الرفاهية من واقع الإسلام

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: يتوهّم الكثير أن الاسلام غير قادر على استيعاب الشؤون الاقتصادية في العالم، بطرح أفكار عملية لتطوير الانتاج وتحقيق النمو، وتقديم حلول سريعة لأزمات مثل البطالة والفقر، ذلك بسبب تشابك العوامل وتقاطع المصالح الدولية والاقليمية، حتى بات البعض يشكك بقدرة أي بلد على التخلّص من داء "الفوائد" في النظام المصرفي، والذي يمثل أحد اشكال "الربا".

هذه المكابرة من لدن الطبقة الثرية والأنظمة السياسية الراعية للرساميل الضخمة، هي التي جعلت من الاقتصاد، كمفهوم و واقع على الأرض، همّاً جاثماً على صدور البشرية، بدلاً من أن يكون باباً للعيش الكريم، و بوصلة للوصول الى حياة أفضل. وهذا ما يعالجه ويسلط الضوء عليه سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي – دام ظله- في كتابه "السياسة من واقع الإسلام"، حيث يؤكد سماحته على أن الاقتصاد هو مفتاح الازمات، وعامل استقرار وقوة للدول والشعوب، لذا يراه مقدماً على السياسة، فيقول: كلما كان التوازن الاقتصادي أقوى، كانت السياسة أكثر سداداً ورشداً.. ويستشهد سماحته بحديث عن الإمام الصادق، عليه السلام: أن "الاقتصاد هو الكسب كله". وهذا تأكيد آخر على ان الاقتصاد - بالحقيقة- من المفترض أن يكون عامل استقرار نفسي واجتماعي وايضاً سياسي للشعوب. بينما الملاحظ اليوم فقدان الثقة بين الناس في كل مكان بالعالم، بهذا "الاقتصاد"، لأنه لا يجلب لهم سوى الديون والتضخم والبطالة وغلاء الاسعار والتوزيع غير العادل للثروة. وهذا يجسد البون الشاسع بين الواقع الذي نعيشه، وبين واقع الإسلام الذي يبشر بالرفاهية والعيش الكريم.

الرفاهية في افريقيا.. طموح يتحقق

يشير سماحته الى الرفاهية التي كان يعيشها الانسان – أي انسان- في ظل الدولة الاسلامية، لم تكن مقتصرة على الحجاز والعراق والشام، التي كانت بالأساس تنعم بالخيرات والثروات والامكانات التجارية والمالية، انما كانت ممتدة الى عمق القارة الافريقية، ويقول: ان هذه القارة، التي تسمى احياناً بـ" السوداء" كانت، قبل أكثر من عشرة قرون، تنعم بالغنى والثروة بفضل تطبيق حكم الإسلام فيها.

فقد نقل المؤرخون: أن والي أفريقيا في العهد الإسلامي وتحديداً في عهد الإمام محمد الباقر، عليه السلام، وفي مطلع القرن الثاني الهجري، بعث برسالة إلى العاصمة الإسلامية يستفسر عن الصدقات والزكوات المتضخمة عنده ماذا يصنع بها؟

فصدر الجواب: أصرفها على الفقراء والضعفاء.

فكتب: عملنا ذلك، وزادت صدقات كثيرة فماذا نعمل بها إذن؟

وصدر الجواب: اجعل من يعلن في البلاد على رؤوس الناس: ألا من كان محتاجاً فليأت الوالي وليأخذ حاجته من الصدقات. واجعل من يبحث عن الفقراء وأهل العوز، فلعل هناك بعض من يمنعه الحياء أن يأتي الوالي.

فكتب الوالي إلى العاصمة الإسلامية: فعلنا ذلك وزادت الصدقات.

فصدر الجواب: اصرفها في عامة مصالح المسلمين.

ويتساءل سماحته: "هل رأت أفريقيا، مثل هذه الظروف في كل تاريخها وبعد الإسلام؟ وهل رأى العالم أو قرأ أو سمع نظاماً اقتصادياً يستطيع أن يقتلع جذور الفقر عن الناس، حتى يكون من بواعث العجب والدهشة رؤية فقير واحد في طول البلد الإسلامي وعرضها، ولو كان ذاك مسيحياً غير مسلم؟ وهل استطاع العالم المعاصر، والتجارب الاقتصادية الكثيرة من وضع نظام اقتصادي كهذا؟

والجواب على ذلك كله: النفي طبعاً".

