تركيا في الشرق الاوسط... تخبط سياسي وأزمات مفتعلة

 

شبكة النبأ: كشفت التطورات المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط على المستويين السياسي والأمني، عن صدامات ونزاعات سياسية شرسة بين البلدان المتصارعة والمهتمة بالهيمنة على بلدان هذه المنطقة الساخنة سياسيا وأمنيا، حيث بينت المستجدات والأحداث السياسية والأمنية الأخيرة، والممتثلة بالدربكة السياسية لتركيا في سوريا، والعلاقة الجدلية مع إسرائيل وإيران، فضلا عن طموحاتها لاستعادة الهيبة التركية إقليميا ودوليا، مدى الاجندات المشبوهة التي تسعى اليها البلدان المتصارعة لتحقيق غايات الهيمنة وفقا لمصالحها الاستراتيجية.

ولعل البلاد التركية لها دور بارز في صنع هذه التطورات السياسية والامنية المضطردة، فمنذ بداية الحرب السورية قبل عامين ونصف العام، انتهجت تركيا سياسة الباب المفتوح فوفرت شريان حياة للمناطق التي يسيطر عليها المعارضون المسلحون وسمحت للجيش الحر المعارض بتنظيم نفسه على أراضيها، فتركيا تقود منذ فترة مساندة قوية للمعارضة السورية المسلحة المتشرذمة دافعة بأن ذلك سيسرع بانهاء حكم الأسد ويعطي السلطة لإسلاميين معتدلين مطلوبين لفرض سيطرة أكبر على التيارات الإسلامية الأكثر تشددا، وهو مشروعها بصعود الحكم الاسلامي كما حصل في منطقة المغرب العربي.

لكن مع سيطرة جماعات إسلامية مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام على أراض في الشمال بالقرب من الحدود في المدة الاخيرة يرى عدد أغلب المحللين أن هذه الاستراتيجية خاطئة، فاخذت تلقي بظلالها على التوازن السياسي والامن الاقليمي الهش في المنطقة، وهذا ما سببت لتركيا أزمات متعددة نتيجة لسياسيتها المتخبطة، باتت في مواجهة تهديد أمني جديد على حدودها المعرضة للخطر أصلا مع ظهور تنظيم القاعدة في أجزاء من شمال سوريا، مما اثار تساؤلات حول تأييدها الشامل للمعارضين الذين يقاتلون الرئيس بشار الأسد، ووجدت أنقرة نفسها في مواجهة اتهامات بأن تأييدها المطلق للمعارضة أتاح دخول السلاح والمقاتلين الاجانب إلى شمال سوريا وسهل ظهور جماعات متطرفة.

وقال مصدر مقرب من الحكومة التركية "نواجه اتهامات بدعم القاعدة"، وأضاف أن مسؤولين أمريكيين أبدوا قلقهم من ذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي، وتابع المصدر "انتقدونا بأدب ولكن بحدة. تحول الاهتمام من الأسد إلى القاعدة" مؤكدا ما عبر عنه مسؤولون آخرون في أنقرة من أن هذا يصب في مصلحة الرئيس السوري.

وفي خطوة تحمل دلالة فيما يبدو قال الجيش التركي إنه أطلق النار على مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام عبر الحدود بعد أن سقطت قذيفة مورتر طائشة على الأراضي التركية، ودأبت تركيا على الرد في مثل هذه الحالات لكن يبدو أن هذه أول مرة يستهدف ردها مقاتلين على صلة بتنظيم القاعدة.

وتنفي تركيا رسميا تسليح المعارضين أو تسهيل مرور المقاتلين الأجانب الذين اكتظت بهم صفوف فصائل على صلة بتنظيم القاعدة مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، لكن الحدود الممتدة مسافة 900 كيلومتر تصعب مراقبتها وتمكن لاجئون ومهربون ومقاتلون من عبورها دون ان يلحظهم أحد في المناطق النائية متجنبين نقاط العبور الرئيسية.

وقال مسؤول تركي في المنطقة أن المعارضة السورية رحبت في باديء الأمر بمرتزقة أجانب جاءوا اساسا من دول الخليج لأن لديهم خبرات قتالية أكبر وكانوا أكثر فاعلية في مواجهة الجيش السوري، وتابع "كان هذ خطأ تكتيكيا والآن أصبحنا نرى توازنات قوى مختلفة تماما".

الموقف التركي يتعارض مع موقف الأردن الذي احتفظ برقابة مشددة على الحدود مع سوريا. ويشكو المعارضون في محافظة درعا الجنوبية مهد انتفاضة 2011 على حكم الأسد من أنهم حرموا من امدادات كبيرة من السلاح نتيجة لذلك.

وقالت منظمة هيومن رايتس وتش المدافعة عن حقوق الانسان ومقرها نيويورك في تقرير صدر يوثق عمليات قتل جماعي طائفية ارتكبها خصوم الأسد إن تركيا تحتاج لزيادة الدوريات على الحدود وتقييد عبور المقاتلين ونقل السلاح للجماعات المتطرفة.

