شبكة النبأ: ربما تفاجأ مسؤولو الملف
السوري في المخابرات التركية بالانقلاب الكبير في موقف أحد أبرز فصائل
المعارضة السوية المسلحة، وهي ما يعرف بـ "دولة الإسلام في العراق
والشام"، عندما أرسلت تهديداً علنياً لشخص رئيس الوزراء التركي رجب طيب
اردوغان، من مغبة التمادي في الضغط عليهم، على خلفية قرار إغلاق
المنافذ الحدودية التركية مع سوريا، بيد أن المتابع لمسيرة الجماعات
الارهابية والتكفيرية في المنطقة، ليس اليوم، بل منذ سنوات، يجد تجارب
متتالية جرت، بممارسة هذه اللعبة الخطرة بغية تحقيق بعض المصالح
الآنية، لكن النتيجة كانت عكسية، والمشكلة أن لا عبرة من وراء الهزائم
والاسقاطات، فتندلع أزمة دامية عقب أخرى، وفتنة طائفية بعد أخرى في
المنطقة، والشعوب وحدها من تدفع الثمن بأرواحها وممتلكاتها وطاقاتها.
تجربة تركيا مع الجماعات الارهابية المسلحة التي تشكلت لقتال النظام
السوري، جاءت تكراراً لتجربة السعودية مع الجماعات المسلحة (الجهادية)
في افغانستان.. فقد تصور السعوديون أن المقاتلين العرب الذين صدرتهم
الى افغانستان تحت شعار "الجهاد" ضد الاحتلال السوفيتي، سيتحولون الى
خدم في قصورهم أو سائقي سياراتهم الفارهة، أو من يقومون بخدمتهم وخدمة
عوائلهم، بعد تنفيذهم المهام الموكلة اليهم، إلا ان الاردنيين
والفلسطينيين وغيرهم من المرتزقة، لم يوافقوا أمراء السعودية وضباط
المخابرات تصوراتهم وتوقعاتهم. فقد انتظم هؤلاء ضمن تنظيم ارهابي باسم
"القاعدة"، يقودهم أحد ابناء الأسر السعودية الممولة للقتال في
افغانستان، هو "الشيخ أسامة بن لادن"، و انطلق هذا التنظيم ليقوم
بعمليات انتقامية ضد كل من أدار ظهره وتنكّر له تضحياته وقتاله
بالنيابة في افغانستان. وربما نجحت المخابرات السعودية في إنقاذ
جماعتها بتوجيه البنادق المؤجرة نحو المصالح الامريكية عندما تحسست
الرياض تنكّر وتجاهل من جانب الدوائر المخابراتية والسياسية في واشنطن.
نفس الخطأ ارتكبه السوريون عندما فتحوا أراضيهم للعناصر الارهابية
للمشاركة بعمليات القتل والذبح ومختلف اشكال العنف الطائفي في العراق،
تحت شعار محاربة الاحتلال ومن استفاد من الوجود الامريكي في العراق بعد
الإطاحة بصدام، ثم بدأوا يشيرون صراحة الى الشيعة في تكفيرهم ومحاربتهم
وما يزالون. هذا الاتفاق غير الميمون لم يمض بسلام على السوريين، فلم
يتمكن المسؤولون المعنيون في دمشق من طيّ صفحة الجماعات الارهابية بعد
الاستفادة منهم، فقد نجد اليوم نفس العناصر الارهابية من "القاعدة"
ينضمون تحت مسميات عديدة، وهي تقوم بعمليات ارهابية ضد الشعب السوري،
خدمة لقطر والسعودية ،ومن خلفها لندن وباريس، لقلب نظام الحكم في دمشق.
أما الداعم لهؤلاء هذه المرة، فهي تركيا التي دخلت على خط التنافس
الاقليمي على النفوذ في المنطقة، لكن يبدو واضحاً أنها في نفس الطريق
المؤدي الى مستنقع الحرب الطائفية القذرة التي تسحب وتغرق كل من يمد
يده الى المتورطين بدماء الأبرياء وأعراض المسلمين.
الحكومة التركية التي فتحت ابوابها للجماعات المسلحة، وجعلت اراضيها
جسراً للمقاتلين العرب والاجانب، الى جانب الدعم اللوجستي المكثف لهذه
الجماعات، تسلّمت تهديداً عجيباً من "الدولة الاسلامية في العراق
والشام"، لمجرد أنها اغلقت حدودها بوجه هذه الجماعات الارهابية وحرمتها
من استمرار سيل الدعم بمختلف اشكاله، فقد أغلقت السلطات التركية منفذي
"باب الهوى" و "باب السلامة" الرئيسيين، على خلفية معارك واقتتال داخلي
بين الجماعات الارهابية على الحدود التركية. وفي بيان أمهلت الجماعة
حكومة اردوغان، لفتح المعبرين حتى يوم الاثنين الماضي (30- 9 )، وجاء
في البيان متوجهاً إلى أردوغان بالقول: "عليك وأزلامك تحسس رؤوسكم بعد
الاستبداد بالبلاد والعباد فاستوجب عليكم حكم الله على البغاة". علماً
أنه أعلن في ختام البيان مسؤوليته عن تفجيري "الريحانية" و "باب
الهوى"، الذي وقع قبل عدة أشهر، محذرا من أن العمليات الانتحارية ستصل
إلى أنقرة واسطنبول مستهدفة مصالح الحكومة التركية فيها.
