الشخصية المعنوية للمنظمات غير الحكومية

آليات اكتسابها وآليات انقضاءها

جميل عودة/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

 ظهرت في نطاق العمل المدني في العراق مصطلحات مثل (جمعية غير ربحية) أو (نقابة مهنية) أو (اتحاد مهني) أو (نادي اجتماعي) أو (مؤسسة خيرية) أو (منظمة غير حكومية) غير ربحية، وهي تنظيمات خاصة ينشئها الأفراد بمبادرة خاصة منهم كاستجابة تلقائية للشعور بالحاجة إلى تنظيم الصفوف من أجل ممارسة نشاط ما. وتعتمد هذه المنظمات في تمويلها بشكل أساسي على اشتراكات الأعضاء والتبرعات التي تحصل عليها، سواء من أفراد أو من هيئات رسمية وغير رسمية.

 والسؤال المطروح هنا هو كيف تكتسب الجمعيات غير الربحية أو المنظمات غير الحكومية شخصيتها المعنوية التي تمكنها من ممارسة أنشطتها الاجتماعية بشكل قانوني، سيما الركن الشكلي، أي الاعتراف بها لتكون أهلا لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، وفقا لقوانين الجمعيات غير الربحية أو المنظمات غير الحكومية؟

 قبل الإجابة على هذا السؤال لابد أن نتعرف على ماهية الشخصية المعنوية، وما هي أركان الشخصية المعنوية، وكيف تنقضي الشخصية المعنوية للجمعية غير الربحية، وما هي الآثار المترتبة على انقضاءها؟

 عرف الشخص المعنوي بأنه: (مجموعة من الأشخاص أو الأموال ترمي إلى تحقيق هدف معين بواسطة أداة خاصة ويمنح الشخصية المعنوية بالقدر اللازم لإدراك هذا الهدف)، أو (عبارة عن تجمع لأشخاص وأموال يعترف به المشرع بصفته كائنا قائما بذاته مستقلا عن كيانات الأشخاص أو الأموال المكونة له وذلك لأجل تحقيق أهداف معينة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية) ولا تورد أغلب التشريعات المدنية تعريفاً للشخص المعنوي على الرغم من أنها تقر بهذه الفكرة، إذ تكتفي بتنظيم الأحكام المتعلقة بها دون إيراد تعريف، وهذا هو الحال في القانون العراقي.

 وللشخص المعنوي ثلاثة أركان: الأول هو الركن المادي وهو وجود (جماعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال التي يضمها تنظيم معين يكفل لها مباشرة نشاطها تحقيقاً لغرضها الذي قامت لأجله. والثاني هو الركن المعنوي أي الغاية التي يسعى الشخص المعنوي إلى تحقيقها أو يقوم لأجلها فجماعة الأشخاص أو مجموعة الأموال ينبغي أن ترصد لتحقيق هدف معين يستقل عن الأهداف الخاصة للأفراد المكونين للشخص المعنوي، وتختلف تبعاً لاختلاف طبيعته أنواع الأشخاص المعنوية، فمتى كان الهدف عاما كان الشخص المعنوي عاما، ومتى كان يحقق مصلحة جماعة معينة كان الشخص المعنوي خاصا، وفي كلتا الحالتين تتباين الأهداف بين المادية وغير المادية، كالدينية والخيرية …الخ. والثالث هو الركن الشكلي وهو أن تعترف الدولة بالشخصية المعنوية للجمعية، فمع هذا الركن تبدأ الشخصية المعنوية ويصبح بالإمكان القول بوجود نظام قانوني يصبح من خلاله الشخص المعنوي أهلا لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات وغيرها مما يترتب عليه من نتائج.

 إن ثبوت الشخصية المعنوية لجماعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال لا يعني أن تلك الجماعة ستظل تتمتع بهذه الشخصية بشكل أبدي لا زوال له، بل، قد تطرأ على هذه الجماعة ظروف عادية أو قاهرة تؤدي إلى انتهاء الشخصية المعنوية وزوال الكيان القانوني الذي تتمتع بها، منها ما يكون تلقائياً راجعاً إلى الشخص المعنوي ذاته، ومنها ما يقرره القانون أو الدولة ممثلة بإحدى سلطاتها، أو يقرره الأعضاء الذين يتكون منهم.

 ويتحقق الانقضاء بالطريق التلقائي إذا فقد الشخص المعنوي أحد أركانه التي لا يقوم إلاّ بها كالركن الموضوعي (جماعة الأشخاص، مجموعة الأموال) أي لا يبقى شخص أو تنتهي الأموال أو حقق الغرض المنشود منه أو تبين استحالة تحقيقه أو انتهى أجله الذي يحدده له سند إنشائه، أو إذا زال ركنه الشكلي الذي يمثل أهليته القانونية فيما لو سحبت الدولة اعترافها به لانعدام شروطه أو لاعتبارات معينة تراها.