وأضاف التقرير "العديد من المقاتلين الاجانب العاملين في شمال سوريا دخلوا إليها عن طريق تركيا التي هربوا منها أسلحتهم وحصلوا على المال والامدادات وكانوا في بعض الأحيان يعودون لتلقي العلاج"، ونقل عن أحد العاملين في مجال الإغاثة في تركيا قوله إن بعض المقاتلين الأجانب الذين دخلوا اللاذقية -حيث يقول التقرير إن المعارضين قتلوا 190 مدنيا في هجوم في أغسطس آب- كانوا قد وصلوا جوا إلى مطار هاتاي في تركيا حيث كان مقاتلون آخرون في انتظارهم.

وكانت هذه رسالة حاول الأسد توصيلها بشكل مباشر للشعب التركي هذا الشهر عندما حذر في حديث مع محطة تلفزيون خلق التركية من أن تركيا ستدفع ثمن إيوائها "إرهابيين" قال انهم سرعان ما سينقلبون على مضيفيهم.

وهذا ليس خطرا بسيطا يمكن لتركيا أن تتجاهله بسهولة. فتركيا ليست في مأمن من تهديدات القاعدة مثلها مثل الأردن الذي يخشى أن يعود الإسلاميون المتطرفون من سوريا لضرب أهداف داخل أراضيه.

ونشرت عدة مواقع إلكترونية تقارير عن تهديد لتركيا من جماعات جهادية في سوريا بعد أن أغلقت أنقرة مؤقتا جزءا من الحدود الشهر الماضي بعدما اقتحمت جماعة على صلة بتنظيم القاعدة بلدة مجاورة. ولم يتضح ما إذا كان التهديد حقيقيا.

ومع استمرار الصراع تظهر دلائل متنامية على أن مواطنين أتراكا يذهبون للقتال في سوريا بعضهم في صفوف الجهاديين وبعضهم ينضم لأكراد سوريا في صراعهم مع وحدات معارضة مناوئة أو مع قوات الأسد أو قبائل عربية.

ونقلت صحيفة طرف التركية عن تقرير للمخابرات الشهر الماضي أن نحو 500 تركي يقاتلون ضمن 1200 جماعة معارضة في سوريا أغلبها تحمل اسم الجهاد في حين يعمل آخرون كمرتزقة يتقاضون 1500 دولار شهريا، وأضاف التقرير أن هناك أيضا أعضاء بحزب العمال الكردستاني ذهبوا للقتال في صفوف أكراد سوريا.

ويرى المسؤولون في تركيا وفي مقدمتهم الرئيس عبد الله جول أن عدم اتخاذ المجتمع الدولي إجراء حاسما في سوريا هيأ الظروف المواتية للجماعات المتطرفة. بحسب رويترز.

ويقول المسؤولون الاتراك إن المقاتلين الاجانب دخلوا سوريا كذلك عبر دول جوار أخرى بعضهم بدعم من دول خليجية مثل السعودية وقطر ويشيرون إلى أن هروب مئات المدانين من سجن أبو غريب العراقي في يوليو تموز ملأ صفوف الدولة الإسلامية في العراق والشام في سوريا.

على صعيد آخر قال وزير الداخلية اللبناني مروان شربل إنه تم الإفراج عن تسعة لبنانيين احتجزتهم عناصر من المعارضة في شمال سوريا منذ مايو أيار 2012، وكانت عائلات شيعية لبنانية قد ذكرت أن قوات لواء عاصفة الشمال السورية المعارضة احتجزت 11 من ذويها العام الماضي أثناء عودتهم من زيارة عتبات شيعية في إيران، وأفرج عن اثنين من قبل.

وقال شربل إن المحتجزين سيعودون إلى لبنان في الأربع والعشرين ساعة القادمة. وقال في وقت لاحق للإذاعة اللبنانية إنهم عبروا الحدود السورية إلى جنوب تركيا، وتقول أسر اللبنانيين التسعة إنهم كانوا يزورون عتبات شيعية لكن خاطفيهم اتهموهم بالانتماء لجماعة حزب الله.

ومن شأن عودتهم إلى لبنان أن تزيد الآمال في الإفراج عن طيارين تركيين خطفتهما عائلات اللبنانيين التسعة في بيروت في التاسع من أبريل نيسان بعد أن اتهمت تركيا بعدم بذل جهود كافية للإفراج عن ذويها.

وظهر الطياران في صحة جيدة في شريط فيديو، وقال مصدر أمني لبناني إن أحد أفراد عائلة شيعية تحتجزهما رجح إطلاق سراحهما قريبا، وكانت قناة الجزيرة التلفزيونية قالت نقلا عن وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية إنه تم الإفراج عن اللبنانيين بعد وساطة بلاده، وقطر داعم سياسي رئيسي للمعارضة السورية، وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في بيان إن الإفراج عن اللبنانيين التسعة جاء بمساعدة العطية ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

إسرائيل وإيران

من جهة أخرى ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن تركيا كشفت عمدا أوائل عام 2012 النقاب عن شبكة تجسس إسرائيلية تعمل في إيران ووجهت ضربة قوية لعمليات الاستخبارات الإسرائيلية، ووصف مسؤولون في أنقرة طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم تقرير الصحيفة بأنه جزء من محاولة لتشويه سمعة تركيا من جانب قوى خارجية لا تشعر بالارتياح لتنامي نفوذ تركيا في الشرق الأوسط.

