إيران... بين وعود روحاني وثوابت خامنئي

متابعة :  كمال عبيد

 

شبكة النبأ: منذ تولي الرئيس الايراني حسن روحاني السلطة اختلفت الأجواء بقوة فيما يتصل بعلاقات إيران المضطربة سواء مع العالم الخارجي أو في الداخل، إذ يبدي روحاني الجديد زعامة أكثر مرونة وجرأة بعد تسلمه مقاليد الرئاسة، وذلك من خلال تعهداته بتحسين وتغيير الشؤون الداخلية الايرانية على المستوى السياسية، الاقتصادية، الحقوقي، الثقافي.

وقد تجسدت هذه التعهدات باجراء اصلاحات في تحرير السياسة والحقوق والثقافة عندما افرجت ايران عن عدد كبير من ناشطي حقوق الانسان ومن بينهم المحامية نسرين سوتوده الحائزة جائزة ساخاروف عام 2012 الذين اعتقلوا لانهم نددوا بعمليات تزوير خلال اعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد في حزيران/يونيو 2009، كما وعد الرئيس الايراني المعتدل بمزيد من الحرية، وقد افرج في الاسابيع الاخيرة عن عدد من الصحافيين الاصلاحيين، أضافةً لطلبه من الشرطة ان تكون اكثر تساهلا بشأن مسالة الحجاب، أما على الصعيد الخارجي وعد روحاني بتبني نهج بناء بشكل اكبر تجاه المحادثات من اجل تخفيف العقوبات الاميركية والاوروبية القاسية المفروضة على ايران، فقد اتبع نهج اقل تصادما من محمود احمدي نجاد الذي تعرضت ايران تحت رئاسته التي استمرت ثماني سنوات لعقوبات دولية تزداد شدة، وقد تجسدت بالتقارب الايراني الامريكي غير المسبوق منذ ثلاثة عقود تقريبا.

ويرى الكثير من المحللين يبدو أن إيران تسعى لعلاج مشاكل قديمة سواء في الداخل أو الخارج، ويرى البعض أن هذا في حد ذاته علامة على أن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي يريد سياسية اكثر اتزانا.

إذ يرى الكثير من المحليين ان حسن روحاني يمثل فرصة ممكنة لحل المشكلا الداخلية والخارجية، إلا أنهم حذروا من أن رجل الدين المعتدل لا يملك زمام الأمور لفرض تغييرات، وسيظل القول الفصل للزعيم الاعلى آية الله علي خامنئي، ويحتاج اي تغيير لموافقته.

فيما يرى بعض المحللين المتخصصين بالشأن الايراني انه لا يوجد في الوقت الراهن اي اشارة حاسمة لتحسن الاوضاع وخاصة في مجال حقوق الانسان في الجمهورية الاسلامية على الرغم من وعود الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني، وتدين منظمات الدفاع عن حقوق الانسان والدول الغربية الرقابة التي تفرضها السلطات الايرانية خصوصا للوصول الى الانترنت او وسائل الاعلام.

لكن يرى أغلب المحللين يبدو ان الزعيم الايراني الجديد سيعتمد على إستراتيجية حكم مرنة من خلال اعتماد مبدأ المصلحة السياسية بغطاء براغماتي، بهدف تكوين -استراتجية سياسية جديدة- اكثر مع المجتمع الدولي وداخل النظام الايراني ايضا، فكما يبدو ان انتخاب هذا الرئيس المعتدل في هذه المرحلة الحساسة محليا وإقليما ودوليا ليس انتخاب تلقائي وانما وجود أجندة بالتوافق مع القيادة العليا في ايراني لاجتياز هذه المرحلة بانتخاب رئيس معتدل براغماتية.

لكن في الوقت نفسه توقع محللون آخرون بان مهمة روحاني تتسم بالصعوبة، إذ يتعين عليه الانكباب سريعا على انجاز مهمته الشاقة محليا ودليا، فعلى الرغم من ان المشهد مهيئاً للتغيير التدرجي من خلال المرونة في السياسية والقرارات، الا انه لا يتوقع حدوث تغيير ما لم تقرن الوعود بالافعال.

