اخلاقيات التغيير

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا شيء يبقى على حاله ساكنا، تلك سنة كونية نرى مفاعيلها في التاريخ الذي نقرأه وفي الجغرافيا التي نعرفها وفي جميع الكائنات على / تحت الارض، برها وبحرها.

الاشياء الساكنة والثابتة مصيرها الى الفساد والزوال.. واقرب الامثلة الدالة على ذلك الماء الراكد.

الركود والسكون يشتمل على كل شيء، واول تلك الاشياء استلاب القدرة على الفعل.. الانسان منذ حمل صك الخلافة على الارض كان ولازال دائم التغير، احيانا الى الجيد من امور حياته ومعاشه، واحيانا اخرى الى السيء من تلك الامور... والتغير في حياة الانسان شمل كل شيء، اجتماعا واقتصاد وثقافة، ومايدخل بينها او يتداخل من توصيفات لنشاط حياتي اخر..

يتغير الانسان فيتأثر سلوكه بهذا التغير، ويتأثر الاخرون تبعا لذلك.. وللتغير صفة رئيسية، هي المفاجئة والقطع، نتائجه تعتمد على عدد من الظروف المحيطة به، ومدى فاعليتها..

والتغير ارتبط بالاجتماع البشري، علما ونظريات دراسة ، شارحة ومفسرة.. ومن هنا كان (التغير الاجتماعي) تغير شبه شامل للتغيرات التي تجري في مختلف الميادين الأخرى، ويعني هذا أن المجتمع أشبه بالمرآة التي ينعكس عليها أو فيها كل التغيرات التي تحدث في الميادين الأخرى: الأخلاقية والنفسية، والسياسية والاقتصادية الأخرى.

ويعرفه الباحثون في سوسيولوجيا المجتمع بانه (ظاهرة تحدث في كل زمان ومكان، ويعرفه الباحثون بأنه: "هو التغير الذي يحدث في طبيعة البناء الاجتماعي؛ مثل: زيادة أو تناقص حجم المجتمع، أو في النظم أو المؤسسات الاجتماعية الأخرى أو في اللغة أو في المعتقدات أوالمواقف".ويعرفه باحثون آخرون:" بأنه الاختلافات التي تطرأ على ظاهرة اجتماعية خلال فترة زمنية معينة، ويمكن ملاحظتها وتقديرها، وهى تحدث بفعل عوامل خارجية).

وهو (في حقيقته انتقال البيئة الاجتماعية من حال إلى حال، وغالبًا ما تكون الحالة التي انتقل منها المجتمع هي حالة استقرار وثبات نسبي بغض النظر عن طبيعة هذا الاستقرار؛ من التخلف أو التحضر، أو من الخطأ أو الصواب، وليس من الضروري أن يكون التغير تطورًا، وإنما قد يكون انحدارًا بالمجتمع نحو الأسوأ، لكنه بصفة عامة آلية جمعية لا شعورية، يقوم بها المجتمع لحفظ ذاته وحمايتها مما تتعرض له من تهديد أو خطرٍ يمس البنية الاجتماعية، أو الأخلاقية، أو القِيَمية).

في افق التغيير ودلالاته

انشغل المسلمون في طرح سؤال جوهري منذ ان وعوا على ما آلت اليه احوالهم من تاخر وانحطاط في كل المجالات، وهم يشاهدون تقدم الاخرين عليهم، كان السؤال: لماذا تاخرنا وتقدم غيرنا؟

وتشعب السؤال الى مفردات اخرى من قبيل الاصلاح او التنوير او النهضة، وهي مفردات يمكن لنا ان نجمعها تحت كلمة واحدة، وهي التغيير، لما لهذه الكلمة من دلالات لرسم معالم وخطوات الاصلاح والتنوير والنهضة.. والكلمة تقتضي الوعي والمعرفة بما يراد تغييره.

وفي تعريف السوسيولوجيا الاجتماعية للتنغيير فانه (يفيد التحول القائم على فكر وتدبُّر مُسبق، ونتائجه تكون محسوبة بقدر المستطاع، والخلل في هذا التحول يكون في مساحه ضيقه يسهُل السيطرة عليها).

ويعرف التغيير الاجتماعي بأنه (الفاعلية الآلية الشعورية الرامية إلى إحداث تغيير محدد في البيئة الاجتماعية، أو في جانب منها، أو عدة جوانب أخرى. ويقف وراء التغيير فاعل ما داخلي أو خارجي، يريد أن يغير أمرًا ما، أو سلوكًا ما، أو عادة، أو قيمة، أو نمطًا ما من أنماط الحياة، أو غير ذلك).

والفاعل عادة مايمتلك رؤية معينة لأمر ما يريده هو؛ ولذلك ليس من الضروري أن يكون التغيير متجهًا نحو الإيجابية أو الصواب، فقد تكون إرادة الفاعل متجهة نحو إحداث خللٍ ما، أو تكريس سلوكٍ، أو معتقد أو قيمة، تخدم مصالحه هو بغض النظر عما يكون لهذا التغيير من أثر على المجتمع في الأمدَين القريب أو البعيد.

وللفاعل في التغيير اكثر من شخصية، فقد يكون فردًا أو مؤسسة أو جماعة، وأيًّا كان الأمر، فلا يمكن أن يكون للفرد وحده - إلا في استثناءات نادرة - قُدرة على أن ينفذ مخططه التغييري، إلا من خلال جماعة أو مؤسسة، أو جمعية أو وسيلة إعلامية، أو منتدى،ويصعب على الفرد وحده أن يحدث التغيير في المجتمع إلا إذا كان فردًا مختلفًا متميزًا في إمكانياته وقدراته ومُخططاته عن الآخرين.

معظم ما في طروحات التغيير مطلوبة ولازمة، ومعظم الافعال المرافقة للتغيير مطلوبة لتحققه، لكن السؤال الحاكم والجوهري، بعد الاتفاق على مفردات التغيير هو: هل يكون التغيير جامحا متطرفا لاتحكمه مقدمات منطقية او ضوابط معينة، ام انه يجب ان يكون محكوما باطر وقواعد عامة تعارف عليها المجتمع، اي مجتمع؟ هذه القواعد او الاطر او المباديء العامة يمكن ان نطلق عليها (اخلاقيات التغيير) التي تستطيع ان تدفعنا باتجاهه بصورة صحيحة وصولا الى تحقيق كل شروط الاصلاح والتنوير والنهضة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/تشرين الاول/2013 - 18/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م