شبكة النبأ: من بداهة القول أن
الإدارة لها ثلاثة توصيفات أو ثلاث درجات، فهي أما أن تكون فاشلة أو
ناجحة أو تراوح في مكانها، لا تتقدم ولا تتأخر، والمطلوب دائما أن نحصل
على ادارة ناجحة في أكبر وأصغر المؤسسات على حد سواء، كي نضمن درجة
مقبولة من التطور الذي كان ولا يزال مطلبا اساسيا لاستمرار الحياة.
إذاً نحن نحتاج الادارة الناجحة حتى نتقدم، لذا علينا أن نفتش عن
السبل التي تجعل من الادارة ناجحة، ومن أساسيات الادارة الناجحة، أن لا
تتصف بالقمع، بمعنى أنها لا تكون ادارة قامعة، ولا يتعلق الامر بادارة
الحكومات للدول فقط، فالمؤسسة الصغيرة ايضا تحتاج الى ادارة غير قامعة،
بمعنى أن تتسم بالحكمة والانفتاح وسعة الافاق، وأن تحسن التعامل مع
المستجدات الادارية في العالم على مدار الساعة.
فالادارة كما يقول عنها الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد
الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه
الادارة ج1) هي عبارة عن: (علم وفن فأيهما بدون الآخر يكون ناقصا).
هكذا اذن ببساطة نفهم بأن الادارة علم وفن، وغياب العلم والفن عنها
سوف يقودها الى الفشل حتما، بل ان غياب احد القطبين (الفن والعلم) عن
الادارة، يجعلها كمن يسير على قدم واحدة، او يرى الاشياء بعين واحدة،
لذا غالبا ما تكون الادارة التي تفتقر للعلم والفن ناقصة.
دور الفن والعلم
لا شك ان الادارة علم وهي في الوقت نفسه فن، وطالما انها تتبع
لأشخاص يتصدون لها، فإن الشخص او المدير لابد أن يتحلى بقدرات تجمع بين
العلم والفن الاداري، وأن غياب أي من الجانبين او الشرطين عن امكانيات
المدير او الشخص الاداري، سوف يجعل من ادارته ناقصة ومن ثم تفشل في
تحقيق الاهداف المطلوبة.
لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه على أن: (العلم
عبارة عن مجموعة قوانين ونظريات ومبادئ يلزم على المدير استيعابها سلفا
حتى يطبق كل شيء في موضعه).
علما أن التجارب تشير الى ان الفشل الاداري غالبا ما يكون نتيجة
للقمع، أو الاسلوب الاداري القسري، الذي يعتمد رؤية واحدة، تحكمها نظرة
المدير القامع، او الشخص الذي لا يفهم العمل الاداري كما يجب، كونه
يفتقر الى العلم، وتنقصه فنون الادارة الصحيحة، لان الادارة الناجحة لا
يمكن أن تقوم على رؤية أحادية النظر، أما الاداري الناجح، فهو الذي
يتحلى بموهبة واضحة المعالم، فضلا عن قدراته العلمية المكتسبة في مجال
الادارة.
لذلك يؤكد الامام الشيرازي على أن: (دور الفن يعتمد على الموهبة
الشخصية والخبرة العملية والمهارة الفردية). بمعنى أن المدير او
المسؤول الاعلى ينبغي أن يتحلى بمزايا اساسية، أهمها الموهبة الادارية،
كذلك الخبرة الادارية التي يتم تحصيلها من سعة الاطلاع والمعرفة
والتحصيل العلمي وما شابه.
لذلك لا مجال لحصر الادارة في مجال ضيّق، وأفق وحيد، ولا يمكن أن
يكون الاكراة والاوامر القطعية هي السبيل الوحيد او الامثل لنجاح
الادارة كما يعتقد كثيرون، نعم لابد من الالتزام بالقوانين والضوابط
التي تحسن من الانتاج، ولكن ليس بطريقة او اسلوب القمع، قد تكون
العقوبات وتطبيق القانون الاداري طريقا للنجاح، ولكن عندما يلزم اللجوء
الى تطبيق القانون، أما ان تتحول الادارة الى قمع متواصل، فإن الفشل
سوف يكون النتيجة الاكيدة.