في سياق متصل بدا عدد كبير من المعتقلين السياسيين الايرانيين اضرابا عن الطعام احتجاجا على عدم حصولهم على الرعاية الطبية المناسبة كما اكدت منظمات دولية للدفاع عن حقوق الانسان، وفي بيان مشترك ابدى الاتحاد الدولي لحقوق الانسان ومركز الدفاع عن حقوق الانسان ورابطة الدفاع عن حقوق الانسان في ايران قلقها من قرار اكثر من 80 "سجين راي" الاضراب عن الطعام بعد ان "حرموا من العلاج الطبي المطلوب".

ومن بين هؤلاء المحامي عبد الفتاح سلطاني العضو المؤسس لمركز الدفاع عن حقوق الانسان مع حائزة نوبل للسلام المحامية شيرين عبادي، وبدأ سلطاني المعتقل في سجن ايوين، شمال طهران، اول الشهر الجاري اضرابا عن الطعام "احتجاجا على رفض السلطات تقديم المساعدة الطبية لعشرات المعتقلين".

كما بدأ نحو 80 معتقلا "اضرابا عن الطعام لثلاثة ايام" في سجن راجيشهر القريب من كرج، على بعد نحو مائة كلم غرب طهران، ويندد المضربون خاصة ب"تدخلات" اجهزة الامن خلال نقل المعتقلين الى المستشفيات ورفض السلطات دفع المصاريف الطبية المكلفة، وقال كريم لحجي رئيس الاتحاد الدولي لحقوق الانسان والذي يعد من الد اعداء النظام ان "السلطات تتصرف على ما يبدو بشكل انتقامي مع سجناء الراي الذين اعتقلوا لمجرد انهم مارسوا حقوقهم، وعلاوة على اعمال التعذيب التي يتعرضون لها في الحبس المؤقت والعقوبات القاسية التي تنزل بهم بعد محاكمات غير عادلة فانهم يحرمون من الرعاية الصحية المفروض حصولهم عليها"، ونددت شيرين عبادي رئيسة مركز الدفاع عن حقوق الانسان الحائزة نوبل للسلام لعام 2003 والتي تعيش حاليا في المنفى بانه "في السنوات الاخيرة توفي اكثر من عشرة سجناء راي بسبب الاهمال المنهجي وغالبا في ظروف مريبة داخل السجون الايرانية". بحسب فرانس برس.

ودعت هذه المنظمات غير الحكومية الى اصدار مشروع قرار في الامم المتحدة يكشف "الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في ايران"، وفي تقرير نشر لاحظ مقرر الامم المتحدة الخاص لحقوق الانسان في ايران احمد شهيد عدم وجود "اي بادرة تحسن" رغم وعود الرئيس الجديد المعتدل حسن روحاني، ووصفت طهران تقرير شهيد بانه "غير موضوعي وغير بناء" رافضة "اتهامات عارية عن الاساس تخطاها الزمن".

على الصعيد نفسه وبعد أربعة أشهر من انتخاب حسن روحاني رئيسا لإيران تعيد البلاد النظر في الإقامة الجبرية المفروضة على اثنين من قيادات المعارضة وإن كان المحافظون يخشون عواقب رفعها عن شخصيتين مازالتا في منزلة الأبطال في عيون كثير من الإيرانيين.

لم يوجه أي اتهام إلى الزعيمين المعارضين مير حسين موسوي ومهدي كروبي المسؤولين البارزين السابقين واللذين تخطى عمر كل منهما السبعين، لكن الاثنين تحت رقابة مشددة منذ أوائل 2011 رغم أنهما يعانيان مشاكل صحية.

موسوي وكروبي كانا ممن رشحوا أنفسهم للرئاسة وقادا "الحركة الخضراء" التي شككت في صحة نتائج الانتخابات التي أعادت محمود أحمدي نجاد للرئاسة في 2009، وقال محمد تقي ابن كروبي والذي يقيم في بريطانيا "الوضع السياسي تغير تماما منذ تولى السيد روحاني السلطة والحبس المفروض على والدي أحسن بلا شك في بعض الأوجه مما كان عليه من قبل... لكن هذا الحبس غير قانوني على الإطلاق وفقا للقانون الإيراني. ما من شك في هذا."

