ضجيج الازمة السورية لايعني انها ماتزال في قمتها، فالكثير من
المؤشرات تدل على انفراج قريب في هذه الازمة، وتراجع في حسمها العسكري
قد تكون لصالح النظام، اللحظات الأخيرة عادة ماتحمل حوادث كبرى وسريعة،
في محاولة لقلب الطاولة، وتشتيت الانتباه عن الهدف الاساس ليكون قبول
الحلول سلسا، وهذا مايحدث جليا في سوريا، فالانقلاب في المواقف بدا
واضحا لدى الكثير من الدافعين باتجاه التغيير في هذا البلد سابقا
ليتحول في الصف الصامت حاليا على اقل تقدير.
المعارك التي تدور بين القوات النظامية السورية وفصائل مسلحة عديدة
تشتت اليوم وتشعبت لتصل الى صدام بين نفس تلك الفصائل وصلت الى حد
استباحة عائلات الجيش الحر من قبل عناصر القاعدة وجبهة النصرة، وهذا
بدوره مؤشر الى تعدد مرجعيات هذه الحركات وتحولها الى مليشيات تابعة
الى جهات ذات دوافع خاصة بعيدة عن رغبة الشعب السوري الذي طالما تحدثت
عنه هذه الفصائل.
ان اختلاف الأزمة السورية عن مثيلاتها العربية تقع كونها خارجية
التصميم والتنفيذ، بل هي نتاج مصالح اقليمية ودولية ولم تكن ربيعا
خالصا كباقي دول المنطقة العربية، رغم وجود معارضة حقيقية لنظام الاسد
في سوريا.
وعلى مايبدو فان لحظة انهيار العناصر المسلحة في سوريا بات قريبة
بشكل جلي، هذا التوقع ليس تنجيما بل هو ناتج من عدة معطيات منها:
اولا: المحور الدولي؛ الذي على ما يبدو حسم امره بشراكة واضحة (روسية-امريكية)
في حلحلة الامر السوري بطريقة بعيدة عن الاضواء وبإبعاد اغلب العناصر
المسلحة المتشددة في الساحة السورية التي بدورها لم تستطع ايجاد جهة
مساندة واضحة خلال فترة قتالها، مضافا الى ذلك التقارب
الإيراني-الامريكي الذي شهد تطورا واضحا من خلال التلميحات الايجابية
بين الطرفين وانتهت باتصال هاتفي بين روحاني واباما بعد قطيعة دامت ال
30 عاما بين البلدين، من جانب آخر فان الفيتو الروسي الصيني المزدوج في
مجلس الأمن وبيان قمة (شنغهاي) وموقف دول (البريكس)، أعطت دفعاً
للقيادة السورية في صراعها مع عناصر جبهة النصرة او مايسمى الجيش
السوري الحر والتنظيمات الاخرى، تواكب هذه الوقائع حركة ديبلوماسية
ناشطة على كل المستويات، أهمها مجموعة التواصل الدولية من أجل سورية
برعاية روسية لفسح المجال أمام الحل السياسي، يرافقها تراجع واضح في
الموقف الأميركي المقبل على الانتخابات الأميركية.
ثانيا: المحور الاقليمي؛ والمتمثل بالدعم التركي للتغيير المسلح في
سوريا، فهي الاخرى (تركيا) بدأت تستشعر بخطورة العناصر المسلحة اذا
ماتولت على سدة الحكم في سوريا، والتي لايمكن ان تنضبط في تصرفاتها مع
باقي الدول سواء كانت مساندة لها او معارضة، وهذا يحكي امكانية تكرار
المشهد الافغاني-الباكستاني، ومن ذلك المنطلق بدأت الاخيرة بإعادة
حساباتها لتنسحب بشكل منظم من دعمها المعلن لتلك العناصر خصوصا بعد
التفجيرات التي طالت مقرات امنية في اربيل شمال العراق، أي ان امكانية
تعاون تلك الحركات مع حزب العمال التركي امر وارد، خصوصا في حال عودة
سيطرة الجيش السوري النظامي على المناطق المسيطر عليها من قبل تلك
العناصر وهذا يعني نزوح هذه العناصر الى المناطق المتاخمة لسوريا في
تركيا والاردن والعراق.
