الاقتصاد الأمريكي... مأزق الميزانية يشل الدولة الفدرالية

 

شبكة النبأ: تهدد الأزمة الجديدة للاقتصاد الأمريكي المتمثلة بالخلاف بين الادارة الديمقراطية والمعارضة الجمهورية في الولايات المتحدة على موازنة المالية للعام 2014، بشلل جزئي للادارات الفدرالية، وعواقب اخرى أكثر تأثيرا في حال لم يرتسم حل في الافق خلال الاونة المقبلة.

حيث يرفض الجمهوريون المعارضون لاصلاح نظام التأمين الصحي المعروف بـ"اوباما كير" والذي دخل جانب مهم منه حيز التنفيذ مؤخرا، التصويت على اي ميزانية لا تتضمن الغاء تمويل هذا النظام، في المقابل اكد الرئيس الامريكي الديمقراطي انه لن يتراجع امام اصلاح القطاع الصحي الذي يخوض الجمهوريون معركة ضده، وقد حمل باراك اوباما بشدة على الجمهوريين الذين يعيقون اقرار الميزانية، داعيا اياهم الى وقف "هذه المهزلة" سريعا والتصويت على الموازنة لانهاء الشلل الذي يصيب الادارة، محذرا ايضا من ان تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها التي ستبلغ سقفها في 17 تشرين الاول/اكتوبر، ما قد يحمل تبعات كارثية على الاقتصاد العالميـ إذ يتعامل اقتصاد الولايات المتحدة مع اقتصاد معظم دول العالم بشكل رئيسي وبالتالي فأنه يتأثر بحالته نموا وتراجعا، وهذا الامر قد ينذر بانكماش جديد ستكون له انعكاسات خطيرة على اقتصاد العالم.

إذ يرى الكثير من المحللين ان الخلافات والتوترات الشرسة بين الجمهوريين والديمقراطيين سببت خللا كبيرا في التوازن الاقتصادي داخل الدول الفدرالية فان مئات الاف الموظفين لن يتوجهوا الى اعمالهم، ويشبه الوضع الحالي ما حصل قبل 17 عاما عندما واجه رئيس ديموقراطي اخر هو بيل كلينتون كونغرس كان خاضعا في تلك الفترة للجمهوريين الذين سيطروا على مجلسي النواب والشيوخ اثناء الانتخابات التشريعية في 1994.

وفي حال لم يتفق الكونغرس في مجلسيه (النواب والشيوخ) على التصويت اقرار الموازنة المالية فهذا الامر يطرح تهديدا على استقرار الاقتصاد الاول في العالم، وعليه يبدو ان مسيرة النمو الاقتصادي الامريكي ستعيش اصعب مراحلها في الوقت الراهن.

ويرى هؤلاء المحللين انه ما لم ينجح الكونجرس في التوصل إلى اتفاق بشأن التصويت على في موعدها المقرر، فسوف يتضرر الاقتصاد الأمريكي الذي لا يزال في مرحلة التعافي بشكل كبير من سقوطه في ما يطلق عليه الهاوية المالية بداية العام، لذا فأن اقتصاد الولايات المتحدة يحتاج إلى إحراز تقدم على مستوى خطة الاستدامة المالية.

لكن في حال استمرار الجدل السياسي وتصاعد لهجة المعارك الكلامية المستمر بين طرفي الصراع الجمهوري الديمقراطي، فان هذه الصراعات والتحديات تضعه على محك الانهيار، التي تجسدها الاتهامات المتبادلة حيث اتهم الرئيس الاميركي من سماه "الجناح الايمن في الحزب الجمهوري" باعاقة التصويت على الميزانية في مجلس النواب الذي قال ان اغلبية اعضائه من الحزبين مستعدة للتصويت، وكرر اوباما تأكيده انه لن يخضع للابتزاز و"لن يدفع فدية مقابل اعادة تسيير العمل في الادارة" مضيفا "لن ادفع حتما اي فدية مقابل زيادة سقف المديونية"، وقد لوح نواب جمهوريون بربط مسألة الميزانية بزيادة سقف المديونية، وهي احدى صلاحيات الكونغرس، وتابع اوباما "مهما كان الشلل في الميزانية خطيرا، فإن الشلل الاقتصادي الناجم عن التخلف عن السداد سيكون اسوأ بكثير"، وادى هذا المأزق الاميركي الى ازدياد المخاوف في الاسواق العالمية خلال الاسبوع.

