الجيش الامريكي... تحديات جسيمة تهدد تماسكه

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تحتل شؤون الجيش الامريكي الذي يعد الاقوى في العالم حسب التصانيف الدولية مساحة كبيرة من الاهتمام والمتابعة، نظرا لما يمثله هذا الجيش في موازين القوى والدولية، وحجم تأثيره في العديد من القضايا والشؤون المهمة في المجتمع الدولي.

وتفيد التقارير المتواترة خلال الفترة القصيرة الماضية بحالة من الارباك تصيب هذه المؤسسة العملاقة وتربك مفاصلها، خصوصا على صعيدي الميزانيات المالية والفضائح الاخلاقية التي تعصف بكيانها.

وعلى الرغم من تأكيد الكثير من المراقبين للشأن الامريكي على عدم تأثير تلك التداعيات على سطوة وهيبة الجيش الامريكي، الا ان البعض يرى في بعض الاحداث الاخيرة بوادر متنامية شديدة الخطورة قد تشكل ضررا ملحوظا في قدرة القوات الامريكية المسلحة ويحد من قوتها.

فقد انعكست الازمة المالية التي تمر بالولايات المتحدة بشكل سلبي على الجيش، وقلص بصورة واضحة من قدراته وعملياته القائمة الى ادنى درجة، خصوصا ان واشنطن تقود اكثر من جبهة حول العالم وفي بلدان متعددة خصوصا في الشرق الاوسط.

اذ يعتزم البنتاغون جعل عديد سلاح البر الاميركي "بين 420 الفا و450" الف جندي فعلي مقابل 535 الفا حاليا، اي خفض اضافي نسبته 15 بالمئة وذلك لمواجهة الاقتطاعات المالية، كما اعلن وزير الدفاع تشاك هيغل.

والبنتاغون الذي يواجه احتمال اقتطاع تلقائي من الموازنة بقيمة 500 مليار دولار على مدى عشرة اعوام، عمد في الاشهر الاربعة الاخيرة الى مراجعة استراتيجية بينها "خيار" يثبت انه "لا يزال بامكاننا تنفيذ المهمات ذات الاولوية في استراتيجيتنا الدفاعية مع خفض حجم سلاح البر الى مستوى بين 420 الفا و450 الف رجل في تشكيلته الفعلية في الوقت نفسه"، كما قال وزير الدفاع موضحا ان اي قرار لم يتخذ بعد بهذا الشان. واضاف ان "الدراسة خلصت الى ان بامكاننا خفض حجم قواتنا البرية والجوية التكتيكية بطريقة استراتيجية الى ما يفوق الخفض المبرمج اصلا". بحسب رويترز.

وبعد عقد من الزمن تضاعفت فيه موازنته لصالح حربي العرق وافغانستان، توقع البنتاغون ان يجعل عدد الجنود الفعليين 490 الفا بحلول 2017 وخفض قوات المارينز من 201 الف الى 182 الف رجل.

لكن الجيش الاميركي يواجه على خط مواز للمرة الاولى هذه السنة اقتطاعا تلقائيا في موازنته بقيمة 37 مليار دولار بسبب عدم التوصل الى اتفاق في الكونغرس حول خفض العجز.

وينص الخيار ايضا على جعل عديد الاحتياط 490 الف رجل بدلا من 550 الفا اضافة الى الغاء "ما يصل الى خمس" فرق من الطائرات التكتيكية و"خفض حجم اسطول طائرات النقل سي-130 مع تقليص الخطر الى الحد الادنى"، كما اكد هيغل وهو يعرض للصحافيين ما توصلت اليه الدراسة الاستراتيجية. وتسمح الدراسة برأي هيغل في تحقيق "وفر من 150 مليار دولار". الا انه لم يتطرق في المقابل الى احتمال خفض اضافي في قوات المارينز.

وقال الاميرال جوناثان جرينيرت قائد عمليات البحرية الامريكية ان استقطاعات الميزانية اجبرت البحرية الامريكية على تقليص عدد السفن الحربية التي يتم نشرها في الخارج واضعفت استعداد القوات في الداخل مقوضة قدرتها على الرد بسرعة على الازمات التي قد تقع مستقبلا في انحاء العالم.

وقال جرينيرت ان البحرية تملك مجموعة حاملة طائرات وسفينة للهجوم البرمائي مع قوات مشاة البحرية في بحر العرب. واضاف انه توجد مجموعة مماثلة من السفن في غرب المحيط الهادي.

ولكن في وقت حدوث ازمة لا تملك البحرية الامريكية سوى مجموعة من حاملة الطائرات الجاهزة بشكل كامل ومجموعة للهجوم البرمائي في الاحتياط يمكن الدفع بها الى مسرح الازمة. وبالمقارنة كانت البحرية تملك قبل عام ثلاث من كل نوع يمكن استخدامها.

