مخاطر النزعة التشاؤمية للثقافة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من بداهة القول، أن المجتمعات التي قفزت الى مرتبة التقدم، وتخلصت من التخلف وتوابعه، حققت ذلك بوساطة الثقافة، مدعومة بالرغبة في التغيير والميل الجماعي الى التجديد، ولا يمكن أن تُبنى مثل هذه الاهداف الكبيرة، من خلال النزعة الثقافية المتشائمة!، بل الثقافة الطامحة المكتنزة المليئة بالافكار، وسبل وطرائق الابتكار، التي غالبا ما تُسهم في تحفيز المجتمع، كي يقفز الى الاعلى، تاركا حضيض التخلف الى المجتمعات الراكدة التي تهيمن عليها نزعة تشاؤمية، تدمر المواهب والطاقات، وتشل القدرة على التفكير والابتكار.

عندما يركّز الخبراء والمعنيون من فلاسفة ومفكرين، على قدرة الثقافة في نقل المجتمع من حال الى حال، فإنهم ينطلقون من حقائق وتجارب حققتها الثقافة فعلا في هذا الجانب، ودفعت بالمجتمعات النشيطة الى أمام، ولكن لم يحدث هذا في ظل نزعة التشاؤم الثقافية، ولا في ظل مثقفين متشائمين في افكارهم وسلوكهم، بل حتى في لغتهم اليومية الدارجة التي يتعاملون بها مع الاخرين، في الشارع والمقهى ودائرة العمل او مكان الدراسة والترفيه وما شابه.

ويمكننا أن نتوقع النتائج المؤسفة التي سنجنيها من الثقافة التشاؤمية، كما أننا سنلمس لمس اليد، الدور التخريبي الذي يسهم به المثقفون المتشائمون، لتتم عملية تدمير القدرات المجتمعية عن قصد او من دونه، فالنتيجة واحدة في كلا الحالتين، لذا يتساءل كثيرون، كيف يمكن لثقافة متشائمة ومثقف متشائم أن ينقل المجتمع الى امام؟ بمعنى اذا كانت الثقافة نفسها بحاجة الى تصحيح، وكان المثقف نفسه عاجزا عن الامل، والقدرة على تغيير الذات، وطرح الافكار والبدائل الناجحة، فكيف يمكن ان يتطور المجتمع وينتقل الى الحداثة ومواكبة العصر؟.

كذلك نحن نعرف أن دور المثقف في رصد الظواهر المسيئة، أو المتخلفة، أساسي في عملية التطوير، وهو أول من يتصدى بالكشف والتحليل للعقبات التي تعيق تطور المجتمع، ونتوقع أن يتحلى المثقف برؤية جيدة قادرة على التمييز بين المنسجم والمناقض، لذلك يتلخص دور المثقف برصد الظاهرة ودراستها ومعرفة بواطنها وخفايها وتفاصيلها، ثم يشرع بطرح المعالجات المناسبة لذه الظاهرة او تلك، بروح ايجابية تماما، تخلو من التشاؤم والتردد والعجز او التعجيز.

وبهذا يمكن أن تُعطى الثقافة والمثقف شهادة النجاح، في رفد المجتمع بأساسيات التحديث، وعناصر الانتقال من بؤر التخلف والتراجع والنكوص، الى الحلقات المشرقة من الافكار والاعمال التي تسهم بقوة في تطوير قدرات المجتمع، ويتم ذلك من خلال التصدي للظواهر كافة، بروح بعيدة عن التشاؤم، وملاصقة للتجديد والامل، حتى يمكن للثقافة والمثقفين أن يقوموا بدورهم الصحيح في بناء المجتمع وركائز الدولة الاخرى.

ان المثقف صاحب مشروع او رسالة او اهداف لا تنحصر في ذاته، أو شخصيته، فهو طالما قرر الانتماء الى الثقافة والمثقفين في افكاره واعماله ومشاريعه، عليه أن يرتقي بالمجتمع، وأن يسهم في تقديم البدائل والمقترحات والخطوات الاجرائية القادرة على التغيير، حتى في المجال السياسي او التعليمي، إنه ببساطة العنصر الفاعل والمؤثر القادر على الاسهام بقوة في الحد من العجز والكسل والخمول المجتمعي، لذا لا يمكن أن يكون هو بذاته كسولا او خاملا، ولا يمكن ان تسيطر عليه روح التشاؤم، كذلك طالما كان المثقف ذا مقدرة على التغيير والتجدد، فإن الثقافة سوف تأخذ سماتها من مثقفيها.

في حالة كهذه، سوف تنشأ حالة من الاكتمال والتآزر والانسجام، بين المثقف والثقافة، وهذا الانسجام سوف يساعد على تسهيل مهمة الارتقاء بالمجتمع ككل، وهو الهدف الاساسي الذي تسعى اليه الثقافة والمثقفون الذين لا تطبع أفعالهم وأفكارهم حالة القنوط، أو ظاهرة التشاؤم التي تدمر الطموح وتجعل الجميع قانعون بما هم عليه من واقع رتيب!

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/تشرين الاول/2013 - 9/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م