شبكة النبأ: للبيئة أنواع متعددة،
تتبلور وتنمو وفقا لتنوع الحياة وتعدد آفاقها، ولكل بيئة عناصرها
وحواضنها التي تتخصص في مجال محدد ونوع معين من انواع البيئة، لكن
البيئة بمفهومها الاول، اشارت اولا الى الظروف الجوية والمناخ وما
شابه، ثم بدأ استعمالها يتوسع اكثر، فاصبح الباحثون والدارسون يستخدمون
في مؤلَّفاتهم وبحوثهم، مفاهيم ومصطلحات كثيرة للبيئة، مثل البيئة
الاجتماعية والوراثية والثقافية وسواها، بمعنى أن مفهوم البيئة توسع
اكثر واصبح مفهوما شاملا يتعلق بمجالات الحياة كافة.
وقد وصف الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله)، البيئة، كما ورد ذلك في كتابه القيّم الموسوم بـ
(الفقه: البيئة) قائلا بأن: (البيئة بالمعنى العـام عبارة عـن مجموعة
الظروف والمؤثرات الخارجية والداخلية، فالبيئـة المحيطة بأي كائن مـن
إنسان أو حيوان أو نبات تشمل الظروف السلبية، وتشمـل الآثار الطبيعية
والكيماويـة والصحراوية والبحرية والجوية والنباتية والاجتماعية).
وهكذا ينظر المختصون من علماء وباحثين، الى البيئة، على انها وحدة
متكاملة، تشمل الاجتماع والاقتصاد والثقافة وغيرها، إذ يؤكد الامام
الشيرازي على أن: (البيئة هـي وحدة متكاملـة تتجمّع فيها الكثير مـن
العلوم التي اكتشفها الإنسان من سياسـة واجتماع واقتصاد وغير ذلك، وكما
سبقت الإشارة إليه، فالبيئة ـ بالمعنى الأعم ـ تشمل البيئة الوراثية
والبيئة الاجتماعية والبيئة الثقافية والبيئة الاقتصادية والبيئة
الطبيعية وغير ذلك).
رحلة الانسان مع البيئة
من الواضح أن الانسان في رحلته الطويلة سوف يتفاعل مع انواع عديدة
من البيئة، وأولها بيئة (رحم الام)، وقد اكد العلماء ان الوضع النفسي
للام ينعكس على الجنين ويسهم في تشكيل وتكوين تركيبته النفسية، كذلك
الحال فيما يخص بتربية الام واخلاقها وثقافتها، فهي الحاضنة الاولى
للطفل، وتمثل أهم حواضن التربية، إذ يعتمد المسار التربوي للطفل على
طبيعة ثقافة الام وافكارها فضلا عن الوضع النفسي لها، وبهذا فإن البيت
والعائلة هي المؤثر البيئي الاول الذي يترك آثاره بقوة في حياة الانسان،
لذلك فإن البيئة الاجتماعية تبدأ من الام اولا، والعائلة، وهي تؤثر
تأثيرا أساسيا في تشكيل شخصية الطفل، حيث ستنمو معه كلما تقدم بالعمر،
لتظهر آثارها الايجابية او السلبية في افكار وسلوك الطفل الصغير، فاذا
كانت الحاضنة جيدة، هذا يعني انها ستنعكس ايجابا على الانسان.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال، بكتابه المذكور نفسه: (يبدأ
الجنين مـن لحظة ولادته تفاعله المباشر مع البيئة الجديدة، ومن خلال
هذا التعامل تتشكل إلى حدّ ما شخصيته السيكولوجية ويتعين مسلكه واتجاهه
ومجموعة القيم والمُثُل التي يؤمن بها أو التي لا يعتقد بها. فالبيئة
الاجتماعية هي ممـا تشكل شخصية الإنسان، فإذا كانت هذه البيئة بيئة
إيمانية ينشأ الطفل علـى الإيمان، وإذا كانت بيئة منحرفة ينشأ الطفل
نشأة منحرفة).
