قيم التخلف: التصادم

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: التصادم بالمفهوم الواضح تعني (غياب الحوار)، وعندما تفشل لغة الحوار في التقريب بين المتناقضين في الافكار والثقافات والآراء والسلوك، فلا يبقى أمامهم سوى التصادم كطريق لحل الاشكالات القائمة بينهم!، وهو طريق بائس وفاشل، يدمر الحياة، ولا يساعد على بناء مجتمع متقدم متوازن يتطلع الى الامام، بل يعد التصادم من قيم التخلف التي تعمّق الخلافات بين المختلفين في الرأي والفكر والسلوك، وبالتالي لا يبقى امامهم سوى التصادم، على شكل حروب او صراعات تنتج عنها خسائر وضحايا، لا يوجد تبرير لحدوثها لو أن العقل استند الى الحكمة، ووضع التصادم جانبا ولجأ الى الحوار، كطريق لحلّ الاشكاليات العالقة.

هناك ظاهرة نستطيع ان نلاحظها ونجدها في مجتمعاتنا، وهي سرعة التصادم بين الفردين، او الجماعتين، او الحزبين، او الجهتين أيا كان وصفهما او عنوانهما، بمعنى اوضح ان التصادم ظاهرة تنتشر في النسيج المجتمعي كله!، والمشكلة أن سرعة التصادم لدى هذه الاطراف، لا تترك ادنى مجال للحوار، حتى على صعيد الافراد.

ولابد أننا لاحظنا مثالا يتكرر دائما في شارع مرور السيارات، إذ عندما تصطدم سيارتان، فإننا سرعان ما نشاهد حالة العراك، والسب واللعن بين السائقين ومن معهما من الركاب (حتى لو كانوا لا يمتون بصلة قرابة للسائق) وانما بسبب حالة الجهل والتعصب، وغالبا ما يصل الامر الى العراك، والضرب بالايدي، او بالآلات والاسلحة الجارحة، ولا يترك الطرفان أدنى فرصة لحوار هادئ يمكن أن يتم من خلاله، حل مشكلة التصادم بطرق عديدة، منها قانونية مرورية، أو بطرق التراضي بين الطرفين، وهذا دليل واحد (والادلة والامثلة كثيرة) على انتشار حالة التصادم، كطريقة تتعامل بها المجتمعات المتخلفة، من أجل معالجة الإشكاليات او التناقضات التي تعترض طريق الافراد او الجماعات.

هذا يعني اننا نقف ازاء ظاهرة ترفض الحوار رفضا مطلقا، وتسد الطريق أمام اية فرصة لتقريب وجهات النظر، من خلال قراءة الرأي الآخر، ومحاولة فهمه والتعاطي معه، ليس بمعنى الايمان به والعمل في ضوء مضمونه، ولكن على الاقل لابد أن نمنح الرأي الاخر فرصة مناسبة للفهم، والبحث ومن ثم بدء الحوار، الذي غالبا ما يقود الى حالة من التراضي والتفاهم، بعيدا عن الخسائر والضحايا التي قد تصل الى ازهاق الارواح، وسفك الدماء والممتلكات وما شابه.

لقد استمعت في احدى حكايات الآباء، أن هناك مجزرة رهيبة حدثت بسبب (خروف) ظلَّ طريقه ودخل في حقل برسيم، ليقود الى حالة تصادم بين صاحب الخروف وصاحب الحقل، ثم اشتعل لهيب التصادم ليشمل الاهل والاقارب والقرية والعشيرة كلها لكلا الطرفين، مع استخدام الاسلحة النارية بينهما، ويمكن ان نتخيل الخسائر الفادحة التي حصلت للطرفين بسبب خروف ظلّ طريقه!!، وهكذا قد يبدو هذا الحادث مستغربا او مثيرا للسخرية والاستهجان، لأن المجتمعات المتطورة لا يمكن ان تمنح الفرصة للتعصب والجهل، أن يقودها الى اي نوع من انواع التصادم، بل غالبا هناك الحوار وقراءة الرأي الآخر وفهمه، والتعامل معه في ضوء هذا الفهم، وابعاد حالة التعصب والاحتراب بصورة كليّة، واعتماد الحوار وقراءة الآخر وفهمه، كطريق يمهد الى حالة من التفاهم في اشد الظروف تناقضا، كبديل من حالة التصادم التي لا تنفع احدا، بل هي ظاهرة مستهجنة تقود الجميع الى ما لا يحمد عقباه.

كذلك من الملاحظ ان حالة الاستفزاز، غالبا ما ترافق هذه القيمة السيئة من قيم التخلف، واعني بها قيمة التصادم، إذ غالبا ما يستفز احد الطرفين الطرف الاخر، والاخير بدوره، لا يجيد التعامل مع الاستفزاز، فيثور من فوره، ويتحول الى كتلة من التعصب، في حين يستحسن أن لا يكون الانسان او الجماعة عرضة للاستفزاز، ولا يصح الخضوع لهذه الحالة، لان النتائج والعواقب ستكون وخيمة على الجميع، الامر الذي يستدعي نبذاً كليا للتصادم في جميع الاحوال، وأن يحل محله الحوار البناء الذي يجسّر الثقة والانسجام والتقارب بين الاطراف المختلفة، كطريق لبناء المجتمع المتقدم المتوازن القادر على استيعاب الآخر دائما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/تشرين الاول/2013 - 18/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م