كيري واسرائيل... رسائل قاتمة

متابعة : كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبدو ان طلاسم الغموض والشكوك مازالت تحوم حول ماهية عدم وجود تحرك في المفاوضات السلام بين فلسطين وإسرائيل، على الرغم من الجهود الرامية من لدن الولايات المتحدة عن طريق وزير الخارجية الامريكي جون كيري، لذا يبدو ان حدوث انفرجة او اتفاق حول مفاوضات السلام بين طرفي النزاع صعبة التحقيق على المدى القريب، كونها لم تحقق أي تقدم منذ بدايتها قبل ثلاثة أشهر.

فعلى الرغم من محاولة كيري لانقاذ محادثات السلام المتعثرة من خلال اجتماعات منفصلة مع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحثهم المرونة في السياسية والقرارات، الا انه لا يتوقع حدوث تغيير ما لم تقرن الوعود بالافعال.

فالجانبين تبادلا الاتهامات بشأن إعاقة المفاوضات وعبرا عن مشاعر الاحباط من عدم احراز تقدم في المحادثات التي تجري بوساطة أمريكية بهدف حل قضايا جوهرية مثل حدود الدولة الفلسطينية وترتيبات الامن ومستقبل المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة ومصير اللاجئين الفلسطينيين، كما تركز الخلاف العلني بين الجانبين على ربط اسرائيل علانية بين الافراج عن سجناء فلسطينيين وخططها لاقامة مزيد من المنازل الجديدة للمستوطنين، ولعل اعمق خلاف يعيق جهود السلام هو الاستيطان اليهودي في الاراضي الفلسطينية، كما ان المفاوضات تجري حاليا في اجواء ازمة ورغم العشرين اجتماعا التي عقدت فانها مهددة بالفشل الا اذا قرر الوسيط الاميركي التدخل بشكل حاسم.

إذ يرى الكثير من المحللين أن هناك عدة خلافات كبيرة بين الطرفين حول جدولة مواضيع البحث قد تعيق انطلاقة حقيقية وجدية للمفاوضات أذا ما وصلت حد الانهيار،  فالفلسطينيون يطلبون بتجميد الاستيطان وان تكون مرجعية التفاوض الحدود التي سبقت الاحتلال الاسرائيلي للقدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران/يونيو 1967 مع تبادل اراض متماثلة.

في المقابل يريد المفاوضون الاسرائيليون ان تكون مرجعية التفاوض خط الجدار الذي بنته اسرائيل في الضفة الغربية الذي يعزل 9,4 بالمئة من الاراضي الفلسطينية، كما تطالب اسرائيل بوجود عسكري في غور الاردن وهو ما يرفضه الفلسطينيون.

لكن إسرائيل تتجاهل وتناور بشأن هذه النقطة العقبة الرئيسة في المفاوضات فيه لا تزال تدأب على استغلال الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل مفرط وأهملت المرافق الأساسية للحقوق الإنسانية، وحتى قبيل بدأ المفاوضات ما زالت مشاريع بناء المستوطنات وتوسيع الاستيطان على الأراضي الفلسطينية متواصلة على قدم وساق، وفي تزايد مستمر، مما يضعف فرص حدوث اتفاق سلام الى حد كبير، وتعتبر معظم الدول جميع المستوطنات التي شيدتها اسرائيل في الاراضي المحتلة غير قانونية.

كما أن الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي يشكلون وجها آخرا بين طرفي النزاع خصوصا بشأن ما يعرف بالاعتقال الإداري والموروث عن الانتداب البريطاني الذي يسمح لإسرائيل باحتجاز المعتقلين ووضع المشتبه فيه قيد الاعتقال من دون توجيه الاتهام له لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد لفترة غير محددة، فيما يرى بعض المحللين انه كما يبدو لا تلوح في الافق تغييرات ملموسة لحدوث اتفاق للسلام في المستقبل القريب، خصوصا وأن كلا الطرفين مشغول بتحميل الاخر المسؤولية عن فشل الجهود الاميركية، وعليه تضفي المعطيات انفة الذكر

انه لا يوجد أي مؤشر محتملة للتقريب بين طرفي النزاع اذا لم يتحقق تقدم ملموس يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن.

وفي السياق ذاته حذر وزير الخارجية الاميركي جون كيري اسرائيل من عودة الفلسطينيين الى العنف واندلاع انتفاضة ثالثة في حال عدم تحقيق السلام وذلك في مقابلة بثت مقتطفات منها محطتان تلفزيونيتان اسرائيلية وفلسطينية.

ودعا كيري "الى حل مسالة المستوطنات وانهاء الوجود الدائم لجنود اسرائيليين في الضفة الغربية"، وقال كيري في مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي والتلفزيون الفلسطيني "البديل عن العودة الى المفاوضات هو فوضى محتملة"، واضاف "هل تريد اسرائيل انتفاضة ثالثة"، وكانت الانتفاضة الاولى ضد الاحتلال الاسرائيلي استمرت من 1987 وحتى 1993 وتلتها انتفاضة ثانية من عام 2000 وحتى 2005.