ويؤكد الامام الشيرازي على أهمية الحواضن الاجتماعية، إذ يتم
التركيز على الدور الكبير الذي تلعبه الام في هذا الصدد، بمعنى أن
شخصية الام وافكارها وسلوكها وتوازنها النفسي، سيكون له التأثير الاهم
في الجانب التربوي للطفل.
لذلك يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: إن (حضن الأم هو الأساس
فـي البيئة الاجتماعية، فإذا كانت الأم مؤمنة فإنها تربيِّ الطفل على
الإيمان، والعكس صحيح أيضاً، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله
وسلّم: الجنة تحت أقدام الأمهات).
مخاطر النشأة المنحرفة
من الاشكاليات الصعبة التي يتعرض لها الانسان في بداية النشوء،
طبيعة البيئة الاجتماعية التي تتوفر له، بمعنى ادق كيفية نمط حياة
العائلة، وعلى الاخص الحاضنة الاولى ممثلة بالام، هذا فيما يتعلق
بالجانب الاجتماعي، لكن الخبراء المعنيون يؤكدون ايضا تدخّل الوراثة في
خلق عناصر البيئة والتدخل في مساراتها، وهكذا تتحد البيئة الاجتماعية
والوراثية لتشكل شخصية الانسان وفقا للبيئة التي تتوفر له، إذ يؤكد
الامام الشيرازي على أن البيئة الوراثية: (تؤثر على الولد بالإضافة إلى
تأثيرها فـي نفس الأم، أي في أخلاقها وفي آدابها وأعمالها والتزاماتها
وغير ذلك).
إن التجارب والدراسات المتخصصة بالبيئة، اكدت على التأثير الكبير
الذي تتركه البيئة الجديدة في الجنين، او الطفل المولود حديثا، حيث
يبدي الطفل حديث الولادة، تفاعلا واضحا مع الحاضنة الاجتماعية الجديدة
التي تستقبله، لاسيما حضن الام، حيث تبدأ تتشكل شخصية الانسان وفقا لما
تعكسه شخصية الام وثقافتها وسلوكها على المولود الجديد.
يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب: (يبدأ الجنين مـن لحظة ولادته
تفاعله المباشر مع البيئة الجديدة، ومن خلال هذا التعامل تتشكل إلى حدّ
ما شخصيته السيكولوجية ويتعين مسلكه واتجاهه ومجموعة القيم والمُثُل
التي يؤمن بها أو التي لا يعتقد بها. فالبيئة الاجتماعية هي ممـا تشكل
شخصية الإنسان، فإذا كانت هذه البيئة بيئة إيمانية ينشأ الطفل علـى
الإيمان، وإذا كانت بيئة منحرفة ينشأ الطفل نشأة منحرفة).
ولم يقتصر الامر على طبيعة الحاضنة الاجتماعية فحسب، إذ تؤثر
المشكلات الاخرى الاقتصادية والثقافية في تشكيل الشخصية، وتحدد
اتجاهاتها، بمعنى أن هناك معوقات تؤثر في البعد التربوي للاطفال كما
يؤكد الامام الشيرازي، ولعل الخطورة في هذا الجانب، تتمثل في احتمال
اصابة الطفل بالتخلف العقلي او الانحراف وما شابه، في حالة فشل البيئة
وحواضنها من تقديم الاجواء الصحية والصحيحة للوافد الجديد، بمعنى اذا
كانت العائلة منحرفة او متخلفة في الفكر والسلوك والتعليم، فإن هذا
سينعكس سلبا على الطفل، مع انه لا ذنب له في ذلك.
لذلك يرى الامام الشيرازي: أن (المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لها
تأثير كبير فـي البعد التربوي للأطفال، وقـد تؤدي إلى تخلّف عقلي
وانحراف نفسي يصيب الأطفال وهم لا ذنب لهم إلاّ أنهم ولدوا في أسرةٍ
متهاوية ومنحرفة أخلاقياً وعقيديّاً). |