أمريكا والازمة المالية.. شلل جزئي قد يقود الى كارثة

 

شبكة النبأ: أزمة خطيرة تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الخلافات و الصراعات السياسية المتواصلة بين الجمهوريين والديموقراطيين، والتي اسهمت بتعطيل وعرقلة الكثير من الخطط والبرامج والقرارات المهمة والمؤثرة، كان اخرها عدم إقرار الكونجرس للموازنة الأمريكية والذي ادى الى تعطيل إدارات الدولة الفيدرالية بشكل جزئي، وهو ما سينعكس سلبا على الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بشكل عام كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان الازمة الحالية لها الكثير من التأثيرات السياسية والاقتصادية والامنية خصوصا وان أمريكا التي تعتبر أهم واكبر الأقطاب العالمية تعاني اساسا مجموعة من المشاكل والازمات التي سببتها الأزمة المالية العالمية ومنها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ولها العديد من الارتباطات مع الكثير الدول. فعدم إقرار الموازنة أو ضعفها، سينعكس على المعونات الاقتصادية والعسكرية في الخارج. وفي هذا الشأن اتهم الرئيس الاميركي باراك اوباما خصومه الجمهوريين في الكونغرس بانهم تسببوا بشلل جزئي لإدارات الدولة الاميركية عبر القيام ب"حملة ايديولوجية".

وحض اوباما في مداخلة في حديقة البيت الابيض الجمهوريين على وضع حد لهذا الشلل الذي بدأ جراء عدم توافق الكونغرس على قانون للموازنة. واولى اثار هذا الشلل الاول منذ 17 عاما ظهرت في واشنطن ونيويورك او في الحدائق الوطنية. ففي نيويورك، لم يتمكن الاف اسياح من الوصول الى ليبرتي ايلاند حيث يرتفع تمثال الحرية.

وقال شيرام باراميشوارن بغضب وصلت البارحة من سياتل شمال غرب الولايات لمتحدة، اشتريت بطاقتي عبر الانترنت، كان يمكنهم ابلاغي وتعليق المبيعات. وفي العاصمة الفدرالية حمل بعض الموظفين الذين طلب منهم البقاء في منازلهم، على نواب الكونغرس مثلما فعلت كريستين بوغمان في الخمسين من العمر الموظفة في وكالة حماية البيئة. وقالت كان امامهم ستة اشهر للتصويت على الموازنة لكن ذلك لم يكن كافيا على ما يبدو! ليس كافيا ابدا.

وكان امام حوالى 800 الف موظف اعتبروا غير اساسيين من اصل اكثر من مليونين، اربع ساعات للتوجه الى مكاتبهم وترتيب شؤونهم والغاء اجتماعاتهم والعودة الى منازلهم من دون ضمان بقبض رواتبهم مع مفعول رجعي. ومن وزارة الدفاع الى وكالة حماية البيئة، طلب من كل الهيئات الفدرالية خفض عدد العاملين لديها فورا الى الحد الادنى. ويعمل البيت الابيض مع 25 بالمئة من فريقه وتوقفت هيئة الاحصاء الاقتصادي عن العمل ولهذا السبب لن تنشر معطيات مرقمة بشان القطاعات الاقتصادية.

ومن النتائج الاخرى للشلل ان المدافن العسكرية الاميركية في العالم حيث سقط جنود اميركيون في الحربين العالميتين الاولى والثانية وخصوصا اثناء الانزال في النورماندي اقفلت بدورها موقتا.

واستثني من الاجراء الامن القومي والخدمات الاساسية مثل العمليات العسكرية والمراقبة الجوية والسجون.

وعلى الرغم من مداولات مكثفة بين مجلس الشيوخ حيث الغالبية من الديموقراطيين وبين مجلس النواب حيث الغالبية من الجمهوريين، لم يتم تبني اي مشروع قانون مالي في الوقت المحدد مع بدء العام المالي 2014. وبلغ الفشل اوجه بعد 33 شهرا من المواجهات بشان الموازنة بين الديموقراطيين والجمهوريين الذين استعادوا السيطرة على مجلس النواب في كانون الثاني/يناير 2011 بعد انتخاب عشرات النواب من حزب الشاي الشعبوي.

