حركة حماس... رهان خاسر وخسائر سياسية مكلفة

 

شبكة النبأ: حركة حماس التي تعيش جملة من الازمات والمشاكل السياسية والاقتصادية، تحاول وبحسب بعض المراقبين تغير سياساتها السابقة وتقديم تنازلات جديدة في سبيل اعادة ترتيب اوراقها من جديد تجاه بعض القضايا والمتغيرات السياسية المهمة التي تشهدها المنطقة، والتي كانت سبب مباشر باتساع رقعة الخلافات الداخلية والخارجية التي اثرت سلبا على تحركات الحركة وهو ما اجبرها على رسم خارطة جديدة لأجل الخروج من هذه الازمات والمشاكل، وفي هذا الشأن دعت حركة حماس الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى إنهاء الشقاق المستمر بينهما منذ ستة أعوام وتشكيل حكومة وحدة في ظل تصاعد حدة التوتر بين الحكومة المصرية الجديدة وقطاع غزة الذي تسيطر عليه الحركة.

وكانت مصر توسطت في اتفاق للمصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح التي يتزعمها عباس عام 2011 ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ. ويتعامل الجيش المصري مع حركة حماس على أنها تشكل تهديدا أمنيا. وألقى إسماعيل هنية رئيس حكومة حماس في غزة كلمة دعا فيها عباس وحركة فتح إلى استئناف الحوار مع حركته وتحديد موعد لإجراء انتخابات جديدة والتقاسم المؤقت للسلطة. وقال هنية في كلمته أوضاعنا لا تحتمل المزيد من الخلافات والمشاحنات وشيطنة طرف لآخر وفلسطين القوية هي التي تحتضن كل أبنائها دون إقصاء أو احتكار. وأضاف ليكن لدينا حكومة واحدة ومجلس تشريعي واحد ورئاسة واحدة.

ولاقت المبادرة فتورا من حركة فتح التي يخوض زعيمها عباس جولة جديدة من محادثات السلام مع إسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة. وقال أحمد عساف المتحدث باسم حركة فتح إن خطاب هنية لم يأت بجديد إذ لم يقدم خطة واضحة أو جدولا زمنيا محددا. وتعاني حماس من أزمة مالية حادة في ظل تدهور العلاقات مع داعميها السابقين في المنطقة سوريا وحزب الله وإيران فضلا عن سقوط الرئيس الاسلامي في مصر محمد مرسي وما تلاه من حملة أمنية شنتها مصر على الأنفاق الفلسطينية التي تستخدم في تهريب الأسلحة والبضائع إلى غزة.

وسعى هنية إلى تخفيف حدة التوتر مع القاهرة نافيا اتهامات مصر لحركته بالتدخل في الاضطرابات الداخلية لصالح أنصار مرسي من الإسلاميين. وسعت حماس أيضا إلى تفنيد المزاعم القائلة بأنها تساعد الإسلاميين المتشددين في سيناء. وقال هنية تأكيدا منا على احترام مصر والتزاما بسياستنا الثابتة فإننا لم نتدخل في الشأن المصري مطلقا لا من قريب ولا من بعيد لا في سيناء ولا في أي مكان في مصر.

وأدى هدم القاهرة لنحو 1200 نفق تهريب على الحدود بين مصر وغزة إلى زيادة حدة شح المواد والسلع الذي يواجهه الفلسطينيون مما يزيد من الضغط الواقع عليهم بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ فترة طويلة كما أدى إلى حرمان حماس من مصدر رئيسي لعائدات الضرائب.

وقال هنية إن الفلسطينيين يمكنهم تدبير أمورهم بدون أنفاق التهريب إذا فتحت مصر حدودها مع غزة بدلا من أن تدعم الحصار الإسرائيلي. غير أنه لمح إلى أن حماس تبذل جهودا حثيثة لحفر نوع مختلف من الأنفاق أسفل الحدود مع إسرائيل لضربها في أي صراع مستقبلي. وخاضت إسرائيل وحماس حربا استمرت ثمانية أيام في نوفمبر تشرين الثاني.

