ازمة الميزانية الامريكية... اوباما يسقط الجمهوريين بالثلاثة!

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: انعكست ازمة الميزانية بشكل سلبي شديد التأثير على الحزب الجمهورية الامريكي بعد ان عرقلة الاخير على تمريرها في سياق الصراع السياسي القائم مع الديمقراطيين.

اذ بدى الكونغرس الامريكي في اشد حالات الانقسام بصورة غير مسبوقة منذ اكثر من ستين عقد خلى، على الرغم من محاولات التسوية التي رعتها بعض الجهات الوسطية.

وحصد أوباما خلال الايام القليلة تأييد ملحوظ للرأي الامريكي، يوازيه غضب على تعنت الجمهوريون امام قرار تمرير الميزانية وما افضى ذلك الرفض من تداعيات على الشؤون الاجتماعية والاقتصادية داخليا اولا وخارجيا ثانيا.

حيث بدى الاقتصاد الامريكي امام المجتمع الدولي في وضع يثير القلق ويدعو الى المراجعة، بعد ان ابدت الكثير من الدول الدائنة خشيتها من عدم قدرة واشنطن تسديد استحقاقاتها من الديون.

فقد ظهرت استطلاعات للرأي ان الأمريكيين يشككون في كفاءة زعماء الكونجرس بعد إغلاق أنشطة حكومية لأكثر من أسبوعين ومتشائمون بشأن سلامة الاقتصاد حاليا وفي المستقبل.

وقال نصف المشاركين في استطلاع أجري بالتعاون بين صحيفة يو.إس.ايه توداي ومؤسسة برنستون لابحاث الرأي إن أداء الكونجرس سيكون افضل إذا تم تغيير جميع اعضائه في حين قال أربعة في المئة فقط إن الأداء سيكون أسوأ.

وقال أكثر من 70 بالمئة ممن شاركوا في استطلاع أجري بالتعاون بين سي.إن.إن وأو.آر.سي انترناشونال إن الظروف الاقتصادية في البلد سيئة حاليا وتنبأ ستة من كل عشرة بأن تظل كذلك خلال عام من الآن.

وقال أكثر من 70 بالمئة أيضا إن أغلب أعضاء الكونجرس لا يستحقون فترة ولاية جديدة وقال أربعة من كل عشرة نفس الشيء بالنسبة لممثليهم في الكونجرس.

وألقى اكثر من نصف الأمريكيين في استطلاع أجري بالتعاون بين ايه.بي.سي نيوز وواشنطن بوست باللوم على الجمهوريين في الكونجرس في الأزمة بشأن الميزانية في حين حمل 29 بالمئة أوباما المسؤولية بينما ألقى 15 بالمئة بالمسؤولية على الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالتساوي.

وأجريت جميع الاستطلاعات خلال الأيام التي أعقبت الاتفاق الذي اقره الكونجرس في 16 اكتوبر تشرين الأول ووقعه أوباما لينهي الاغلاق الجزئي لأنشطة الحكومة.

وأظهرت الاستطلاعات أن اغلاق أنشطة الحكومة والمفاوضات ثم التوصل إلى اتفاق في نهاية المطاف لرفع سقف الاقتراض واعادة فتح الأنشطة اضر بمعدلات التأييد للجمهوريين بالكونجرس أكثر من غيرهم.

كما تراجعت صورة الحزب الجمهوري الى ادنى مستوى تاريخي لها اثر ازمة الشلل في الميزانية الاميركية، وفق استطلاع الرأي.

واظهر الاستطلاع ان قرابة ثلثي الاميركيين (63%) لديهم رأي سلبي تجاه هذا الحزب مقابل 32% لديهم راي ايجابي، وهو ادنى مستوى تاريخي.

ونشأت ازمة الميزانية بفعل تصلب موقف حزب الشاي، الجناح الاكثر محافظة في الحزب الجمهوري، وذلك بربطه الموافقة على اقرار الميزانية بتعطيل الاصلاح الذي اقره اوباما لنظام التأمين الصحي.

وبعد 16 يوما من الشلل الجزئي للدولة الفدرالية، اقر الكونغرس في اللحظات الاخيرة تسوية في الميزانية ورفعا لسقف المديونية، ما ابعد موقتا شبح تخلف الولايات المتحدة اكبر اقتصاد في العالم عن سداد مستحقاتها. وبحسب هذا الاستطلاع فإن ربع الاميركيين فقط لديهم رأي ايجابي بحزب الشاي بعد ازمة الميزانية.