 أما الانقضاء بطريق استثنائي فنميز فيه أمرين: الأول: عندما يكون الانقضاء راجعاً إلى قوة القانون أو إرادة الأعضاء المكونين للشخص المعنوي فيكون حله اختيارياً، كما لو تحقق إجماعهم أو اتفقوا بأغلبية معينة على حله. الثاني: عندما يكون الانقضاء راجعا إلى قوة القانون أو إرادة الدولة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، فيكون حلاً إجبارياً، كما لو تثبت مخالفته لأحكام القانون أو للنظام العام أو الآداب.

 وبالنسبة إلى الآثار التي تترتب على زوال الشخص المعنوي وانقضائه فهي تتمثل بصورة عامة في زوال جميع الحقوق غير المالية وبعض الحقوق المالية (كحق الانتفاع)، أما عن الحقوق والالتزامات المالية الأخرى فنميز بخصوصها بين فرضين: الأول: إذا كان الانقضاء تاماً حيث يفترض فيه زوال الشخص المعنوي زوالاً كاملاً لا يعود له بعده وجود على الإطلاق، في هذه الحالة يجب أن تصفى ذمته من كل الحقوق والالتزامات، وهذا يقتضي استمرار شخصيته خلال فترة معينة تسمى فترة التصفية. وفي هذه الحالة يتميز ما كان يستهدف الربح من الأشخاص المعنوية مما لم يكن كذلك، ففي الأول توزع الحقوق على الأعضاء بعد التصفية، وفي الثاني يؤول المتبقي منها إلى شخص معنوي آخر مقارب له في الغرض.

 الثاني: إذا لم يكن الانقضاء كاملا ولم يرتب زوال الشخص المعنوي تماما، كما لو تجزأ إلى عدة أشخاص معنوية، أو اتحدت هذه الأخيرة في شخص واحد جديد، فعندئذ تؤول جميع الحقوق والالتزامات إلى الشخص أو الأشخاص المعنوية الجديدة التي حلت محل تلك المنقضية.

 يتضح مما تقدم أن التمتع بالشخصية المعنوية يستلزم وجود جماعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال أولا، ثم وجود هدف تسعى إلى تحقيقه ثانيا، ثم حصولها على الأهلية القانونية (الاعتراف) التي تمكنها من إجراء تصرفاتها القانونية للحصول على حقوقها أو الوفاء بالتزاماتها ثالثا، وهي الأركان الثلاثة للشخصية المعنوية، كما ورد آنفا. وأتضح أيضا أن حياة الشخص المعنوي وإن كانت أطول من حياة الشخص الطبيعي ولكنها تنقضي أيضا سواء بشكل طبيعي أو بشكل استثنائي.

 بعد هذه المقدمة لابد أن نتعرف على طرق إثبات الشخصية المعنوية للجمعيات غير الربحية والمنظمات غير الحكومية ثم نتعرف على وسائل انقضاءها وحلها بشكل قانوني. ولكي نتعرف على طرق إثبات الشخصية المعنوية للجمعيات غير الربحية أو المنظمات غير الحكومية وطرق انقضاءها لابد أن نرجع إلى قوانين الجمعيات العراقية نفسها، فهي التي حددت آليات تأسيس الجمعيات غير الربحية واليات انقضاءها.

 ففي أول تشريع للجمعيات في السنة الثانية لتأسيس الدولة العراقية والذي عُرف بـ(قانون الجمعيات) لسنة 1922، أشارت المادة (4) إلى أنه (لا يجوز تأسيس جمعية بدون أذن الحكومة وهذا الإذن يستحصل بالكيفية المبينة في المادة الآتية...) وهذا يعني أن أي جمعية تؤسس ولا تحصل على إذن من الحكومة العراقية لا تتمتع بالشخصية المعنوية لفقدانها ركن الاعتراف بها.

 أما في قانون الجمعيات رقم (63) لسنة 1955 فقد ورد في (الفقرة د من المادة 7) أنه (لا تعتبر الجمعية منشاة إلا بأذن وزير الداخلية وفق الفقرة (ب) أو بحكم الفقرة (ج) ولا يحق للأعضاء قبل اكتساب الجمعية هذه الصفة ممارسة أي عمل من أعمال الجمعية المنصوص عليها في نظامها) وفي حال موافقة وزير الداخلية على تأسيس هذه الجمعية (تكون للجمعية شخصية معنوية لها حق التقاضي أمام المحاكم والتصرف بأموالها المعينة في نظامها وفق هذا القانون) وفقا للمادة (12) من القانون آنف الذكر.

 ولكن قانون الجمعيات رقم (1) لسنة 1960 في المادة (6) نص على أن (تثبت الشخصية المعنوية للجمعية بمجرد إنشائها ولا يحتجّ بهذه الشخصية المعنوية قبل الغير إلا بعد أن يتم إعلان نظام الجمعية في الجريدة الرسمية بطلب منها) أما قانون الجمعيات رقم (13) لسنة 2000 فقد أشار في المادة 10 (تكتسب الجمعية الشخصية المعنوية بعد الموافقة على تأسيسها ونشر نظامها الداخلي في الجريدة الرسمية) وأما قانون المنظمات غير الحكومية في (المادة 8) الفقرة خامساً (تكتسب المنظمة الشخصية المعنوية من تأريخ صدور شهادة).

.....................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

موبايل/009647712421188

http://adamrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/تشرين الاول/2013 - 26/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م