وقال جرينيرت لوزارة الدفاع (البنتاجون) ان "باقي الاسطول غير مستعد للانتشار بكل الامكانيات اللازمة التي تكون لدينا عادة في خطة رد اسطولنا." واضاف ان البحرية اضطرت لخفض التدريب وعمليات الصيانة بسبب تخفيضات الانفاق الى الحد الذي تكون فيه سفن اخرى وافراد كثيرون غير جاهزين بشكل كامل للمهام التي يتعين عليهم التعامل معها بشكل عادي.

وابدى جرينيرت قلقه من عمليات الاستعداد.

في حين اعفي الجنرال الاميركي مايكل كاري الذي يقود الفرقة 20 في سلاح الجو، القوة المكلفة بترسانة الصواريخ النووية العابرة للقارات، من مهامه كما اعلن مسؤولون في الدفاع رافضين الكشف عن اسمائهم.

واعلن المتحدث باسم سلاح الجوي الاميركي الجنرال ليس كودليك للصحافيين ان الميجور جنرال مايكل كاري اقيل من قيادة الفرقة 20 في سلاح الجو المسؤولة عن ابقاء الصواريخ البالستية العابرة للقارات "في حالة تاهب"، بسبب "فقدان الثقة في قيادته واحكامه".

وكاري هو ثاني ضابط كبير في القيادة النووية يقال هذا الاسبوع. فقد اقيل نائب قائد القوات النووية في البلاد تيم غياردينا قبل يومين بعدما تعرض للتحقيق بسبب استخدام فيشة كازينو مزورة في ايوا (وسط). بحسب فرانس برس.

ولم يوضح الناطق باسم سلاح الجو اسباب اقالة الجنرال كاري لكنه اكد انه ليست ذات طبيعة جنسية او جنائية. واكتفى مسؤولون رفضوا الكشف عن اسمائهم بالقول ان الافعال التي اخذت عليها تمت خلال زيارة مهنية.

فضائح اخلاقية تهز اركان البنتاغون

من جانب آخر قال مسؤولون امريكيون ان 60 شخصا فصلوا من العمل كمجندين بالجيش ومدربين ومستشارين للضحايا نتيجة عمليات فحص طلبتها القيادة بعد قفزة في عدد الاعتداءات الجنسية في القوات المسلحة الامريكية.

وقال الجيش ان 55 شخصا اوقفوا عن العمل منذ بدء عمليات الفحص التي امر بها تشاك هاجل وزير الدفاع الامريكي. وقال متحدث ان عمليات الفحص مازالت مستمرة وان الجيش يأمل بالانتهاء من مراجعة 20 الف شخص بحلول اول اكتوبر تشرين الاول. وقالت القوات البحرية انها راجعت اكثر من عشرة الاف مجند ومدرب واشخاص مسؤولين عن مساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية واعفت خمسة اشخاص من مناصبهم.

وامر هاجل الجيش في مايو ايار بمضاعفة جهوده لضمان ان كل فرد في القوات المسلحة "يفهم تماما" انه مسؤول عن تعزيز مناخ لا يمكن التغاضي فيه عن الاعتداءات الجنسية. وامرت القوات المسلحة بمراجعة الاشخاص الذين يتولون مناصب حساسة لضمان تمتعهم بالمؤهلات المناسبة لمناصبهم.

فيما خلص المفتش العام في وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) إلى أن الجيش الأمريكي في كثير من الحالات لا يحقق بشكل مناسب في مزاعم الاعتداء الجنسي وانه في أحيان يفشل في جمع أدلة هامة وفحص مكان الجريمة واستجواب الشهود.

ونشر التقرير في الوقت الذي يدرس فيه الكونجرس اجراءات لمراجعة كيفية تعامل الجيش مع حالات الاعتداء الجنسي اثر سلسلة من الفضائح في القوات المسلحة. وشملت مراجعة المفتش العام 501 تحقيق جنائي عام 2012 من بينها حالات اغتصاب واعتداء جنسي خطير.

وأبدى التقرير قلقه الخاص بشأن 11 في المئة من الحالات اي 56 حالة. ففي بعض الحالات لم يجمع المحققون أدلة هامة من مسرح الجريمة او من الضحية. وقال التقرير "أخذ أقوال الشهود لا يتم بشكل متعمق أو لا يتم."

ويدرس الكونجرس تشريعا يفرض على الجيش تغيير كيفية تعامله مع مزاعم لاعتداء الجنسي في اعقاب عدد من الفضائح من بينها اتهامات وجهت الى مسؤولين مهمتهم الاساسية هي الدفاع عن ضحايا اعتداءات جنسية مزعومة.

