الاقتصاد السوري... وجه آخر لحرب يكسبها الاسد

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: دون ادنى شك كان الاقتصاد السوري هدفا بارزا ضمن قائمة الدول المناوئة لحكومة الاسد، ورهانا قويا على زعزعة اركان الدولة وضرب ركائزها، اثناء وبعد اشتداد المعارك العسكرية والسياسية التي تواجه دمشق على اكثر من جبهة.

وعلى الرغم من تعرض الاقتصاد السوري لضربات موجعة انعكست بشكل جلي على الاوضاع المعيشية للسكان، وتدهور الليرة الوطنية، الا ان الحكومة استطاعت تجاوز ازمات خانقة كادت ان تطيح بمفاصل الاقتصاد بشكل كامل، لولا تدخل بعض الجهات الخارجية الداعمة، والسياسات الاصلاحية التي اتبعت.

وتضررت كل القطاعات الاقتصادية بشكل هائل من النزاع الذي اوقع اكثر من 110 الاف قتيل. اذ انخفضت الاستثمارات والسياحة والتجارة الخارجية الى ما يقارب الصفر، بحسب خبراء.

وتشير البيانات المالية الى ان قيمة الخسائر التي اصابت مؤسسات القطاع العام بسبب الازمة ان تقديرا اوليا للاضرار الناتجة عن النزاع السوري المستمر منذ ثلاثين شهرا يصل الى نحو 16 مليار ونصف مليار دولار في منشآت القطاعين العام والخاص.

وبلغ عدد المنشات الحكومية "التي تعرضت للتخريب او التدمير" اكثر من 9 الاف منشاة، في المدة ذاتها، بحسب ما ذكرت لجنة الاعمار التي شكلتها الحكومة السورية لتقويم الاضرار وتعويض الخسائر للمتضررين.

وحجم الاضرار التي لحقت بقطاع الكهرباء بفعل الاعتداءات المتكررة للعصابات الارهابية على محطات التوليد والنقل بنحو 80 مليار ليرة سورية (400 مليون دولار).

وكانت الحكومة السورية قد دعمت قطاع النفط الذي تعرض لضرر بالغ جراء باكثر من نصف مليار دولار اميركي خلال الاشهر الستة الماضية، بحسب ما افادت وزارة النفط السورية.

وافادت الوزارة انها قامت بدعم المحروقات "بقيمة 112,131 مليار ليرة سورية (560 مليون دولار) لتلبية احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية".

وتراجع اجمالي انتاج النفط في سوريا خلال النصف الاول منذ هذا العام تراجع بنسبة 90 بالمئة عما قبل اندلاع الازمة، ليبلغ خلال الاشهر الستة 39 ألف برميل يوميا، مقابل 380 ألفا قبل منتصف آذار/مارس 2011، وكان انتاج النفط يشكل ابرز مصدر للعملات الاجنبية في سوريا.

واعلنت دمشق مؤخرا انها بصدد اعداد مشروع لاعادة الاعمار سينفذ بخبرات وقدرات وطنية"، مشيرا الى انه "قد يكون هناك استعانة مادية ببعض القروض من دول صديقة، كما اعلن رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي.

وسيعتمد المشروع على ثلاث اولويات "الأول إسعافي وسريع يترتب على إعمار جزئي للبنى التي أصابها الضرر، ومتوسط بأن يكون هناك ترميم كامل لبعض البنى التي أصابها الضرر، ومستوى بعيد لإعادة إعمار كل ما تم تخريبه من المجموعات المسلحة".

وذكر صيارفة ان الليرة السورية تعافت قليلا من الخسائر الفادحة التي منيت بها على مدى عامين مع انحسار المخاوف من ضربة عسكرية أمريكية.

وساهم ذلك في زيادة قيمة الليرة إلى نحو مثلي قيمتها في يوليو تموز حين هبطت لفترة قصيرة إلى مستوى قياسي منخفض عند نحو 300 ليرة مقابل الدولار.

وقال مصرفي في دمشق "تقلصت الضغوط النفسية مع تبدد المخاوف من الضربة" مضيفا أن استعداد البنك المركزي لضخ مزيد من الدولارات ساهم أيضا في دعم الليرة.

وقال متعاملون إن قيمة الليرة انتعشت أيضا بعض الشيء بعد القبض على عشرات التجار وإغلاق مكاتب صرافة عديدة يقول مسؤولون إنهم وراء التقلبات الحادة في العملة.

وكانت الليرة قد هبطت إلى 235 ليرة للدولار بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن واشنطن تريد ضرب أهداف سورية ردا على هجوم بالأسلحة الكيماوية لكنها ارتفعت بفضل تدخل البنك المركزي في السوق ويقول متعاملون إنها استفادت أيضا من عودة بعض اللاجئين الذين يشترون العملة المحلية.

وقال مصرفيون ومحللون إن مصرف سوريا المركزي تخلى إلى حد كبير عن جهوده الرامية لدعم قيمة العملة السورية بهدف حماية ما تبقى لديه من احتياطيات النقد الأجنبي التي تآكلت.

هذه الخطوة مكنت الحكومة من إبطاء وتيرة انخفاض قيمة الليرة السورية. لكن المصرف المركزي اضطر إلى تقليص احتياطياته لتلبية الطلب على الدولار الأمريكي بأسعاره المصطنعة.

وبدأ المصرف المركزي هذا الشهر السماح للبنوك التجارية ومكاتب الصرافة المرخصة ببيع الدولار بالأسعار التي تريدها وهي خطوة محفوفة بالمخاطر من شأنها أن تقلل من استنزاف احتياطيات سوريا ولكنها قد تعرض عملتها لضغط نزولي جديد.

وقال سمير سيفان الخبير الاقتصادي السوري البارز - الذي يعيش خارج بلاده ولكنه عمل في مؤسسات بحثية شبه حكومية بسوريا -إن السلطات خفضت قيمة الليرة بشكل متعمد من قبل ولكنها مضطرة الآن للوقوف مكتوفة الأيدي وترك العملة تهبط.

وقال مصرفيون إن البنك المركزي لا يزال يقدم دولارات لاستيراد 21 سلعة أساسية إلى سوريا بسعر تفضيلي يقل 20 بالمئة على الأقل عن سعر السوق ولكنه يسمح لقوى السوق بالعمل إلى حد كبير.

وقال بعض العاملين في سوق الصرف الأجنبي في دمشق إنهم يعتقدون أن المصرف المركزي يراهن على أن السماح بالتداول الحر لليرة سيؤدي في النهاية إلى استقرارها. وقد يصل في النهاية إلى مستوى يتحقق فيه التوازن بين عرض وطلب الدولار مما يقلل من الحوافز التي تدفع الناس إلى المضاربة ضد العملة السورية في السوق السوداء.

وقال أحد العاملين بشركة صرافة كبرى في دمشق "السعر الآن أكثر واقعية وهو ما يحد من المضاربة."

وهناك عاملان ربما شجعا المصرف المركزي على السماح بتعويم الليرة أحدهما يتمثل في أن سوريا رتبت لمجموعة من صفقات المقايضة مع إيران والعراق وبعض الدول الأخرى للحصول على واردات كثيرة مما قلل من احتياجها للإبقاء على سعر صرف قوي لعملتها بشكل مصطنع.

علاوة على ذلك وفي ظل استمرار المساعدات المالية الدولية للمعارضة السورية هناك تدفقات ضخمة من الدولارات تدخل المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة ثم تشق طريقها عبر الخطوط الأمامية إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة. هذه التدفقات قد تعني أن سوق العملة ليست بعيدة عن نقطة التوزان.

حسابات مصرفية مجمدة

وتحاول سوريا الاستفادة من أموال مجمدة في حسابات مصرفية خارجية في تغطية مشترياتها من المواد الغذائية بما في ذلك القمح. وسوريا مقبلة بسبب الحرب على أسوأ حصاد للقمح منذ ما يقرب من ثلاثة عقود رغم خطة الرئيس بشار الاسد لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية بهدف تفادي أثر التحركات الغربية لعزل حكومته وإضعافها من خلال العقوبات.

وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي بشدة بعد أن كانت تقدر قبل الحرب بما بين 16 و18 مليار دولار.

والمواد الغذائية ليست خاضعة للعقوبات الدولية لكن عقوبات مصرفية وقرارات بتجميد أرصدة وأصول من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي إلى جانب الحرب كل هذا خلق مناخا جعل من الصعب على بعض الشركات التجارية أن تبرم صفقات مع دمشق.

وفي الاسابيع الأخيرة أصدرت مؤسسات سورية سلسلة من المناقصات لشراء قمح وسكر وأرز بكميات يتجاوز اجماليها 500 ألف طن. وأظهرت وثائق أكدتها مصادر تجارية لها دور نشط في صفقات من المحتمل اتمامها أن من شروط المناقصات أن يتم السداد من حسابات مجمدة من خلال استثناءات من الدول التي فرضت العقوبات المالية.

وقال مصدر في الشرق الاوسط ينشط في تجارة المواد الغذائية مع دمشق "سوريا لديها أموال في بنوك في أوروبا والشرق الاوسط وتحاول استخدام هذه الحسابات لسداد قيمة واردات الحكومة من السلع الأولية والمواد الغذائية."

وأضاف "السلطات السورية ليست أمام خيارات تذكر وتحتاج لايجاد سبل لسداد مستحقات الموردين ومعالجة الأزمة الانسانية بأي وسيلة ممكنة. عليهم اطعام الشعب."

وقد واجهت سوريا صعوبات في تأمين امدادات الحبوب العام الماضي لكنها حققت قدرا أكبر من النجاح في مشترياتها من الحبوب هذا العام باستخدام وسطاء لابرام الصفقات وترتيب السداد.

وأوضحت المصادر التجارية إن بعض الحسابات المصرفية المجمدة موجودة في دول أوروبية من بينها فرنسا وايطاليا. وقال متحدث باسم كاثرين اشتون مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي "التجارة في السلع الانسانية مثل الدواء والغذاء والسلع الغذائية مع سوريا ليست ممنوعة ولا توجد قيود على مدفوعات هذه الصفقات. ومن الواضح أن أي صفقات يجب أن تحترم كل البنود الأخرى للعقوبات."

وأضاف أن أحد البنود التي تنظم التعامل مع سوريا لدى الاتحاد الاوروبي يقضي بأنه "يجوز الافراج عن أرصدة أو موارد اقتصادية مجمدة إذا اقتضت الضرورة لاغراض انسانية."

وقالت متحدثة باسم وزارة الخزانة الامريكية "نحن ملتزمون بالسماح بالمساعدات الانسانية المشروعة حتى ونحن نواصل تطبيق عقوباتنا الصارمة على سوريا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/تشرين الاول/2013 - 2/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م