دولة العائلة.. وتكريس الأوصياء!!

علي ال غراش

 

إننا نعيش في عصر تحرر الشعوب من قيود الأنظمة الحاكمة الشمولية والعائلية والوصاية والاوصياء، والتعامل مع الشعوب كعبيد للسلطة، ورفض تكريس ثقافة تقديس الوجهاء كأوصياء للشعوب.

شعوب المنطقة أصبحت واعية بحقوقها وقوتها وقدرتها، وأصبحت قريبة جدا من تحقيق أهدافها بتشييد دولة القانون والمؤسسات حسب ارادتها، رغم التحديات الجسيمة واصرار الأنظمة الحاكمة على استخدام أبشع الوسائل لقمع الشعوب وحرمانها من تحقيق حقوقها، ومع صمود الشعوب على مواقفها للمطالبة بالتغيير والاصلاح، وتحمله للملاحقات والاعتقالات والتنكيل والسجن..، انكشف ضعف الحكومات، وحيرتها فهي بين خيرين: أن تقوم بتصفية الشعب عبر المجازر الدموية، أو الاستماع لمطالب الشعوب وتحقيق إرادته وانقاذ الوطن.

 إن الدولة العصرية الحديثة هي دولة القانون والمؤسسات التي تساوي بين أفراد الشعب لا فرق بين أبن أمير ولا أبن فقير، ولا مميزات للامير والوجيه وشيخ العشيرة، والقرارات المصيرية في الدولة تكون عبر الشعب لا بغيابه وتهميشيه.

الواقعية من قبل الشعب والشخصيات

الشعب غاضب والبلد في حالة احتقان وغليان، والشعب يبحث عن حل للمشاكل والازمات الداخلية الوطنية التي تؤدي إلى الغضب ومنها: غياب الدستور المنبثق من الشعب مباشرة، وغياب العدالة والمساواة والتعددية. مما ادى الى الاعتداء على الحقوق، والاعتقالات والسجن للنشطاء، وانتشار الفقر والبطالة وسرقة الأموال العامة والأراضي ..وغيرها.

ونتيجة لذلك الجو الشعبي المشحون، كان لخبر استدعاء السلطة لبعض الشخصيات بمناسبة اليوم الوطني، ردود فعل متفاوتة لدى الشارع؛ بين مؤيد للذهاب وغير مؤيد، - ومتفاعل وضع آمال كبيرة لهذا الاستدعاء ولمع الشخصيات كرموز، وبين محبط لم يسلم الشخصيات من النقد الشديد،- لهذه الدعوة الملفتة لأنها تأتي بعد انقطاع مع الشخصيات الوطنية نتيجة إصرار السلطة على حل المشاكل الوطنية عبر طريقتها الخاصة والاعتماد على القوة الأمنية التي عمقت الفجوة.

 ندعو المواطنين إلى عدم المبالغة في التوقعات ووضع الآمال الوطنية الكبيرة، كي لا تحدث صدمة تزيد من حالة التذمر والغضب ويدفع الوجهاء والشخصيات التي تم استدعاءها الثمن بتحميلها المسؤولية؛ ولهذا مطلوب من الشخصيات التي لبت الاستدعاء التعامل مع المواطنين بشفافية، وشرح سبب الزيارة، بانها مجرد استدعاء من قبل السلطة، وان يتجنبوا الحديث حول القضايا الوطنية المهمة أو انهم يحملون الحلول السحرية لمشاكل الوطن.

كما على الشعب ان لا يقبل بخطوات بسيطة وصغيرة جدا، نتيجة حرمانه من حقوقه، وهي أقل من الطموح ولا تمثل حلا للمشكلة عبر اعطاء الحقوق كاملة، ويقوم البعض بتضخيمها والتغني بتلك الخطوة الصغيرة. ولا يكون مجرد الصلاة في الديوان نصرا كبيرا، يستحق التضخيم وشكر السلطة..، بل عدم السماح للمواطنين طوال الفترة الماضية بذلك هو انتهاك للحقوق ومحل الاستغراب، وكذلك عدم السماح لكل فئة من المواطنين تتبنى فكرا أو مذهبا ما بممارسة حرية التعبد وبناء دور العبادة لهم في بعض المناطق، كما يحدث لفئة من أهالي الدمام والخبر والجبيل وفي بقية المناطق.. هو غير طبيعي ومثير للقلق!!. وينبغي محاسبة السلطة على ذلك المنع وانتهاك حقوق المواطنين، الذي يؤدي للغضب الشعبي والاحتقان!!.

بل على الشعب الاصرار على الحصول على الحقوق الوطنية والعدالة والمساواة واحترام التعددية كاملة.

وعلى السلطة ان تستجيب لنداء الشعب الذي يترقب حلا جذريا سريعا لكافة الملفات والمشاكل بشكل وطني بعيدا عما يحدث من ازمات خارجية وانتظار النتائج.

دولة الشعب والمؤسسات لا الشخصيات

من المفترض في الازمات الوطنية الكبرى ومنها الداخلية احترام الشعب واشراك جميع المواطنين مباشرة في اتخاذ القرارات المصيرية للخروج من الازمات والمآزق - كما تفعل الدول المحترمة التي تحترم شعبها، والسلطة فيها تمثل الشعب-، وبدون انتظار الحلول الخارجية، ولكن نتيجة غياب القوانين الواضحة المنبثقة من دستور يمثل إرادة الأمة، في تحديد الاليات في التعامل مع الازمات الداخلية بشكل قانوني، وعدم التزام السلطة بتطبيق القوانين، يؤدي إلى تعامل السلطة مع الازمات الداخلية حسب مزاجها تارة باستخدام القوة، وتارة عبر اللجوء إلى شيوخ العشائر والوجهاء والشخصيات، وهذا العمل لا يتناسب مع دولة القانون والمؤسسات ولا يساهم في بناء دولة المواطنة، بل يساهم في صناعة لوبي اسمه الوجهاء والقبيلة والعشيرة كبديل عن المواطنة، وفيه إستغلال لمكانة الوجهاء لتحقيق مآرب السلطة واحراج للوجهاء مع الشارع الغاضب، الذي سيحمل الوجهاء أي نتائج عكسية ولو في المستقبل، كما يحدث في هذه الفترة من تحميل الوجهاء السابقين مسؤولية ضياع حقوق المواطنين والتعددية وبناء دولة دستورية مؤسساتية بسبب تنازلها وتصديقها لوعود السلطة.

