استئجار الارحام... صناعة تزدهر في الهند

 

شبكة النبأ: راجت منذ بداية العقد الاول من القرن الحالي ما بات يعرف بالام البديلة، لتكون احد الحلول الاكثر نجاحا لأمهات غير قادرات على الحمل والانجاب.

فيما باتت الهند احدى ابرز الدول الراعية لتلك العمليات الانجابية وبنسب عالية جدا، بعد ان شرعت قوانين تنظم تلك العمليات بشكل قانوني يتيح قدر كاف من الضمانات والتعويضات لكافة الجهات الراعية.

الام البديلة

مرتدية لباسا وقبعة جراحيين خضراء اللون اخذت عاملة المطعم البريطانية ريخا باتيل تهز سرير ابنتها حديثة الولادة بعيادة اكانكشا بشمال غرب الهند بينما وقف زوجها دانيال مبتسما وهو ينظر إلى داخل الغرفة عبر باب زجاجي.

وقالت باتيل (42 عاما) وهي تتأمل ابنتها جابريلي ذات الايام الاربعة "لا اصدق انه اصبح لنا طفلة اخيرا." "نحن ممنونون حقا للام البديلة التي استطاعت ان تحمل وتحتفظ بابنتنا بعافية. لقد وهبت تسعة شهور من حياتها لتنجب طفلة لنا." بحسب رويترز.

وانه لترويج مثالي للصناعة المزدهرة لانجاب الاطفال عبر الامهات البديلات والتي تشهد اقبال آلاف الازواج غير القادرين على الانجاب وكثير منهم من الخارج لاستئجار ارحام نساء محليات لحمل اجنتهم حتى الولادة.

لكن الجدل حول ما اذا كانت الصناعة غير الخاضعة لتشريعات منظمة تستغل النساء الفقيرات دفع السلطات إلى اعداد مسودة قانون قد يجعلها اكثر صعوبة بالنسبة للاجانب الراغبين في استئجار ارحام في الهند.

وقال سودهير اجا الطبيب في سوروجسي انديا وهي مؤسسة لاستئجار الارحام مقرها مدينة مومباي "هناك حاجة لتنظيم هذا القطاع." ومنذ افتتاحها عام 2007 انجبت امهات بديلات وفرتهن المؤسسة 295 طفلا 90 بالمئة لزبائن اجانب.

وسمحت الهند باستئجار الارحام تجاريا عام 2002. وهي من بين بلدان قلائل منها جورجيا وروسيا وتايلاند واوكرانيا وبضع ولايات امريكية يمكن فيها الانجاب عبر امهات بديلات بالتخصيب المجهري أو نقل الاجنة.

وبالنظر للتقنيات الزهيدة والاطباء المهرة ووفرة الامهات البديلات اصحبت الهند مقصدا مفضلا للراغبين في الانجاب بهذه الطريقة وتجتذب مواطنين من بريطانيا والولايات المتحدة واستراليا واليابان.

ولا توجد اعداد رسمية لحجم صناعة استئجار الارحام في الهند. وقدرت دراسة مدعومة من الامم المتحدة في يوليو تموز 2012 حجم الصناعة باكثر من 400 مليون دولار سنويا مع انتشار اكثر من ثلاثة آلاف عيادة للتخصيب في ربوع الهند.

وعيادة اكانكشا في بلدة اناند مشهورة داخل الهند وخارجها وجعلت البلدة الواقعة في ولاية جوجارات تلقب "بعاصمة استئجار الارحام" في الهند.

وقالت نايانا باتيل مالكة العيادة والتي ذاع صيتها عام 2004 عندما ساعدت مريضا على الانجاب باستخدام ام زوجته كأم بديلة "اصبحت الامهات البديلات ذات مكانة في اناند من خلال منح هذه الهدية الجميلة لاخرين." وقالت "بالمال اصبح بمقدورهن شراء منزل وتعليم اطفالهن وحتى بدء مشروع صغير. هذه الاشياء كانت حلم بالنسبة لهن في السابق."

وانجبت امهات بديلات وفرتهن عيادة باتيل اكثر من 500 طفل ثلثهم لاجانب واناس من اصل هندي يعيشون في اكثر من 30 دولة. ومن المصاريف التي يتحملها ازواج مثل ريخا ودانيال وتتراوح بين 25 الف دولار إلى 30 إلف دولار - وهي جزء ضئيل من التكلفة في الولايات المتحدة- تسدد باتيل حوالي 400 الف روبية (6500 دولار) للام البديلة.