ونشرت وزارة الدفاع الامريكية دراسة في مايو ايار جاء فيها ان الاتصال الجنسي القسري في الجيش بدءا من التحرش باليد الى الاغتصاب ارتفع عام 2012 بنسبة 37 في المئة اي الى 26 ألف حالة من 19 الف حالة عام 2011.

كما تحقق السلطات العسكرية الأمريكية في شبهات جرائم جنسية يعتقد أن عدة جنود من قاعدة "فورت كارسون" في كولورادو ارتكبوها وأفضت إلى ممارسة الجنس مع قاصرات. ووفقا لمسؤول في البنتاغون فإنّ ما يلق عن سبعة جنود زاروا صفحة مواعدة اجتماعية على الانترنت واتصلوا بنساء يعتقد أن أعمارهن تفوق الـ 18 سنة على الأقل، وفقا لصفحاتهم على الموقع، لكن تبين لاحقا أنهن أصغر.

وحرص المسؤول على التأكيد بأنّ الجنود لم يقوموا "بأي إعلانات جنسية" وأنهم أبلغوا المحققين بأنهم لم يكونوا على معرفة بأعمار النساء الحقيقية. وأظهر تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أن خطر الاعتداء الجنسي يتزايد في الأكاديميات العسكرية النخبوية، لكن الضحايا يترددون في الإبلاغ عن المشكلة.

وبعض المعلومات الجديدة الأكثر إثارة للقلق تأتي من الأكاديمية البحرية الأمريكية في ولاية ميريلاند، إذ وجد المسح أن 225 ضباطا بحريا، والإناث بشكل رئيسي، أفادوا بأنهم كانوا ضحايا الاتصال الجنسي غير المرغوب فيه في العام الدراسي الأخير.

ظاهرة الانتحار

في سياق متصل افادت دراسة اميركية ان حوادث الانتحار التي تزايدت بشكل كبير في صفوف العسكريين الاميركيين خلال السنوات الاخيرة ليست مرتبطة بالصدمات الناتجة عن القتال بل هي ناتجة عن امراض نفسية سابقة.

وتدقق الدراسة الصادرة في مجلة "جورنال اوف ذي اميريكان ميديكال اسوسييشن" في عوامل الخطر لدى مجموعة تضم اكثر من 150 الف عسكري حالي وسابق من جميع فروع الجيش.

وتبين بعد تحليل بيانات استمارات الاسئلة ل83 عسكريا اقدموا على الانتحار بين 2001 و2008 ان بين العوامل المرتبطة بزيادة مخاطر الانتحار كونهم من الذكور، ويعانون من الاكتئاب او الاضطراب الهوسي الاكتئابي، ويسرفون في تناول الكحول او يعانون من مشاكل على علاقة بالكحول.

غير ان الباحثين لم يجدوا رابطا بين زيادة مخاطر الانتحار والمشاركة في المعارك، او تراكم ايام الانتشار او عدد عمليات الانتشار التي شارك فيها الجنود. وقالت الدراسة التي قادتها سينثيا ليردمان من مركز الدراسات البحري للصحة في سان دييغو بكاليفورنيا ان تزايد نسبة الانتحار بين العسكريين "قد تكون تعكس الى حد بعيد عن تزايد انتشار الاضطرابات العقلية لدى هذه الشريحة. وهذا الانتشار قد يكون ناتجا عن الضغط المتراكم خلال عمليات الانتشار او في القاعدة الاساسية".

وراى الباحثون انه "من المفترض توفير وقاية افضل بفضل رصد الاضطرابات العقلية وسوابق استهلاك المخدرات او الاسراف في تناول الكحول مع توفير علاج نوعي". بحسب السي ان ان.

ولاحظ الجيش الاميركي زيادة في عمليات الانتحار منذ 2005 تتزامن مع الانتشار العسكري في العراق وافغانستان غير ان السبب لم يعرف بشكل واضح.

وبحسب اخر تقرير صدر عن البنتاغون حول هذا الموضوع فان 301 من العسكريين انتحروا عام 2011 (بالمقارنة مع 268 عام 2008)، كما ان 64% من الذين قاموا بمحاولات انتحار لديهم سجل معروف من الاضطرابات السلوكية.

ولفت تشارلز إنغل الطبيب في الكلية العسكرية للعلوم الصحية في بيثيسدا بمريلاند في مقالة نشرته الصحيفة مع الدراسة، الى ان الابحاث الجديدة تبعث املا في خفض نسبة الانتحار بين العسكريين.

