نفط ليبيا... يجعل منها دولة متعددة الرؤوس

 

شبكة النبأ: أزمة النفط في ليبيا والتي تكلف البلاد خسائر بمليارات الدولارات تعتبر من واكبر التحديات. التي تواجه الحكومة الحالية التي عجزت عن إعادة الأمن والاستقرار كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على أن انعكاسات تراجع الإنتاج النفطي على ليبيا يمكن أن تكون خطرة جدا خصوصا وان النفط يشكل 94% من عائداتها من النقد الأجنبي، وهو ما قد يجبر الحكومة الى سحب احتياطيها النقدي لتجنب الأزمة والتمكن من سداد الرواتب والوفاء بالتزاماتها الأخرى، وربما سيدخل البلاد في دوامة العنف العام وهو ما سيجبر الكثير من دول العالم على البحث عن مصادر بديلة لنفط الليبي، وفي هذا الشأن فقد هبطت صادرات ليبيا من النفط لأقل من عشرة في المئة من طاقتها الإجمالية مع قيام محتجين بوقف العمليات في الموانئ والحقول الواقعة في غرب البلاد موجهين ضربة لجهود الحكومة التي تهدف إلى إنهاء أزمة تعطل الأنشطة النفطية المستمرة منذ ثلاثة أشهر.

وتراجعت صادرات ليبيا عضو منظمة أوبك من النفط الخام إلى نحو 90 ألف برميل يوميا إذ قالت مصادر في ليبيا وفي الأسواق إن صادرات الخام توقفت من مرفأي الزاوية ومليتة. وكانت الحكومة تعتمد على الإيرادات المستقرة نسبيا من الموانئ الغربية في الأسابيع الأخيرة بينما تكافح للتوصل إلى اتفاق مع المحتجين الذين يغلقون المنشآت الكبيرة في شرق البلاد والذين يطالب بعضهم بحصة أكبر من الثروة النفطية.

واستطاعت ليبيا زيادة صادراتها النفطية إلى نحو 450 ألف برميل يوميا على مدى الشهر الماضي مع أن ذلك المستوى يقل كثيرا عن طاقة التصدير قبل الحرب التي كانت حوالي 1.25 مليون برميل يوميا. لكن توقف بعض العمليات مجددا أطال أمد أسوأ أزمة في صناعة النفط الليبية منذ الحرب الأهلية في 2011. ولا تعمل حاليا مرافئ نفطية سوي المنصتين البحريتين الجرف والبوري.

وقال ريتشارد مالينسون محلل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى إنرجي أسبكتس الاستشارية يبدو أن الاحتجاجات الأخيرة من فعل المجموعات نفسها التي حاولت الحكومة تقديم امتيازات لها وهو ما يشير إلى أن الوعود لم تتحقق أو أن الجماعات تطالب الآن بالمزيد. وفي الوقت نفسه لم يظهر الحراس الذين يسيطرون على المرافئ الرئيسية في وسط وشرق البلاد أي بوادر على التراجع.

وقال رئيس الوزراء الليبي علي زيدان إن صادرات النفط من ميناء مرسى الحريقة في شرق البلاد ستستأنف وإن الحكومة تسعى لتلبية مطالب المحتجين هناك. وتبلغ طاقة مرسى الحريقة 110 آلاف برميل يوميا. والنفط هو المصدر الرئيسي للإيرادات في ليبيا التي تفقد دخلا بنحو 130 مليون دولار يوميا بحسب ما قاله زيدان.

وأصبحت الحكومة في طرابلس معزولة بشكل متزايد منذ أوائل الصيف ولديها إمكانات محدودة للسيطرة على الاضطرابات خارج العاصمة وهو ما ظهر واضحا حينما اختطف زيدان لفترة قصيرة. وتوقفت صادرات النفط من الزاوية بعدما تم إغلاق حقل الشرارة الذي يغذي الميناء. وصدر الزاوية نحو 200 ألف برميل يوميا في المتوسط في أكتوبر تشرين الأول بحسب بيانات ملاحية. وقال مسؤول في المؤسسة الوطنية للنفط إن السكان المحليين اقتحموا منشآت في حقل الشرارة الذي ينتج 330 ألف برميل يوميا والذي يغذي الميناء ومصفاة الزاوية التي تبلغ طاقتها 120 ألف برميل يوميا.

