روحاني ونتنياهو... صراع الديكة

 

شبكة النبأ: يجسد الصراع الإسرائيلي الإيراني ديمومة الجدلية والمراوغات السياسية المدعومة بالأجندة المفتوحة بين الدولتين المتخاصمتين، وهذا ما يتضح جليا من خلال اعتمادهما على سياسة الغموض الاستراتيجي باستخدام السياسية المتشددة تارة والدبلوماسية الناعمة تارة أخرى، وهذا ما جعل صراعهما يتأرجح بين المواقف الملتبسة والأهداف الازدواجية، لاسيما بشأن الملف النووي الإيراني، الذي صار محركا رئيسا لتصاعد التوترات والاتهامات بينهما.

ففي الآونة الأخيرة دأبت إسرائيل على مواصلة هجومها ضد إيران من خلال التصعيد بشكل مفرط بالتصريحات المتشددة والأعمال الاستفزازية وإثارة الحساسيات والتمايزات السياسية، ومن أجل سبق الأحداث وكسب حرب الغنائم المعنوية، لاستفزاز الام الحنون (أمريكا)، التي باتت اليوم تغرد بعيدا عن سرب طفلها المدلل (إسرائيل) مؤخرا، بعد اتصال هاتفي تاريخي بين أوباما وروحاني الذي كان أرفع اتصال بين البلدين في ثلاثة عقود، بفضل الحملة الدبلوماسية التي بدأها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، فأحدثت فجوة بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو دون سابق إنذار، وقد يكون لطريقة تعاملهما مع الملف الإيراني تداعيات واسعة على إرثهما السياسي واستقرار منطقة الشرق الأوسط في المستقبل.

وتشير التطورات الجديدة التي شهدتها العلاقات الامريكي الإيراني ربما ستكون البداية لإعلان حالة جديدة واعتماد الحوار المباشر المعلن بين أمريكا وإيران والذي كان يعقد باستمرار في الخفاء كما يقول بعض المراقبين الذين أكدوا أيضا على ان الفترة القادمة ستشهد تقديم تنازلات ملموسة من قبل جميع الاطراف خصوصا بعد التصريحات المهمة التي أطلقها بعض المسؤولين في إيران او أمريكا.

لكن تصدطدم بحائط شك من لدن اسرائيل فزادت صلابة مواقفها بتصاعد لهجة المعارك الكلامية المكثفة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رفض حملة دعائية للرئيس الإيراني الجديد ووصفها بأنها حيلة أعدها "ذئب في ثياب حمل" وأعلن أن إسرائيل مستعدة للوقوف بمفردها لمنع طهران من الحصول على سلاح ذري.

وهاجم نتنياهو في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ظهر فيها جنوحه للقتال الثقة التي نالها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني الذي قام بمفاتحات دبلوماسية مع الولايات المتحدة وأجرى محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

وعبرت كلمة نتنياهو وهي آخر كلمة في دورة الجمعية العامة هذا العام عن قلق إسرائيل من العلامات التي تلوح عما قد يصبح تقاربا أمريكيا إيرانيا قد يؤدي إلى تخفيف العقوبات الدولية على إيران قبل الآوان وتخفيف للتهديدات العسكرية التي تستهدف حرمان إيران من وسائل إنتاج أسلحة نووية.

وأشار نتنياهو إلى الفترة التي شغل فيها روحاني منصب رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي لإيران في الفترة بين عامي 1989 و2003 وهي فترة قال رئيس الوزراء الاسرائيلي انه قتل خلالها "أتباع مخلصون" زعماء المعارضة الإيرانية في برلين و85 شخصا في المركز اليهودي في بوينس أيرس و19 جنديا أمريكيا في تفجير في أبراج الخبر في السعودية.

وتساءل نتنياهو "هل لنا أن نصدق أن روحاني - مستشار الأمن القومي في ذلك الوقت لم يعرف شيئا عن هذه الهجمات؟" وتابع "بالتأكيد علم تماما مثلما عرف رؤساء أجهزة الأمن في إيران قبل 30 عاما بالتفجيرات في بيروت التي قتل فيها 241 من مشاة البحرية الأمريكيين و58 مظليا فرنسيا".