وكتب ان "هذه الاستنتاجات تقدم فرصا مطمئنة لتحقيق تقدم. فالسوابق العقلية لانتحار العسكريين التي يمكن تعديلها من اضطرابات في المزاج وسوء استهلاك الكحول هي اضطرابات عقلية توجد بشأنها علاجات فعالة".

ورأت ريشل يهودا استاذة الطب النفسي في جامعة جبل سيناء الطبية في نيويورك ان هذه الدراسة "تثبت ان الامراض العقلية مسؤولة عن عدد كبير من عمليات الانتحار وان هذه الاضطرابات يمكن معالجتها". واضافت "يبقى ان نعرف كيف تتفاعل حالات القتال مع الاضطرابات العقلية القائمة سابقا وتزيد من مخاطر الانتحار".

مشاريع وافكار

من جانب آخر يسعى المشروع إلى أن تكون بدلة (تالوس) المدرعة جاهزة للاستخدام في الميدان خلال ثلاث سنوات. ويعمل الجيش الأمريكي على تطوير نوع من الدروع الذكية التي يمكن أن تعطي لمرتديها "قوة خارقة"، وهو تطوير تكنولوجي وصفه البعض بـ "الثوري".

ودعى الجيش المؤسسات التكنولوجية والمختبرات العلمية الحكومية والمؤسسات الأكاديمية للمساعدة في تطوير لباس مدرع باسلوب ما يعرف بـ "الرجل الحديدي".

وقد اختبر الجيش الأمريكي عددا من الهياكل الخارجية التي تسمح للجنود بحمل أثقال كبيرة.

وتتوفر البدلة المدرعة الجديدة التي اطلق عليها اسم "تالوس" وهو مختصر يمثل الحروف الأولى لاسمها "The Tactical Assault Light Operator Suit" على مثل هذه الهياكل الخارجية فضلا عن طبقات من مواد (ذكية) مزودة بأجهزة استشعار. ويقول الجيش الأمريكي إن البدلة تحتاج إلى ارتباط بشبكة اتصالية واسعة وجهاز كومبيوتر يمكن ارتداؤه كما هي الحال في نظارات غوغل الذكية.

وستصنع البدلة من مواد (ذكية) مزودة بأجهزة استشعار لمراقبة حرارة الجسم ومعدل نبض القلب ومستويات الماء.

وقد يربط الهيكل الخارجي مع الذراعين والرجلين، وتستخدم فيه روافع هيدروليكية تعطي قوة إضافية بشكل كبير. وقال الليفتنانت كولونيل كارل بورجيس المستشار العلمي في قيادة البحث والتطوير والشؤون الهندسية في الجيش الأمريكي "المطلوب هو مجموعة من الأنظمة الشاملة في بدلة مدرعة تجمع معا ضمن هيكل خارجي مزود بدرع مبتكر، مجهز بأجهزة تراقب القوة والصحة وتتوفر على سلاح مدمج فيها أيضا".

وأضاف "أنها درع متقدم وجهاز اتصالات وهوائيات استقبال. انها تقدم أداءا إدراكيا، وفيها أجهزة استشعار، ودوائر كهربائية مصغرة. كل تلك التفاصيل ستركب فيها، أيضا".

ولن تقوم جهة مصنعة واحدة بتصنيع هذه البدلة، كما يؤكد مسؤول في الجيش الأمريكي، بل دعا الجيش مؤسسات البحوث والتطوير والمؤسسات الصناعية الخاصة، إلى جانب المختبرات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية إلى دعم المشروع.

وقال الجيش الأمريكي إن من المرجح أن يشارك علماء من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا في تصميم البدلة. ويعمل فريق في المعهد المذكور حاليا على تطوير درع سائل، يصنع من سوائل تستحيل إلى مادة صلبة عند تعرضها إلى حقل مغناطيسي أو تيار كهربائي.

وقارن البروفسور في المعهد غاريث ماكينلي، في مقابلة مع الموقع الاخباري الأمريكي أن بي آر بين هذا الدرع المستقبلي وما نشاهده في أفلام هوليود، قائلا "إنه يبدو مثل الرجل الحديدي بالضبط".

وأضاف أن "الاشياء الأخرى التي تراها في الأفلام، ستكون نوعا من البدلة الخارجية التي ترتديها الممثلة سيغورني ويفر في فيلم المخلوقات الغريبة (ألينز) حيث يقوم روبوتها الكبير بتضخيم الحركات ورفع قدرة الإنسان". ويسعى المشروع إلى أن تكون بدلة (تالوس) المدرعة جاهزة للاستخدام في الميدان خلال ثلاث سنوات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/تشرين الاول/2013 - 18/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م