مع ذلك، لا يخرج الحزب الديموقراطي بزعامة الرئيس باراك اوباما من دون خسائر. فإن اكثر من 60% من الاشخاص المستطلعة اراؤهم يعارضون الطريقة التي قام بها الديموقراطيون بالمفاوضات المتعلقة بالميزانية وقد بلغت الاراء السلبية تجاه الديموقراطيين مستوى قياسيا عند 49%.

ويحمل اكثر من نصف الاميركيين (53%) الجمهوريين مسؤولية الازمة، و29% منهم لاوباما و15% يحملونها بالتساوي للطرفين. واجري الاستطلاع بين 17 و20 تشرين الاول/اكتوبر على عينة تمثيلية من حوالى الف شخص.

التداعيات المدمرة

من جانبه حض الرئيس الاميركي باراك أوباما خصومه على وقف اللجوء الى ازمات تضر بالولايات المتحدة كما قال، داعيا الكونغرس الى التفاهم حول موازنة على المدى الطويل واصلاح الهجرة.

وقال اوباما في كلمة وجهها من البيت الابيض ان "سوء الاداء السياسي يشجع اعداءنا ويضعف اصدقاءنا".

واعتبر الرئيس الاميركي انه لا يوجد "اي رابح" على اثر الازمة السياسية حول الموازنة والمديونية التي اصابت الدولة الفدرالية بالشلل طيلة اكثر من اسبوعين.

وغداة الاتفاق في الكونغرس الذي ابعد موقتا شبح تخلف الولايات المتحدة عن السداد، دعا الرئيس الديموقراطي الى وقف الصراعات والتصويت على موازنة على المدى البعيد لاعطاء المزيد من "الثقة" للمتعاملين الاقتصاديين.

لكن شلل الادارات الفدرالية الاميركية سيترك تداعيات على الاقتصاد. وبحسب وكالة ستاندارد اند بورز للتصنيف الائتماني، فان الشلل سيكلف النمو الاقتصادي الاميركي 0,6 نقطة مئوية في الربع الاخير من العام، اي ما يعادل خسارة 24 مليار دولار من الثروة المنتجة.

وقال الرئيس الاميركي ايضا "لنكن واضحين، لا يوجد اي رابح هنا. الاسابيع الاخيرة الحقت باقتصادنا ضررا دون اي مقابل". واضاف اوباما "لا يوجد شيء على الارجح يضر باقتصادنا ومصداقيتنا في العالم سوى المشهد الذي عشناه في الاسابيع الاخيرة".

وكان أوباما وقع القانون الذي تم التصويت عليه في اللحظة الاخيرة في الكونغرس الاميركي لرفع سقف الدين العام الاميركي، ما شكل خاتمة لاخطر ازمة سياسية اثناء ولايته الثانية.

لكن الحل الموقت الذي تم التوصل اليه يثير الخشية من مواجهات جديدة بين الجمهوريين واوباما الذي لا يزال يسعى الى تحقيق نجاحات تشريعية في ولايته الثانية.

وطلب اوباما من خصومه التخلي عن "استراتيجية الاوضاع الحرجة" التي تهدد الاقتصاد وتزعزع ثقة الاميركيين في حكومتهم، كما قال.

وبشكل اكثر تحديدا، طلب اوباما من النواب الجمهوريين في مجلس النواب ان ينكبوا على اصلاح قانون الهجرة الذي تبناه هذا الصيف مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الديموقراطيون. وتطرق ايضا الى ضرورة تبني قانون حول الزراعة، وهو مجمد ايضا.

واقر مجلس الشيوخ ثم مجلس النواب على التوالي وبغالبية واسعة قانون التسوية الذي اعلن عنه قبل بضع ساعات بعد مفاوضات مكثفة واسابيع من الخلافات النيابية.

وتسمح هذه التسوية للخزانة بالاقتراض حتى السابع من شباط/فبراير وتتيح تمويل الدولة الفدرالية حتى 15 كانون الثاني/يناير.

كما طلب من كافة الموظفين الفدراليين الذين وضعوا في اجازة بدون راتب منذ 16 يوما بسبب ازمة الميزانية، العودة الى العمل اعتبارا من صباح الخميس. وستدفع لهم رواتبهم مع مفعول رجعي.

