شبكة النبأ: المجتمع المدني الوسطي
يمثل حالة توازن بين الخنوع التام والعنف المطلق، بمعنى اوضح عندما
يغيب السلوك الوسطي سوف يعيش المجتمع حالة من حالتين، أما الخضوع
المطلق للحكومة بكل قراراتها حتى لو كانت جائرة وظالمة، أو ينحو الى
العنف المطلق في سلوكه، وبهذا فإن حالة الاستقرار لن تتحقق، ويصبح بناء
الدولة أمرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا.
إذاً فالمجتمع الوسطي هو صانع الاستقرار، وهو المحفّز على الابداع
والتجدد، وهو الطريق الى بناء الدولة المستقرة القوية المتقدمة، وعندما
يصبح المجتمع خانعا أو عنيفا بصورة مطلقة، هذا يؤكد فشل الدولة وتراجع
المؤسسات المعنية ببناء المجتمع، وعدم قيامها بمهامها، فضلا عن ضعفها
وافتقارها للقدرة على البناء المجتمعي السليم، بالاضافة الى الاسباب
التي يقف وراءها المجتمع ذاته.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، متى يكون المجتمع خانعا بصورة مطلقة، أو
عنيفا الى حد التطرف، وما هي الاسباب التي تقف وراء ركون المجتمع الى
إحدى هاتين الحالتين، وهل هناك سبل وخطوات معينة تتم من خلالها معالجة
هذا التطرف المجتمعي الحاد؟.
لا شك أن هناك اسبابا ودوافع هي التي تجعل المجتمع بعيدا عن الوسطية،
ومنحرفا باتجاه بوصلة الخنوع او العنف، أما الخنوع فهو نوع من السلوك
السلبي، قد يلجأ اليه المجتمع في ظل مصادرة الرأي، واستخدام النظام
السياسي الحاكم للقسوة والقوة المفرطة، في مقارعة الرأي والفكر والكلمة
التي لا تتفق مع ثقافة واهداف الحكم، فعندما يصادر النظام السياسي حرية
المجتمع، يهدف من ذلك الى حماية عرشه، ومكاسبه المادية المتمثلة
بالنفوذ والجاه والقوة، والاستحواذ على المناصب والاموال، ونشر الفساد
في مفاصل الدولة كلها، حتى يسهل على رموز السلطة سرقة الشعب ومصادرة
حقوقه وحرياته، كل هذا يحدث بقوة القمع، وهذه الظاهرة تحدث في ظل
الانظمة الدكتاتورية، وقد عايشها المجتمع العراقي وعانى منها طويلا،
وهذا يفسر الآراء التي ذهبت الى ان المجتمع، كان يميل الى الخنوع في
مرحلة من مراحل حياته، عندما كان النظام السياسي لا يتورع عن استخدام
العنف والاقصاء وما شابه.
حالة او ظاهرة الخنوع تضر كثيرا في بناء الدولة نفسها، عندما يصبح
المجتمع عاجزا عن التأثير في مسار الانشطة المختلفة للدولة، لاسيما
عندما تفشل السلطة التنفيذية في ادارة الملفات التي تعنى بشؤون
المواطنين، مثل خدمات البلدية والصحة والتعليم، والارتفاع بالقدرة
الشرائية للفرد، ومراعاة الجانب الترفيهي وما شابه، فاذا كان المجتمع
عاجزا عن التعامل بحزم مع الحكومة، من خلال وسائل الضغط المتعارف
عليها، فإن تراجع الدولة والمجتمع سوف يستمر، حتى تصاب الدولة وكيانها
المجتمعي بالضعف والانهاك والتخلف.
اما اذا لجأ المجتمع الى العنف المطلق، واستخدم القوة في مقارعة
السلطة، فإن هذا السلوك يشكل فشلا آخر للدولة والمجتمع ايضا، لان
الصحيح لا يتمثل باللجوء الى العنف المطلق، ولا بالخنوع المطلق، انما
المطلوب في هذا المجال، تعضيد السلوك الوسطي القادر على تحقيق التوازن
بين الحالتين، لكي تتم عملية بناء الدولة بالصورة السليمة.
في جانب الحلول، لكي يتحقق نوع من التوازن، والابتعاد عن التطرف،
ينبغي أن تقوم الحكومة بدورها لدعم الاستقرار، من خلال الاسهام بقوة
ومنهجية في صناعة المجتمع المدني الوسطي، وهي قادرة على التعامل مع هذا
الجانب الحساس بنجاح، فيما لو تم التخطيط له بفاعلية وتخصص، وتم تنفيذه
بصورة دقيقة، بمعنى لابد أن تتحرك الحكومة وفق خطوات عملية مدروسة،
وموضوعة من لدن خبراء ولجان متخصصة، لكي تساعد في منع التطرف، وتعمل
فعليا على خلق الوسطية المطلوبة في السلوك المجتمعي عموما، بطبيعة
الحال هناك جملة من الخطوات الاجرائية التي ينبغي أن تقوم بها الدولة،
ومؤسساتها المعنية، في تشجيع الوسطية بالفكر والسلوك معا، وذلك من خلال
الابتعاد عن وسائل العنف كافة فكرا وسلوكا، وفي نفس الوقت تشجيع
المجتمع على المطالبة بحقوقه وحرياته المدنية وسواها، وفق سلوك وتعبير
سلمي متعارف عليه، يحميه القانون وتجيزه السلطات المعنية بهذا الامر. |