دور المعلّم في العراق والحاجة الى تحديث الوسيلة والمنهج

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: جرت محاولات عديدة لانقاذ واقع التعليم في العراق من المستوى المتدهور الذي سقط فيه بعد ثلاثة عقود من الحروب خاضها العراق انعكست سلباً على قامة التعليم وأطاحت بالقمة التي طالما أقرّ بها القريب والبعيد، وفي الآونة الاخيرة تركّز الجهد على ظواهر الأمر من مباني ومستلزمات مدرسية، ثم كان الاهتمام بالمعلم وتحويل وضعه (180) درجة مما كان عليه في العهد البائد، حتى باتت وزارة التربية من أكثر الوزارات التي تمنح تعيينات الى الخريجين، وقفزت رواتب المعلمين والمدرسين الى أرقام مغرية لا تقاس بالمرة بما كان يتقاضاه في العهد البائد، بل كانت شريحة التدريسيين من أفقر الموظفين في العراق. مع كل ذلك، بقي التعليم يشكو المستوى المتدني في منهج التدريس، فاليوم، يكاد المعلم يكون كأحد موظفي الدوائر الحكومية، في حين المفترض والمتوقع أن يتحمل مسؤولية التربية قبل التعليم، وهذا ما كان عليه الحال في عقد السبعينات وما قبلها، وأصدق دليل على ما نذهب اليه، هو جيل المثقفين والمهنيين من أطباء ومهندسين ومحامين وأدباء وكتاب، الذين يعودون الى تلك الحقبة.

هذه المقدمة لا تعني وجود الإهمال الكامل لمسألة تربية وإعداد المعلمين بالشكل المطلوب، فقد أقيمت دورات وندوات حول تأهيل المعلمين وتدريبهم على المهارات والقدرات التعليمية، بالاستفادة من الخبرات والتجارب في العالم. لكن تبقى المشكلة في صميم الواقع الذي يعيشه الانسان العراقي، فالمعلم، قبل كل شيء، هو انسان عراقي، يحمل نفس المواصفات النفسية والاخلاقية لأي مواطن آخر، كما يتأثر بنفس الظروف المحيطة بالآخرين، وهذا بحد ذاته يدعو المعنيين بأمر التدريب والتطوير لأن يركزوا الجهد أكثر في مسار تطوير العملية التربوية.

والعراق اليوم، لا يشكون من قلّة الكادر التعليمي، إنما من منهج التعليم وإسلوبه.. فقد أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، ان نصف مليون معلم ومعلمة يعملون على تعليم أكثر من (9) ملايين طالب وطالبة في عموم العراق. وهنا يشير ممثل المنظمة في العراق مارزيو بابيل، الى العدد الكبير للمعلمين، وقبل أن يذكر الأزمة غير الظاهرية، وعد في تصريح له العام الماضي بانه "سيجري وضع خطط التدريب التي ستقدم إلى معهد إعداد المعلمين والتدريب والتطوير التربوي في وزارة التربية والتعليم لتطوير وتقديم برامج تدريبية مصممة خصيصا للمعلمين كما سيتم تقويم الاحتياجات التدريبية لمعلمين في أكثر من 570 مدرسة في 15 محافظة عراقية بحلول نهاية عام 2012".

وربما يعارض البعض الحديث عن المستوى الاكاديمي والفني للكادر التعليمي في العراق، ولعله يكون من باب الحرج أو غير ذلك، مؤكدين الحاجة للاهتمام بمسألة المباني المدرسية، وإلغاء وجود مدارس الطين في بعض مناطق العراق، إذ ان وجود أعداد كبيرة تصل الى (50) طالب في صف واحد، او دمج ثلاث مدارس في مبنى واحد، بثلاث أوقات متتالية، وغيرها، تسبب ضغوطاً نفسية للكادر التعليمي. بيد ان الجواب على ذلك، أن المبنى، ربما يشيد بأيام معدودة، أو لنقل لأشهر، وكذلك الأثاث، وتزداد أعداد المباني الجميلة، كما ارتفع عدد الكادر التعليمي بشكل هائل بعد الاطاحة بصدام، لكن التأسيس لمنهج تعليمي صحيح ومتكامل، ينهض بالطالب الى مستويات راقية من الفهم والاستيعاب، تحثه على طيّ مراحل الدراسة بكل سلاسة وشوق، لن تتم بشهر ولا بسنة أو سنتين، إنما المسألة بحاجة الى إعداد مسبق أولاً؛ ثم العمل لسنوات عديدة.