المراقبون والمتابعون لشؤون هذه الجماعات الارهابية المعسكرة
المعشعشة حالياً في سوريا، أن تركيا بدأت تحسس الخطر منها، وتشعر
بتأثيرها السلبي على سمعة ومكانة تركيا سياسياً واقتصادياً، الى جانب
مسألة الأمن القومي التركي، الذي يحرص عليه الاتراك أشد الحرص، فهم
منشغلون منذ سنوات بتحجيم مخاطر و وجود حزب العمال الكردستاني ،
ومحاولة التقليل من تأثيرهم على الوضع السياسي والاقتصادي. الامر الذي
يجعلهم في عجلة شديدة من أمرهم لإيجاد مخرج يتخلصون من خلاله من الآثار
المستقبلية.
من هنا يقرأ بعض المراقبين هذه المحاولات في زيارة جميل تشيشيك،
رئيس البرلمان التركي الى ايران، ولقائه بالمسؤولين الايرانيين في
مقدمتهم رجل ايران القوي، الشيخ هاشمي رفسنجاني، الذي يتسنّم منصب
رئيس مجمع تشخيص النظام. فقد سمع المسؤول التركي عتباً واضحاً من
رفسنجاني الذي قال لمضيفه: "يجب على عقلاء الدول ان لا يسمحوا
للمتطرفين وخاصة السلفيين منهم ان يتسببوا بمشاكل في الحياة العادية
للمواطنين بذرائع دينية."، واشار بأمثلة واضحة في حديثه الى الاحداث
التي وقعت في افغانستان وباكستان والعراق ومصر وتونس وسوريا واليمن
والبحرين.. في اشارة واضحة من المسؤول الايراني المخضرم الى التجارب
الفاشلة في دعم وإسناد الجماعات الارهابية والطائفية التي استباحت
الدماء والاعراض وتسببت بدمار وخسائر هائلة نيابة عن اطراف اقليمية
ودولية.
أما التجربة الايرانية في حماية أمنها القومي من نيران الفتن
الطائفية، فهو ما كان يبحث عنه الضيف التركي – حسب مراقبين في ايران-
والمثير في أمر ايران مع الأقلية السنية، أن هؤلاء يقطنون في معظم
المحافظات المتاخمة للحدود مع دول الجوار، فالسنة الايرانيون يقطنون –
على الاغلب- في شمال غرب ايران المتاخمة للحدود التركية، وهناك السنّة
الاكراد الى جانب الحدود مع اقليم كردستان، والسنّة المنحدرين من اصول
تركمانية شمال ايران المتاخمة للحدود مع جمهورية تركمنستان، والسنة
البلوش في جنوب شرق ايران المتاخمة للحدود مع باكستان. مع ذلك لم تتكمن
أي جماعة أو تنظيم من اختراق هذا النسيج السنّي الواقع ضمن هيكلية
الدولة الايرانية. والسبب في ذلك يمكن ملاحظته بوضوح في الحرص المتواصل
والقديم على تكريس الروح الوطنية في نفوس هؤلاء، بحيث يخاطبهم
المسؤولون، بإيرانيتهم، قبل قوميتهم وطائفتهم، ويسعون ما أمكنهم
لمساواتهم في الحقوق مع سائر اقرانهم من المواطنين الايرانيين. واتذكر
جيداً أني كنت في رحلة الى محافظة كردستان في مطلع التسعينات، فقرأت
اسماً لأحد الشوارع في مدينة "سنندج" مركز المحافظة، يحمل اسم "صلاح
الدين الأيوبي"!
وقبل أيام من استقباله الضيف التركي، كان رفسنجاني يتحدث الى وفد من
علماء الدين السنّة ونواب سابقين من هذه الأقلية في مكتبه، ومما أوصاهم
به، وحذرهم من الانزلاق في مستنقع الفتن الطائفية، و وجه حديثه الى
سكان المناطق المحاذية للحدود مع دول الجوار، بأن يكونوا "سفراء صداقة
ودعاة للتعامل الاسلامي للشعب الايراني مع الشعوب الاخرى". بينما نلاحظ
مشكلة السوريين والسعوديين وغيرهم ممن فضلوا التعامل مع مرتزقة حرب
وطائفية، بدلاً من التعامل مع الشعوب بروح المواطنة الحرص على بناء
البلد بالإصلاح والتنمية والتطوير.
وربما تكون اللعبة هكذا.. التعامل مع قوى معارضة من النخبة المثقفة
والمفكرة، الى جانب دعم وتمويل جماعات تكفيرية ودموية، لخلق دوامة
العنف والارهاب التي تمكن اطراف اقليمية ومن خلفها اطراف دولية من
الاستحواذ على خيرات ومقدرات البلاد الغنية بمواردها والمهمة بموقعها
ومكانتها الاستراتيجية، مثل سوريا والعراق ولبنان وافغانستان وغيرها. |