وشأن غالبية الامهات البديلات ابقت ناينا باتيل (33 عاما) التي انجبت الطلفة جابريلي الحمل سرا لما قد توصم به في المجتمع الهندي ذي التقاليد المحافظة.

وكانت دراسة مولتها الحكومة مؤخرا واجريت على مئة ام بديلة في دلهي ومومباي وجدت انه لا توجد قاعدة ثابتة بالنسبة للتعويض الذي يدفع للام البديلة كما انه لايوجد ضمان للرعاية الصحية لهن بعد الانجاب.

وتقدر عمليات تأجير الأرحام تجاريا الهند بأكثر من مليار دولار سنويا. فخلال فترة الحمل تعيش بعض الأمهات في مساكن خاصة يطلق عليها النقاد "مصانع إنتاج الأطفال".

تقول فاسانتي البالغة من العمر 28 عاما "الأسرة الهندية متقاربة، تفعل أي شئ من أجل أطفالها"، مضيفة "رغبتي في أن يحصل أطفالي على كل ما أحلم به، دفعني كي أصبح أما بديلة".

وفاسانتي حامل بطفل ليس طفلها، بل هو طفل لزوجين يابانيين مقابل مبلغ 8000 دولار، وهو مبلغ كاف لبناء منزل جديد وإلحاق طفليها البالغين في مدرسة لغات، وهي شيء لم يكن متاحا لها على الإطلاق. وتشير فاسانتي إلى أنها سعيدة جداً بتحقيق ذلك الأمر.

يذكر أنه تم زرع جنين داخل رحم فاسانتي في مدينة اناند الصغيرة في غوجارات، وسوف تقضي الأشهر التسعة المقبلة في مسكن خاص قريب يضم نحو مئة من الأمهات البديلات، جميعهن يخضعن لرعاية الطبيبة نايانا باتيل.

وتحتوي كل حجرة على نحو عشرة من الأمهات البديلات. وتحصل الأمهات على وجباتهن وحصتهن من الفيتامينات مع الراحة التامة. غير أن فاسانتي لا تستطيع أن تكبح شعور النشاط الدائم.

وقالت فاسانتي "أتجول ليلا نظرا لعدم قدرتي على النوم، وكلما ازداد حجم بطني مع نمو الطفل، ازداد شعوري بالملل". وأضافت "أريد الأن أن أذهب إلى منزلي قريبا كي أكون وسط أطفالي وزوجي".

تمنع لوائح الدار على النساء ممارسة الجنس خلال فترة الحمل، وتؤكد الدار على عدم تحمل الطبيب ولا المستشفى ولا الزوجين أصحاب الجنين المسؤولية في حالة حدوث مشكلات.

وإن كانت الأم حامل بتوأم، فهي تتقاضى نظير ذلك أجرا مضاعفا يصل إلى 10 الاف دولار، وإن حدث إجهاض خلال ثلاثة أشهر، تتقاضى 600 دولار. ويدفع الزوجان نحو 28 ألف دولار نظير الحمل الذي ينتهي بنجاح.

وقالت الطبيبة باتيل، التي تدير عيادة لأطفال الأنابيب ومسكن الأمهات البديلات الخاص كما تشرف على عمليات الولادة، إن كثيرين ينظرون إلى عملها على أنه إهانة. وأضافت "أواجه انتقادات وسأظل أواجهها، لان هذا العمل في نظر الكثيرين موضوع جدلي".

وقالت "تثار الكثير من المزاعم بأن هذا مجرد مشروع تجاري، وأنه مجرد بيع أطفال، ومصنع لإنتاج أطفال، وجميع هذه العبارات المستخدمة تؤذي المشاعر".

يقول البعض إن الأمهات البديلات يجري استغلالهن، لكن باتيل تقول إن عالم الشركات التجارية الكبرى والسياسة أشد قسوة. وأضافت "أشعر أن كل شخص في هذا المجتمع يستغل شخصا ما".

وترى باتيل أن الأمهات يحصلن على حق عادل في الصفقة، مضيفة "تتحمل الأمهات البديلات عبء المجهود البدني، وهو متفق عليه، ويجري تعويضهن عن ذلك، وهن يعرفن أنه لا ربح من دون ألم". وتقول باتيل إن الأمهات في دار الأمهات البديلات يتعلمن مهارات جديدة مثل التطريز حتى يتمكن من كسب لقمة العيش بعد مغادرتهن.

