الفن التشكيلي... لغة الألوان ورسالة الفنان

 

شبكة النبأ: للفن دور اساسي وهم في بناء المجتمعات سواء بطريقة مباشرة كونه يعبر عن مشاكل المجتمع الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، أو بطريقة غير مباشرة من خلال تهذيب نفس الإنسان المكون للمجتمع كما يقول بعض اصحاب الاختصاص، الذين اكدوا على ان الفن وبمختلف أنواعه هو وسيلة مهمة للتعبير عن المشاعر تجاه قضية معينة بقصد إثارة المتلقي كما هو الحال في الفن التشكيلي بمختلف اتجاهاته، وفي هذا الشأن فما زالت الحركة الاحتجاجية التي ضربت تركيا قبل اشهر تلهم الفنانين وتطبع المشهد الفني في البلاد، وقد طغت الاعمال ذات الطابع السياسي الراهن، على الدورة الثالثة عشرة لملتقى اسطنبول (بينالي) للفن المعاصر. وكان الفنانون الاتراك من اوائل المشاركين في الاحتجاجات ضد حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجه الاسلامي، والتي جرت خصوصا في ساحة تقسيم حيث كانت الحكومة تعتزم اقامة سوق تجاري يتطلب اقتلاع الاشجار فيا هذا الميدان. وقد تطورت الاحتجاجات الى انتقادات لأداء حكومة رجب طيب اردوغان في مجالات عدة، لا سيما الاجتماعية واتهامات من البعض بانها تعمل على "اسلمة البلاد".

وعلى مدى اسبوعين، تحولت حديقة جيزي، التي كانت شرارة انطلاق الاحتجاجات، الى ملتقى للأعمال الفنية، وللمعتصمين الصامتين، وللرسامين الذين راحوا يلونون جدران المدينة وسلالمها.

وعلى خلفية هذه الاعمال الفنية الاحتجاجية، يقيم ملتقى اسطنبول دورته الحالية حول موضوع "المساحات العامة وحرية التعبير". ومن بين الفنانين الاتراك المعارضين المشاركين انجي افينر، وهي تدير ورشة تضم نحو ثلاثين طالبا يتدربون على حسن توظيف حركات اليد والاصوات للتعبير، لتكوين مشاهد تتمحور حول موضوع شجرة ميتة، في اشارة الى الاشجار المهددة في حديقة جيزي والبالغ عددها 600 شجرة.

وتقول "بعد الاحداث التي شهدتها البلاد، اصبحت لدينا أسئلة جديدة حول معنى المساحة العامة". وتضيف "قررنا انشاء مساحة خاصة وحرة نستطيع فيها ان نختبر الانخراط في المجتمع". وفي هذا المستودع البحري السابق، المطل على خليج البوسفور، تؤرخ الاعمال الفنية المنتشرة على الجدران والزوايا، على الاحداث السياسية التي عاشتها تركيا خلال الصيف الماضي، ويمكن ملاحظة عبارة مخطوطة على الحائط "التظاهرات تصنع التاريخ".

ومن الاعمال الغنائية التركية التي تندد بالمشاريع العمرانية للحكومة، الى رسوم الالماني كريستوف شافر حول دور الحديقة العامة في الحياة السياسية، يبدو ان الصوت الفني السائد في تركيا اليوم يلتصق بالقضايا السياسية والاجتماعية للبلاد. وقد تلقف القيمون على الملتقى الفني (بينالي) هذا الجو، وقرروا اقامته في مكان مغلق بعيدا عن المساحات العامة.

وتقول مديرة الملتقى بيجي اورير بعد ما جرى في حديقة غيزي، ارتأينا انه من الافضل عدم التعاون مع السلطات، لذلك قررنا الانسحاب من المساحات العامة ومواصلة مناقشة اعمالنا الفنية في اماكن العرض. وقد جذب هذا الموقف الكثيرين من الفنانين الاتراك. ويقول اوزجي جيليكا صلان الذي يدير ورشة للفنون البصرية تدعى "كوزا" (شرنقة) كنا نعتقد ان الفن والالتزام السياسي والاجتماعي امران منفصلان، لكننا أدركنا بعد قضية حديقة غيزي انهما قابلان للاجتماع.

ولم يقتصر اثر هذه الاجواء الحماسية على الفنانين الاتراك بل تجاوز الحدود ليجذب فنانين من دول عدة. ويبدو ان هذا الملتقى قد نال اهتمام الجمهور التركي، بغض النظر عما اذا كان هذا الاهتمام مرده الى القيمة الفنية البحتة او الى التصاق الاعمال الفنية بالواقع السياسي والاجتماعي، ووصل عدد زواره في عشرة ايام الى 110 الاف زائر. بحسب فرانس برس.

