السيسي ورئاسة مصر... هل استعاد العسكر ما فقده؟

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: من خلف الستار برزت شخصية الفريق اول الركن عبد الفتاح السيسي متصدرة المشهد السياسي والامني في مصر، وتلعب دورا محوريا على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي، مثيرة في الوقت ذاته جدلا غير منقطع حول ضبابية هذه الشخصية والجهات التي تقف ورائها.

وبات الكثيرين يرون في السيسي عودة لروح الرئيس السابق لمصر جمال عبد الناصر، محاولين في هذه التوصيف استعادة رمز قومي استطاع ان يقبض على مقدرات الدولة بيد من حديد، واكتسب شعبية محلية واقليمية فريدة من نوعها.

فعلى الرغم من كون السيسي يشغل رسميا منصب وزير الدفاع، الا ان اغلب المراقبين يجدون فيه القائد والمسير الاول للامور في مصر والقابض على دفة السلطة بجميع تشكيلاتها.

وبعد شهور من الاضطراب في مصر يلح ضباط الجيش على قائده الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي يتمتع بشعبية كبيرة أن يترشح للرئاسة بعد أن كانت انتفاضة عام 2011 قد أحيت آمالا في تغيير ديمقراطي في الدولة التي هيمن عليها العسكريون طويلا.

وكان الجيش عزل الرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي وهو أول رئيس منتخب في اقتراع حر في أوائل يوليو تموز بعد مظاهرات ضخمة مناوئة له. ومنذ ذلك الحين تشهد مصر التي تكرر تعثر التغيير السياسي فيها احتجاجات شبه يومية كما شهدت تفجيرات واشتباكات متفرقة قتل فيها المئات.

وظهور عسكري من جديد في سدة الحكم من شأنه أن يثير قلق منظمات حقوق الإنسان الدولية والحلفاء الغربيين مثل الولايات المتحدة وأن يثير احتمال زيادة العنف على أيدي معارضي السيسي.

وقالت سلمى علي مسؤولة العلاقات الاعلامية في لندن لجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي "حسب القانون الدولي.. نعتبر اي عملية نفذت بعد الانقلاب غير شرعية ولا تمثل الشعب المصري."

وذكرت مصادر في الجيش أن كبار الضباط أبلغوا السيسي في سلسلة اجتماعات على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة ببواعث قلقهم بخصوص القلاقل السياسية. وقال ضابط في الجيش طلب ألا ينشر اسمه "أبلغناه بأننا نحتاج إلى الحفاظ على الاستقرار. مصر تحتاجه والشعب يحبه ويريده. يضاف لذلك من غيره يمكن أن يترشح؟ ليس هناك من هو في مثل شعبيته."

وكان الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أطاحت به انتفاضة 2011 كثيرا ما يشير إلى "الاستقرار" كشغل شاغل وهو يسحق معارضيه على مدى 30 عاما. وأثارت الانتفاضة ضد مبارك التي قادها نشطون ليبراليون ثم انضم إليها الإسلاميون الآمال في ديمقراطية مدنية بعد ستة عقود من حكم العسكريين. بحسب رويترز.

ومنذ عزل مرسي قتل مئات الإسلاميين في احتجاجات واشتباكات واعتقل آلاف آخرون بينهم مرسي وقياديون آخرون في جماعة الإخوان المسلمين. لكن هذا لم يضع حدا للاضطرابات وزادت هجمات الإسلاميين المتشددين في سيناء بشدة منذ عزل مرسي. وألحق الاضطراب الضرر بالسياحة والاستثمار.

لكن السيسي ظهر كشخصية تتمتع بشعبية جارفة. وانتشرت صوره في كل مكان وشكلت قطع الشوكولاتة على هيئته وتباع في الشوارع حلي تحمل صورته. ويعتقد كثير من المصريين أنه سيفوز إذا رشح نفسه للرئاسة.

وقال ضابط في الجيش إنه وكثيرا من زملائه يساندون السيسي. وقال "نختلف فيما بيننا في الشؤون السياسية طول الوقت. وكانت لنا وجهات نظر مختلفة في عهد مبارك وفي عهد مرسي لكننا الآن متفقون على السيسي."