وكان كيري يتحدث خلال جولته السابعة الى اسرائيل والضفة الغربية في اطار مساعيه لاعادة الفلسطينيين والاسرائيليين الى طاولة المفاوضات، وهدد الفلسطينيون في وقت سابق بالانسحاب من المحادثات بسبب استمرار الاستيطان الاسرائيلي، واعتبر كيري الاستيطان غير شرعي داعيا الى وقف اعمال البناء الجديدة، وكرر القول ان اسرائيل ستجد نفسها معزولة عن المجموعة الدولية اذا لم تتمكن من صنع السلام.

وقال في مقتطفات المقابلة "اذا لم نجد طريقة لصنع السلام، ستكون هناك عزلة متزايدة لاسرائيل"، واستأنف الاسرائيليون والفلسطينيون مفاوضات السلام المباشرة في اواخر تموز/يوليو الماضي عقب ضغوط كبيرة من واشنطن، بعد تعثرها لثلاثة اعوام، وعقدت حتى الان حوالى 20 جلسة تفاوضية في غضون ثلاثة اشهر.

وحدد المفاوضون الاسرائيليون والفلسطينيون لانفسهم هدفا يقضي بالتوصل الى اتفاق سلام نهائي خلال تسعة اشهر، ويطالب المفاوضون الفلسطينيون بان تعقد المفاوضات على اساس حدود ما قبل الاحتلال الاسرائيلي للقدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران/يونيو 1967 مع تبادل اراض متماثلة.

اما الاسرائيليون فاقترحوا كقاعدة للمفاوضات خط الجدار الذي بنته اسرائيل في الضفة الغربية وليس حدود 1967 كما يطالب الفلسطينيون، بحسب وسائل اعلام اسرائيلية، وعلاوة على ذلك تطالب اسرائيل بالابقاء على وجود عسكري طويل الامد في غور الاردن وان يكون تبادل الاراضي على اساس حاجاتها الامنية، بحسب ما قال مصدر فلسطيني قريب من الملف لوكالة فرانس برس.

وقد جهد وزير الخارجية الاميركي جون كيري في الحؤول دون ان تؤدي الأزمة الناشبة بين الفلسطينيين والاسرائيليين حول ملف الاستيطان الى انهيار مفاوضات السلام، وقال كيري خلال لقاء في القدس مع الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز "ليست مهمة مستحيلة".

وكان قال في وقت سابق "كما في كل مفاوضات ستكون هناك مراحل صعود وهبوط"، مؤكدا اقتناعه بان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو "مصممان على العمل" من اجل سلام دائم.

وقال مسؤول فلسطيني كبير طلب عدم كشف هويته لوكالة فرانس برس "ان اسرائيل تزعم ان هناك اتفاقا حول استئناف الاستيطان في مقابل الافراج عن الاسرى، هذا خاطىء تماما والوفد الفلسطيني طرح ذلك امام الجانب الاميركي"، واكد كيري بعد اجتماعه بعباس في بيت لحم "نعتبر ولطالما اعتبرنا الاستيطان غير شرعي".

وحرص على توضيح ان كون المسؤولين الفلسطينيين والاميركيين على اطلاع على مشاريع الاستيطان فهذا لا يعني الموافقة عليها، واضاف الوزير الاميركي "في ما يتعلق بالعودة الى المحادثات، اود ان يكون جليا تماما ان الفلسطينيين لم يوافقوا في اي وقت من الاوقات وباي شكل من الاشكال على قبول الاستيطان"، واضاف "هذا لا يعني انهم لم يكونوا على علم - او لم نكن نحن على علم - بانه سيكون هناك بناء" استيطاني.

واتهم رئيس الوزراء الاسرائيلي الفلسطينيين باثارة "ازمات مصطنعة" حول محادثات السلام قبيل اجتماعه بكيري في احد فنادق القدس لنحو ثلاث ساعات، واضاف "نحن نحترم تماما ما جاء في الاتفاق والتفاهم الذي بدأنا على اساسه المفاوضات"، وكان يشير الى قبوله شرط الفلسطينيين قبل ثلاثة اشهر الافراج عن 104 اسرى فلسطينيين ورفض طلبهم تجميد الاستيطان، واخذ المفاوضون الاسرائيليون على نظرائهم الفلسطينيين قيامهم بـ"تسريبات" بشان ملف القدس، بحسب وسائل اعلام اسرائيلية.