لكن توقف وكالات الدولة الفدرالية عن العمل لن يكون له سوى انعكاس محدود على اكبر اقتصاد في العالم خلافا لما يمكن ان يفعله مأزق مستمر حول زيادة سقف الديون. وينبغي ان يخضع هذا الامر لاتفاق بحلول 17 تشرين الاول/اكتوبر والا فان الولايات المتحدة لن تتمكن من مواجهة اي من واجباتها المالية.

ورفض الجمهوريون في مجلس النواب التصويت على موازنة لا تلغي تمويل اصلاح الضمان الصحي الذي يعتبر النقطة الرئيسية في البرنامج الاجتماعي للرئيس. ورفض مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه حلفاء اوباما الديموقراطيون هذه المحاولات. الا ان احد الاوجه المهمة من هذا الاصلاح دخل حيز التطبيق حيث بات بإمكان ملايين الاميركيين الذين لا يتمتعون بتغطية طبية ان يسجلوا اسماءهم على الانترنت للاستفادة من تغطية صحية مدعومة اعتبارا من كانون الثاني/يناير 2014.

واغتنم اوباما فرصة مداخلته للإشادة مرة اخرى بفوائد هذا لإصلاح الذي نشر في 2010 واكدته المحكمة العليا في 2012. واضاف اوباما ان هذا الشلل الجمهوري كان يمكن تفاديه، اريد ان يفهم كل الاميركيين لماذا حصل. وقال لقد اصابوا الحكومة بالشلل باسم حملة ايديولوجية لمنع ملايين الاميركيين من امكان الحصول على العلاج بكلفة معقولة.

واثار اول يوم تسجيل من جهة اخرى حركة دخول كثيفة جدا على العديد من المواقع. وفي ولاية نيويورك حيث اكتظ موقع التسجيل، سجل مليونا زائر في الساعتين الاوليين من بدء التسجيل و"شجع" المسؤولون مستخدمي الانترنت على المحاولة لاحقا عندما يتم حل هذه المشاكل. وقبل بضع ساعات من تنديد اوباما ب"حملة ايديولوجية" يشنها برايه الجمهوريون، اعرب رئيس مجلس النواب جون بوينر عن اسفه لان مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الديموقراطيون ما زال يرفض عرضنا.

ورفض مجلس الشيوخ الاميركي مجددا طلبا من مجلس النواب الذي يهيمن عليه الجمهوريون يتعلق بالموازنة ذلك ان العديد من النواب اعتبروا ان حل الازمة غير مرجح في الايام المقبلة. وتبنى مجلس النواب ليل مذكرة ترمي الى دعوة اللجنة التي تعادل اللجنة المختلطة المتساوية التمثيل بين اعضاء في مجلس الشيوخ واخرين من مجلس النواب، الى الاجتماع لوضع تسوية بهدف تمويل الدولة الفدرالية طيلة بضعة اسابيع.

ومن جهة الراي العام، فان استطلاع كينيبياك اشار الى ان 77 بالمئة من الاميركيين يرفضون اللجوء الى اقفال جزئي لأنشطة الدولة من اجل تجميد تطبيق اصلاح الضمان الصحي. الا ان الشلل الموقت للدولة الفدرالية لم يؤثر على الاسواق المالية الرئيسية في العالم. وبدأت وول ستريت العمل بزيادة طفيفة جدا في غمرة البورصات الاوروبية والاسيوية. لكن الاسواق بقيت حذرة عبر التركيز على موعد 17 تشرين الاول/اكتوبر بالنسبة الى سقف الديون. بحسب فرانس برس.