وبعث السيسي في المقابلات الإعلامية بإشارات متباينة بخصوص احتمال ترشحه قائلا إنه لا يسعى للسلطة لكنه ترك الاحتمال قائما في احدث مقابلة. وأشار عدد من ضباط الجيش في مقابلات مع رويترز إلى إن السيسي صار أكثر تقبلا للفكرة في الشهر الأخير. وقال ضابط كبير "كان يقول من قبل (لا يمكن). الآن يقول (فلننتظر ونرى... إن كان هذا ما يحتاجه البلد ويريده الشعب فلا يمكن أن نخذلهم." وأضاف "إلى الآن لم يقدم إجابة مباشرة بخصوص ما إذا كان سيرشح نفسه لكننا ندرك أنه يستمع إلينا ولا يرفض الفكرة."

ويرى كثيرون أن الجيش هو الخيار الوحيد. ويعاني معسكر الليبراليين واليساريين من الضعف والانقسامات الحادة ولم يتمكن من اكتساب قواعد جماهيرية فعالة. بل وقال بعضهم إنهم يؤيدون ترشح السيسي للرئاسة.

وقالت حملة يعمل لها شباب وليبراليون تسمى "كمل جميلك" إنها جمعت توقيعات 15 مليون مصري يطالبون السيسي بالترشح. وأيد سعد الدين إبراهيم وهو نشط بارز قضى سنوات في السجن في عهد مبارك الحملة ووصف السيسي بأنه من أنقذ مصر من الظلام.

وقالت منى أحمد وهي ربة بيت عمرها 63 عاما "أنا أحب السيسي وهو رئيسي سواء رشح نفسه أم لا. هو شاب وصلب العود ومتدين أيضا. هو كل المصريين في واحد."

والمح الفريق اول عبد الفتاح السيسي في مقابلة نشرتها صحيفة الى انه لا يستبعد الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 2014. وقال السيسي ردا على سؤال لصحافي "المصري اليوم" الذي سأله عن امكانية ترشحه للرئاسة "الله غالب على امره".

وقال للصحيفة ان ''الامر الذي تتحدث فيه امر عظيم وجلل". واضاف "لكنني اعتقد ان الوقت غير مناسب الآن لطرح هذا السؤال في ظل ما تمر به البلاد من تحديات ومخاطر تتطلب منا جميعا عدم تشتيت الانتباه والجهود بعيدا عن انجاز خطوات خارطة المستقبل التي سيترتب عليها واقع جديد يصعب تقديره الآن'' وتابع بعد صمت للحظات ''الله غالب على أمره''.

ورغم ان لجنة الخمسين التي شكلت لتعديل دستور 2012 لم تحدد بعد شكل النظام السياسي للبلاد وهل سيكون رئاسيا ام برلمانيا ام شبه رئاسي، الا ان الصحف المصرية تفيض بالتكهنات والتحليلات حول ما اذا كان السيسي هو المرشح الافضل للرئاسة خلال المرحلة الراهنة.

وعلى شبكة الفيسبوك ظهرت حملات تدعو لترشح السيسي الذي ترى فيه قطاعات واسعة من المصريين، بل ان ثلاثة من ابرز مرشحي الرئاسة في الانتخابات الاخيرة عام 2012، حمدين صباحي وعمرو موسى واحمد شفيق، اقروا بان السيسي هو الاكثر شعبية في مصر الان واعلنوا انهم لن يخوضوا غمار المنافسة اذا ما قرر الترشح.

وقال موسي مؤخرا في مقابلة مع صحيفة الشروق إن "ما يريده المصريون الآن فى الرئيس القادم، هو ان يكون رئيسا حاسما باترا، قادرا على اتخاذ القرار الحازم مهما كانت فعاليته السياسية، على ألا يتعارض مع الدستور، فالمزاج المصرى الآن أصبح غاضبا خائفا من الفوضى والإرهاب".

وتابع "يتبادر إلى الذهن المصرى مباشرة أن المطلب رئيس عسكرى، وقد يكون هناك مدني يفهم ذلك، ويقدر عليه، و(لكن) الفريق عبد الفتاح السيسى، فى لحظتنا تلك هو أكثر الناس شعبية فى مصر وإذا ترشح فسيفوز باكتساح، وذلك طبقا للوضع الحالى واللحظة الراهنة".

وقال اليساري القومي حمدين صباحي الذي جاء ترتيبه الثالث في اخر انتخابات رئاسية في مقابلة مع برنامج على قناة النهار الفضائية الخاصة ان السيسي "الاكثر شعبية الان" وانه اصبح "بطلا شعبيا" موضحا انه لو قرر وزير الدفاع الترشح فانه سيمتنع عن دخول سباق الرئاسة.