وترى بيجي اورير ان المعرض مرتبط جدا بالأحداث الجارية في تركيا، انه يثير موضوع التحول العمراني العنيف الذي يضرب اسطنبول، والذي يهدد هذا المبنى حيث يقام المعرض نفسه، على سبيل المثال. ومن المرتقب ان يختفي هذا المستودع البحري حيث يقام المعرض في الفترة القادمة تحت ضربات الجرافات ومعاول الهدم، ليقام مكانه مركز تجاري..

فن الشارع

في السياق ذاته يحتل رسام الغرافيتي الشهير بانكسي شوارع نيويورك في مشهد غير مسبوق يجعل محبي فن الشارع "ستريت آرت" يجوبون ارجاء المدينة. ووعد الفنان الانكليزي الذي لا يعرف احد بالتأكيد هويته الحقيقية، بالكشف عن عمل جديد يوميا في مكان ما من المدينة الاميركية. ورسوماته الموهوبة المعروفة بطابعها الساخر ومغزاها السياسي جعلت منه رساما شهيرا. وقد اخذت بعض هذه الرسوم عن الجدران التي رسمت عليها وبيعت في مزادات على بعد الاف الكيلومترات من مكان انجازها بمئات الاف الدولارات.

لكن العرض النيويوركي وهو بعنوان "بيتر آوت ذن إن" (افضل في الخارج منه في الداخل) مجاني ومفتوح امام الجميع شرط ان يصل الشخص اليه في الوقت المناسب. وينجز بانكسي رسمه سرا ويعلن عنه لاحقا عبر الانترنت. وينبغي عندها على محبي هذا الفن ان يهرعوا الى المكان قبل ان يغطى الرسم بالطلاء او ان يعمد فنانون منافسون الى الرسم فوقه بعد ساعات قليلة على انجازه. ويثير المشروع ضجة كبيرة عبر الانترنت.

رسمه الاول في اطار هذا العرض مثل طفلا على ظهر طفل اخر يحاول التقاط بخاخ الطلاء الوارد على لوح حقيقي يؤكد ان الغرافيتي جريمة. وقد غطي الرسم بعد ذلك بطلاء ابيض. وتوضح الممثلة ليزا رووبيدو التي اتت لرؤية الاعمال الثلاثة الاولى لرسام الغرافيتي "ان الامر يثير الفضول انها بمثابة عملية مطاردة". وهي تريد رؤية كل الرسوم.

ولهذا العرض النيويوركي حساب على إنستاغرام جذب في الايام الثلاثة الاولى على اطلاقه نحو 30 الف مشترك. وينشر موقع "بانكسي.كوم" ايضا الاعمال الجديدة فيما يوجه حساب بانكسي نيويورك رسائل مشفرة عبر تويتر. وتضيف الملثمة الامر رائع فعلا بانكسي خلاق جدا.العملية تفاعلية وهويقول اشياء جميلة. وكان رسمه يمثل كلبا اسود يتبول على مخرج مياه لفرق الاطفاء مع عبارات "انت تكملني" وقد جذب الكثير من الاشخاص من مراهقين وفنانين ومهنيين تهافتوا لالتقاط صور له. وقد التقطت صور لاشخاص وهم يداعبون رأس الكلب في الرسم.

ويرى كين براون صاحب مدونة عن فنون الشارع "بما انه معروف جدا فان العملية ستنجح الى ابعد الحدود في نيويورك". ويضيف انا معجب به منذ فترة طوية. اعتبر انه موهبة نادرة جدا معربا عن خيبة امله الكبيرة لانه فوت عليه العمل الاول على احد جدرن تشايناتاون الحي الصيني في المدينة. ويوضح انه يمتع بحس الدعابة ويمرر الكثير من الرسائل عبر عمله.

ويمكن لمحبي بانكسي ان يحصلوا عبر رقم هاتف مجاني مكتوب على الارض على تعليق مسجل متوافر ايضا على موقع الفنان الإلكتروني. ويقول المعلق في التسجيل، بلهجمة اميركية هل تشاهدون احد اهم التحف الفنية في القرن الحادي والعشرين؟ اذا كانت هذه هي الحال فانتم في المكان غير المناسب وينبغي ان تكونوا امام رسم لكلب يتبول على مخرج مياه للاطفاء.

ويقول الرسام البياني رونين وود (24 عاما) في حي تشيلسي منذ تخرجت من المدرسة الثانوية وانا انتظر ان ارى رسما حقيقا له. وقد تمكن من ذلك على باب مرآب تحت جسر قديم للسك الحديد حيث انجز بانكسي عمله الثاني. وكتب الفنان بالطلاء باحرف سميكة هذه لهجتي النيويوركية. فعادة اكتب هكذا مستخدما احرف اصغر بكثير. ويقول رونين وود "ان الامر مضحك جدا" مفسرا هذا الرسم على انه تحد لهذا الحي الذي يضم معارض فنية رائجة جدا.