ومن المتوقع ان تبلغ الولايات المتحدة سقف الاستدانة المحدد حاليا بـ16700 مليار دولار، في 17 تشرين الاول/اكتوبر، ويتعين على الكونغرس الموافقة على رفع لهذا السقف لتفادي تخلف البلاد عن سداد مستحقاتها، ويرى المحللون بأن ممارسات أوباما تظهر الثقة المتزايدة لرئيس يشعر الآن بحرية أكبر في مواجهة كونجرس جديد دون أن تكون لديه أي مخاوف مرتبطة بالسعي لإعادة انتخابه، وكانت فترته الأولى قد شهدت شكاوى من قاعدته الليبرالية من تهاونه الشديد مع الجمهوريين، الا انه اليوم اظهر وجها سياسيا اخر لا يعجب الجمهوريين.

وفي زيادة للضغط على الجمهوريين، وجه وزير الخارجية الاميركي جون كيري تحذيرا من خطر اضعاف الولايات المتحدة في حال طال امد ازمة الميزانية، وقال كيري في مؤتمر صحافي قبل افتتاح اعمال قمة مجموعة التعاون الاقتصادي لدول اسيا والمحيط الهادئ (ابيك) في جزيرة بالي الاندونيسية "اذا ما طال امد ذلك، او تكرر، يمكن للسكان ان يبدأوا بالتشكيك في ارادة الولايات المتحدة في الاستمرار بالوفاء في التزاماتها وبقدرتها على القيام بذلك. لكن ذلك ليس ما هو حاصل ولا اعتقد انه سيكون كذلك".

ويمثل كيري في هذه القمة الرئيس باراك اوباما الذي اضطر لالغاء جولة له في اسيا بسبب الازمة، الا ان الجمهوريين نفوا بشدة ان يكونوا السبب وراء هذه الازمة، وقال رئيس مجلس النواب الاميركي جون باينر خلال مؤتمر صحافي "ان الاميركيين لا يريدون شلل دولتهم الفدرالية، وانا ايضا. كل ما نطلبه هو الجلوس واجراء نقاش واعادة فتح الدولة الفدرالية وانصاف الاميركيين في +اوباماكير+" في اشارة الى القانون المتعلق بالضمان الصحي الذي اقره الرئيس اوباما في 2010، ورد اوباما "ساكون سعيدا بالتفاوض مع الجمهوريين والسيد باينر لكن ليس تحت التهديد"، وذلك اثناء نزهة غير معتادة برفقة نائب الرئيس جو بايدن خارج البيت الابيض لشراء سندويشات من محل مجاور، في مشهد نادر الحدوث.

واقترح اوباما وحلفاؤه الديموقراطيون الذين يشكلون الغالبية في مجلس الشيوخ التفاوض رسميا حول ميزانية طويلة الاجل لكنهم يشترطون ان يصوت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون على قانون مالية لستة اسابيع من اجل اعادة فتح كامل الادارات الفدرالية.

واعلنت مجموعتان متخصصتان في الصناعات العسكرية متعاقدتان مع البنتاغون هما لوكهيد مارتن و"يو تي سي" انهما سترسلان الاف الاشخاص لقضاء اجازات غير مدفوعة اعتبارا، ومن التبعات الاخرى لهذه الازمة على الصعيد الدولي، اعلن الاتحاد الاوروبي الغاء الجولة الثانية من المفاوضات مع واشنطن لارساء اتفاق للتبادل الحر.

في الوقت مفسه ارتفعت حدة اللهجة في واشنطن حيث حمل الرئيس الجمهوري لمجلس النواب جون باينر على البيت الابيض في غياب اي تقدم في اليوم الرابع من شلل الدولة الفدرالية، وكان الرئيس الاميركي باراك اوبما الغى جولة كانت مقررة الى اسيا بسبب ازمة الميزانية في الولايات المتحدة التي تدخل الجمعة يومها الرابع من دون افق حل سريع، واثناء نزهة غير معتادة خارج البيت الابيض قال اوباما انه "لا يوجد طرف رابح" من اغلاق الحكومة المركزية.

