المسلمون في فرنسا... عقدة التمييز والتطرف

 

شبكة النبأ: تشهد فرنسا كغيرها من البلدان الأوروبية تنامي خطير لظاهرة العنف والعنصرية ضد الأقليات المسلمة في هذه البلاد، بسبب القوانين والإجراءات وممارسات الحكومية الصارمة التي تفرض ضدهم، يضاف الى ذلك تنامي الأفكار والأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للمهاجرين في جميع أنحاء أوروبا، والتي تدعو بشكل علني إلى التدخل القسري واستخدام العنف و السلاح ضد تلك الأقليات وخصوصا الأقلية المسلمة لفرض التقاليد والقيم داخل المجتمع، وهو ما يعتبر انتهاك صارخ لجميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تنص على احترام الحقوق والحريات الأساسية لجميع البشر، من دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الأصل القومي أو اللغة أو الدين، وفيما يخص بعض تلك الانتهاكات في فرنسا فقد أوقفت السلطات الفرنسية عسكريا شابا قريبا من أفكار اليمين المتطرف المتشدد قرب ليون في وسط البلاد للاشتباه بنيته مهاجمة مسجد، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية بينما اكد مصدر قضائي ان الموقوف اعترف بانه القى العام الفائت قنبلة حارقة على مسجد آخر.

وقالت وزارة الداخلية في بيان ان العسكري في الثالثة والعشرين من عمره واعتقل في قاعدة ليون مون فردان الجوية بعدما تبين انه كان ينوي اطلاق النار من سلاح على مسجد في منطقة ليون، مشيرة الى ان المشتبه به تعرض العام الفائت بشكل عنيف لمسجد آخر في منطقة بوردو. والعسكري وهو برتبة رقيب في سلاح الجو أوقف لمدة اربعة ايام على ذمة التحقيق في الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية قبل ان توجه اليه تهمتا حيازة ذخائر من الفئة الرابعة متعلقة بعمل ارهابي وتحقير مكان عبادة متعلق بعمل ارهابي ويوضع على اساسهما قيد التوقيف الاحتياطي، كما اكد مصدر قضائي.

واضاف المصدر ان الجندي احيل امام قسم مكافحة الارهاب في نيابة باريس بعد توقيفه لاربعة ايام لدى الادارة المركزية للاستخبارات الداخلية. ونقل بيان وزارة الداخلية عن الوزير مانويل فالس توجيهه التهنئة الى عناصر الادارة المركزية للاستخبارات الداخلية بالتحقيق الذي اجروه والذي اتاح وضع المشتبه به احتياطيا في تصرف القضاء.

وتابع البيان ان وزير الداخلية يكرر التزامه القوي بمكافحة كل اعمال العنف المستلهمة من الافكار الاشد تطرفا والتي تتعرض لقيم الجمهورية وتهدف فقط الى احداث توتر داخل المجتمع ونشر اجواء من الكراهية، مؤكدا عدم القبول باي تهاون. وبحسب المصدر القضائي فان المتهم اعترف امام المحققين بانه كان يعتزم اطلاق النار على مسجد مينغيت في فينيسيو بضاحية ليون.

وخلال فترة توقيفه اعترف المتهم ايضا بانه القى ليل 20-21 آب/اغسطس 2012 قنبلة حارقة على باب مسجد ليبورن في غيروند (جنوب غرب) لم تسفر عن اصابات في الارواح بل اقتصرت اضرارها على خسائر مادية طفيفة، كما أضاف المصدر. وصودف وجود المسجد قبالة مركز الاطفاء وقد هرع رجال الاطفاء الى مكان الحريق وتمكنوا من اخماده بواسطة مطفئة يدوية.

وبحسب المصدر القضائي نفسه فان الشاب يعاني من الوحدة ومن اضطرابات نفسية ويجتاز مرحلة عصيبة بسبب إخفاقات عاطفية عديدة. واضاف ان بعضا من اقارب الشاب هم الذين ابلغوا السلطات عنه بعد ان انتابهم القلق عليه لدى اكتشافهم بحوزته وثائق اثارت شكوكهم في امكان ان يجنح نحو التطرف.

واوضح المصدر ان الشاب حاول عبثا، لثلاث مرات متكررة، الاتصال بماكسيم برونري، الشاب الناشط في صفوف اليمين المتطرف والذي حاول في 14 تموز/يوليو 2002 الاعتداء على رئيس الجمهورية آنذاك جاك شيراك خلال استعراض العيد الوطني في جادة الشانزيليزيه بباريس.

كما تأثر الشاب كثيرا بحادثة انتحار المؤرخ اليميني المتطرف دومينيك فينير امام مذبح كنيسة نوتردام بباريس، بحسب ما اضاف المصدر نفسه، مشيرا الى ان الشاب كان من المولعين بأعمال هذا المؤرخ. بحسب فرانس برس.

وفي اول رد فعل على اعتقال العسكري الشاب قال عبد الله ذكري رئيس مرصد الاسلاموفوبيا انه ينوه باعتقال هذا الشخص قبل ان يتمكن من تنفيذ عمل حقير آخر يستهدف الطائفة الإسلامية. وأضاف ان الأعمال المعادية للإسلام زادت بنسبة 50% ، مؤكدا انه من المفيد ان تشل قدرة مثل هكذا أشخاص على الحركة.

الى جانب ذلك تجمع 150 مسلما امام مسجد فينيسيو قرب ليون للتنديد بتصاعد نزعة معاداة الاسلام غداة . وقال كامل قبطان امام مسجد ليون ان هذا الرجل كان يخطط للقتل. لقد تجاوزنا الحديث عن معاداة الإسلام. وأعرب المشاركون في التجمع عن قلقهم من سلسلة الأعمال المعادية للمسلمين في السنوات الماضية مثل الاعتداء على نساء منقبات في الشارع. وأعلن قبطان انه بعث رسالة الى رئيس الجمهورية تحدث فيها عن رؤية قومية محافظة ومعادية للإسلام لدى بعض الفرنسيين.

إبعاد من فرنسا

في السياق ذاته اعتقل إسلامي تونسي في السادسة والثلاثين من عمره للاشتباه في انه كان يريد القيام بأعمال عنف ضد اثنين من الصحافيين وابعد من فرنسا، كما أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية. وأضافت الوزارة في بيان ان هذا الرجل الذي كان يسكن في جنتيي بالضاحية الباريسية مقرب من التيار الاسلامي المتطرف، مشيرة الى تورطه في عدد من مخططات التحركات العنيفة خصوصا ضد اثنين من الصحافيين كما قالت الوزارة.

واوضحت السلطات الفرنسية انه كان يعيش بصورة غير قانونية في فرنسا. واعرب مرارا عن رغبته في السفر الى سوريا للمشاركة في الجهاد من خلال القتال في اطار جبهة النصرة . واوضحت الوزارة انه نظرا الى هذه العناصر، كان هذا الشخص يشكل تهديدا فعليا لأمن الدولة والامن العام، يبرر تدبيرا بالإبعاد صدر في قرار وزاري وبموجب إجراء الحالة الطارئة القصوى. بحسب فرانس برس.

 وذكر وزير الداخلية دانيال فالس كما جاء في البيان التزام فرنسا التصدي للإرهاب وبعدم التساهل حيال الذين يدعون الى العنف ويتعرضون لقيم الجمهورية. وفي وقت سابق ابعد مغربي في الرابعة والعشرين من عمره لأنه دعا الى القيام باعتداءات في فرنسا وفي البلدان الاوروبية. ومنذ ايار/مايو 2012 ابعد عشرة من اسلاميين من فرنسا.

ومن بين هؤلاء المبعدين التونسي محمد حمامي 77 عاما المتهم بالدعوة الى الجهاد العنيف في مسجد عمر في باريس الذي يؤمه. وابعد مدير متجر اغذية في مانت-لا-جولي بالضاحية الباريسية الى الجزائر لأنه دعا الى الجهاد المسلح ضد فرنسا. وقبل شهر، اعيد بنغلادشي كندي في السادسة والعشرين من عمره الى كندا بسبب صلاته بإسلاميين متطرفين.

حظر الحجاب

على صعيد متصل ضرب المجلس الأعلى للاندماج في فرنسا وترا حساسا باقتراحه حظر ارتداء الحجاب في جامعات البلاد. ويحظر ارتداء الحجاب بالفعل في الاجهزة الحكومية وفي المدارس التي تديرها الدولة. وقال المجلس في تقرير سري سرب لصحيفة لوموند إن هناك حاجة لاتخاذ هذه الخطوة لمواجهة المشكلات التي تسببها طالبات يرتدين الحجاب ويطالبن بمكان للصلاة وقوائم طعام خاصة في الجامعات.

وأدى حظر فرنسا لارتداء الحجاب في المدارس عام 2004 وحظر النقاب في الأماكن العامة عام 2010 إلى نفور كثير من المسلمين البالغ عددهم خمسة ملايين في البلاد. واندلعت أعمال شغب في احدى ضواحي باريس بعدما فحصت الشرطة أوراق هوية امرأة منقبة. وقالت لجنة حرية 15 مارس وهي جماعة مسلمة تعارض حظر ارتداء الحجاب في المدارس هذه خطوة أخرى في الوصم القانوني للمسلمين. وأضافت الفصل بين الكنيسة والدولة لا يمكن أن يختزل كما يريد البعض إلى ترسانة من القوانين ضد المسلمين.

وحذر العديد من السياسيين أيضا من أن حظرا جديدا قد يثير التوترات بين الحكومة الاشتراكية التي تدافع بقوة عن علمانية فرنسا والمسلمين الذين يشعرون أن مثل هذه القوانين تهدف إلى عزلهم ومعاقبتهم. وقال هيرفيه ماريتون النائب عن حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية المعارض علينا أن نجد التوازن الصحيح بين الحاجة إلى الحياد في المجال العام والاختيار الشخصي للتعبير عن معتقد ديني.

والدفاع عن العلمانية صرخة يتردد صداها في جميع اشكال الطيف السياسي من اليساريين الذين يريدون إعلاء القيم الليبرالية في عصر التنوير إلى اليمين المتطرف الذي يسعى إلى التحصن ضد دور الإسلام المتنامي في المجتمع الفرنسي. وأطلق الرئيس فرانسوا أولاند مرصدا جديدا للعلمانية في وقت سابق وطلب منه أفكارا جديدة بشأن كيفية تطبيق القانون التاريخي الذي صدر عام 1905 والذي يهدف إلى حماية المجال العام من الضغوط الدينية مع احترام حرية الدين. وقال مسؤول من المرصد إن تقرير المجلس الأعلى للاندماج سلم إلى المرصد للنظر فيه وليس من الضروري أن يكون جزءا من المقترحات المقدمة إلى أولاند.

من جانب اخر دافع وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس عن الحظر الذي فرضته فرنسا على النقاب في الاماكن العامة. وقال قامت الشرطة بواجبها على أكمل وجه. وأضاف القانون الذي يحظر النقاب هو قانون في صالح النساء وضد تلك القيم التي ليس لها علاقة بتقاليدنا وقيمنا. يجب أن يطبق في كل مكان.

وفي الوقت الذي قال فيه فالس إنه تمت استعادة النظام سريعا اتهمه سياسيون معارضون بالتقليل من حجم العنف الذي اعترف بأنه انتشر لفترة قصيرة في ثلاث بلدات قريبة. وقال الرئيس الفرنسي انه يتعين التعامل مع الضواحي مثل أي جزء آخر من فرنسا لكن حكومته اتهمت برفض الاعتراف بإخفاق فرنسا في دمج المسلمين.

وقال جان فرانسوا كوب رئيس حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية اليميني الوسطي هناك إنكار للحقيقة ورفض لرؤية أن وتيرة العنف في تصاعد. ويعيش في فرنسا أكبر عدد من المسلمين في أوروبا يقدر بنحو خمسة ملايين نسمة. ووفقا لإحصاءات وزارة الداخلية فان ما يتراوح بين 400 و2000 امرأة فقط يضعن النقاب وصدرت أوامر بتغريم عدد قليل منهن بسبب ذلك. بحسب رويترز.

وأعمال الشغب التي وقعت كانت الحادثة الأولى التي تقع بسبب حظر النقاب. لكنها ليست الأولى خلال حكم اولوند الذي واجه أعمال شغب استمرت يومين في مدينة اميان عقب توليه الرئاسة بوقت قصير. وطالما ناقش المحللون أسباب وقوع أعمال العنف تلك ويرجع بعضهم السبب إلى عوامل اقتصادية واجتماعية مثل ارتفاع معدل البطالة بين الشباب. وتقدر احصاءات ان شابا من بين كل أربعة يعاني من البطالة وان الرقم أعلى في الضواحي. ويقول آخرون إن الأسباب أكثر تعقيدا ويشيرون إلى جهود السلطات الفرنسية في السنوات الماضية لإنعاش مناطق الضواحي. وأكملت ضاحية تراب لتواها برنامج تجديد استمر سبع سنوات ونالت في عام 2011 جائزة لمتنزهاتها وبيئتها الجذابة.

محور خلاف

من جهة أخرى وعلى غير توقع أصبحت قاعة رياضية للنساء محور خلاف فرنسي خالص حول دمج المسلمين في المجتمع والعلمانية وما يعتبره البعض مراءاة صريحة للمشاعر الشعبية قبل الانتخابات البلدية في فرنسا. ويملك القاعة التي افتتحت في ضاحية لو رانسي الراقية في باريس زوجان فرنسيان مسلمان يقولان إن ديانتهما ومظهرهما هي تضع حجابا وهو يطلق لحيته هما سبب سعي رئيس البلدية لإغلاق القاعة.

وقالت مديرة النادي الرياضي نادية الجندولي قال لنا رئيس البلدية لا أريد محجبات في بلدتي. وأضافت قال لي أنت أصولية. ونفى رو مزاعم أنه لا يريد محجبات في لو رانشي وقال بحدة هؤلاء أصوليون إنهم يكذبون. يرون أنهم ضحايا لأنهم مسلمون ويرون أن لهم حقوقا أكثر من غيرهم.

وقال المسؤولون الأمنيون المحليون إن النادي الرياض يفي بكل معايير السلامة. وهذا يعني أن بمقدوره أن يظل مفتوحا لكنه لا يضمن خروجه من دائرة الاهتمام السياسي. ومن بين زهاء 70 امرأة يتدربن في النادي يغطي البعض رؤوسهن بحجاب لكن كثيرات منهن حاسرات الرؤوس حيث تقول ليندا إلابو إن نادي "أختي" الذي تملكه مع زوجها يرحب بالنساء من كل الأجناس والديانات.

وقالت إلابو إن مشاكلهما بدأت عندما علم رئيس البلدية أن الزوجين اللذين يعتزمان افتتاح النادي في منطقة تجارية على أطراف الضاحية التي يسكنها 14 ألف نسمة مسلمان. وأضافت عندما رأى زوجي (الملتحي) صدم. وقالت إنه سألهما أين استأجرتما المكان؟ وهل ستضعون امرأة محجبة في مكتب الاستقبال أيضا؟ ومضت تقول في النهاية أفهمنا أن افتتاح المكان غير ممكن.

وأضافت أن رو اعترض لاحقا على افتقار النادي لساحة لانتظار السيارات ودرج يؤدي إلى مخرج الطوارئ. وأثيرت مسألة العلمانية عندما قال موقع للمسلمين على الانترنت إن النادي به غرفة للصلاة في الخلف. وقالت إلابو إن الموقع لا يخصهم وإن التقرير غير صحيح ولا وجود لمثل هذه الغرفة.

وقال رو في إن مخاطر الحريق هي سبب اعتراضه على افتتاح النادي وليس العنصرية. ومضى يقول الكل سواسية سواء أكانوا يهودا أم كاثوليك أم عربا. أي مكان لا يتفق مع القانون سيغلق. ينبغي للمسلمين أن يعرفوا أن عليهم احترام القانون. وقالت سيلين وهي من سكان الضاحية وجاءت إلى النادي لتعبر للزوجين عن دعمها إن مثل هذه التصريحات لها وقع جيد في لو رانسي حيث يخشى سكانها المسنون تغير التركيبة السكانية في المنطقة التي تقع قرب الضواحي الفقيرة في شمال باريس.

وأضافت في البلدة من ينتخبونه تحديدا لأنه يقول مثل هذه الأشياء. وقالت ليندا وهي موظفة في النادي وتضع حجابا أيضا "يختبئون هنا في فرنسا وراء حقوق الإنسان لكنهم عنصريون. نحن نعامل كأجانب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/تشرين الاول/2013 - 2/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م