون رائعا ان ترتدي نجمة احذيتي ويسأل الناس ما الاحذية التي تنتعلها؟ ليأتي الجواب انها احذية من تصميم ماشيزان. ويقول ماسجوم في صفنا الكثير من الناس من العالم باسره يتعلمون من المعلم الايطالي نفسه انها العولمة في اجمل حلاتها هناك ازمة لكن كل ازمة تحمل معها فرصا.

دانييلي اورتولاني (31 عاما) هو الايطالي الوحيد الذي يتابع الدروس الصيفية في صناعة الاحذية التي تستمر ثمانية اسابيع وهي بعنوان "فن الجلد". ويقول اشعر باني مختلف وفريد. امل ان اتمكن من النجاح في حياتي المهنية في صناعة الاحذية رغم الصعوبات التي يواجهها الحرفيون في ايطاليا. فقد اضطر الكثير من صانعي الاحذية الحرفيين في ايطاليا الى اغلاق مشاغلهم لعدم وجود طلاب يريدون ان يكملوا الطريق. حتى في فلورنسا حيث تقليد الجلد راسخ منذ قرون. وهذه مفارقة بحد ذاتها اذ ان نحو 40 % من الشباب بين سن الخامسة عشرة والرابعة والعشرين هم عاطلون عن العمل وفق الارقام الاخيرة. بحسب فرانس برس.

لكن امكانية تعلم مهنة صناعة الاحذية الحرفية لدى"معلم" من المدرسة القديمة مكلف . فالدروس المكثفة التي تستمر ثمانية اسابيع تكلف 5100 يورو. واكاديمية رياتشي لا تكتفي ب "فن الجلد" الذي يقوم على صناعة حقائب اليد والاحذية. فهي تقترح الكثير من الصفوف الاخرى مثل فن الطبخ وتصميم المجوهرات والفخار والرسم وترميم اللوحات والتصميم الصناعي حتى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/تشرين الثاني/2013 - 13/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م