حزب الفجر الذهبي في اليونان... منظمة إجرامية بلباس سياسي

 

شبكة النبأ: تلقى حزب الفجر الذهبي اليميني المتطرف في اليونان والمتهم بارتكاب أعمال عنف وقتل عنصرية، ضربة قوية ومؤثرة بعد اعتقال زعيمه نيكوس ميخالولياكوس وعدد من أنصار و نواب الحزب في البرلمان، بتهمة تشكيل منظمة إرهابية والتورط في عشرات الجرائم ضد الأجانب واليساريين اليونانيين. وبحسب بعض المراقبين فان عملية الاعتقال التي أتت على خلفية مقتل الموسيقي مناهض للعنصرية بافلوس فياس والتي أثارت غضب الشارع اليوناني وأحرجت الحكومة ربما تكون من اجل دوافع انتخابية وسياسيه، خصوصاً وان أعضاء الحزب وأنصاره قد شنوا عشرات الهجمات الدامية على أجانب وقاموا بحملات إرهاب وتخويف ضدهم. لكن أياً من تلك الهجمات لم يعرف طريقه إلى القضاء اليوناني بسبب ما يقول المهاجرون إنه تحيز من طرف الشرطة ضدهم وتعاون أعضاء منها مع هذه المنظمة النازية.

ويؤكد معظم المراقبين على ان المجتمع الأوربي بشكل عام أصبح يعاني الكثير من المشاكل الأزمات الاقتصادية والأخلاقية التي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، ومنها انتشار الجريمة وتفكك التركيبة الاجتماعية و تعدد التيارات الفكرية والحزبية وتفشي العنصرية التي ستكون سبب رئيسي في سقوط الكثير من دول أوربا خصوصا مع ازدياد وتنامي الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا، وفيما يخص أخر التطورات في اليونان فقد كشفت شهادات لأعضاء سابقين في حزب الفجر الذهبي وتقرير قضائي نشر عن إعمال إجرامية كثيرة ارتكبها الحزب النازي الجديد من بينها اعتداءات منسقة بالضرب المبرح على مهاجرين باكستانيين.

وافاد التقرير القضائي لنائب مدعي المحكمة العليا خرالامبوس فورليوتس ان الحزب النازي الجديد الذي القي القبض على زعيمه وكبار قيادييه شكل ميليشيات هجومية. وكشفت شهادات ادلى بها عضوان سابقان في الحزب امام القضاء ووردت في التقرير ان هذه الميليشيات اعتدت خصوصا في السنوات الاخيرة على مهاجرين باكستانيين. وقال احد هذين الشاهدين شاركت اكثر من مرة في اعمال جرت بواسطة 50 الى 60 دراجة بخارية تقل كل منها شخصين.

وكان كل واحد من الجالسين في الخلف يحمل عصا مع العلم اليوناني يضربون بها كل من يقابلهم من باكستانيين. واستنادا الى التقرير القضائي فان هذا الحزب لديه هيكلية صارمة، يملك فيها الزعيم سلطة مطلقة وفقا للمبدأ الذي ارساه هتلر اي الفوهرر برنسيب. لقد بدأ الفجر الذهبي هذه الهجمات عام 1987 في البداية ضد الاجانب ثم ضد اليونانيين ايضا. وشدد نائب المدعي على الايديولوجية العنصرية لهذا التنظيم موضحا بالنسبة لأعضاء الحزب فان الذين لا ينتمون للقبيلة هم ادنى من البشر. وتضم هذه الفئة المهاجرين والغجر والمعوقين.

واضاف ان الفجر الذهبي الذي يتلقى اعضاؤه تدريبا من النوع العسكري ارتكب عشرات الاعمال الإجرامية من بينها جريمتا قتل عمدي وثلاث محاولات قتل والعديد من الاعتداءات على مهاجرين. واعتبر ان الظاهرة الأكثر مدعاة للقلق هي تجنيد القصر لتشكيل تنظيمات شبابية. وقال احد العضوين السابقين ان القطرة التي فاض بها الكوب كانت عندما اطلقوا النار على باكستانيين تمكن احدهما من الفرار فيما سقط الثاني في ايديهم لينهالوا على راسه ركلا بأحذيتهم بكل قسوة. واستنادا الى هذين الشاهدين اللذين منحهما القضاء وضع الشهود الخاضعين للحماية وكان هناك هراوات وخناجر وسكاكين في مقرات الحزب.

