السعودية... موت سياسي برياح ديمقراطية

 

شبكة النبأ: ربما كانت مفاجأة للكثير أن تعلن السعودية في بيان رسمي وزعته على وسائل الاعلام، رفضها إلقاء كلمتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي كان من المقرر أن يلقيها وزير الخارجية، سعود الفيصل، وقد ساقت الأعذار "بعجز المنظمة الدولية في فعل أي شيء إزاء القضايا العربية، لاسيما القضية الفلسطينية، ولم تتمكن من وقف المجازر في سوريا..". لكن لمن يتابع المعطيات الأخيرة لساحات الصراع الطائفي في دول، والسياسي في دول أخرى في المنطقة، يجد أن تراجع عمليات ذبح المدنيين والقتل على الهوية في سوريا، وتوجه المنطقة نحو الانظمة السياسية التعددية والمؤسساتية، هي التي دفعت السعودية لأن تنفجر غضباً على الموقف  الدولي الذي يتجه نحو مباركة ورعاية الحل السياسي، من خلال مؤتمر "جنيف -2"، وليس القمع والاضطهاد الذي يعيشه الفلسطينيون منذ اكثر من نصف قرن، كما ليست الدماء التي سالت والرؤوس التي قطعت في سوريا على يد الجماعات التكفيرية.

عندما تدعي السعودية، أنها تتبنى نظاماً إسلامياً، دستوره القرآن الكريم، وأنها تطبق الشريعة الاسلامية، بأحسن ما يكون، لن تقبل أن ترى نظاماً آخراً في بلد اسلامي، يحمل الهوية الاسلامية، وفي الوقت نفسه يتنفس الديمقراطية والتعددية والمشاركة الجماهيرية في صنع القرار – ولو بنسبة معينة- ، فهذا ما يهدد مكانتها الأقليمية، كبلد يحتل موقعاً استراتيجياً وحيوياً في آن، وسمعتها الدولية، كبلد صديق للغرب. ولذا نجد موقفها المستفز والحدّي من الوضع القائم في العراق، بعد انهيار النظام الديكتاتوري، ومن النظام الديمقراطي الذي أعقب نظام حكم مبارك في مصر، ومن الثورة الجماهيرية في اليمن التي كادت أن تضع الرئيس السابق علي عبد الله صالح في قفص الاتهام. وكذلك من الثورة الجماهيرية القائمة في البحرين. والأهم من كل ذلك، تعجّلها الملحوظ لدفع الاحتجاجات المطلبية السلمية بدايةً في سوريا، الى الصدامات المسلحة، ثم القتال المنظم على يد جماعات ارهابية محترفة في عمليات حرب الشوارع والقنص والتفخيخ والقتل الجماعي.

وهذا يعود الى خشية سعودية قديمة من النوايا الغربية في المنطقة، فقد سجل المراقبون منذ سنوات رفض سعودي لأي نوع من التدخل الخارجي الغربي في الشؤون الداخلية السعودية، ويمكن الاشارة الى تقارير منظمات حقوق الانسان، بشأن الانتهاكات السعودية لحقوق الرأي قمع حرية التعبير والعقيدة. وكان الخطاب السعودي عبر و سائل اعلامهم، هو أن منهج النظام القائم في السعودية هو الذي يحدد حقوق وحريات الفرد والمجتمع. وينقل عن أمير سعودي في حديث له مع "بي – بي –سي" أن الامريكيين قالوا للسعوديين ذات مرة: إن لم تلتزموا بتعهداتكم معنا، سنرسل لكم الديمقراطية..!

من هنا؛ تتضح لنا علّة التدمير والتخريب في السياسة الخارجية السعودية، فلم تجرب السعودية بالمرة، مشروعاً سياسياً او اقتصادياً او ثقافياً في بلد عربي او اسلامي، سوى بناء بعض المساجد الفخمة في بعض البلاد البعيدة، بينما نلاحظ الدخول على خطوط الاقتتال والنزاعات الطائفية والسياسية، من اختصاص المخابرات السعودية منذ عقد التسعينات. فكانت البداية في افغانستان، وما أن رأت رياح الديمقراطية تهب على هذا البلد، وأن الشعب الافغاني عرف طريقه نحو العيش المشترك والمشاركة السياسية، انتقلت الخبرات والتجارب الارهابية الى العراق، ومن العراق الى سوريا، ولبان ، ثم البحرين، واخيراً في مصر..

في البداية كان الدور السعودي المخرب للتجارب الديمقراطية، مسكوتٌ عنه  غربياً، في الميادين الاعلامية والسياسية، ففي العراق، كان اليد السعودية الحاملة لملايين الدولارات تغذي جماعات ارهابية وتكفيرية، ترفع شعار "محاربة الاحتلال"، وهذا بحد ذاته ما كانت يبحث عنه الامريكيون، كونهم باحثون دائماً عن الساحة التي يستعرضون فيها عضلاتهم، ويجربون فيها تكتيكاتهم العسكرية والمخابراتية، فكما خدم "أسامة بن لادن" المخابرات الامريكية في محور باكستان – افغانستان، فان "ابو مصعب الزرقاوي" خدمها ايضاً من محور العراق. ثم جاءت اللحظة المناسبة للتخلص من الاثنين، كلٌ في وقته المحدد.

أما في البحرين، فقد أجمع المراقبون على عدم رغبة واشنطن في تحريك أي حجرة في نظام الحكم الخليفي في العامين الماضيين -على الأقل- ، لذا وجدنا الصمت والتفرّج الامريكي على اجتياح القوات العسكرية السعودية لهذا البلد الصغير الذي كان يطالب فيه ابناؤه حقوقهم المشروعة والطبيعية، والتي تصطدم مع وجود النظام – الصنم، الحاكم في المنامة.

لكن سوريا كانت أمراً آخراً.. فقد تحولت للسعودية الى مستنقع دم لن تتمكن من الخروج منه بسلام، وهذا بسبب خوضها دماء المسلمين والابرياء من ابناء الشعب السوري، من خلال تبني مشروع الإطاحة بالنظام السوري بشكل علني وواضح، وتقديم مختلف أنواع الدعم المالي والتسليحي والسياسي، وحتى الافراد، لإذكاء نار الحرب بدوافع طائفية. وما لفت المراقبون الدوليون، سقطة خطيرة في الأداء السعودي، عندما أمدت الجماعات المسلحة في سوريا بالمال والسلاح، بغض النظر عن انتماءاتها، فالمعروف أن اتجاهين في الخندق المقابل للقوات السورية: الاول يحمل دوافع طائفية، والآخر يحمل دوافع سياسية ومتبنيات علمانية، الاول يتمثل في الجماعات السلفية، في مقدمتها "جبهة النصرة" و ما "دولة الإسلام في العراق والشام"، بينما يمثل ما يسمى بالجيش السوري الحر، المعارضة العلمانية التي تنشط في العواصم الاوربية. لكن بمجرد ملاحظة الرياض حركة بسيطة من المعارضة العلمانية نحو الحل السلمي، وقبلها رفضها ضمّ الجماعات السلفية في "الجيش السوري الحر"، وتجاهلها من قبل "الائتلاف السوري المعارض" المقيم في تركيا، جعلها توعز الى أذرعها التكفيرية والارهابية لأن توجه بنادقها وسيوفها نحو "الجيش الحر"، فكانت المعارك الجانبية التي تحول الى اقتتال داخلي، من اغتيال لضباط واختطاف آخرين وهجوم على ثكنات، الى احتلال مدن ومناطق واسعة متاخمة للحدود مع تركيا.

والتطور الأخطر على الساحة السورية الذي تراقبه بشدة الدوائر المخابراتية الغربية، ورود انباء عن توجه ضباط الجيش السوري  المنشق للعودة الى صفوف الجيش السوري للتخلّص من همجية وعبثية الجماعات الارهابية – التكفيرية، واشارت المصادر الى مساعي سعودية عاجلة لإحباط هذه التحركات بمساعدة المخابرات العسكرية التركية.

هذا التخبط السعودي لاحظه مراقبون في تعامل السعودية مع التطورات الجارية في المنطقة، ومنها سوريا ومصر. و وجدوا عليه علامات استفهام غربية، فالغرب لا يحبذ أن تكون دولة مثل السعودية تعتمد عليها في مصادر الطاقة، وايضاً في مسألة توازن القوى الاقليمي، وهي تتردى في مستنقع الحرب القذرة في سوريا، وتنكشف سوءتها الطائفية أمام العالم. فبعد أن تجاهل العالم المعلومات التي رددتها وسائل الاعلام العراقية عن الدعم اللامحدود للسعودية للجماعات الارهابية والتكفيرية، وما تزال، لاستمرار سفك الدم العراقي، بدأت مصادر امريكية تتحدث عن ارسال السعودية لعناصر ارهابية الى سوريا، تحت شعار "الجهاد"، فقد كشف موقع "انتي وور" الأميركي أن السلطات السعودية أرسلت أكثر من (1200) سجين محكوم عليهم بالإعدام إلى سورية من أجل الانضمام إلى المجموعات الإرهابية المسلحة هناك. ونقل الموقع الالكتروني عن مذكرة تسربت من وزارة الداخلية السعودية أن (1239) سجيناً محكوماً عليهم بالإعدام بحد السيف بسبب ارتكابهم جرائم خطيرة مختلفة، منحوا عفواً كاملاً فضلاً عن رواتب لأسرهم، مقابل التوجه الى سوريا للقتال ضد القوات السورية. وحسب الموقع، فإن السعودية اضطرت إلى وقف هذه السياسة بعد أن هددتها روسيا بطرح القضية أمام الأمم المتحدة.

وفي مصر نشرت صحيفة "الواشنطن تايمز" اﻷمريكية و وكالة "يونايتد برس انترناشونال" تغريدة للناشط السياسي السعودي في مجال مكافحة الفساد مجتهد بن حارث بن همام، اتهم فيها الملك عبد الله بدفع مليار دولار للفريق أول عبد الفتاح السيسي للإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي.

هذا الدعم اللامحدود بالأموال والرجال، وكل ما أوتيت السعودية من قوة وقدرات، جعلها تكون في نظر الغرب، مثل المركب المتهالك وسط الامواج المتلاطمة، التي تدفعه لأن يستغني عن كل ما يحمله للنجاة من الغرق، وهذا ما جعل السعودية تكون في أضعف وأردأ موقف لها على الصعيد الاقليمي والدولي في تاريخها، فهي باتت تخشى حتى حسيس المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الامريكية وايران، لمعرفتها أنها تنتهي وتثمر عن تحجيم الدور السعودي وإبعاده عن بؤر الصراع والتوتر التي لا تريد امريكا تأجيجها أو اشعالها بالشكل الذي يعيد الدخان والسموم الى العيون الامريكية والغربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/تشرين الاول/2013 - 2/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م