الى جانب ذلك حذر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من تداعيات الأزمة المالية التي تمر بها الحكومة، معتبرا أن استمرار الأزمة في واشنطن قد يضعف الولايات المتحدة في العالم. وقال كيري إذا استمرت الأزمةأو تكررت فقد يبدأ الناس يشكون في إرادة الولايات المتحدة في الاستمرار وقدرتها على ذلك. وقبل ذلك، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إن مكتب وزارة الخزانة المسؤول عن تنفيذ العقوبات الأميركية، بما فيها العقوبات على إيران وسوريا، غير قادر على متابعة أعماله الأساسية بسبب الإجازات التي منحت للموظفين نتيجة توقف أنشطة أجهزة حكومية اتحادية.

وأضاف كارني إن الموظفين العاملين في مكتب تنفيذ العقوبات غائبون بسبب قرار الجمهوريين إغلاق الحكومة غير الضروري وغير المبرر. إنه أمر يضر بأمننا القومي. عمل هذا المكتب مهم جداً فبفضل جهود موظفيه تقدمنا دبلوماسيا في أكثر الملفات الخارجية سخونة مثل الملف النووي الإيراني. وأردف إلغاء رحلة الرئيس إلى آسيا بسبب الإغلاق الحكومي تعرض مصالح شعبنا الاقتصادية للخطر، كما تقلص احتمال إيجاد فرص عمل إضافية للأميركيين في الخارج.

الاقتصاد العالمي

في السياق ذاته لا يبدو الاقتصاد العالمي مهددا على الفور نتيجة شلل مؤقت للدولة الفدرالية الاميركية، لكنه خاضع لخطر عدم التسديد المتفاقم بعد 17 تشرين الاول/اكتوبر بغياب اتفاق سياسي بين الجمهوريين والديموقراطيين. وافاد محللو الباري لا تبدو الاسواق مضطربة بشكل خاص جراء تعذر تجنب تعطيل الدولة الفدرالية، او بالاحرى لا تبدو متفاجئة. بالتالي يبدو اثر ذلك على اجمالي الناتج الداخلي لاول اقتصاد عالمي وبالتالي على العالم محدودا ولو انه حقيقي.

واقر محللو رابوبنك ان الاغلاق سيكون بالطبع مكلفا بالنسبة الى النمو الداخلي من حيث تراجع الطلب. لكن هذه الكلفة تعتمد بشكل اساسي على طول مرحلة شلل الادارة الفدرالية بحسب كبير اقتصاديي يوني كريدي في الولايات المتحدة هارم باندهولز. واعتبر محللو فوركس دوت كوم ان اي فترة تتجاوز 5 ايام سيكون لها اثر مادي على النمو في الفصل الرابع متحدثين عن ارتفاع العجز واثر على ثقة اللاعبين الاقتصاديين.

وافاد محللو الباري ان تعطيلا من ثلاثة اسابيع يشبه ما حصل قبل 17 عاما قد يحسم 0,5% من اجمالي الناتج الداخلي في الفصل. كما اعتبر محللو موديز اناليتكس ان الشلل لمدة ثلاثة او اربعة اسابيع سيكلف 1,4 نقطة من نسب اجمالي الناتج الداخلي الحقيقي في الفصل الرابع. وذكر فريديريك دوكروزيه المحلل الاقتصادي في كريديه اغريكول سي اي بي اننا في مرحلة انتعاش هشة (للاقتصاد العالمي) مع محركين هما الولايات المتحدة والصين وهما مترددتين...ويمكن للقوتين قلب الاوضاع في اي لحظة وسيكون لذلك عواقب في سائر انحاء العالم.

في اخر ايلول/سبتمبر افاد مارك زاندي كبير اقتصاديي موديز اناليتكس ان الاقتصاد الاميركي قام بخطوت كبرى لكن الانتعاش فاتر وما زال الاقتصاد بعيدا عن مرحلة التشغيل الكامل. لكن التوترات الجارية ليست الا مقدمة بسيطة للخطر الفعلي المتمثل في تعطل كامل لزيادة قانونية لسقف الدين، حيث ان غياب الاتفاق بين الديموقراطيين والجمهوريين يهدد بمفاعيل اكثر اتساعا.