لكن ما السبب وراء ذلك؟

بدلاً من استثمار الثروات الهائلة في هذه القارة الغنية والخصبة، نلاحظ ابتلاء ا لشعوب الافريقية بدوامة عنف كبيرة لا تتوقف، تدور رحاها على ملايين الابرياء، حيث تكاد لا تخلو دولة افريقية من الصراعات السياسية والحروب الاهلية وحتى القبلية، يذهب ضحيتها يومياً المئات من القتلى من النساء والاطفال، وتدمير القرى المبنية أساساً من القش والوسائل البدائية. وهذا – كما يشير الى ذلك- سماحة المرجع الشيرازي، الى بذرة النزاع التي زرعها الاستعمار في القرن الماضي، ثم جاء دور الأنظمة السياسية الذيلية التي لم تفكر يوماً في وضع برامج اقتصادية ناجحة للشعوب الافريقية، توفر لهم العيش الكريم، وتبعدهم عن شبح المجاعة والأوبئة والحرمان، كما يحصل اليوم تماماً. ولعل الحروب الاهلية الطويلة الأمد في جنوب السودان، وفي أنغولا، وفي تشاد، وفي ليبريا وفي الكونغو، تكون أمثلة بارزة على مدى التدخل الاجنبي في إذكاء نار الحروب الاهلية الطاحنة بحجة المطالبة بالحقوق التي لم يلمسها الافريقيون بتاتاً.

ونظرة خاطفة على الارقام الخاصة بالثروات التي تمتلكها افريقيا، يدعونا للأسف الشديد على ضياع تلك المرحلة الذهبية التي عاشتها هذه القارة في ظل الاسلام. فحسب بعض الاحصائيات فان إفريقيا تمتلك (75) مليار برميل من احتياطي النفط، وبما نسبته (9%) من الاحتياطيات العالمية، وتنتج حوالي (300) مليون طن منه لتوليد الطاقة، وتنتج (22) مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، وبنسبة (7.5%) من إجمالي الإنتاج العالمي من هذا المورد الاقتصادي، ويبلغ احتياطي الغاز الطبيعي في إفريقيا نحو (477) تريليون قدم مكعب، وبنسبة 6.9%من الاحتياطي العالمي أما بالنسبة للطاقة الشمسية، فإن إفريقيا تمتلك أكبر مخزون لهذا النوع من الطاقة، حيث توجد بها أكبر وأوسع صحارى العالم، التي تعد المصدر الأساس لتوليد الطاقة الشمسية، وتمتلك القارة الإفريقية (95 %) من احتياطي الماس في العالم، وتنتج (50 %) من معدل الإنتاج العالمي من هذا المعدن الثمين، كما تنتج (70 %) من معدل الإنتاج العالمي من الذهب، و (33 %) من النحاس، و (76 %) من الكوبالت، وتمتلك إفريقيا (90%) من احتياطي العالم من البلاتين، وتنتج حوالي (75%) من هذا المعدن، كما أنها تنتج (9%) من الحديد، ويتراوح احتياطيها من الحديد والمنغنيز والفوسفات واليورانيوم من (15-30 %) من إجمالي الاحتياطي العالمي من هذه المعادن والموارد الطبيعية.

مكافحة الفقر.. والاقتصاد الناجح

من الخطوات الاساس في تحقيق الاقتصاد الناجح والمثمر، هو مكافحة الفقر والبطالة، وإخراج الناس من حالة العوز والحرمان، وهذا ما يدعو اليه سماحة المرجع الشيرازي، حيث يؤكد قدرة الإسلام على إغناء الناس، ليس في بلد واحد، ولا حتى في قارة واحدة، إنما في جميع أرجاء المعمورة، والدليل على ذلك، الرقعة الجغرافية الواسعة التي بلغتها الدولة الاسلامية، حيث شملت افريقيا وأجزاء من اوربا، فضلاً عن آسيا ومناطق في الشرق الاقصى..

ويذكر سماحته القصة المعروفة التي ينقلها الشيخ الحرّ العاملي - رحمه الله- في كتابه "وسائل الشيعة"، وهي مصادفة الإمام أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، عليه السلام، ذات مرة، وهو يسير في سكك الكوفة، فنظر إلى رجل يستعطي الناس: فوجه الإمام السؤال إلى من حولـه من الناس قائلاً:

ما هذا؟

فقالوا: إنه نصراني.. كبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس لـه مال يعيش به، فيكتنف الناس.

فقال الإمام ـ في غضب ـ : استعملتموه على شبابه حتى إذا كبر تركتموه؟

ثم جعل الإمام عليه السلام لذاك النصراني من بيت مال المسلمين مرتباً خاصاً ليعيش به حتى يأتيه أجله.

إن مكافحة الفقر، لا تعني بالضرورة سد حاجة الفقراء من المال والاحتياجات الضرورية، إنما هي خطة استراتيجية لخلق اقتصاد منتج وفاعل تكون اليد العاملة فيه، الداينمو وعامل التطور والتقدم الأول.. وإلا، فمن أين كانت تأتي الزكوات والحقوق الشرعية التي تتعاظم وتتجمع حتى تتحول الى كتل من الذهب والفضة، لولا وجود النشاط الاقتصادي، لاسيما في مجال الزراعة والرعي والتجارة وغيرها. وهذا ما يدعو اليه الاسلام، ليخرج الانسان من الطريق المسدود الذي يقف عنده اليوم تحت سقف المدينة والدولة والقوانين الوضعية الفاشلة، الى رحاب العمل والانتاج والتجارة عبر العالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/تشرين الاول/2013 - 4/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م