وتجاهد حركة حماس لدفع الرواتب في قطاع غزة حيث انخفضت عائدات الضرائب بشدة منذ بدأت مصر تدمير شبكة الأنفاق التي تستخدم في تهريب الطعام والوقود والأسلحة الى القطاع الذي تديره الحركة. وتحصل حركة حماس ضرائب عن حركة السلع عبر الأنفاق وهي أموال فقدتها الآن. وفي الشهر الماضي لم تدفع حكومة حماس سوى 77 في المئة من 25 مليون دولار هي قيمة رواتب الموظفين الحكوميين في غزة وعددهم 50 الفا.

وليس واضحا حجم الأموال التي كانت تجنيها حماس من نشاط الأنفاق. ويقول اقتصاديون في قطاع غزة إن دخلها كان يغطي 70 في المئة من الميزانية الشهرية للحكومة. وقال مسؤولون في حماس إن النسبة 40 في المئة. وكان مليون لتر من البنزين تصل الى غزة يوميا من مصر عبر الأنفاق. وكانت حماس تحصل 1.60 شيقل على اللتر. وكان الأسمنت يدخل بمعدل ثلاثة آلاف طن يوميا. وكانت حماس تحصل 20 شيقل على الطن وفقا لما ذكره مسؤولون عن الأنفاق واقتصاديون محليون.

وقال علاء الرفاتي وزير الاقتصاد في حكومة حماس بغزة إن الجيش المصري دمر ما يصل الى 90 في المئة من الأنفاق وإن تلك التي لاتزال مفتوحة لا تعمل بطاقتها الكاملة. وقدر خسائر الاقتصاد في غزة منذ يونيو حزيران بنحو 460 مليون دولار. وأضاف أن الميزانية السنوية لحكومة غزة تتجاوز 700 مليون دولار يخصص منها 260 مليون دولار لنفقات التشغيل.

وتضررت حماس ايضا من تقلص حجم علاقاتها مع ايران داعمتها الرئيسية التي كانت تمدها بالسلاح والاموال يقدر دبلوماسيون قيمتها بنحو 250 مليون دولار سنويا. ويعتقد دبلوماسيون أن العلاقات توترت بعد أن انقلبت حماس على حليف طهران الرئيس بشار الاسد بسبب الحرب الأهلية السورية. وصمدت حماس في وجه ازمة اقتصادية عام 2007 حين سيطرت على قطاع غزة بعد ان هزمت قوات موالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس. وشددت اسرائيل حصارها آنذاك لكن نشاط الأنفاق ازدهر مما مكن حماس من ملء خزائنها.

ومنذ عام 2010 خففت اسرائيل القيود الاقتصادية المفروضة على القطاع التي اثارت انتقادات دولية وسمحت مؤخرا بدخول الأسمنت والحديد للمشروعات الخاصة للمرة الأولى منذ عام 2007. ويقول فلسطينيون إنها كميات غير كافية لتغطية احتياجات القطاع الذي يبلغ عدد سكانه 1.8 مليون نسمة. وأدى تدمير الأنفاق الى ارتفاع شديد للأسعار وانخفاض إنتاج المصانع التي تعتمد على المواد الخام التي تأتي من مصر.

وقال ماهر الطباع الخبير الاقتصادي في غزة إن ما حدث بالنسبة لحماس ترجمته أنه لن تكون هناك ضرائب على السلع المهربة وقد يعني قريبا أنه لن تكون هناك ضرائب على السلع محلية الصنع. ويعترف عبد السلام صيام أمين عام مجلس الوزراء بحكومة غزة بالضغط الذي تعانيه الموارد المالية لكنه عبر عن ثقته في أن القطاع سيتغلب على الأزمة. وأضاف لقد مررنا بهده المشكلة سابقا وعاشت الحكومة الفلسطينية ظروفا أصعب في السابق. هذه المشكلة لن تكون بالعسر التي كانت عليه سابقا وستفرج ان شاء الله قريبا.

ومازالت دول بمنطقة الشرق الاوسط تساعد غزة من خلال برامج إعمار وتأتي المساعدات اما مباشرة في صورة مواد بناء او عن طريق تمويل من خلال الأمم المتحدة. وعلى سبيل المثال تبني السعودية 1700 وحدة سكنية في جنوب غزة بينما تسدد قطر تكاليف تحسين طريق رئيسي. ولا يعتقد أن ايا من الدولتين تمد حماس بالمساعدات النقدية وإن كان مانحون من القطاع الخاص في الخليج مازالوا يساعدون الحركة.

