أمريكا وإيران... حوار بلغة الاشارات

 

شبكة النبأ: بعدما أجرت إيران والولايات المتحدة أرفع مستوى من المحادثات بينهما في نحو 30 عاما، تمثلت بالمكالمة التاريخية بين الرئيس الامريكي باراك اوباما والرئيس الايراني حسن روحاني في اعلى اتصال بين البلدين، اضافة الى اجتماع كيري وظريف هو الاجتماع الرسمي الاعلى مستوى بين مسؤولين امريكيين وايرانيين، أصبح المشهد مهيئاً لحل الخلافات المستعصية بينهما منذ عقود بالدبلوماسية التي تنسجم مع التطورات المتلاحقة الجديدة على الأصعدة كافة، لكن على الرغم من أن التقارب بين الولايات المتحدة وإيران جادا،  الا انه يبدو بعيدا ما لم تحدث انفراجة كبرى اي اقران الأقوال بالافعال، خصوصا أن كلا من أمريكا وإيران يتوجه إلى المحادثات حول البرنامج النووى الإيراني هذا الأسبوع وهو يعتقد أنه الطرف الأقوى، غير أن الحسابات الخاطئة يمكن أن تتسبب في إفساد الصفقة.

في الوقت تصاعد فيه الجدل داخل إيران حول المدى الذي ينبغي ألا تتجاوزه البلاد في محاولتها تسوية الكثير من خلافاتها مع الغرب ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص، وهذا مؤشر على قوة وسخونة الجدل داخل طهران وخارجها بعد هذه المرونة غير المسبوقة.

فعلى عكس "المؤشرات الإيجابية"، التي سادت في أعقاب أول اتصال هاتفي بين رئيسي الولايات المتحدة وإيران، منذ نحو 34 عاماً، وصف الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الأجواء بين بلاده وأمريكا بأنها "قاتمة جداً."

وقال روحاني، خلال رئاسته اجتماع مجلس الوزراء، رداً على سؤال حول "جهود حكومته لتحسين العلاقات وإزالة التوتر مع واشنطن"، إنه "على الشعب الإيراني أن يعلم أنه لا يمكن تسوية مشاكل 8 أو 10 سنوات في السياسة الخارجية، خلال 10 أيام"، وترك روحاني، الذي شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأول مرة كرئيس للجمهورية الإسلامية، انطباعاً لدى الغرب بأن هناك "تغيير في لهجة الخطاب الإيراني"، بينما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه "ذئب في ثوب حمل".

وأضاف أنه "خلال الـ45 يوماً الماضية، وفي 3 مراحل، اتخذت الحكومة خطوات وإجراءات بناءة، لتحسين العلاقات مع دول العالم"، مشيراً إلى أن هذه المراحل تتمثل في مراسم أداء اليمين، واجتماع منظمة شنغهاي، والمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وذكر روحاني، بحسب ما نقلت وكالة "فارس" للأنباء، أنه قبل وأثناء زيارته نيويورك، تلقى خمس رسائل بعث بها الأمريكيون، من أجل عقد لقاء بين رئيسي البلدين، وأضاف أن "الجانب الإيراني لم يرد على هذه الرسائل.. بسبب أن الفرصة لم تكن كافية للاتفاق حول التفاصيل"، وتابع: "لقد كان الحديث حول إجراء لقاء قصير لعدة الدقائق، بيني وبين الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) في أروقة الجمعية العامة، أو إحدى الجلسات التي نشارك فيها، ولم أكن مؤيداً لذلك، ولم ينعقد اللقاء.. وقد استمر هذا الامر بين الجانبين على هذا النحو."

ورداً على تقارير إعلامية ذكرت أن "إيران أذلت أمريكا"، ذكر روحاني أن "جانباً من هذه الأجواء الإعلامية كان طبيعياً، وجانباً آخر كان يثيره الإسرائيليون والمناوئون، ولم أكن مرتاحاً له، وقد قلت في اللقاءات إن موضوع الإذلال ليس مطروحاً."

وشدد الرئيس الإيراني على قوله: "نحن لم تكن لدينا معارضة للقاء، إلا أن الأرضية والمقدمات والظروف اللازمة لم تكن مهيئة، لأنه كان لقاءً هاماً، حيث يعقد رئيسا البلدين لقاءً لأول مرة بعد 35 عاماً، وهذا لم يكن سهلاً."

وتابع بقوله: "لدينا قضايا عديدة عالقة بين إيران وأمريكا، وقد قلت لأوباما خلال اتصاله الهاتفي معي، إن هناك أجواء قاتمة للغاية بين إيران وأمريكا طيلة الـ35 عاما الماضية، وإن شعبنا كان يعارض في مختلف الحالات ممارسات أمريكا، وأن قضية إيران وأمريكا ليست بالقضية التي يمكن حلها خلال فترة قصيرة"، وشدد الرئيس الإيراني، في ختام كلمته، على أن أصل امتلاك التقنية النووية "غير قابل للتفاوض"، كما أن أصل تخصيب اليورانيوم في إيران "غير قابل للحوار"، إلا أنه أشار إلى أن التفاصيل قد تكون قابلة للحوار.

في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني تخفيف التوتر مع الولايات المتحدة جاء هتاف "الموت لأمريكا" ليرسخ شكوك الغرب في استعداد طهران للتوصل لاتفاق لدى استئناف المحادثات المتعلقة ببرنامجها النووي.

فنصر روحاني الانتخابي القوي في يونيو حزيران الماضي كان بمثابة تفويض شعبي للعدول عن سياسة خارجية كثيرا ما تدخل البلاد في مواجهات ومحاولة لالتقاط الأنفاس من عقوبات دولية فرضت على إيران بسبب القلق من احتمال أنها تسعى لإنتاج أسلحة نووية.

كما أن هذا النصر أكسب روحاني تأييدا حذرا من قبل الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الذي له القول الفصل في الشأن الإيراني، لكن المحافظين في المؤسسة السياسية المعقدة بالجمهورية الإسلامية ركزوا على التحفظات التي عبر عنها خامنئي وبدأوا حملة لكبح مبادرات روحاني الدبلوماسية.

وهذا الشهر قال الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني وهو مناصر بارز لروحاني إنه لا يرى إمكانية لجني ثمار من ترديد هتافات تنادي بالموت لبلدان أو أفراد، وأورد مقال في صحيفة معتدلة رأيا يقول إنه آن الأوان لأن تذهب هتافات دأب الناس على ترديدها مثل "الموت لأمريكا" كما ولت شعارات "الموت للاتحاد السوفيتي" و"الموت للصين" بعد الثورة الإيرانية، لكن آية الله أحمد خاتمي الذي أم الصلاة في جامعة طهران -وهو المكان الرئيسي لصلاة الجمعة في إيران- والمحافظ البارز الذي عينه خامنئي اختلف مع هذا الرأي، وقال خاتمي للمصلين "أمريكا هي الشيطان الأكبر."

ففي الاونة الأخيرة ثار جدل حول مقال نشر في صحيفة محافظة نسب إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف قوله إن حديث روحاني مع أوباما كان خطأ، ونفى ظريف أنه أدلى بمثل هذا التصريح وقال إنه أمضى ساعات في المستشفى بعد آلام تملكته لدى قراءة المقال.

من آمال في إنعاش المحادثات المستمرة منذ عشر سنوات حول برنامج إيران النووي، ونقلت وكالة أنباء تسنيم عن ظريف قوله "تنتظرنا مهمة كبرى الأسبوع القادم وهي تحتاج إجماعا داخليا ووئاما قوميا أكثر من أي شيء."

وأيد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الذي يعتبر من صقور إيران مفاتحات روحاني الدبلوماسية وإن قال إن بعضها لم يكن "ملائما" ربما في إشارة إلى المحادثة الهاتفية مما أتاح لمنتقدي الرئيس فرصة للنيل من مبادرته.

حيث اثارات مكالمة أوباما وروحاني الهاتفية شكوك المتشددين في إيران، فمن المرجح أن يؤدي الاتصال الهاتفي التاريخي بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى مقاومة من المتشددين الذين يتمتعون بنفوذ كبير في الجمهورية الإسلامية ويتمتعون بما يحظون به من تأييد استنادا إلى العداء للغرب، ودفعت المحادثة الهاتفية القصيرة الكثيرين إلى توقع أن تتحسن العلاقات بين واشنطن وطهران بعد انتخاب روحاني المعتدل رئيسا.

ويبدو استناد روحاني إلى خامنئي صاحب السلطة الأعلى في النظام السياسي الإيراني المعقد محاولة للتصدي لردود الفعل المعاكسة من قبل مراكز القوى المتشددين وأنصارهم الذين كان بعضهم ينتظرونه لرشق موكبه بالبيض عند عودته.

غير إن هتافات "الموت لأمريكا" التي رددها المتظاهرون من المرجح أن تكون مجرد بداية لحملة على روحاني من جانب المؤسسة السياسية والعسكرية المحافظة التي تعارض الغرب بشكل عام والولايات المتحدة وإسرائيل على وجه الخصوص.

ويرى المتشددون الإيرانيون أن المحادثة الهاتفية بين روحاني وأوباما سابقة لآوانها ويقولون إنه يتعين على واشنطن الآن اتخاذ خطوات ملموسة لتبديد انعدام الثقة.

وقال حسين نجفي الحسيني وهو عضو كبير في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى في الموقع الإلكتروني للمجلس يوم الأحد "على الأمريكيين إثبات حسن نيتهم باتخاذ خطوات عملية (مثل) إنهاء العداء للشعب الإيراني ورفع العقوبات."

وبادر قائد الحرس الثوري وهو مؤسسة يدعمها مجمع صناعي وعسكري ضخم يتبع مباشرة للزعيم الأعلى بالإشادة بكلمة روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي قال فيها إن إيران مستعدة للمشاركة في محادثات نووية "محددة زمنيا وموجهة نحو تحقيق نتائج" لكنه ألحق بها تحذيرا مبطنا، وقال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري لوكالة تسنيم للانباء "خيرا فعل بعدم إتاحة وقت لمقابلة أوباما وكان يجب أن يرفض إجراء محادثة هاتفية إلى أن تظهر الحكومة الأمريكية صدقها".

وقد لا يكون مفاجئا أن ينفر الحرس الثوري وهو قوة نشأت واشتد عودها للنهوض بمهمة حماية الجمهورية الإسلامية من أعدائها في الداخل والخارج من تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة أكبر خصوم إيران.

لكن تصريح جعفري يمثل فيما يبدو تحديا للرسالة المبطنة أيضا التي وجهها روحاني إلى الحرس الثوري قبل أسبوعين فقط، وقال الرئيس للحرس "الحرس الثوري الإيراني فوق التيارات السياسية ووراءها لا بجانبها ولا بداخلها. الحرس الثوري الإيراني له مكانة أعلى هي مكانة الأمة بأسرها."

بعبارة أخرى كان يقول لهم لا تقربوا السياسة.

ولا تمثل التعليقات العلنية للوزراء والساسة والقادة العسكريين سوى صورة باهتة لما يرجح أن يكون جدالا محتدما داخل دهاليز السلطة الإيرانية البعيدة عن الشفافية حيث عادة ما تصاغ السياسات من خلال جهود شاقة للتوصل الى توافق والقول الفصل في النهاية لخامنئي.

وحصل روحاني الذي تولى السلطة في أغسطس آب على موافقة الزعيم الأعلى على مساعيه لبناء جسور مع واشنطن وتخفيف بعض العقوبات التي وصلت بمعدل التضخم إلى أكثر من 40 في المئة وأدت إلى تراجع حاد في قيمة الريال.

لكن بعض المحللين يقولون إن روحاني باستقباله مكالمة أوباما في اللحظة الأخيرة وهو في طريقه إلى المطار في نيويورك ربما يكون قد تخطى حدود المسموح له به من الزعيم الأعلى الذي يتوخى الحذر دائما ويعادي الغرب بشدة.

وقال الدكتور سيافوش رانجبار دائمي وهو محاضر في جامعة مانشستر البريطانية إنه يعتقد أن الجعفري "أخذ بسرعة تطور الأحداث الأسبوع الماضي في نيويورك ويسعى للسير بخطوة أكثر اعتدالا في عملية التقارب بين ايران والولايات المتحدة."

ويحتدم النقاش داخل إيران على ما يبدو قبل أسبوعين من الجولة التالية من المفاوضات النووية في جنيف بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن - بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة - بالإضافة إلى ألمانيا.

وقال سكوت لوكاس وهو خبير في الشؤون الإيرانية وشارك في تأسيس مرصد يتابع وسائل الإعلام الإيرانية "الحرس الثوري منح روحاني تأييدا علنيا لرحلته إلى نيويورك لكنه أوضح أن عليه أن يتفاوض من موقع القوة."