ولم يرد تعليق فوري من إسرائيل لكن وزراء إسرائيليين اتهموا رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بتبني موقف مناهض لإسرائيل في السنوات القليلة الماضية لتعزيز مكانة بلاده في العالم الإسلامي.

وتدهورت العلاقات التي كانت يوما قوية بين تركيا وإسرائيل في عام 2010 بعد أن قتلت قوات خاصة إسرائيلية تسعة نشطاء أتراك كانوا يسعون لكسر الحصار البحري الإسرائيلي لقطاع غزة، وتوترت العلاقات بين الدولتين الحليفتين للولايات المتحدة منذ ذلك الحين حيث توقف التعاون العسكري بينهما وذهبت كل المحاولات الرامية لتحسين العلاقات ادراج الرياح نتيجة انعدام الثقة المتبادل رغم جهود الرئيس الأمريكي باراك أوباما للتوسط بين البلدين.

وقال ديفيد اجناتيوس الكاتب بواشنطن بوست إن إسرائيل كانت فيما يبدو تدير جزءا من شبكتها للتجسس في إيران من تركيا ما اعطى المخابرات التركية الفرصة لمراقبة تحركاتها، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن إسرائيل كانت تعتقد أن الأتراك لن ينقلبوا عليها بعد التعاون معها على مدى سنوات.

لكنها قالت إن اردوغان كشف في أوائل عام 2012 لطهران هوية عشرة إيرانيين سافروا إلى تركيا للقاء جواسيس إسرائيليين، وتتهم إيران إسرائيل منذ فترة طويلة بالقيام بعمليات تجسس داخل أراضيها وبقتل عدد من العلماء في المجال النووي كان آخرهم في يناير كانون الثاني عام 2012.

وأغضب تقرير واشنطن بوست المسؤولين في أنقرة الذين اصبحوا بالفعل في موقف دفاعي بعد ان اشار مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال إلى ان واشنطن قلقة من ان يكون رئيس المخابرات التركية حقان فيدان تبادل معلومات حساسة مع إيران.

وقال مسؤول رفيع من حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه اردوغان ان هذه الاتهامات جزء من محاولة متعمدة لتشويه صورة تركيا وتقويض دورها في المنطقة في اعقاب انتخاب رئيس معتدل نسبيا في إيران هو حسن روحاني.

وفي ابريل نيسان 2012 أعلنت إيران كشف شبكة تجسس إسرائيلية كبيرة واعتقلت 15 مشتبها بهم. ولم يتضح ما إذا كان لذلك صلة بالتسريبات التركية المزعومة، ورفض نائب وزير الخارجية الإسرائيلي زائيف ألكين التعليق على تقرير واشنطن بوست لكنه قال إن العلاقات مع تركيا "معقدة للغاية"، وقال لراديو إسرائيل "الأتراك اتخذوا قرارا استراتيجيا... هو السعي لقيادة منطقتنا في الشرق الأوسط واستخدموا ورقة مناهضة إسرائيل من اجل تعزيز هذه القيادة".

وحاول أوباما التوسط في مصالحة بين تركيا وإسرائيل في مارس آذار باقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاعتذار عن قتل الأتراك التسعة عام 2010.

لكن المسؤولين الإسرائيليين قالوا إن جميع المحاولات اللاحقة للتواصل من خلال الموافقة على اتفاق لتعويض أسر قتلى الغارة البحرية الإسرائيلية باءت بالفشل، وقال دبلوماسي إسرائيلي طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع "الشيء الوحيد الذي حققناه منذ مارس هو أن نظهر للأمريكيين إن اردوغان غير مهتم على الإطلاق بالمصالحة".

اضطرابات حقوقية

الى ذلك اتهم الاتحاد الأوروبي الشرطة التركية باستخدام القوة المفرطة في فض المظاهرات في وقت سابق هذا العام وحث الحكومة على تشديد الرقابة على الشرطة والمضي قدما بالتحقيقات في ممارساتها، وجاء الانتقاد في التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية بخصوص مدى التقدم الذي أحرزته تركيا في الوفاء بمتطلبات الانضمام للاتحاد الذي يضم 28 دولة. بحسب رويترز.

وبدأت تركيا مفاوضات الانضمام في عام 2005 بعد 18 عاما من طلبها عضوية الاتحاد، لكن هذه العملية تسير بخطى متعثرة بسبب عقبات سياسية من بينها الخلافات المتعلقة بقبرص والمعارضة في بعض الدول الأعضاء ذات الثقل الكبير مثل ألمانيا وفرنسا لمنح تركيا العضوية، وبرغم الانتقادات التي وجهتها المفوضية إلى أسلوب تعامل أنقرة مع المظاهرات فقد أيدت خططا لتنشيط مسعى تركيا للانضمام بقتخ مجال جديد من المجالات التي يتعين أن تشملها المفاوضات وهو أول مجال جديد يفتح منذ ثلاث سنوات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/تشرين الاول/2013 - 18/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م