وأوضح نتنياهو أن إسرائيل مستعدة للجوء لعمل عسكري منفرد ضد إيران إذا ثبت أن الدبلوماسية تفضي إلى طريق مسدود، ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي تملك اسلحة نووية، فمنذ فترة طويلة تشدد إسرائيل على الحاجة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران بهدف تدمير منشآتها النووية، وتعتزم بان الجيش الاسرائيلي قادر على التحرك بمفرده ضد البرنامج النووي الايراني، وكان نتنياهو قد وضع في كلمته امام الجمعية العامة العام الماضي "خطا أحمر" قال انه على إيران الا تتجاوزه.

وعلى الرغم من ان ايران لم تعبر "الخط الاحمر" تخشى إسرائيل من انها تطور تكنولوجياتها وانها قادرة الآن على الانطلاق بسرعة لتصنيع أول قنبلة نووية لها خلال اسابيع. وأشار نتنياهو الى المحطة الإيرانية التي تعمل بالماء الثقيل في اراك وانها يمكن ان تنتج البلوتونيوم وهو مصدر اخر للوقود لانتاج اسلحة نووية.

وقال نتنياهو "قلت منذ سنوات ومن فوق هذه المنصة ايضا ان الطريقة الوحيدة السلمية لمنع إيران من تطوير اسلحة نووية هو فرض عقوبات شديدة على ان يكون هذا مصحوبا بتهديد عسكري له مصداقية. وهذه السياسة تأتي بثمارها اليوم".

وفي اشارة إلى الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 قال نتنياهو "منذ ذلك الوقت جاء رؤساء إيرانيون ورحلوا. بعض الرؤساء اعتبر معتدلا والبعض الاخر متشددا، "لكنهم جميعا خدموا عقيدة لا تسامح فيها.. نفس هذا النظام الذي لا تسامح فيه.. العقيدة التي جسدها وطبقها القوة الحقيقية في ايران الدكتاتور المعروف بالزعيم الاعلى أولا آية الله روح الله الخميني والان اية الله (علي) خامنئي، "الرئيس روحاني مثل الرؤساء الذين سبقوه خادم مخلص للنظام".

بينما يبدي الرئيس الايراني حسن روحاني مرونة دبلوماسية غير معهودة، ويرى بعض المحللين انه يحاول لعب جميع الأوراق الدبلوماسية بصبغة براغماتية لما يمتلكه من الحنكة السياسية جسدتها تحركاته المحلية والدولية التي تمهد الطريق لإعادة توازن القوى مع الغرب وخاصة أمريكا، وهذا ما جعله من ابرز الشخصيات تأثيرا في العالم على المستوى السياسة في  الوقت الراهن.

في حين يرى بعض المحللين ان  اعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو في الامم المتحدة ان بلاده مستعدة للتحرك وحدها لمنع طهران من صنع قنبلة نووية، في موقف يغمز من قناة الولايات المتحدة التي بدأت حوارا مع نظام الجمهورية الاسلامية في طهران، وقال نتانياهو من على منبر الامم المتحدة ان "اسرائيل لن تدع ايران تحصل على اسلحة نووية. اذا اضطرت اسرائيل للتحرك بمفردها فستفعل ذلك"، ما دفع طهران الى الرد عليه سريعا واصفة خطابه ب"الاستفزازي والعدواني".

فيما يرى الكثير من المحللين انه ما زال التباين في وجهات النظر قائما بين الولايات المتحدة واسرائيل حول الملف النووي الايراني في ظل ملامح التقارب التي ظهرت في الايام الاخيرة بين واشنطن وطهران، رغم اصرار الرئيس الاميركي باراك اوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو على اظهار وحدة موقف البلدين من هذا الملف، وفي خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة، تبنى نتانياهو مجددا خطابا حازما حيال الانفتاح الذي اظهره اخيرا الرئيس الايراني حسن روحاني.

بينما كان اوباما كرر التزامه بعدم الاستغناء عن "اي خيار ومن بينه الخيار العسكري" وهو امر لم يذكره في خطابه الاسبوع الماضي امام الجمعية العامة للامم المتحدة، وفي محاولة لطمأنة نتانياهو، قال اوباما ان بلاده تدخل المفاوضات مع ايران "بكثير من الحذر"، ومن جانبه خفف نتانياهو من لهجته الحادة استجابة للرغبة الاميركية لاتاحة الفرصة امام الجهود الدبلوماسية، ويرى المعلقون الاسرائيليون ان هذه المواقف الموحدة تظهر تقاربا في المصالح المشتركة بدلا من اختفاء الخلافات.

ويقول محللون آخرون انه فيما يتعلق بالهدف الرئيسي المتمثل بمنع ايران من حيازة السلاح النووي والحفاظ على الخيار العسكري، فان اسرائيل والولايات المتحدة هما على نفس الموجة على الرغم من التقارب مؤخرا بين طهران وواشنطن.

وعليه يبدو ان إيران سشكل أصعب اختبار للعلاقة المضطربة بين أوباما ونتنياهو، فبعد ستة أشهر على زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإسرائيل لتخفيف التوتر في علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه الاثنان الآن أكبر اختبار لقدرتهما على العمل معا خاصة وأن المخاطر هذه المرة أعلى من أي وقت مضى.

صحيح أن أوباما ونتنياهو سيحاولان تفادي تكرار أي صدامات سابقة في وقت يسعيان فيه لتوحيد صفوفهما. ولكن خلف الأبواب المغلقة ربما يتعذر عليهما تجاوز خلافاتهما بخصوص إيران.

وسيحاول نتنياهو الذي يزعجه أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران وتساوره شكوك بالغة تجاه روحاني إقناع أوباما باتخاذ خطوات محددة ووضع أطر زمنية صارمة لمنع طهران من استغلال المحادثات في "كسب الوقت" وهي تمضي قدما نحو تصنيع سلاح نووي.

أما أوباما فسيضغط على نتنياهو للانتظار بعض الوقت لحين التحقق من نوايا روحاني بينما سيسعى إلى طمأنة إسرائيل بأنه لن يخفف العقوبات قبل الأوان. ورغم ذلك قال مصدر مقرب من البيت الأبيض إن من المرجح أن يقاوم الرئيس الأمريكي الضغط الإسرائيلي لتحديد سقف زمني للتوصل إلى اتفاق عبر المساعي الدبلوماسية مع إيران.

ولعل ما يزداد أهمية هو مسألة القيام بعمل عسكري ضد إيران في حال أخفقت الجهود الدبلوماسية في منعها من المضي قدما فيما تشتبه إسرائيل والغرب أنه مسعى لصنع أسلحة نووية. وتنفي إيران سعيها لامتلاك قنبلة نووية.

ويتشكك بعض المسؤولين الإسرائيليين في مدى استعداد أوباما لمهاجمة إيران بعد تراجعه في وقت سابق هذا الشهر عن تهديد بضرب سوريا للاشتباه في استخدامها أسلحة كيماوية، وقال إليوت أبرامز الذي عمل مستشارا مختصا بشؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ويعمل حاليا في مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية "الأمر كله يشير إلى أنه من وجهة نظر الرئيس ليست جميع الخيارات مطروحة مع إيران"، ومما يزيد الأمور تعقيدا تجديد أوباما مسعاه لإبرام اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين في محادثات استؤنفت في وقت سابق هذا الشهر.