لكن هذه التسوية تبقى موقتة لانها تتيح بضعة اشهر فقط أمام الفريقين للتوفيق بين مواقفهما بشأن الميزانية. وستدعى لجنة من المجلسين لتضع قبل 13 كانون الاول/ديسمبر أطر ميزانية للاشهر المتبقية من العام 2014. الا ان اعضاء الكونغرس المنقسمين بين ديمقراطيين وجمهوريين ابدوا حتى الان عجزهم عن ايجاد ارضية تفاهم.

وبعد قرابة عام على اعادة انتخابه، تبقى الحصيلة التشريعية للرئيس الاميركي هزيلة بسبب عدم تعاون الجمهوريين.

وهؤلاء الذين منيوا بنكسة كبيرة مع رئيس مجلس النواب جون باينر الذي طالب خلال اسابيع السلطة التنفيذية بتقديم تنازلات، وخاصة بشأن النفقات الاجتماعية قبل اي تصويت على الميزانية، لا يزالون مناهضين لاي زيادة على الضرائب سواء عبر زيادة السحوبات من الاكثر يسرا او الغاء الملاذات الضريبية.

وقد جمد المحافظون في الاشهر الاخيرة كل الاعمال التشريعية المهمة لاوباما اي اصلاح قانون الضريبة او وضع اطار صارم لحركة نقل الاسلحة النارية.

وقبل اوباما، اقر نائب الرئيس جو بايدن الذي رحب بموظفي وكالة حماية البيئة العائدين الى وظائفهم، بانه لم يتم تحقيق عهد جديد من التعاون.

وقال بايدن "لا توجد اي ضمانة. لكني اعتقد ان عددا من الديموقراطيين وعددا كبيرا من الجمهوريين قالوا (في الكونغرس) +كفى+. لم يكن هناك اي تبرير اقتصادي" لهذه الازمة. واضاف "آمل ان يكون الجميع استخلصوا العبر".

مكانة الدولار

الى ذلك ادت المواجهة حول الدين في الولايات المتحدة الى زعزعة الثقة في ادارة واشنطن المالية وفي الدولار كعملة عالمية موثوقة، لكن المحللين في اسيا يؤكدون الا بديل عن العملة الخضراء.

وانتقدت الصين واليابان اكبر مالكي سندات الخزينة الاميركية التعطيل السياسي في البرلمان وحذرتا من ان التخلف عن السداد الذي تم تجنبه في اللحظة الاخيرة كان سيزعزع الاقتصاد العالمي ويهدد استماراتهما الكبيرة في الدين الاميركي وقيمتها 2,4 تريليون دولار. وتوصل النواب الاميركيون الاربعاء الى اتفاق مؤقت لرفع سقف الدين.

لكن المواجهة السياسية نسفت "مصداقية العملة الخضراء كعملة احتياط عالمية موثوقة، وهي سبق ان بدات تعاني بسبب عمليات طبع متكررة للعملة" على ما افادت صحيفة ذي اوستراليان في اشارة الى خطة الاحتياطي الاميركي (البنك المركزي) لشراء سندات بقيمة 85 مليون دولار شهريا.

وحذرت من انه اذا ما كانت واشنطن غير قادرة او لا تري تولي اعبائها، فسيبادر اخرون الى ملء الفراغ.

وقالت الصحيفة ان "السلطات الصينية تتوق الى ان تقوم عملتها بدور اكبر في سوق اسهم الاحتياط العالمية". "ففيما تناشد بكين علنا السياسيين الاميركيين رفع سقف دين بلادهم، فانه يسعدها ضمنا الاستقرار النسبي لعملتها اليوان".

ودعت وكالة شينخوا الرسمية الصينية الى "عالم غير متأمرك" فيما انتقدت غلوبال تايمز المتحدثة باسم الحكومة "عدم القدرة على الاعتماد على الولايات المتحدة" محذرة من ان وضع البلاد كقوة عظمى بات مهددا.

وقالت غلوبال تايمز في مقالة ان الصين "تملك قدرة هائلة على الدخول في منافسة مع العم سام نظرا الى ان هذا الحجم الهائل من الدين الوطني يعني مستوى معينا من التاثير".

وواجه الدولار عدة تحديات منذ احتلاله مكانة الجنيه الاسترليني في موقع العملة الاساسية في التجارة العالمية في القرن الفائت.

واتخذت الصين مبادرات لتعزيز مكانة اليوان في التبادلات التجارية، لكن هذه العملة لا يمكن تحويلها بحرية الى العملات الرئيسية الاخرى ما يعرقل اي تحد للدولار بحسب محللين.