فنان مختلف

من جانب اخر فالمقدم عبد الناصر غارم من القوات المسلحة السعودية فنان من نوع مختلف فأعماله هي الأكثر مبيعا لفنان خليجي. وغارم فنان مفاهيمي يقول إنه في مهمة سلام وإن عمله في الجيش له تأثير إيجابي على عمله الإبداعي. وقال غارم خلال افتتاح أول معرض منفرد لأعماله في لندن استغرقت نحو 18 عاما لأعثر على نوع من التوافق بين كوني فنانا وكوني ضابطا في الجيش. لكن عملي في الجيش خصوصا في هذا الوقت ميزة لأنه ساعدني ودعمني في عملي الفني وفي القضية التي أسعى للتعبير عنها من خلال عملي الفني.

ويستخدم غارم مزيجا من الفيديو والتركيب والرسم والكولاج ويقول إن أعماله محاولة للحوار في وقت يموج فيه الشرق الأوسط بالاضطراب. وذكر غارم أن الفرق ليس كبيرا بين عمله في الجيش وعمله كفنان. وقال أعتقد أن عملي كضابط في الجيش هو حماية الناس. وأنا أحاول أن اضطلع بمهمة الحماية قدر الإمكان بتوجيه رسائل من خلال أعمالي الفنية لتشجيع الناس على أن يكونوا أكثر تعقلا وأكثر واقعية. وأضاف العمل الفني في آخر المطاف يصبح منبرا للحوار والنقاش وهو ما أعتقد أننا بحاجة إليه في الوقت الراهن.

وعرضت أعمال عبد الناصر غارم مع أعمال فنانين آخرين في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن وفي متحف الفن بمقاطعة لوس أنجليس بالولايات المتحدة. ومن أعمال غارم الفنية لوحة جدارية لكلمة "الصراط" على جسر منهار في قطاع تهامة. ويستخدم الفنان في بعض أعماله الكتل الخرسانية التي توضع في الأرض أمام المباني الحكومية.

وقال غارم أعتقد أنني أحاول توليد شرارة.. لتشجيع الناس على أن يتفاوضوا في شؤونهم. وأضاف هذه اللغة المرئية لا تحتاج إلى مترجم.. لا تحتاج إلى من يشرح معناها بل هي تفسر نفسها. هذا هو ما أحاول أن أفعله من خلال هذا النوع من الأعمال الفنية. وذاعت شهرة غارم عام 2011 عندما بيع أحد أعماله في مزاد لقاعة سوذبي في دبي مقابل 842500 دولار. وخصص الفنان ذلك المبلغ لإنشاء مؤسسة يديرها فنانون تشكيليون في العاصمة السعودية الرياض.

وذكر ستيفن ستيبلتون الذي شارك غارم في تأسيس قاعة (إيدج اوف أرابيا) للمعارض الفنية في لندن أن أعمال الفنان السعودي "قصة إنسانية مهمة" نحوي منظورا مختلفا للشرق الأوسط وتساهم في التواصل عبر الحدود الثقافية. وقال ستيبلتون كونه جنديا سعوديا من جنوب المملكة العربية السعودية وبدأ عمله في نحو توقيت 11 سبتمبر (أيلول 2001) هو قصة إنسانية بالغة الأهمية.. نافذة بالغة الأهمية نطل منها على ذلك الجزء من العالم. وأضاف أتمنى أن تولي المؤسسات والإعلام اهتماما بمثل هذه الأصوات لأن الصوت الآخر هو المهيمن دائما.. العنف والتطرف. لدينا هنا جندي سعودي إنسان ومبدع قادر على التواصل عبر تلك الحدود التي تقودنا في الغالب إلى الصراع.

ويرى ستيبلتون أن ثمة تعطشا للأعمال الفنية التي يبدعها فنانون من الشرق الأوسط لكن أولئك الفنانين لا تتاح لهم الفرصة لتقديم أعمالهم على المستوى الدولي. وقال أعتقد أن فناني الشرق الأوسط ما زالوا على الحافة.. ما زالوا في النطاق الخارجي.. ليسوا جزءا من الساحة الفنية الرئيسية. هذا ما نحاول في إيدج أوف أرابيا أن نفعله.. تقديم فنانين نعتقد أنهم الأهم في جيلهم إلى العالم في واحدة من أعظم مدن الفن في العالم. ويحظى غارم بإعجاب كثير من السعوديين وله عدد كبير من المعجبين على صفحات مواقع التوصل الاجتماعي والمواقع الثقافية على الإنترنت.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/تشرين الاول/2013 - 14/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م