ولدى أوباما ونتنياهو سجل حافل باللقاءات الصعبة ومن بينها مشكلة شهيرة حدثت في البيت الأبيض حين أعطى نتنياهو الرئيس الأمريكي درسا في التاريخ اليهودي، وقام أوباما بأول زيارة لإسرائيل بعد توليه منصبه -في فترة رئاسته الثانية- في مارس آذار لاستعادة دفء علاقته بنتنياهو ولجأ إلى بعض المجاملات القديمة لتجاوز خلافاتهما. ووصف الصحفي الأمريكي جيفري جولدبرج الخبير في شؤون الشرق الأوسط هذا الأسلوب بأنه "عملية مداهنة الصحراء".

غير أن جميع المؤشرات تظهر أن محادثات البيت الأبيض لن تثمر عن اتفاق تام. ذلك أن المكالمة الهاتفية التي جرت يوم الجمعة بين أوباما وروحاني تعني زيادة الحذر الإسرائيلي من إمكانية تحسن العلاقات الأمريكية الإيرانية وإن كان البيت الأبيض قد سمح للمسؤولين الإسرائيليين بمعرفة أي تطورات مسبقا.

ويعتقد بعض المحللين أن تهديدات نتنياهو السابقة ساهمت في دفع إيران إلى الإبقاء على مستويات تخصيب اليورانيوم دون "الخط الأحمر" الذي رسمه رئيس الوزراء الإسرائيلي على الورق ولمح إلى أن تجاوزه سيدفع إسرائيل إلى شن ضربات عسكرية، وقال وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي يوفال شتاينتز المقرب من نتنياهو "كلما زاد الضغط الاقتصادي والعسكري زادت فرصة نجاح المساعي الدبلوماسية"، غير أن مسؤولين إسرائيليين يشيرون إلى أن أوباما يضع في اعتباره الأضرار التي قد تلحق بسجله إذا تبين أن ما تفعله إيران ما هو إلا محاولة لكسب للوقت.

وازعجت علامات التقارب الأمريكي الإيراني اسرائيل التي تتهم ايران بمحاولة كسب الوقت والتخلص من العقوبات الدولية المشددة مع مواصلة جهودها لاكتساب اسلحة نووية. وتنفي ايران انها تعمل على صنع قنبلة ذرية.

وتسببت الاستراتيجية بخصوص ايران في توتر العلاقات بينهما من قبل ولاسيما العام الماضي عندما قاوم نتنياهو الضغوط الامريكية على اسرائيل حتى لا تشن هجوما وقائيا على مواقع إيران النووية.

لكن الخلافات ما زالت قائمة بين الدولتين الحليفتين. وهما تتفقان على ان بإمكان طهران صنع أول قنبلة نووية في غضون شهور اذا قررت ذلك لكن اسرائيل حذرت الاسبوع الماضي من ان هذه الفترة يمكن ان تتقلص الى اسابيع بفضل أجهزة الطرد المركزي الايرانية الجديدة التي تستخدمها في تخصيب اليورانيوم، ونظرا لحدود قوة اسرائيل العسكرية التقليدية - يعتقد انها تملك الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط - فهي تفضل أن تقود الولايات المتحدة العمل العسكري ضد ايران اذا فشلت الدبلوماسية.

فكما يبدو أن تصاعد الصراع السياسي المضطرد بين أسرائيل وإيران لن يتغير، على الرغم من تغيير الزعامة الايرانية بعد اعلان فوز حسن روحاني، رجل الدين الذي يوصف بانه معتدل، في الانتخابات الرئاسية الايرانية، ليسارع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وصقور حكومته الى التشديد على ان هذه الانتخابات لن تقلب المعادلات القائمة وبالتالي يجب الاستمرار في الضغط على طهران.

في الوقت نفسه تمسك الرئيس الايراني المنتخب حسن روحاني بموقف النظام الاسلامي في الملف النووي رافضا اي وقف لتخصيب اليورانيوم، لكنه وعد بمزيد من الشفافية حول انشطته، مما صعد من حدة لهجة المعارك الكلامية المستمر بين طرفي الصراع الإسرائيلي الإيراني، يكشف مخاوف وذريعة إخفاء الضعف الداخلي والحقيقي الموجود لدى البلدين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/تشرين الاول/2013 - 28/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م