ويعتبر ما يتقاضونه من أموال مقابل تأجير أرحامهن باهظ جدا مقارنة بالمعايير المحلية، فالمبلغ الذي تتقاضاه فاسانتي، يتجاوز بكثير ما يحصل عليه زوجها أشوك شهريا وهو 40 دولارا تقريبا.

وتعود بعض الأمهات مرة أخرى بعد الولادة، وتسمح باتيل بثلاث مرات كحد أقصى.

وقالت إن هناك أسبابا دفعت الهند إلى أن تصبح "مركزا لتأجير الأرحام في العالم"، فتوافر التكنولوجيا الطبية الجيدة والتكلفة المنخفضة نسبيا، والوضعية القانونية المواتية تلعب دورا في ذلك.

وأضافت "لا تتمتع الأم البديلة بأي حق في الطفل أو أي واجبات تجاهه، وهو ما يجعل الأمر سهلا، بينما الأمر العالم الغربي يختلف إذ تعتبر الأم التي تلد الطفل أما له ويكتب اسمها في شهادة الميلاد".

إن عدم وجود اسم الأم البديلة في شهادة الميلاد يجعل من الصعب على الأطفال معرفة بيانات الأمهات البديلات اللائي أنجبتهم حال رغبتهم يوما ما في معرفة ماضيهم.

ولدى الهند ثلث أفقر سكال العالم ويقول المنتقدون إن الفقر عامل رئيسي في قرار المرأة لتصبح أما بديلة. قالت باتيل "هناك العديد من الاناث المحتاجات في الهند، فالغذاء والمأوى والملبس والدواء والرعاية الصحية ليست مجانية للجميع في الهند، ويجب على الناس أن يدعموا أنفسهم". وأضافت أنها تشجع النساء على استخدام ما يحققن من عائد بحكمة.

وتبني باتيل وزوجها منزلا جديدا.

قال أشوك، زوج باتيل، "المنزل الذي أعيش فيه حاليا هو منزل مستأجر، وهذا المنزل (الجديد) سيكون أفضل بكثير".

لكن البيت الجديد جاء بثمن، فهو لن يبنى في المنطقة نفسها مثل المنزل القديم، وذلك بسبب عداء من الجيران. ويزداد قلق فاسانتي مع اقتراب موعد الولادة.

بعد ولادة طفلها، تبدأ فاسانتي حياتها لتعيش في منزلها الجديد وتحضر أطفالها لمدرسة اللغات وقالت "أنا لا أعرف أي شيء حول ما إذا كان الزوجان سيأتيان ليأخذا طفلي على الفور، أو إذا كان سيبقى معي لمدة 10 أو 15 أو 20 يوما، قد لا أراه على الاطلاق.

ونقلت فاسانتي إلى المستشفى وبعد حدوث الآم في الولادة لفترة طويلة، قررت باتيل أن تجري لها عملية ولادة قيصرية.

ولادة صبي في الهند عادة ما يكون سببا للاحتفال، لكن فاسانتي تشعر بالقلق من أن يكون الزوجان اليابانيان كان يريدان في الأصل فتاة. وينقل الطفل مباشرة إلى مستشفى الأطفال حديثي الولادة حيث يستطيع والداه أن يأخذانه ويسافران به إلى اليابان.

وتدمع عين فاسانتي كلما تذكرت المرة الأولى التي وقعت عيناه عليه.

وقالت "رأيته عندما ولدته قيصريا، رأيت ابني، ولكن بعد ذلك أخذوه على الفور".

وأضافت " أراد الزوجان فتاة وأنا انجبت صبياً، إنه أمر جيد سواء كان صبيا أو فتاة، فعلى الأقل رزقا بطفل".

وبمجرد أن يبدأ الطفل الصغير الذي ولدته فسانتي حياته الجديدة، تبدأ هي الأخرى حياتها لتعيش في منزلها الجديد ويحضر أطفالها فصولهم الدراسية الانجليزية.

وقالت فاسانتي "أطفالي يكبرون يوما بعد يوم، ونحن نتطلع لمستقبل جيد". وأضافت "ذلك هو ما يدفعنا لذلك، ولست أرغب أن تصبح ابنتي في المستقبل أما بديلة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/تشرين الاول/2013 - 1/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م