لكن في الوقت نفسه قالت وسائل اعلام ايرانية ان برلمان ايران أيد بشدة الجهود الدبلوماسية التي بذلها الرئيس حسن روحاني في الامم المتحدة لتبديد انعدام الثقة في ايران خلال زيارة انتهت بمكالمة هاتفية تاريخية مع الرئيس الامريكي باراك اوباما، ويمثل تأييد البرلمان الذي تسيطر عليه فصائل سياسية موالية بشدة للزعيم الاعلى آية الله علي خامنئي علامة اخرى على ان روحاني يتمتع بدعم المؤسسة الايرانية.

وقالت وكالة الطلبة للانباء انه في أول اجتماع مشترك بين الرئيس والبرلمان أطلع روحاني النواب على زيارته لنيويورك بما في ذلك محادثاته بشأن النزاع النووي الايراني مع الغرب والعلاقات الاقليمية.

وقالت وكالة فارس للانباء ان 230 برلمانيا من جملة 290 نائبا وقعوا على بيان يعبرون فيه عن تأييدهم لروحاني لتقديمه صورة "لايران قوية تسعى للسلام وتسعى لمحادثات وتواصل من أجل تسوية القضايا الاقليمية والدولية."

وذكرت الوكالة أن رئيس البرلمان علي لاريجاني أشاد بكلمة روحاني امام الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن لاريجاني وهو أحد المدافعين عن المؤسسة المحافظة لم يذكر الاتصال الهاتفي بين روحاني وأوباما، وقال قائد الحرس الثوري الإيراني إن الاتصال سابق لاوانه في علامة على عدم الارتياح وربما بدايات لمقاومة من جانب المتشددين الإيرانيين لروحاني المعتدل نسبيا.

على الصعيد نفسه يثير التقارب المفاجئ بين ايران والولايات المتحدة مخاوف دول الخليج الحليفة التقليدية لواشنطن في المنطقة، اذ تخشى هذه الدول مما تعتبره طموحات توسعية لطهران، بحسب محللين.

وقال المحلل السياسي المقرب من الدوائر السياسية السعودية عبدالعزيز بن صقر لوكالة فرانس برس ان دول الخليج "لديها مخاوف وهواجس" بعد هذا التطور في سير العلاقات السياسية بين واشنطن وطهران.

وفي الواقع، فان دول مجلس التعاون الخليجي الست، اي السعودية والامارات والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين، ترى بحسب الصقر ان اي تحسن في العلاقات بين واشنطن وطهران "يمكن ان يساهم في استقرار وامن المنطقة"، الا ان هذه الدول "لديها تحفظات في خصوص سرية المحادثات ونوعية التنازلات" التي قد تقدمها واشنطن، حيث ان هذا المحلل السعودي يرى انه "لا تقارب من دون تنازلات".

وبحسب بن صقر، فان الضغط الدولي الذي ستخف وطأته على ايران بسبب التقارب، قد يسمح للجمهورية الاسلامية بان "تزيد من تدخلها في الشؤون الداخلية لجيرانها" الخليجيين.

كما يرى المحلل السعودي ان التقارب الاميركي الايراني ياتي "وسط حالة من انعدام الثقة" بين الطرفين الخليجي والاميركي على خلفية الحرب في سوريا، اذ ان دول الخليج، وعلى راسها السعودية التي تدعم المعارضة السورية، كانت تفضل تدخلا عسكريا حاسما ضد نظام الرئيس بشار الاسد.

اما بالنسبة للمحلل اللبناني المقيم في لندن عبدالوهاب بدرخان فان الملفين السوري والايراني مرتبطان، وقال برخان ان الغرب "يحتاج ايران"، وهي الداعم الرئيسي للنظام السوري، للتمكن من التوصل الى حل تفاوضي للنزاع السوري.

وبحسب بدرخان، فان "هذا لن يكون مجانيا بالنسبة لايران" اذا انها "تنتظر مقابلا سواء في الملف النووي او بالاعتراف الكامل بحقها في ممارسة النفوذ في العراق وسوريا ولبنان والبحرين"، ولم تعلق السعودية رسميا بعد على التقارب الظاهر بين الولايات المتحدة وايران.

بدوره، اعتبر المحلل سمير التقي مدير مركز الشرق للبحوث في دبي انه يجب اشراك دول الخليج في اي اتفاق حول "الدور المستقبلي" لايران، والا فهي ستضطر للتصرف "بحسب مصالحها"، واعتبر المحلل السعودي ان دول الخليج "ستوجه بهذه الطريقة رسالة تؤكد استياءها من التقارب الاميركي الايراني".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/تشرين الاول/2013 - 9/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م