وقالت مصادر إن الصادرات توقفت أيضا من مرفأ مليتة المملوك للمؤسسة الوطنية للنفط وشركة إيني الإيطالية بسبب احتجاج لمجموعة من أبناء الأقلية الأمازيغية تطالب بحقوق سياسية. وقالت مصادر تجارية ومحلية إن حقل الفيل الذي يغذي المرفأ لا يزال يعمل. وقالت مصادر ملاحية وتجارية إن التحميل في مرفأ البريقة في الشرق لا يزال متوقفا بسبب مشكلات في الكهرباء أدت إلى توقف معظم الإنتاج.

على صعيد متصل ما زالت الاقلية الامازيغية تغلق انبوب غاز يغذي محطات للكهرباء في مدن ليبية وتطالب بمراجعة قانون لادراج خصوصياتها الثقافية في الدستور. وصرح رئيس المجلس المحلي لمدينة نالوت صلاح القرادة ان الانبوب النفطي الذي يقع على بعد 50 كلم من مدينة نالوت غرب ما زال يغلقه متمردون سابقون من الامازيغ في جبل نفوسة. وتابع انهم ثوار من المنطقة واغلقوا الانبوب للمطالبة بمراجعة المادة 30 من الاعلان الدستوري التي تنص على تحديد الاكثرية في اللجنة الدستورية بالثلثين زائدا واحدا. واوضح انه مع هذه الاكثرية لا يمكن للامازيغ ادراج حقوقهم في الدستور المقبل.. لانهم اضافة الى اقليتي توبو والطوارق لن يملكوا اكثر من ستة مقاعد من 60.

وتابع ان الامازيغ اقترحوا تنظيم استفتاء على قضايا الخصوصيات الثقافية للاقليات او تبني مبدأ الاجماع في اللجنة الدستورية. واضاف "اقترح المؤتمر الوطني العام تعديل المادة 5 من القانون الانتخابي للجنة الدستورية لادراج مبدا الاجماع لكن هذا الاقتراح لا يلبي مطالب الامازيغ. بحسب فرانس برس.

وقدم المؤتمر الوطني وهو اعلى هيئة سياسية في البلاد مشروع تعديل المادة الخامسة لكنه لم ينل نصاب 120 نائبا لتبنيه، بحسب المتحدث باسمه عمر حميدان. وفي تموز/يوليو اعلنت اقليات توبو والامازيغ والطوارق التي تطالب بادراج لغاتها وحقوقها الثقافية والاتنية في الدستور الليبي المقبل انها ستقاطع انتخابات اللجنة الدستورية.

سحب الاحتياطي الاجنبي

في السياق ذاته قال وزير المالية الليبي الكيلاني عبد الكريم الجازي ان ليبيا قد تبدأ السحب من احتياطياتها المالية إذا لم يتم التوصل الى حل لانهاء الاحتجاجات التي تصيب القطاع النفطي بالشلل. ويخسر البلد العضو في منظمة اوبك حوالي 130 مليون دولار يوميا بسبب اضرابات عمالية وحصار ميليشيات ونشطاء سياسيين لمعظم الحقول والمواني النفطية في ليبيا. والجيش والشرطة الليبيان غير مجهزين بشكل جيد للتعامل مع محتجين مسلحين.

وتشكل الايرادات النفطية حصة الاسد في ايرادات ليبيا. ومن شان هبوط يستمر لفترة طويل في انتاج النفط ان يكون له اثار مدمرة على مالية الدولة المثقلة بالفعل باعباء الانفاق على الدعم والرواتب بما في ذلك رواتب عشرات الالاف من المقاتلين السابقين في حرب 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي.

وقال الجازي الاضرابات بدأت في منتصف يوليو. ولهذا نحن بدأنا نشعر بنقص في التدفق النقدي. إذا كنا نتحدث عن باقي 2013 فنحن نتوقع اننا على الارجح سنحتاج الي استخدام مصادر اخرى الي جانب الميزانية..الي جانب الحسابات الحكومية. وقال ان مبيعات نفطية مؤجلة ساعدت في تعزيز ايرادات الدولة في النصف الاول من 2013 لكنه لم يقدم ارقاما. بحسب رويترز.