وصرح كبير اقتصاديي معهد ان ال اي للابحاث في طوكيو سوسومو دويهارا ان "التسوية ليست الا تاجيلا لحل المشكلة".

ولا يمكن للعالم الا ان يرحب ويامل ان ترتب الولايات المتحدة اوضاعها الداخلية بحسبه. واضاف "لا اعتقد ان وضع السندات الاميركية كاسهم امنة سيتغير...فما من بديل".

في السياق ذاته اعلنت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني انها تدرس احتمال خفض التصنيف الممتاز "ايه ايه ايه" الممنوح لدين الولايات المتحدة بسبب الازمة السياسية حول مسألة رفع سقف الدين التي تشل واشنطن.

ووضعت الوكالة الفرنسية الاميركية دين الولايات المتحدة السيادي على المدى البعيد على قائمة "المراقبة السلبية" مشيرة الى ان "السلطات الاميركية لم ترفع سقف الدين في الوقت المطلوب قبل ان تستنفد الخزانة تدابيرها الاستثنائية".

وفيما يضغط الوقت في غياب اي بوادر تسوية في اللحظة الاخيرة في الكونغرس، حذرت الخزانة من ان كل امكانات الاقتراض المتوافرة لديها ستنفد بحلول 17 تشرين الاول/اكتوبر ما لم يتم الاتفاق على رفع سقف الدين.

ولن يبقى في صناديقها سوى 30 مليار دولار تقريبا في وقت تواجه استحقاقات اكبر بكثير.

واكدت وكالة فيتش انه بالرغم من انها "لا تزال على ثقة بان سقف الدين سيرفع قريبا، الا ان المزايدات السياسية والحد من هامش المناورة المالية قد يزيدان من مخاطر تعثر الولايات المتحدة في السداد".

واذ لفتت الى ان الخزانة تبقى لديها قدرة محدودة على تسديد مدفوعات بعد 17 تشرين الاول/اكتوبر الا انها تابعت انها "قد تكون رغم ذلك عرضة لتقلبات العائدات والنفقات".

وتلقت ادارة الرئيس الاميركي الديموقراطي باراك اوباما هذا الاعلان ببرودة وقال المتحدث باسم الخزانة ان "هذا الاعلان يعكس الضرورة الملحة لان يتحرك الكونغرس لتبديد خطر التعثر هذا الذي يلقي بظله على اقتصادنا".

وتابع "ان الاعلان يظهر بشكل واضح ان قرار فيتش مرتبط فقط بالمناورات السياسية وليس بالظروف الاقتصادية للولايات المتحدة".

وقال "انه تحد سياسي يمكن تسويته بسهولة اذا ما صوت الكونغرس على رفع سقف الدين واعادة فتح ابواب الحكومة". وذكرت فيتش ايضا ان "المفاوضات المطولة حول سقف الدين بعد ما حصل في اب/اغسطس 2011 قد تنال من الثقة في الدور الذي يلعبه الدولار كعملة احتياط رئيسية". لكنها شددت في المقابل على ان معطيات الاقتصاد الاميركي الاساسية "قوية". وفيتش هي اصغر وكالات التصنيف الائتماني بعد ستاندارد اند بورز وموديز.

وفي اب/اغسطس 2011 خلال الازمة السابقة حول رفع سقف الدين الاميركي، اثارت ستاندارد اند بورز صدمة كبرى بتخفيضها تصنيف الولايات المتحدة الممتاز "ايه ايه ايه" الذي كان يسمح لها مبدئيا بالاقتراض من الاسواق بادنى نسبة فوائد، الى درجة "ايه ايه +".

واتخذت الوكالة قرارها في ذلك الوقت اثر مأزق سياسي كان مستمرا منذ اشهر وبات يهدد الولايات المتحدة بالتعثر في السداد.

وفي بيان اصدرته مطلع الشهر عند الاعلان عن الاغلاق الجزئي لوكالات الدولة الفدرالية بسبب عدم تصويت الكونغرس على الميزانية، ابقت ستاندارد اند بورز على تصنيفها "ايه ايه +" مع توقعات مستقرة.

لكنها حذرت بانه "اذا ما تخلفت الحكومة عن تسديد خدمة دينها، فسوف نخفض تصنيف دينها السيادي الى +تخلف انتقائي+ ما يشير الى ان الولايات المتحدة تخلفت عن الايفاء بواحدة او اكثر من واجباتها المالية".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/تشرين الاول/2013 - 21/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م