اما اخر رئيس وزراء في عهد مبارك احمد شفيق الذي خسر الجولة الثانية من انتخابات 2012 امام مرسي فاكد في مقابلة مع قناة دريم 2 الخاصة انه اذا خاض السيسي الانتخابات "ستكون له الأولوية المطلقة".

حرب التسجيلات

الى ذلك مازالت حرب التسجيلات المسربة مستمرة بين شبكة رصد المقربة من حركة الإخوان المسلمين في مصر، وجريدة "المصري اليوم" مع بثّ الأولى مقطعا جديدا من مقابلة أجرتها المؤسسة الثانية مع الفريق عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري وبدا فيه يقول إنه لم يؤكد لحمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، ومؤسس التيار الشعبي، عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وأضاف السيسي فى تسجيله المزعوم قائلا: "كل من يلعب في الساحة الآن، لمجرد فقط أنني لم أقل أني سأترشح. حمدين صباحي جاء عندي هنا، ولم أقل له أني لن أنزل وقال لي إن لم تدخل سأدخل وإن دخلت سأنتخبك "فلم أعلق"، فخرج في اليوم الثاني وقال إن السيسي أكد لي أنه لا يرغب."

وقالت الشبكة إنّ التسجيل يكشف عن أزمة سياسية بين الفريق عبدالفتاح السيسي وبين حمدين صباحي، وذلك بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وعلى صعيد متصل، قالت شبكة رصد إن "ادعاء رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم فبركة المقاطع التي نشرتها الشبكة لحوار الأخير مع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي هو محاولة للتغطية على ما أراد ستره من نصائح لتدعيم موقف السيسي في الدستور الجاري صياغته الآن."

غير أنّ صحيفة "المصري اليوم" ردّت بأنّ مستشارها القانوني التقى النائب العام المساعد، لتقديم "بلاغ الصحيفة ضد شبكة رصد الإخوانية، واتهم البلاغ الشبكة بالسرقة وإذاعة أخبار كاذبة، وطالب بمحاكمة مسؤولى الشبكة ووقف موقعها."

فيما قال رئيس حزب الوفد المصري الليبرالي إن انتخاب رئيس للبلاد غير القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي يوجد ازدواجية في السلطة.

وقال السيد البدوي الذي كان حزبه ضمن أحزاب قليلة مسموح لها بالعمل في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك "لا أستطيع أن أقول إن حزب الوفد يؤيد أو يطالب بترشيح السيسي فهذه المسألة لم تطرح للمناقشة داخل حزب الوفد لكن لو قرر الفريق عبد الفتاح السيسي ترشيح نفسه أعتقد انه لا يوجد أحد ذو ثقل سياسي سيترشح أمامه."

وأضاف البدوي "وجود رئيس - ايا كانت خلفيته - في ظل وجود وزير دفاع أو قائد عام للقوات المسلحة يحظى بكل هذا التأييد الشعبي يجعل من الجيش سلطة ومن الرئاسة سلطة أخرى."

ونفى البدوى أن يكون ما حدث بعد مظاهرات حاشدة يوم 30 يونيو حزيران انقلابا عسكريا أو أن يؤدي ترشح السيسي إلى عسكرة الدولة مؤكدا أن حزبه الذي قاد انتفاضة شعبية ضد الاحتلال البريطاني عام 1919 "ضد الحكم الديني وضد الحكم العسكري."

لكنه أضاف "تولي وزير الدفاع - بعد أن يخلع بذلته العسكرية - رئاسة الجمهورية في ظل دستور قاربنا على الانتهاء منه يحدد سلطات رئيس الجمهورية تحديدا ضيقا جدا... يعني أن السلطة الإدارية في البلاد هي الحكومة التي تشكل من حزب الأغلبية أو حزب الأكثرية وائتلاف حاكم."

وتعكس تصريحات البدوي تغيرا كبيرا في مواقف كثير من الليبراليين والمصريين ممن كانوا يطالبون منذ أشهر قليلة فقط بانهاء ما يرون انها عقود من الحكم العسكري الدكتاتوري الفاشل الذي لم يجلب سوى الفقر والفساد.

وتابع البدوي وهو عضو في لجنة الخمسين التي تعكف على تعديل الدستور "هنا لا يمكن أن نتحدث عن الدولة العسكرية فعسكرة الدولة تعني أن كل مؤسسات الدولة يديرها عسكريون."