وتبلغ ميزانية ليبيا للعام الحالي 67 مليار دينار (54 مليار دولار) يجري تمويلها الي حد كبير من صادرات النفط التي كانت تدر أربعة مليارات دولار شهريا عندما وصلت في وقت سابق هذا العام الي مستوياتها قبل الحرب التي كانت تبلغ حوالي 1.6 مليون برميل يوميا. وتملك ليبيا احتياطيات اجنبية تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار ولدى صندوقها السيادي للثروة اصول قيمتها 60 مليار تشمل اسهما وسندات ومنتجات مالية وحيازات في شركات.

 الخروج من ليبيا

من جانب اخر قالت مصادر إن ليبيا عرقلت جهود شركة النفط الأمريكية ماراثون أويل لبيع حصتها في واحدة من كبرى مشروعات النفط في البلاد مما يبرز الصعوبات التي يواجهها المستثمرون في تقليص تعرضهم للاضطرابات في ليبيا. وكانت مصادر أبلغت أن ماراثون تدرس بيع حصتها في شركة الواحة للنفط التي تبلغ طاقتها الإنتاجية القصوى 350 ألف برميل يوميا وتنتج الخام الخفيف الخالي من الكبريت وهو الخام الرئيسي الذي تنتجه ليبيا.

وقال وزير النفط الليبي عبد الباري العروسي في وقت لاحق إن المؤسسة الوطنية للنفط قد تشتري حصة ماراثون رغم أن شركات أخرى مهتمة بشراء الحصة دون أن يذكر أسماء هذه الشركات. لكن مصدرا كبيرا في قطاع النفط الليبي قال إن ماراثون قررت عدم بيع الحصة بعد محادثات مع المؤسسة الوطنية للنفط. وأشار المصدر إلى أن العقود تلزم شركات النفط الأجنبية بالحصول على موافقة المؤسسة الوطنية للنفط على أي عملية بيع ويعطي المؤسسة أيضا حق الشفعة في بيع أي حصة.

وقال غيرت الشركة رأيها. أشارت ماراثون باعتبارها شريكا إلى رغبتها في بيع حصتها. وأجرت محادثات مع المؤسسة الوطنية للنفط وأعتقد أنه قبل الحصول على الموافقة تغيرت الأمور بالنسبة للشركة. آخر ما نما إلى علمي هو إلغاء الصفقة. وذكر مصدر آخر مطلع على الأمر أن المؤسسة الوطنية للنفط أبلغت ماراثون أنها ستجهض أي صفقة من خلال تقديم عرض لشراء الحصة وأنه على الشركة الأمريكية أن تتوقع عرضا أقل من القيمة السوقية. وأبلغ المصدر فكرة انسحاب ماراثون لم ترق للحكومة.

فقد رأت أن ذلك سيبعث رسائل سلبية في ضوء المناخ السياسي. وذكر المصدر أن هناك بعض الاهتمام الصيني بحصة ماراثون لكن المحادثات لم تحرز تقدما كبيرا حتى تبين أن المؤسسة الوطنية للنفط ستجهض أي صفقة. ولم يحدد المصدر المشتري الصيني المحتمل. بحسب رويترز.

وتسبب عمال مضربون وميليشيات ونشطاء سياسيون في إغلاق عدة مرافئ نفطية رئيسية في ليبيا لنحو ثلاثة أشهر مما كبد الحكومة وشركات النفط الأجنبية العاملة هناك خسائر تقدر بمليارات الدولارات. وفي الربع الأول شكل إنتاج ماراثون في ليبيا نحو سبعة بالمئة من إجمالي إنتاج الشركة. غير أن الواحة كانت من بين الشركات الأشد تضررا من إغلاق مرفأ السدرة أكبر مرافئ النفط في ليبيا والمتوقف عن العمل منذ يوليو تموز.

وتملك كل من ماراثون وكونوكو فيليبس 16.3 في المئة في امتياز الواحة في حين تملك هيس كورب 8.2 بالمئة وتملك المؤسسة الوطنية للنفط الليبية 59.2 بالمئة. وكانت اكسون موبيل قالت إن الوضع الأمني لم يعد يسمح بوجود كبير لها في ليبيا في حين تخلت رويال داتش شل العام الماضي عن منطقتي امتياز بسبب نتائج مخيبة للآمال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/تشرين الثاني/2013 - 7/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م