وجاءت تصريحات اوباما في محاولة لاصلاح الضرر الذي تسبب به تصريح على لسان احد كبار مساعديه بان الادارة لا يهمها الى متى يستمر اغلاق الحكومة لانها تشعر بانها هزمت الجمهوريين، وقال اوباما في اشارة الى معاناة الموظفين الحكوميين "لا يوجد رابح عندما لا تعلم الاسر ما اذا كانت ستتلقى رواتبها ام لا"، وسار اوباما برفقة نائبه جو بايدن يحيط بهما عناصر الحرس الرئاسي، في شارع بنسلفانيا وتوجها الى محل لبيع الساندويشات يقدم خصما بنسبة 10% لموظفي الحكومة المتوقفين عن العمل.

من جهته انتقد رئيس مجلس النواب الجمهوري جون باينر في الكونغرس بشدة البيت الابيض الجمعة بسبب رفض الرئيس باراك اوباما التفاوض على انهاء اغلاق الحكومة الفدرالية قائلا "هذه ليست لعبة".

وجاءت تصريحات باينر الحادة عقب خروجه من اجتماع للحزب الجمهوري وانتقد مسؤولا لم يسمه في الادارة الاميركية تردد انه قال انه "من غير المهم" الى متى يستمر اغلاق الحكومة الفدرالية لان البيت الابيض "يكسب" معركة الموازنة.

واوضح البيت الابيض انه "نظرا الى شلل الدولة الفدرالية، فان رحلة الرئيس اوباما الى اندونيسيا وبروناي قد الغيت. اتخذ الرئيس هذا القرار نظرا الى الصعوبة في تنظيم رحلته" في مثل هذه الفترة، واضاف ان "هذا الشلل الذي كان بالامكان تفاديه بالكامل، يمثل ضربة لقدرتنا على انشاء وظائف من خلال الترويج للصادرات والمصالح الاميركية في منطقة (الدول) الناشئة الاهم في العالم"، في حين جعل اوباما من تعزيز الحضور الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري الاميركي في اسيا احد اولوياته منذ العام 2009.

وقالت المجموعة في بيان ان هذا العدد سيزداد على مر الاسابيع في حال تواصل هذا الوضع الناجم من خلاف بين الجمهوريين والديموقراطيين حول الموازنة الفدرالية، ولم يتم تحقيق اي تقدم على صعيد المساعي لحل هذا الشلل غير المسبوق في البلاد منذ العام 1996، وصوت مجلس النواب الذي يسيطر عليه خصوم اوباما الجمهوريون، لصالح اعتماد تدابير جزئية وموقتة مع تيقنهم من ان مجلس الشيوخ بغالبيته الديموقراطية سيرفضها شأنه في ذلك شأن البيت الابيض.

كما هدد هؤلاء النواب بربط هذه المسألة بموضوع رفع سقف المديونية، وهو ما يتعين القيام به قبل 17 تشرين الاول/اكتوبر الجاري، واذا لم يعط الكونغرس موافقته، يمكن للولايات المتحدة ان تتخلف عن سداد مستحقاتها اعتبارا من هذا التاريخ، وهو وضع غير مسبوق جددت وزارة الخزانة التحذير منه.

وجاء في تقرير للوزارة للتحذير من "تخلف كارثي عن السداد"، ان "سوق القروض يمكن ان يتجمد، قيمة الدولار يمكن ان تنراجع بقوة ومعدلات الفوائد الاميركية يمكن ان تسجل ارتفاعا كبيرا، ما يؤدي الى ازمة مالية وانكماش يذكران باحداث العام 2008، وربما اسوأ".

بدوره، ابدى وزير المال الياباني تاسو اسو قلقه من التأثير المحتمل لهذا المأزق المالي الاميركي على الاقتصاد العالمي وسوق العملات. وقال "اذا لم يتم حل هذه المسألة بسرعة، سيكون هناك تداعيات مختلفة" على التركيبة الاقتصادية العالمية.

فيما حذرت وزارة الخزانة من ان تخلف واشنطن عن سداد ديونها ستترتب عليه عواقب "كارثية" في حال استمرار الوضع الحالي، وفي غياب اي مفاوضات حمل الرئيس باراك اوباما مباشرة على محاوره الجمهوري الرئيسي جون باينر رئيس مجلس النواب الذي اخذ عليه عدم الرغبة "في اغضاب المتطرفين في حزبه".