وكانت الجلسة الاخيرة بين الجانبين صاخبة، واكد كيري "بقيت امامنا ستة اشهر من الجدول الذي وضعناه وانا واثق في قدرتنا على احراز تقدم"، داعيا الجانبين الى التحلي ب"حسن النية"، واضاف الوزير الاميركي الذي كان فرض على الجانبين التكتم على سير المفاوضات "نحتاج فضاء للتفاوض على انفراد وبسرية وبهدوء وسنواصل القيام بذلك"، والتقى كيري مطولا نتانياهو، وفي قطاع غزة الذي تحكمه حماس المناهضة للمفاوضات، تظاهر بضع مئات من الفلسطينيين ضد زيارة كيري.

من جهته قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان محادثات السلام مع الفلسطينيين فشلت في تحقيق تقدم حقيقي وانه يأمل في ان يتمكن وزير الخارجية الامريكي الزائر جون كيري من اعادتهم الى مسار التفاوض.

وكانت الصورة القاتمة التي رسمها رئيس الوزراء الاسرائيلي اليميني مماثلة لتلك التي قدمها مسؤولون فلسطينيون كبار ذكروا ان الخطة الاسرائيلية التي اعلنت الاسبوع الماضي لبناء 3500 منزل في الضفة الغربية المحتلة تمثل عقبة كبيرة في طريق نجاح المفاوضات.

وقال نتنياهو للصحفيين بينما كان يقف الى جواره كيري الذي بدا وجهه جامدا "إنني قلق بشأن التقدم لأنني أرى ان الفلسطينيين يواصلون التحريض ويواصلون خلق أزمات مصطنعة ويواصلون التجنب والهروب من القرارات التاريخية التي هناك حاجة اليها لتحقيق سلام حقيقي."

وقال نتنياهو انه يأمل ان تساعد مباحثات كيري في القدس ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في "اعادة المفاوضات الى مكان يمكننا عنده تحقيق السلام التاريخي الذي نسعى اليه".

من جانبه قال وزير الداخلية الاسرائيلي جدعون ساعر المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لراديو الجيش الاسرائيلي "الفلسطينيون لا يجرون المحادثات عن حسن نية"، وأضاف "الفلسطينيون متمسكون بمواقفهم ولا يظهرون مرونة بشأن مواقفهم المبدئية"، وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمة أذيعت "بعد كل جولات المفاوضات لا يوجد شيء على الأرض"، وتقول اسرائيل ان الاستمرار في بناء وحدات سكنية في المستوطنات في مناطق تزمع الاحتفاظ بها في أي اتفاق سلام هو جزء من تلك التفاهمات التي أدت الى عودة اسرى فلسطينيين -أدينوا بقتل اسرائيليين وأمضوا فترات طويلة رهن الاحتجاز- الى ديارهم، ومع الافراج عن 26 رجلا مضت اسرائيل قدما في خططها لبناء 3500 منزل للمستوطنين في الضفة الغربية في اجراء ينظر اليه على نطاق واسع على انه محاولة من جانب نتنياهو لاسترضاء المتشددين داخل حكومته.

وندد نبيل أبو ردينة وهو متحدث باسم عباس بحملة الاستيطان لكنه قال ان الفلسطينيين مازالوا ملتزمين بالمفاوضات، وقال "المفاوضات مستمرة ونحن ملتزمون بها"، وتابع "مطلوب موقف امريكي واضح وحازم من الاستفزازات الاسرائيلية"، وأضاف "اسرائيل تواصل وضع العراقيل امام المفاوضات وعشية كل زيارة يقوم بها كيري للمنطقة تقوم بمزيد من الاستفزازات وتعلن عن المزيد من العطاءات الاستيطانية"، واتهم نتنياهو الفلسطينيين بالتراجع عما قال انه ارتباط الافراج عن سجناء بالمستوطنات.

وقال في مقابلة مع قناة التلفزيون آي 24 الاسرائيلية "اذا لم يكن بمقدورهم... الالتزام بالاتفاقيات التي لدينا بأن نطلق سراح سجناء على ان نواصل البناء فكيف يمكن ان أرى أنهم سيلتزمون فعليا بالقضايا الاكبر؟"، وعبر عباس الذي كان يتحدث امام المجلس الاستشاري لحركة فتح عن معارضته لأي ربط من هذا النوع، وقال "ربما يكون هناك بعض التوترات في القريب والسبب فيها أن إسرائيل تقول نحن أخرجنا الأسرى وغير قادرين على تحمل هذا ولذلك نزيد الاستيطان يعني أنهم هم من ربط الاستيطان بالأسرى.. هذه المعادلة قد تفجر الوضع والمفاوضات ما زالت دون نتائج"، وتعتبر معظم الدول المستوطنات التي أقامتها اسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية غير مشروعة. بحسب رويترز.

وقالت وسائل اعلام اسرائيلية ان كيري الذي منح الجانبين مهلة تسعة اشهر للتوصل الى اتفاق يزمع في يناير كانون الثاني طرح اقتراح سلام اذا لم يتحقق تقدم كبير، وفي مؤتمر صحفي في الرياض قال كيري انه لا توجد مثل هذه الخطة "في هذه المرحلة من الزمن".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تشرين الثاني/2013 - 9/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م