لذلك يحتاج المدير الى التجربة الفعلية مع الموهبة، كما يؤكد ذلك
الامام الشيرازي عندما يقول بكتابه المذكور في هذا المجال: (إن الإدارة
ممارسة، لا مجرد نظريات وآراء وفرضيات، فإن تبلور هذه لا تكون إلا
بالممارسة أما من يملك هذه فقط بدون الممارسة فيصلح أن يكون مستشارا
من الدرجة الثانية، إذ المستشار من الدرجة الأولى هو الذي مارس وتصاعد
في عمله بالتجارب).
الادارة الفعالة
كما ذكرنا سابقا، الادارة علم وفن، والرجل الاداري لديه موهبة
وتحصيل علمي، ولابد أن يكون قد اكتسب تجربة ادارية جيدة من خلال الاداء
العملي للفعل الاداري المدعوم بالفن والموهبة، وتوصف الادارات الناجحة
بأنها فعالة ونشطة، أما سبل النجاح، فإنها تستقي وجودها وتأثيرها من
القدرات التي يتحلى بها المدير ويقوم بتطبيقها فعليا على ادارة المؤسسة
او الدائرة او المصنع، او حتى الدولة اذا كان قائدا للحكومة، وفي كل
الاحول، لا يمكن تحقيق النجاح الاداري في أي مجال كان من دون الادارة
الفعالة غير القامعة.
لذلك يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (لا يمكن لأي شيء يحتاج
إلى الإدارة أن يكون ناجحا ويسير إلى الأمام بسلامة واتساع إلا إذا
كانت له إدارة نشطة فعالة، فإن البقاء والنجاح والإطراد تتوقف على قدرة
الإدارة ومهارة المدير، فكفاية الحكومة، وحسن المستوى الاجتماعي، وتقدم
الاقتصاد، وما أشبه، كلها تقع على الإدارة، فإذا كانت حسنة سارت
الحكومة بسلام، وأنتج الاقتصاد أفضل المنتجات و الخدمات، وساد الاجتماع
أفضل العلاقات الاجتماعية، وإذا كانت متوسطة أو سيئة، كانت النتيجة
تابعا لها، فإن فاقد الشيء لا يعطيه).
علما أن الادارة لا يمكن وصفها بالعمل السهل، نظرا لتعقيد المهام
الادارية، وتشابكها، وارتباطها مع بعض، الى درجة لا يمكن التعامل معها
بصورة آلية، أو عشوائية، بل لابد أن تحضر الموهبة والفن الاداري على
الدوام، ممثلا برؤية المدير، وقدرته على السيطرة والتوجيه، وتطوير
الفعل الاداري ومراقبة النتائج على الدوام، على ان تكون البدايات
صحيحة، وتواصل العمل الاداري جيدا، وهذا يتطلب مؤهلات لابد من توافرها
في الشخص الاداري الناجح.
لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه (الفقه: الادارة ج1):
إن (الإدارة الناجحة ليست عملا سهلا، بل هي على جانب كبير من الصعوبة،
إذ الأمر بحاجة إلى حسن الابتداء، ثم الاستمرار الحسن، وكلاهما بحاجة
إلى عشرات من المقومات، فالدخول في الميدان بدون دراسة كافية، أو بدون
ملاحظة جوانب الأعمال، أو بدون ملاحظة قوة المنافسة، أو التوسيع المخل
مما هو خارج عن القدرة، أو إنماء المنشأ بسرعة غير لائقة، أو عدم أخذ
الاحتياطات اللازمة للتغيرات المفاجئة أو غير ذلك، كلها من سوء
الإدارة، ومن المستحيل أن يعطي الإدارة السيئة النتائج الحسنة، والعكس
صحيح أيضا). |