الفطنة وعدم الاستغلال

الشخصية القيادية الوطنية التي تقدم مصلحة الوطن والمواطنين تتميز بالذكاء والفطنة والحكمة في التعامل مع السلطة، بحيث لا تكون ظهرا فيركب او جسرا للعبور تستغله الحكومة، ولهذا من الأفضل للوجهاء والشخصيات التي تلبي نداء استدعاء النظام الحاكم، ان تكون واعية وتملك الفطنة والحنكة، وان لا تجعل نفسها ضحية جديدة ولعبة بيد السلطة، وان لا تتبنى وعودها، وتتحمس بنشر الاخبار للشعب كبشائر، نتيجة تلبية دعوة لمناسبة وطنية من قبل السلطة، وتكبر وتضخم الزيارة التي كان ينبغي أن تكون عادية - من باب التواصل بين الحاكم والمحكوم والباب المفتوح كما تردده السلطة واعلامها لا ان تكون محل الاستغراب والغرابة!!! - ، كي لا تكون النتائج عكسية أو أقل من طموح الشعب الذي يحمل تطلعات عالية كالمطالبة بحلول جذرية عبر قوانين وانظمة وطنية كحق وطني، لا وقتية ومكرمة من المسؤول، كما ينبغي أن تكون الشخصيات والوجهاء شفافة مع المواطنين، وتوضح بانها ذاهبة أو ذهبت بناء استدعاء وزيارة عامة، وأنها تمثل نفسها، لتحافظ على كيانها ومكانتها الاجتماعية، ولا تتعرض سمعتها للتشويه بانها تقوم بدور علاقات عامة لتحسين صورة السلطة.

وكان ينبغي على الوجهاء والشخصيات إذا تم استدعاؤها من قبل السلطة الـتأكيد على أهمية بناء دولة الشعب والمواطنة لا دولة الحكومة والوجهاء والعبيد!!. والعمل على تكريس صناعة الوجهاء.

تكريس ثقافة الأوصياء

نريد التأكيد اننا لسنا ضد اشخاص ما أو الوجهاء، فالوجهاء واقع في مجتمعنا، بل ان التاريخ يسجل المواقف المشرفة للوجهاء والشخصيات الوطنية، التي قادت المجتمع وقدمت التضحيات الكبرى للمطالبة بالحقوق وتطبيق العدالة، ولكننا ضد سياسة تكريس ثقافة الوجهاء والاوصياء واستغلالهم، مقابل احترام القانون والحقوق الوطنية والمساواة والتعددية، وكان ينبغي في هذه المرحلة التي تشهد المنطقة تغيرات كبرى، والشعوب تتحرك (الحراك) وتقدم التضحيات الكبرى للمطالبة لتشييد دولة المواطنة والعدالة والمساواة والتعددية أن يكون الشعب الذي يقود الحراك ومن يؤيده حاضرين في ترتيب البيت الداخلي للوطن لا أن يتم تغييبه، فكافة المواطنين شركاء في الوطن، ومن الخطأ الفادح التعاطي مع فئة محددة كالوجهاء في معالجة أزمات الوطن الكبرى، في محاولة من السلطة لتكريس ثقافة الوجهاء والأوصياء على أفراد المجتمع كالعبيد عليهم الطاعة، وهو أسلوب قديم مازالت الدولة تلجأ إليه بعض السلطات لتحقيق أهدافها في الازمات والمأزق، وهي سياسة تعبر عن عدم ثقة السلطة في المواطنين، ولا تتناسب مع مرحلة الثورات وطموح المواطنين، والدولة الحديثة القائمة على القوانين الوطنية والمساواة بين المواطنين لا العودة إلى تكريس الوجهاء كأوصياء.

كما على الشخصيات التي تنتقد سياسة تكريس الوجهاء والأوصياء والتعامل مع الشعب بالنفس القبلي، وتطالب بالتعامل مع المواطنين من منظور المواطنة والمساواة والتعددية والحرية وبحسب دولة القانون والمؤسسات، ان لا تقوم في الأوقات الحاسمة بما يكرس ثقافة الأوصياء على المجتمع بشكل عملي، وهذا يشكل تناقضا!!. وهذا الحديث لكافة وجهاء وشخصيات الوطن وليس لفئة ما أو لمنطقة ما.

إننا مع دولة القانون التي تمثل إدارة الشعب، ودولة المؤسسات، لا دولة الأسرة الحاكمة، ولا دولة تكرس ثقافة الوجهاء والشخصيات والقبيلة والعشيرة كأوصياء، والتعاطى مع المواطنين عبر هولاء فقط كممثلين للشعب، واستغلال الوجهاء والشخصيات الوطنية واحراجها مع الشعب في الظروف الحساسة حيمنا يكون الشعب في حالة غضب من السلطة، ان الشعب يرفض دولة العبيد ويريد دولة العدالة والكرامة وان يكون شريكا في الوطن !!.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/alialgarash.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/تشرين الاول/2013 - 2/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م