تقرر العفو عن عشرات المعتقلين السياسيين في إيران كما يبدي روحاني عزما على رفع القيود الاجتماعية والسياسية التي فرضت خلال فترتي أحمدي نجاد في الرئاسة، لكن الأمر معقد بالنسبة لحالة موسوي الذي كان رئيسا للوزراء خلال معظم سنوات الثمانينات وكروبي الذي كان رئيسا للبرلمان. فمنذ أربع سنوات خرجت حشود ضخمة للشوارع احتجاجا على فوز أحمدي نجاد في انتخابات اعتبروا نتائجها مزورة.

أخمدت قوات الأمن الاحتجاجات وفي عام 2011 فقد الزعيمان المعارضان حريتهما بعد أن وجها نداء بالاحتشاد تأييدا للاحتجاجات التي كانت تجتاح العالم العربي، وهذا الشهر أعلن وزير العدل مصطفى بور محمدي أن المجلس الأعلى للأمن القومي يعيد النظر في ملفيهما، وشهد هذا المجلس الذي يشرف على السياسة الدفاعية والأمنية للبلاد تعديلات تعكس تغير العهد في إيران. بحسب رويترز.

من جهة أخرى اعرب المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية اية الله علي خامنئي عن دعمه لمبادرات الرئيس حسن روحاني تجاه الغرب، الا انه انتقد بعض جوانب زيارته الى الامم المتحدة والتي تحدث خلالها مع نظيره الاميركي باراك اوباما.

وقال خامنئي امام عدد من القادة العسكريين والجنود الخريجين في تصريحات نشرت على موقعه "نؤيد المبادرة الدبلوماسية للحكومة ونولي اهمية لانشطتها خلال هذه الرحلة"، الا انه اضاف ان "بعض ما حصل خلال الزيارة الى نيويورك لم يكن في محله .. رغم اننا نثق بمسؤولينا" "، بدون ان يوضح ما يقصد بتلك الجوانب.

وادت المحادثة الهاتفية بين روحاني واوباما في 27 ايلول/سبتمبر وهي اول اتصال دبلوماسي بين رئيسي ايران والولايات المتحدة، الى كسر الجليد بين البلدين اللذين انقطعت العلاقات بينهما منذ 1979، وبالنسبة لخامنئي الذي له الكلمة الفصل في جميع امور الدولة بما فيها شؤون السياسة الخارجية، فان الشك في الولايات المتحدة لا يزال عميقا. بحسب فرانس برس.

فقال خلال المناسبة العسكرية "اننا متشائمون بشان الاميركيين ولا نثق بهم. الحكومة الاميركية غير جديرة بالثقة ومتغطرسة ولا تفي بوعودها"، وراى سعيد ليلاز المعلق السياسي المؤيد للاصلاح المقيم في طهران ان انتقادات خامنئي يجب ان لا تطغى على النهج الايراني الاكثر ليونة بشان سياستها الخارجية، وقال "حتى لو وجه المرشد الاعلى بعض الانتقادات، يجب ان لا ننسى انه لو لم يمنح الاذن لما تمت المبادرة الدبلوماسية".

وجاءت زيارة روحاني الى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة بعد ان منح خامنئي الاذن للحكومة باظهار "ليونة بطولية"، ما انعش امال الغرب في احداث انفراج في المحادثات المتوقفة منذ وقت حول برنامج ايران النووي المثير للخلاف.

وصرح خامنئي امام الحرس الثوري في 17 ايلول/سبتمبر ان "المرونة البطولية مفيدة للغاية وضرورية في بعض الاحيان، ولكن مع التمسك بشرط رئيسي واحد"، واضاف "ان المصارع يظهر مرونة احيانا لاسباب فنية. ولكنه لا ينسى خصمه او هدفه الرئيسي".

واثارت المحادثة الهاتفية بين روحاني واوباما كذلك انتقادا من الحرس الثوري الذي قال قائده محمد علي جعفري انه كان على الرئيس الايراني الانتظار لان تقدم الولايات المتحدة تنازلات قبل ان يوافق على اجراء المكالمة الهاتفية.

وقال ليلاز ان معارضة المتشددين لاي تقارب سريع مع الغرب مفهومة نظرا للعداوات الطويلة تجاه الولايات المتحدة وكذلك "لعوامل السياسة الداخلية"، الا ان دعم خامنئي للمبادرات الدبلوماسية الحكومية ينسجم مع "التغير في موقف الجمهورية الاسلامية الصلب بشان سياستها الخارجية"، بحسب ليلاز، واضافة الى المكالمة الهاتفية بين روحاني واوباما، فقد التقى وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف نظيره الاميركي جون كيري في نيويورك لمناقشة المحادثات بين ايران والقوى العالمية بشان برنامج طهران النووي.

على صعيد مختلف طلب الرئيس الايراني حسن روحاني من الشرطة ان تكون متساهلة اكثر في المسائل الاجتماعية خصوصا قضية ارتداء الحجاب، ونقلت وكالة انباء فارس عن الرئيس قوله في خطاب في المعهد الوطني للشرطة "اذا كان يجب توجيه تحذير (...) على الشرطة ان تكون اخر من يعطيه"، واضاف "على نسائنا ان يشعرن بالامان والارتياح بوجود قوات الشرطة" معتبرا انه يجب تعليم احترام اللباس الاسلامي "في المدارس والجامعات والمساجد".

وتقوم وحدات خاصة من الشرطة بعمليات بانتظام في الشوارع للتحقق من تطبيق صارم للباس الاسلامي الذي يلزم النساء في ايران على ارتداء الحجاب، ويمكن للمخالفات ان يتعرضن لتحذير شفهي او غرامة او التوقيف لعدة ساعات، واضاف ان الترويج للفضيلة في المجتمع يجب ان يتم من خلال مكافحة الفقر والبطالة وليس المواجهة مع الشرطة. بحسب فرانس برس.

وفي ايلول/سبتمبر دعا روحاني الشرطيين الى تطبيق القانون المتعلق بالحجاب في اطار احترام الكرامة وتجنب "الاساليب المتطرفة"، من جهته انتقد وزير الثقافة الايراني علي جنتي عمل هيئة الرقابة في وزارته في عهد الرئيس السابق محمود احمدي نجاد (2005-2013)، ونقلت صحيفة ارمان الاصلاحية عن الوزير قوله "تبلغت بحزن انه لم يسمح بصدور بعض الكتب على اساس آراء شخصية فقط"، وقال "لو لم يكن القرآن منزلا ورفع الى لجنة مراقبة الكتب (لكان اعضاء هذه اللجنة) قالوا ان بعض الكلمات غير متطابقة مع العفة وكانوا رفضوا السماح بنشره".

من جانب آخر قال المقرر الخاص للامم المتحدة بشأن حقوق الانسان في ايران احمد شهيد في تقرير قدمه الى الجمعية العامة للامم المتحدة انه احصى 724 حكما بالاعدام جرى تنفيذها في ايران بين كانون الثاني/يناير 2012 وحزيران/يونيو 2013، بينها 202 حالة في النصف الاول من 2013، واضاف ان غالبية هذه الاحكام مرتبطة بقضايا مخدرات، مجددا مطالبته السلطات الايرانية بان "تعيد النظر بالقوانين التي تعتبر قضايا المخدرات جرائم تستوجب عقوبة الاعدام".

وجدد المقرر كذلك مناشدته السلطات الايرانية "تجميد تنفيذ كل احكام الاعدام في ايران وحظر عمليات الاعدام في الساحات العامة بما في ذلك الرجم"، ودعا كذلك الى ان تكون عقوبة الاعدام محصورة بالجرائم الاكثر خطورة في نظر القوانين الدولية.

الى ذلك منعت لجنة الاشراف على الصحف الايرانية صحيفة بهار (الربيع) الاصلاحية من الصدور لنشرها مقالة تشكك بحسب منتقديها ب"المعتقدات الشيعية" كما اوردت وسائل الاعلام الايرانية، وصرح سكرتير اللجنة علاء الدين ظهوريان "ان اللجنة منعت (صدور) صحيفة بهار ونقلت ملفها الى القضاء"، والمقالة المذكورة التي نشرت اثارت انتقادات كثيرة، وقدمت ادارة الصحيفة اعتذاراتها مؤكدة ان المقالة كانت "مخالفة للخط السياسي للصحيفة" وتحدثت عن "خطأ غير مقصود"، وامام مواصلة الاحتجاجات علقت الصحيفة صدورها، وفي اواخر 2012 عاودت بهار وصحف يومية اصلاحية اخرى الصدور خاصة صحيفة "شرق" بعد حظرها لسنوات عدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/تشرين الثاني/2013 - 7/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م