وواصلت الشرطة مداهماتها لمقرات الفجر الذهبي بحثا عن مخابئ اسلحة بعد اعتقال زعيمه ومؤسسه نيكوس ميخالولياكوس وستة من نواب الحزب ال18 و15 من أعضائه. وعلى أساس تقرير فورليوتيس فتح القضاء تحقيقات جنائية ضد المعتقلين وخصوصا بتهمة تشكيل تنظيم إجرامي وحمل سلاح بدون ترخيص. وجاءت موجة الاعتقالات هذه بعد من مقتل فنان مناهض للفاشية على يد نازي جديد عضو في الفجر الذهبي.

فقد أحدث اغتيال بافلوس فيساس العازف والمغني في احدى ضواحي اثينا صدمة لدى الراي العام وارغم الحكومة على التحرك ضد الفجر الذهبي الذي كان حتى ذلك الوقت يحظى بشبه حماية من العقاب. ومع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة في اليونان التي وفرت له ارضية خصبة، تمكن الحزب من دخول البرلمان للمرة الاولى في تاريخه بعد ان عمل سرا لأكثر من عقدين.

ويجرى تحقيق قضائي واسع اثر تقرير لوزير الامن العام نيكوس دندياس يشير الى ان عمل الفجر الذهبي ينسف دولة القانون وينتهك حقوق الانسان ويمس بالأمن القومي والنظام الديموقراطي بحسب الصحف. وفي الوقت نفسه تنوي حكومة الائتلاف اليميني الاشتراكي التي لا تملك سوى اغلبية هشة من اربعة مقاعد، اي 155 من 300 مقعد، وقف التمويل الذي يحصل عليه هذا الحزب من الدولة. وقال نائب رئيس الحكومة ايفانجيلوس فنيزيلوس ان الحكومة لا ترغب في تجاوز الازمة الاقتصادية فحسب لكن ايضا في تجاوز ازمة القيم في اليونان.

من جانب اخر فقد عرضت كل محطات التلفزيون اليونانية لقطات لزعيم الحزب نيكوس ميخالولياكوس ونوابه وهم مقيدو الايدي ومحاطون برجال ملثمين امام مركز شرطة اثينا. وقال النواب لا شيء يمكن ان يخضعنا ونحن لا نخاف شيئا. هذا وتجمع المئات من انصار الفجر الذهبي استجابة لدعوة الحزب لأعضائه الى الاحتجاج على هذا القرار.

وهتف هؤلاء وهم يحملون الاعلام اليونانية دماء، شرف، الفجر الذهبي. ويمكن ان تطرح مسالة اجراء انتخابات جزئية اذا تم توجيه الاتهام الى نواب الفجر الذهبي واخرجوا من البرلمان. وجاء اول رد للحكومة مع اقالة العديد من قيادات الشرطة او وقفهم عن العمل في اطار تحقيق بشان العلاقة بين الشرطة وأعضاء الحزب النازي الجديد.

ومنذ مقتل المغني تحذر الصحف الوطنية ايضا من الفجر الذهبي مع نشر معلومات كثيرة عن اسلوب العمل شبه العسكري للحزب وعلاقاته المفترضة مع عالم الاعمال ومع القوات المسلحة وشهادات لعسكريين سابقين تشرح بإيضاح طريقة عمل التنظيم. في الوقت نفسه تجري المحكمة اليونانية العليا تحريات في جميع الاتجاهات لجمع ادلة تؤكد طابع الفجر الذهبي ك"تنظيم اجرامي.

وتم الاستماع في هذا الاطار الى عشرات الشهود من صحافيين واعضاء سابقين في الحزب النازي ونواب ومسؤوليين نقابيين. وبأمر من الحكومة بدأ القضاة تحقيقات واسعة بشان نحو 30 مخالفة قانونية نسبت لأعضاء الفجر الذهبي في الأشهر الأخيرة. ومنذ تشرين الأول/اكتوبر 2011 رصدت شبكة ديكتيو لمكافحة العنصرية والدفاع عن حقوق الانسان نحو 300 حالة اعتداء او إعمال عنف ضد أجانب.

