قيم التخلف: فن صناعة الشقاء!

علي حسين عبيد

 

شلكة النبأ: ربما من غرائب الحياة، أن يتقن الإنسان فن صناعة الشقاء!، ويشارك أو يسعى عن قصد او من دونه، الى زرع الشقاء بين عموم الناس،لا لشيء إلا لكونه من الصنّاع المهرة لهذا النوع المؤلم والبائس من أنواع العيش، على أن المشكلة لا تتوقف عند الحدود الشخصية لصانع الشقاء فقط، بل تتعداه الى النسيج المجتمعي ككل، فيصبح أولئك الأفراد او الجماعات، أدوات تصلح وتسعى لنشر الشقاء والبؤس بين الجميع!.

إن الانسان الشقي، أو الذي يبرع في صناعة الشقاء، سوف يعكس شقاءه على المجتمع من دون أدنى ريب، وبهذا سوف يكون قادرا على صنع المتاعب بشكل دائم، اضافة الى نشر السلوك والتفكير السلبي، لانه يتحرك في هذا الاتجاه بصورة آلية، بمعنى أنه تربّى على هذا النوع من السلوك، لذلك لا يرى ضيرا في الترويج لمنهجه وسلوكه في الحياة، إنه في هذه الحالة يصبح مشكلة في حياة المجتمع، ولا يكتفي عند هذا الحد، للك يسعى كي لا يكون وحده في ها المضمار، فيتحرك وينشط من خلال اعماله وافعاله واقواله وافكاره الى بث و زرع البؤس و الشقاء بين عموم الناس، لدرجة انه يعتاد السلوك التخريبي ولا يجد فيه حرجا من الآخرين.

وتعد صناعة الشقاء قيمة سلبية، يتقنها أناس جبلوا على الاساءة للمجتمع من خلال أنشطتهم الحياتية اليومية، لذلك هم يسهمون بصناعة شقاء المجتمع، حيث يعيش الناس في أجواء محتقنة خانقة، لا تنتمي لروح الترفيه، ولا تساعد على الابداع والارتقاء بالمواهب او الطاقات الفاعلة، فيذهب الشقاء وصانعوه الى تدمير القيم الجيدة في المجتمع، ومن أسباب الشقاء أيضًا ذلك الوهم الكاذب المُسيطر على عقول الكثيرين وأرواحهم. يكون الواحد منهم سعيدًا في حاضره، فيأبى التمتع الطيب الطاهر المُطمئن بما هو فيه، بل يذهب مُفكرًا في المستقبل، والغيب شيء استأثر الله بعلمه، ويتساءل المرء ليُنَغِصَّ على نفسه بنفسه حياته: هل سأكون كذلك في المستقبل؟. ألا تُدبر الدنيا بعد إقبال؟. ألا ينتظرني بلاء أو شقاء؟....وهكذا يظل في تصوراته الوهمية، حتى تتراكم سُحب القلق في سمائه، فلا هو انتفع بما في يده، ولا استطاع أن يخترق حُجُبَ الغيب؛ وذلك من ضلال الرأي وسوء التصرف.

إن المجتمعات المتقدمة، تخطط لصناعة السعادة، من اجل الابداع والابتكار وتحسين الانتاج، وهي تسعى على الدوام لخلق الفرص الكافية التي تساعد على بث روح التفاؤل بين افرد ومكونات المجتمع، ولا تسمح بصناعة الشقاء، ولا تتيح الفرصة لصنّاع الشقاء بالنجاح في مسعاهم، بمعنى أن المجتمعات المتطورة تحارب هذه النزعات التي تهدف الى نشر اليأس والنكوص والتراجع بين الناس، وبالتالي إضعاف الارادة الفردية والجمعية على حد سواء، الامر الذي ينعكس على مجمل الاوضاع الجيدة للمجتمع.

من هنا ينبغي محاصرة هذا السلوك السلبي، ومحاصرة هذا النوع من التفكير، وعدم السماح له بالانتشار، خاصة أننا في طور البناء، ونحتاج الى الاجواء والعوامل الداعمة للارادة، وليس الى ما يثبط العزيمة، وهو هدف واضح يسعى الى تحقيقه أولئك الذين يتقنون فن الشقاء، ويصنعون المشاكل والمعوقات، وفقا لطبيعتهم وشخصيتهم التي تسعى نحو التعويق دائما.

إننا وفقا لما تقدم نحتاج الى تعميق قيمة مناقضة لقيمة صناعة الشقاء، بمعنى أوضح نحن نحتاج الى تفعيل وتعميق قيمة صناعة السعادة، كما هو الحال في المجتمعات التي تحرص كل الحرص، على خلق فرص دائمة ومتواصلة لبث السعادة بين الجميع، كونها الدافع والمحرك لحالات الابداع والابتكار لتحقيق الانتاج الافضل في مجالات الحياة كافة.

هكذا ينبغي التحرك من لدن الجهات المعنية، خاصة المؤسسات والمنظمات ذات الطابع الثقافي والفكري، لمقارعة المسارات المتشائمة في السلوك او الفكر، وتشخيص محاولات صناعة الشقاء، وتحديد مصادرها، و وضع السبل والمعالجات الكفيلة بالحد منها، وتشجيع البدائل في هذا المضمار، وأهمها خلق الاجواء والظروف التي تساعد على تعميق الروح العملية المتفائلة، وتوفير الفرص المنتجة للسعادة، وفي الوقت نفسه مقارعة روح الشقاء بكل السبل المتاحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/تشرين الاول/2013 - 3/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م