وتتمثل الاستراتيجية الجديدة للجمهوريين، الذين يسيطرون على نصف مجلس النواب ويملكون بذلك سلطة التعطيل، في محاولة اعادة فتح الوكالات الفدرالية واحدة تلو الاخرى للتخفيف من "وجع" شلل الدولة.

وفي هذه المعركة التي تدور ايضا على ساحة الراي العام يبدو ان اوباما يحظى بدعم اكثر من خصومه حيث يرفض 72% من الاميركيين فكرة شلل الدولة بسبب الخلاف على برنامج التامين الصحي مقابل 25% يرون انها فكرة جيدة حسب استطلاع لشبكة سي.بي.سي نشر الخمي.، وفيما يبدو ان شلل الادارات سيستمر لفترة طويلة، سجلت البورصات الاميركية تراجعا حيث خسر مؤشر داو جونز عند الاغلاق 0,39% فيما تراجعت الاسواق الاوروبية والاسيوية ايضا. وخسرت بورصة طوكيو ايضا 2,17%، وكان للازمة ايضا تاثير على برنامج عمل أوباما الذي الغى الاربعاء زيارة كانت مرتقبة في 11 تشرين الاول/اكتوبر الى ماليزيا واخرى الى الفيليبين. ولا يزال الشك يحيط بامكانية حضوره قمتين دوليتين.

وهذا الاغلاق يأتي بعد 33 شهرا من التجاذبات والمواجهات بشأن الميزانية بين الديموقراطيين والجمهوريين الذين استعادوا السيطرة على مجلس النواب في كانون الثاني/يناير 2011 بعد انتخاب عشرات الاعضاء من التيار الشعبوي المتشدد المعروف بحزب الشاي ("تي بارتي").

الى ذلك تزايدت في اوروبا الدعوات غير المباشرة الموجهة الى الولايات المتحدة لحثها على الخروج من مأزق الميزانية، وصدرت بالخصوص عن كل من رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي ووزير الاقتصاد الفرنسي بيار موسكوفيسي.

وكان وزير الاقتصاد الفرنسي بيار موسكوفيسي اعتبر قبله ان الازمة في الولايات المتحدة "يمكن ان تكبح الانتعاش الحالي"، اذا ما عجزت الولايات المتحدة عن التوصل الى اتفاق على رفع سقف الدين، كما ذكرت الاربعاء المتحدثة باسم الحكومة نجاة فالو-بلقاسمـ واضافت "ننتظر ارقاما اكثر دقة، لكن يبدو في الواقع ان كل يوم تعثر يؤدي الى خسارة مالية مهمة لللبلاد (الولايات المتحدة) وبالتالي الى عواقب على شركائها".

وقد اعتبر كل من ماريو دراغي وعدد كبير من الخبراء الاقتصاديين ، بينهم بنجامين كارتون الخبير الاقتصادي في مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، ان الوصول الى هذه المرحلة امر غير ممكنـ وقال لوكالة فرانس برس "اذا ما وصلوا الى هذه المرحلة، يجب ان يساورنا القلق حيال مستقبل الولايات المتحدة"، وتساءل كارتون "هل يمكن ان يوقف ذلك ديناميكية النمو؟ الامر ليس واضحا حتى الان. ولم تصل الامور بعد الى السيناريو السيء"، واشار هذا الخبير الاقتصادي الى ان هذه الشكوك الكبيرة "ستؤثر تأثيرا كبيرا على السياسة النقدية، لان البنك المركزي الاميركي يجد نفسه مضطرا لادارة الفوضى، في الوقت الذي لديه امور اخرى ليهتم بها ولاسيما انهاء سياسته المتساهلة جدا".

ويرى في قلق الاوروبيين ايضا "على الارجح ارتياحا طفيفا" للاشارة الى المشاكل الاميركية التي من شانها ان "تقلل من اهمية الازمة المؤسسية في منطقة اليورو" التي وجهت اليها واشنطن انتقادات حادة.

وعليه يرى خبراء اقتصاديون ألا تؤدي الإجراء الأخيرة وكذلك المساعدات الدولية إلى حل سريع للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة، وأن انتعاش الاقتصاد يبقى مرهونا بتحسن العلاقة بين طرفي النزاع الجهموري الديمقراطي بدرجة كبيرة، لكي يتم الحصول على استقرار اقتصادي طويل الأمد في المستقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/تشرين الاول/2013 - 3/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م