وقالت منظمة كيرفا، التي تعد دعامة مكافحة العنصرية، نشعر بالارتياح لان حركة مكافحة الفاشية والعنصرية تمكنت من ارغام رئيس الحكومة انطونيس ساماراس ووزير الامن العام نيكوس ديندياس على اجراء اعتقالات، متهمة هذين المسؤولين السياسيين بحماية عمل النازيين الجدد لفترة طويلة.

وشكلت حالة البطالة والفقر التي تفاقمت في اليونان بسبب الازمة الاقتصادية ارضا خصبة استغلها الفجر الذهبي للنجاح في دخول البرلمان للمرة الاولى في تاريخه من خلال انتخابات حزيران/يونيو 2012 حيث حصل على 18 من مقاعد المجلس ال300.

في السياق ذاته فقد تصدر هذا التطور المثير عناوين كل الصحف، من اليسار او اليمين، مبدية دهشتها من التحول المشهود في موقف الحكومة من الفجر الذهبي بعد هذه الجريمة وبعد اشهر من السلبية بل والمجاملة حيال هذا التنظيم المتطرف. وعنونت تو فيما يسار وسط الديمقراطية تطيح بالنازيين الجدد فيما عنونت اليفتيروتيبيا اليسارية سقوط رؤوس الوحش الست شانها تقريبا شان الليبرالية كاثيمريني التي عنونت الأغلال انتقلت الى الحزب. الا ان المعلقين السياسيين انفسهم لم يخفوا حيرتهم أمام هذا الحزم المفاجئ.

وكتب نيكوس خريسولوراس في كاثيمريني ان الإجراء القضائي في الايام الاخيرة يدل على انه كان لدى السلطات ادلة كافية للتحرك ضد الفجر الذهبي قبل ذلك بكثير. والانتظار حتى وقوع جريمة قتل لمواطن يوناني ليتم تفعيلها في حين ان كل الاعتداءات التي استهدفت اجانب بقيت بلا رد، امر يثير التساؤل.

واعتبر جاويد اسلام رئيس الجالية الباكستانية في اليونان في تصريح لصحيفة توفيما ان هذه الاعتقالات كان ينبغي ان تحدث منذ عامين ونصف او ثلاثة اعوام عندما تصاعدت اعتداءات الفجر الذهبي ضد الاجانب. وقرار السلطات اليونانية بتشديد ردها تحت ضغط رئيس الوزراء المحافظ انطونيس ساماراس يتيح لاثينا الظهور بشكل اكثر احتراما عشية توليها رئاسة الاتحاد الاوروبي مطلع 2014. لكنه يخلط ايضا اوراق اللعبة السياسية في الداخل.

وتساءلت بعض الصحف عن امكانية ان يعمل البرلمان اليوناني بعدد اقل من الاعضاء ال300 حسب ما هو وارد في الدستور. ولا يملك ائتلاف المحافظين الاشتراكيين سوى اغلبية من خمس مقاعد في هذا البرلمان الذي انتخب في حزيران/يونيو 2012. وترخي امكانية استقالة نواب الفجر الذهبي ال18 ظلالا قاتمة على المشهد السياسي يواجه الخبراء السياسيون صعوبة في تقدير عواقبها. والرسالة التي وجهها انطونيس ساماراس حتى الان هو انه سيبذل كل ما في وسعه لتفادي انتخابات جزئية، مرتبطة باستقالات محتملة، وحملة انتخابية يمكن ان تعزز موقف اليسار الراديكالي (سيريزا). بحسب فرانس برس.

الا ان حزبه قد يسعى الى جذب الناخبين الذين سيتحولون عن الفجر الذهبي. وتشير الكثير من استطلاعات الراي الى تراجع في شعبية الحزب النازي الجديد في نوايا التصويت. الا ان نيكوس خريسولوراس يرى ان القضية الاهم هي معرفة لماذا صوت مئات الالاف من اليونانيين لحزب لم يحاول ابدا اخفاء وجهه الحقيقي وايديولوجيته النازية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/تشرين الاول/2013 - 26/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م