وقال البدوي "أن يترشح أحد قادة القوات المسلحة ثم يختاره الشعب هذه إرادة شعبية." وأضاف انه ليس ثمة ما يدعو الى القلق من ان يسيء السيسي استخدام صلاحياته الرئاسية لان الدستور الذي يجري اعداده حاليا سيحد من سلطات الرئيس ويمنح السلطة التشريعية آلية لمحاسبة الرئيس ومحاكمته او عزله.

وقال البدوي "الجيش لم يكن يخطط لانقلاب في 30 يونيو...لكن لو لم يكن انحاز للشعب في ذلك اليوم لوقعت البلاد في حرب أهلية." لكنه أكد أن شبح الحرب الأهلية قد تبدد الآن قائلا "الأمر حسم" وأضاف "لم نكن نتوقع أن تدخل مصر في معركة مع الارهاب بهذه الشراسة.. تصورنا أن هذا خلاف مع رئيس فشل في إدارة شؤون البلاد وكان يجب أن ندخل في اشتباك أفكار واشتباك سياسي. لكن وجدنا اننا نشتبك مع مسلحين.. هذه ظروف استثنائية."

وحزب الوفد جزء من جبهة الانقاذ وهي مظلة تضم مجموعة من الاحزاب الليبرالية واليسارية المدنية والتي تختلف فيما بينها في التوجهات الاقتصادية وإن كانت تتفق في الكثير من التوجهات السياسية.

ويقول البدوي إن حزبه الذي يمتد تاريخه لما قبل ثورة عام 1952 التي أطاحت بالملكية يتبنى مثل بقية اعضاء جبهة الانقاذ مفهوم العدالة الاجتماعية ويعمل من خلال موقعه بلجنة الدستور على إرساء هذا المفهوم والزام الدولة به.

لكنه يعارض توجهات احزاب أخرى بالجبهة فيما يتعلق بكيفية تحقيق العدالة الاجتماعية التي يرى ان الدستور الجديد سيكفلها بالنص على الحق في السكن والتعليم والغذاء وسيعمل الحزب على تحقيقها من خلال تشجيع الاستثمار.

وتطالب بعض الاحزاب الاشتراكية باجراءات تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وترى ان منها فرض ضرائب تصاعدية على الدخول وحدا أدنى للأجور وغيرها من الإجراءات التي تعيد للاذهان التوجه الاشتراكي للحقبة الناصرية من تاريخ البلاد.

ويقول البدوي إن العدالة الاجتماعية تتحقق إما بضغط الانفاق أو بنظام ضريبي يضمن ذلك لكنه يضيف "أنا كحزب أعترض على أن تكون الضريبة التصاعدية نصا في الدستور... احيانا تصل الضريبة التصاعدية إلى مستويات طاردة للاستثمار."

وتابع "وسيلتي لتحقيق العدالة الاجتماعية ليست الضرائب بل تشجيع الاستثمار.. الاستثمار العربي والاجنبي والمحلي.. هذه هي الوسيلة الوحيدة لخلق فرص عمل. لن يتم احتواء البطالة في ظل الحرب على الاستثمار. بعض الاحزاب اليسارية والاشتراكية تنظر للمستثمر على انه لص جاء لينهب أموال الشعب المصري."

ورغم هذا الخلاف الحاد مع التيار اليساري والناصري يقول البدوى إن تحالفات حزبه لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة ستشمل الحزب الناصري بقيادة حمدين صباحي وحزب الكرامة وهو حزب ناصري آخر مشيرا إلى البعد القومي الذي يجمع بينهم.

توقع البدوى أن يحقق حزبه نجاحا كبيرا في الانتخابات البرلمانية المقبلة في حال أن تجرى الانتخابات بنظام القوائم وليس بالنظام الفردي. وقال "الاخوان ينافسون في الفردي بقوة شديدة جدا لكن لو قوائم اتوقع أن يأخذ الوفد نسبة كبيرة" من المقاعد.

وتابع "هناك توجيه من بعض الجهات لإجراء الانتخابات بالنظام الفردي وهذه مسألة ستؤدي إلى وأد الديمقراطية وتنتهي بنا إلى عدم وجود أحزاب سياسية قادرة على تداول السلطة وهذا من شأنه إعادة انتاج نظام مبارك خلال عشر سنوات."

وتوقع البدوي أن تقاطع جماعة الاخوان المسلمين رسميا الانتخابات القادمة لكنه قال "هناك شخصيات أخرى ستدخل غير معروفة لنا جميعا بدعم من الاخوان المسلمين مثلما دخلوا في انتخابات عام 2005."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/تشرين الاول/2013 - 24/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م