وتواجه حماس مشكلة إضافية وهي كيفية الحصول على التبرعات الخارجية. ولطالما كانت التحويلات البنكية صعبة لأن بنكا محليا واحدا هو الذي يتعاون مع حماس كما أن كافة التعاملات الالكترونية تخضع لمراقبة دقيقة في الخارج. ويقول بعض الدبلوماسين والمحللين إن معظم المساعدات المالية من دول مثل ايران كانت تصل في حقائب محشوة بالنقود عبر الأنفاق. والآن خنقت الحملة الأمنية المصرية هذا الشريان.

في السياق ذاته عرضت إسرائيل ما وصفته بأنه نفق إرهاب فلسطيني يصل إلى أراضيها من قطاع غزة وقالت إنها بصدد تجميد نقل مواد البناء إلى القطاع بسبب ذلك. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون في بيان اكتشاف النفق منع محاولات لإيذاء مدنيين إسرائيليين يعيشون قرب الحدود وقوات الجيش في المنطقة متهما حركة حماس بالوقوف وراء حفر النفق الذي يمتد بطول 2.5 كيلومتر. ولم تعلن أي جهة المسؤولية عن بناء النفق في غزة لكن متحدثا باسم الجناح العسكري لحماس قال على موقع تويتر إن الإصرار في قلوب وعقول مقاتلي المقاومة أكثر أهمية من الأنفاق التي تحفر في الطين. بحسب رويترز.

وعبر مقاتلون من حماس وحركات أخرى إلى إسرائيل من خلال نفق في عام 2006 وأسروا الجندي جلعاد شاليط الذي احتجز لخمس سنوات قبل الافراج عنه مقابل اطلاق سراح 1400 فلسطيني من السجون الاسرائيلية. وذكر الجيش الاسرائيلي أنه اكتشف النفق قرب مزرعة ودعا صحفيين لمعاينته. وقال الجيش إن النفق الذي حفر في تربة رملية تم تعزيزه بدعامات خرسانية واعلن يعلون وقف نقل مواد البناء الى قطاع غزة على الفور.

إيران وحماس

 الى جانب ذلك أكد مسؤول بارز في الحكومة الفلسطينية المقالة التي تقودها حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، حدوث انفراجة في العلاقة مع إيران، إثر زيارة مسؤول من الحركة إلى طهران. وقال يوسف رزقة، المستشار السياسي لرئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، إن عضو المكتب السياسي لـحماس محمد نصر زار إيران واختصرت الفجوة في العلاقة بين الجانبين وباتت هناك تفاهمات إيجابية.

وعما ذكرته بعض وسائل الإعلام عن زيارة مرتقبة لرئيس المكتب السياسي لـحماس خالد مشعل إلى طهران قال رزقة لا تتوافر لدي معلومات عن هذه الزيارة لكنه أكد أنه إذا تمت الزيارة فإنها تعيد الدفء للعلاقات وتعيد الحالة للتعاون. وأشار إلى أن العلاقة مع إيران تأثرت بفعل تداعيات الموقف من المسألة السورية، موضحاً انه إذا تم عزل هذا الملف (الملف السوري) فالعلاقات الثنائية لم تتضرر، وقال إن حماس ليس لها موقف ضد إيران وكذلك العكس، والخلاف في المواقف حول بعض الملفات والقضايا مشروع ويمكن أن يحدث بين الأصدقاء.

وأكد أن القضية التي تجمع حماس مع إيران هي قضية القدس والتحرير وهي عناصر جمع أكبر من نقاط الخلاف. وتوترت علاقة حماس مع طهران على خلفية موقف الأولى من الأزمة السورية حيث عبرت عن مساندتها لمطالب الشعب السوري وانتقدت عمليات قتل المتظاهرين، حيث شهدت العلاقة بين الجانبين ما يشبه القطيعة بما في ذلك وقف المساعدات، وفق العديد من وسائل الإعلام.

وقال رزقة إن القواسم المشتركة مع إيران كثيرة، فهي تواجه التهديدات الأميركية والإسرائيلية التي تشكل خطراً عليها وكذلك الأمر بالنسبة لحماس، لافتاً إلى أن حماس لم تتدخل في الشأن الإيراني الداخلي، وحتى في الملف السوري فإن حماس لا تتدخل، ولكنها عبرت عن موقف مساند لحق الشعب السوري في الحرية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/تشرين الاول/2013 - 18/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م