واعتبر محللو اوريل بي جي سي ان المستثمرين ما زالوا يركزون على المفاوضات حول زيادة سقف الدين. وقد يؤدي الفشل الى عواقب وخيمة على الصورة المالية للولايات المتحدة حول العالم بحسب رابوبانك.

وذكرت وكالة التصنيف المالي ستاندارد اند بورز بانه في حال عدم زيادة سقف الدين مع منتصف تشرين الاول/اكتوبر فقد تعجز الولايات المتحدة عن الايفاء بجميع واجباتها، ما قد يؤول تلقائيا الى عقوبة منحها تصنيف "اس دي" (التخلف الانتقائي عن السداد) عوضا عن ايه ايه حاليا. وان كانت شركة اميركية تعمل اليوم وسط احتمال تخلف مقبل عن السداد، فذلك لا يشكل بيئة جيدة لاتخاذ قرارات استثمارية. لكن العالم اجمع ينتظر انتعاشه الطلب الداخلي كي يعتبر ان الاقتصاد الاميركي على الطريق الصحيح، بحسب دوكروزيه.

لكن التعطيل المؤقت للإدارة الاميركية قد يفيد عددا من الدول الناشئة على غرار البرازيل وروسيا وتركيا، الخ. فهذه الدول تعاني من قسوة الاسواق منذ اشهر بسبب الانتهاء المرتقب لإجراءات دعم الاقتصاد الاميركي التي اتخذها الاحتياطي الفدرالي، الذي حفزهته مؤشرات الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة. وفي مرحلة اولى اثارت هذه الاجراءات غير التقليدية تدفق رؤوس الاموال الى الاسواق الناشئة، ثم ادى وشوك نهايتها الى عكس هذا التوجه ما ادى الى تراجع ملحوظ في قيمة عملات هذه البلدان واضطرابات في اسواق اسهمها.

ولفت محللو فوركس الى ان التعطيل يضاعف فرص ارجاء انهاء اجراءات الدعم التي يطبقها الاحتياطي الفدرالي الى العام المقبل، ما يشكل خبرا سارا للأسواق الناشئة واشاروا الى ارتفاع قيمة الروبية الهندية. كما اعرب دوكروزيه عن القلق من مراعاة السوق التي تتصرف كأنها مقتنعة بان المسؤولين الاميركيين سيتفقون في النهاية. وقال عندما نكون وسط سيناريو يبدو فيه كل شيء مقرر، هنا قد تنحرف الامور عن سياقها. بحسب فرانس برس.

على صعيد متصل اعتبر رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم ان شلل الميزانية في الولايات المتحدة الذي ادى الى شلل جزئي في انشطة الدولة الفدرالية يمكن ان يلحق اضرارا جسيمة بدول الجنوب. وقال كيم في كلمة القاها في واشنطن ان الشكوك المالية في الولايات المتحدة تثير قلقنا الى اعلى درجة.

واوضح كيم ان هذه الشكوك مع وجود مظاهر هشاشة اخرى في الاقتصاد العالمي يمكن ان تلحق اضرارا خطيرة بالأسواق الناشئة والنامية في افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية. واضاف المسؤول املنا هو ان يتمكن الزعماء السياسيون من سرعة حل هذه المسائل.

ويخشى بعض الخبراء ان يؤدي هذا الشلل المالي الى اضعاف القوة الاقتصادية الاولى في العالم، التي ما زالت تتعافى، مع ما ينطوي على ذلك من خطر جر دول اخرى معها. وكان صندوق النقد الدولي اعتبر ايضا ان التوصل الى حل "سريع" لمشكلة الميزانية في الولايات المتحدة بالغ الاهمية للانتعاش الاميركي وايضا ل"الاقتصاد العالمي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/تشرين الاول/2013 - 29/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م