ثالثا: المحور العربي؛ (بعض الدول الخليجية) والذي شكل ممولا ماديا
واعلاميا كبيرا لتلك الجماعات، تعرض هذا المحور الى صدمة واضحة عندما
تراجعت الولايات المتحدة الامريكية عن الضربة العسكرية التي كانت شبه
مؤكدة لسوريا لصالح مبادرة الروس، وايقنت عندها تلك الدول بان
الاستمرار بدعم هذه الجماعات يعني السير عكس الرغبة الدولية وهذا ما
لاتستطيع تلك الدول فعله، وكون ذلك المحور مفكك اصلا، فالسعوديين ظلوا
طوال تلك الفترة في لعبة الاستقطاب الخارجي يدفعون باتجاه ما يسمى (الائتلاف
السوري المعارض)، فيما ذهب القطريون باتجاه فصائل إخوانية وسلفية
متحالفة مع الأتراك، اضافة للخلافات العربية-العربية اصلا والحضور
الخجول للجامعة العربية.
خطة العبور
(الامريكيون-الروس–الايرانيون) يظهرون علامات واضحة في هذه الفترة
للتهدئة مبنية على اسس تفاهمية تجعل منهم محور مشترك في حل الكثير من
الازمات، وعلى مايبدو فان سوريا اول الغيث والمنطلق لباقي التفاهمات،
اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار حراجة الوضع السوري بالنسبة للمنطقة ولكلا
الاطراف وخصوصيتها لموضوع المقاومة التي تتبناها ايران ويرفضها
الامريكيون والتي تعتبر سوريا فيها الشريان الرابط.
خطة العبور على مايبدو تقضي (وحسب بعض الخبراء) بتهدئة المواقف تجاه
كلا من سوريا وايران من قبل الامريكان، يقابلها تعاون ايراني في حلحلة
الامور في العراق ولبنان وافغانستان مع ميلان (حزب الله اللبناني
للتهدئة) في الفترة القادمة، يتبعها تعهد اسرائيلي بالانضباط في
التصرفات، فيما سيكون الروس (الشركاء المراقبين) لكلا الطرفين في تنفيذ
هذه الخطة وهذا بدوره يهيئ لتغيرات (هادئة) في دول تعتبر مصادر مهمة
لتمويل الارهاب والتطرف والعصب الرئيس لمصادر الطاقة في المنطقة.
لقد كشف العنف في سوريا عن خفايا مهمة، ولعل ابرزها مصادر تمويل
جماعات التطرف والعنف والارهاب حيث بدا واضحا الجهات التي مولت ودعمت
تلك الجماعات بشكل سافر، في ظن منها بانها ستشكل دولة (افغانية) في
سوريا تكون بؤرة توتر للمنطقة ولتتمكن تلك الجهات من التخلص من
متعصبيها ومتطرفيها الى هذا المستنقع الذي تعتبره (جهاديا) مادام خارج
حدودها، ولتكون مصدر قلق وتهديد للدول التي لاتقع على خط الصداقة مع
مؤسسي هذه الدولة الظلامية، خصوصا التي تخالفها المذهب والعقيدة، غير
ان المسار الدولي تغير باتجاه رفض هذه الفكرة بعد اتضاح صورة الربيع
السوري (المشوه)، فالعالم لايرغب برؤية طالبان جديدة قرب مصادر انتاج
الطاقة وفي منطقة من الاحتكاك قد تشعل حرب اقليمية في أي لحظة.
فانهيار ونزوح التنظيمات المسلحة في سوريا الى خارجها بات امر
لايقبل الشك، وخصوصا بعد تلاشي ملامح الضربة العسكرية ضد نظام الاسد
والمرونة الكبيرة التي يظهرها الاخير في تفكيك منظومته الكيمياوية،
وظهور الحديث عن امكانية التعاون مع معارضة (معتدلة) أي التي لم تحمل
السلاح، وهذا الامر سيشكل تحديا كبيرا لكل الدول المجاورة خصوصا التي
تقع واياها بحدود مشتركة اي اننا امام نهاية الازمة العسكرية وظهور
سوريا في منعطف جديد.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |