أيلول الذي مضى، من عامنا هذا، لم يكن إستثنائياً في القتل، حيث بلغ
عدد الشهداء والجرحى ما يقارب 3112 ضحية، حسب ما أعلنته بعثة اليونامي
UNAMI اليوم، مقابل 2834 ضحية في آب، و 3383 ضحية لشهر تموز، ومع غرة
شهر تشرين الأول زفت لنا شياطين الحقد في الوطن قوافل من الشهداء..
رجال ونساء شيوخ وصبية من أطفال المدارس.. مسلسل مستمر ومستقر بعدد
الضحايا ولا نعتقد أن الأشهر القادمة، على الرغم من كل تمنياتنا
العظيمة العقيمة، سينخفض الخط البياني لنسب الشهداء والجرحى جراء تلك
العمليات أو حتى أن ينقطع دابره، فمئات الشهداء وأضعافهم من الجرحى
يسجلون يومياً في دوائر الصحة العدلية ممن صرعتهم تلك الموجات التترية
المتعاقبة التي تكرس الإبادة في أبشع صورها.
ولكننا بأسف شديد نرى أن ما أن يقتل أحد من طائفة ما، إلا وقد قامت
المنابر تزبد وترعد وهي ذاتها التي نراها وقد أخرسها الشيطان عندما
يذهب العشرات من طائفة أخرى وكأن موتهم برداً وسلاماً على العراق أو
أنهم قد أفشوا غلهم بتلك الدماء البريئة، وصلت أخيراً لطلاب المدارس
الإبتدائية، على الرغم من أن أولئك المزبدون مليء اشداقهم يعيشون مع
أولئك الراحلون، أسفاً، يتقاسمون معهم الرغيف والماء.. وأنا على يقين
تام بأن من يرتقي المنابر الخاوية تلك مقتنع في قرارة نفسه بأن القاتل
واحد وسافك الدم هذا شاخص أمام أعينهم وبين ظهرانيهم وما أعمى البصائر
عنه إلا الحقد الدفين.
ذلك الحقد الذي يتطاول كل يوم في صدورهم حتى يتحول الى سند كبير
لتلك المجاميع الإرهابية في أن تضرب متى تشاء وفي أي أوان.. وإلا لو
أستقدمنا إرهابيّ من تونس، مثلاً، وجعلناه في هضبة العراق الغربية أو
في سهوله الجنوبية كيف سيستدل على مناطق تجمعات طائفة ما ليفتك بها؟
ومن يوفر له المواد المتفجرة ومن يؤويه حتى يحين موعد الذبح المشؤوم
ومن ينقله الى مكان التفجير ويدله على عورات اهله وبنو جلدته.. أليس
غريباً أن لا يحسب من ساند القاتل قاتلاً.. أترانا نموت يومياً لو لم
يوفر أحداً ما كل مستلزمات القتل تلك؟ من مأوى ومخابئ المواد المتفجرة
ويجهد نفسه في إيجاد أكثر فنون القتل دموية.. بل ويعمل عقله بأشد طاقته
من أجل إختراع أداة قتل لا تخطيء أهدافها البريئة وكل ذلك من أجل إيقاع
أكبر الخسائر، ولو توفر لهذا الإرهابي أداة قتل أكبر لأستخدمها ولو
توفرت له أسلحة كيمياوية أو جرثومية لأستعملها بدون أي تردد بل باصرار
كبير.
كل ذلك وكأن الذي يموت يومياً ماهو بعراقي أو حتى هو من كوكب آخر
وليس ذلك المسلم الذي سكن العراق منذ مئات السنين والجميع يعلم بأن
لولا دخول ذلك النشاز بيننا ما كان ليجري مايجري من موت دائمي وقتل يصل
حتى الإبادة.. والإبادة تلك ماهي إلا تعبير على مدى الحقد على مكون من
طائفة ما، نعتقد أن حجم ذلك الكره والحقد لا يحمله إلا قلب شيطان.
الكل يعلم أن أكثر المشمولين بالقتل اليومي هم من طائفة معروفة دون
أخرى، الجميع يعرفها وموقن بها، وآخرها خسائر بشرية بعدد يفوق الـ 300
شهيد وجريح في حادثة إنتقامية واحدة ولو قدر لنا أن نحصي من قتل من
أبناء تلك الطائفة من الأرقام التي اتينا بها آنفاً لتبين لنا أن 90%
منهم، على أقل تقدير، هم ضحايا لتلك العمليات اليومية، المدفوعة الثمن،
بل وأن اغلب النسبة الباقية قد قتلت بنفس اليد والأداة لإيقاع الفتنة
بين الشعب الواحد.
غريب أن يعمينا حقدنا على بعضنا ليصل الى أن نقتل حتى فلذات الأكباد
وحتى الأجنة في الأرحام ونهلك الحرث والنسل.. وغريب أن نُجر بأغلال
الطائفية لنصنع ما نصنع بأبناء الفئة الأخرى.. مع يقيننا التام بأن
إمكانية التآلف والمحبة بيننا قائمة وسهلة المنال وأننا في وطن يسع
الجميع بلا مزاحمة وبلا إستثناء.. فلماذا تولدت لدينا تلك الرغبة
الدائمة في الإنتقام؟.. ونحن قبل عقد واحد من الزمن كنا نتصاهر ونتقارب
لدرجة أن لا أحد منا يعرف الأخر ولا يعرف طائفته فكيف تحول هذا الحب
والإنسجام التام في الوطن الواحد الى فرقة وسقام يدفع بنا الى الهلكة
وتجعلنا نضرب بأرجلنا على جرف هار.
لقد نفذت ديدان الحقد البغيضة تلك من ثقب أحدثه تخلفنا وتصدع كبير
طال جدار إيماننا ببعض فانهارت ثقتنا ببعض عند أول مواجهة حقيقية مع
وحوش الطائفية وتقهقرت الى أدنى مستوياتها حين أضحى كل منا يمشي فزعاً
في الشارع لا يعلم على يد مَن مِن رفقته يأتيه الأجل لينهي حياته على
رصيف الموت في الوطن، فنحن لم تتعاظم علينا المصائب إلا عندما أوكلنا
أمر أنفسنا لشياطينها ولم نتمكن من كبح جماحها وشهوتها للدم ورغبتها
الهائلة في فرقتنا التي سوف لا تبقي ولا تذر إذا ما أطبقت علينا
أنيابها فتلك ثنائية مقعدة : أن نعيش جميعاً أو نموت جميعاً.. أن نعيش
بعزة وشرف أو أن نموت بظلم واستهتار بأدنى مقومات الإنسانية.
ونود هنا أن نتساءل هنا : ماذا سيحدث لو تغيرت معادلة القتل؟ أي أن
من يُفجّر ويُقتّل بتلك البشاعة والهمجية هم من الطائفة الأخرى.. ماذا
سيحدث وأي مصيبة ستنوبنا وماذا سيقول أمراء الخطابة عن ذلك؟ ماذا سيقول
من يعتلون المنابر يصرخون وينادون بالموت والإبادة؟ هل سينادون بنصرتهم
أو يقوموا هم بذلك أم يضعوا ما بجيدهم من حطب عليهم؟ قطعاً سيحدث ما لم
يكن في الحسبان أو كاد يحدث وغفلناه.. دمار هائل لن ينجو معه أحد وحتى
لتُجيّش الجيوش على العراق وهو ما تُهيء له اليوم تلك الخطب التي تنادي
بالنصرة للمظلومين من أهل العراق ولا أحد يعرف مظلوماً أكثر من أولئك
الذين يقتلون يومياً بالجملة وبموت عائلي بغيض ينتابهم في ليل سكينتهم
ليهلك اليوم منهم ما يهلك، قبل أن يحين.. يوم الحساب...وقانا الله
الموت ظلماً وحفظ الله الوطن كل الوطن والشعب كل الشعب.
zzubaidi@gmail.com
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm |