مائة يوم انقضت على ثورة يونيو والإطاحة بحكم الرئيس مرسي لمصر...
الإخوان المسلمون لم يرفعوا الراية البيضاء بعد، ولم يفقدوا قدرتهم على
تسيير التظاهرات الاحتجاجية، ولم يتوقفوا على ترديد شعاراتهم الأولى:
عودة مرسي والشورى والدستور.
صحيح أن الجماعة تعرضت لواحدة من أكبر عمليات "كسر العظم"، عشرات
الكوادر لقيت حتفها، وألوف المعتقلين خلف القضبان من بينهم معظم قيادات
الصفين الأول والثاني في الحزب والجماعة، ومئات المؤسسات والمكاتب
أغلقت أو حُرّقت... صحيح أن الجماعة فقدت قدرتها على حشد الجموع
الغفيرة كما كانت تفعل من قبل... وصحيح أيضاً أن رهاناتها على أشكال
مختلفة من التدخل والدعم الدوليين قد سقطت... لكن الصحيح أن الجماعة ما
زالت تقاوم، وما زالت قادرة على إشاعة الأرق في أوساط النظام الجديد.
لا أظن أن عاقلاً في "الإخوان" يعتقد بأن مآل الحركات الاحتجاجية
سيكون بعودة مرسي والشورى والدستور... النظام القديم بات وراء ظهور
المصريين، والمجتمع الدولي، بمن فيه من حلفاء الإخوان، باتوا يتعاملون
مع الحقائق الجديدة كأمر واقع، راغبين ومرحبين، أم كارهين ومرغمين...
لكن مع ذلك تبدو الجماعة مصممة على مواصلة طريق الاحتجاج، وفي ظني
لتحقيق أهداف أخرى، أكثر تواضعاً.
من هذه الأهداف، قطع الطريق على استئصال الجماعة و"حلها" ومصادرة
ممتلكاتها وتحويل قياداتها إلى محاكم جماعية، تنتهي بالزج بهم في
السجون، وربما لسنوات طويلة قادمة... ومن هذه الأهداف، إنقاذ البنية
التحتية، الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتربوية والإغاثية الهائلة
التي تقف الجماعة على قمتها... ومنها أيضاً تحسين شروط إعادة إدماج
الجماعة في العملية السياسية الجارية في مصر، إن لم يكن الآن، فبعد حين،
فالجماعة من قبل ومن بعد، تسعى للمشاركة والتمثيل وتشكيل الحكومات وحكم
البلاد، كأي حزب سياسي – عقائدي آخر.
وأحسب أن الجماعة الأم، ومن موقعها كمرشد أعلى للجماعات الشقيقة في
الدول العربية والإسلامية، تريد أن تجعل من تجربة إسقاطها في الحكم
"عبرة لمن اعتبر"، صحيح أن خصومها نجحوا في إسقاطها وفي إشاعة الرعب في
أوساط جماعات شقيقة أخرى في دول أخرى، لكن الصحيح كذلك أن "صمود"
الجماعة و"مقاومتها المكلفة"، إنما يُراد به بعث رسالة إلى أنظمة
وحكومات أخرى، بأن اعتماد خيار مماثل لا بد أن يكون مكلفاً كذلك.
وأتفق مع من يعتقدون بأن إطالة أمد "المقاومة والممانعة" التي
تبديها الجماعة مع العهد المصري الجديد، إنما يستهدف تأجيل اندلاع جدل
وانقسام داخليين، لا شك أنه سيندلع طال الزمن أم قصر، فثمة مواقف
وسياسات وإجراءات اتبعت طوال الأعوام الثلاثة الماضية، لا بد أن يتحمل
مسؤوليتها من كان بيده القرار والحل والعقد... وستنبثق بنتيجة هذا
الجدل، عدة اتجاهات/تيارات، سيذهب بعضها نحو مواقع "مدنية وديمقراطية
أكثر اعتدالاً"، وسيذهب بعضها الآخر نحو مواقع أكثر تشدداً و"سلفية"
مما هو عليه خطاب الجماعة وفكرها وسياساتها... وستكون هناك كالعادة،
كتلة وسط وازنة، تسعى في حفظ الجماعة وضمان وحدتها، وإنقاذ ما يمكن
إنقاذه من إرثها وتراثها.
قد تكون الجماعة نجحت في تحقيق بعض أو معظم الأهداف التي رسمتها
لنفسها في مرحلة ما بعد السقوط المدوي من سدة الحكم، وقد يكون من
الصائب اليوم أن تدرك بأنها قد تجني نتائج عكسية، فتنقلب أهداف تحركها
إلى نقائضها، أو كما يقال، يرتد السحر على الساحر، إن لم تعرف أين
ستتوقف ومتى؟
* مركز القدس للدراسات السياسية |