وأبسط مثال على ذلك، الشحة الكبيرة والملموسة في الكادر التدريسي للمواد العلمية الصعبة في المرحلة  الاعدادية، مثل مادة الرياضيات والفيزياء والكيمياء، وهي من المواد الدراسية التي تعد البنية التحتية للذهنية العلمية للطالب إذا ما رام الوصول الى اعتاب كليات مثل الطب والهندسة. أحد المهتمين بهذا الشأن كان له رأي جميل لمعالجة هذه الأزمة، بطرق أبواب وزارة الصناعة هذه المرة، للاستعانة بالعدد الفائض من المهندسين الذين لن تتمكن من استثمار قدراتهم العلمية والتقنية في مصانعها النائمة – على الأغلب- ، وتوجيه هؤلاء الى سلك التعليم، بعد إدخالهم دورات خاصة بهذا الشأن لسد النقص الموجود في مادة الرياضيات والفيزياء.

وقد حصل عدة مرات أن يتفاجأ الطالب في الاعدادية، بعدم وجود مدرس مادة علمية، ثم يدخل عليهم مدرس الفيزياء ليقدم لهم مادة الرياضيات – مثلاً- بدلاً عن المدرس المختص.. أما المشكلة التي يبدو أن هناك مساعي لحلها، هي وجود الكادر الذي يدرب المدرسين على تقنيات واساليب التدريس. وهذا الكادر قد بدأت معه الحكومة العراقية لإعداده بالتعاون مع منظمة "يونسكو". حيث بدأت منذ عام 2007 مشروعاً تحت عنوان "تدريب المدرسين لتعليم نوعي". وحسب المصادر فان الهدف العام لهذا المشروع هو تحضير نخبة من قادة التدريب من أجل تدريب أكثر جودة للمدرّسين، وإحدى أهم إنجازات المشروع هي إنشاء شبكة تدريب المدرسين في العراق بحيث تربط 8 كليات علمية وتربوية مع جامعات دولية معروفة ببرامجها ومشاريعها وخدماتها المتطوّرة في مجال تدريب المدرسين.

بيد أن هذا لا يعفي المعلم أو المدرس نفسه، من تحديد الهدف والغاية التي من أجلها توجه الى سلك التعليم، وأن عليه أن ينهض بمستواه العلمي والمنهجي، لاسيما اذا عرفنا أن نجاح مهمة التدريس تعتمد على عامل نفسي لابد من تحفيزه وتقويته ليشيد العلاقة بين المدرس والطالب، وتتأكد الحاجة الى ذلك، في المراحل الدارسية المتقدمة، مثل الثانوية والاعدادية لدى الجنسين.

أحد الباحثين في مجال التعليم في العراق يحدد بعض مواصفات وشروط إن توفرت في الكادر التدريسي، ساهم في تطوير التعليم، وساعد الطالب على الجد والاجتهاد والتقدم:

1- توفر الرغبة الصادقة والحقيقية لمهنة التعليم.

2- الإيمان برسالة المعلم  والقدرة على حملها.

3- الإيمان بالمثل الإنسانية العليا.

4- الثقافة الواسعة.

من الواضح، تحتاج كل نقطة من النقاط الاربعة، حديثاً مفصلاً، لكن بالمحصلة،فان على المعلم والمدرس أن يوجد الظروف التعليمية المناسبة لتلاميذه ويركز على العقل والروح والتفكير بكل أنواعه ويثير حوافز التلامذة ليساعدهم  في البحث عن الحقيقة والوصول إليها كي يكون المثال الأعلى لهم. يتصور البعض ان رسالة المعلم هي ايصال المعلومات للتلاميذ وتعليمهم المهارات في القراءة والكتابة، إنما رسالة المعلم الحديث تقول: ان من أهم واجبات المعلم "تعليم التلميذ كيف يتعلم". من هنا يمكننا أن نستنتج ان العملية التربوية التي كانت سائدة لدينا يكون محورها المعلم أما لان فان عملية التعلم يكون محورها الرئيسي هو التلميذ وان مهام المعلم هو تنشيط المتعلمين وتحريك كل حواسهم واشراكها في كسب المهارات المطلوبة وعلى المعلم ان يضيف أهدافاً جديدة للدرس تتمثل في بناء شخصية التلميذ وتوظيف المعرفة المكتسبة في صقل شخصيته.

هذا الطموح الكبير في خلق هكذا جيل من المعلمين والمدرسين في العراق، يجب أن يسمو ويرتقي دون حاجز من المنهج الذي تتبناه الدولة بشكل عام. فالمعروف أن الكادر التدريسي مهما بلغ من مستوى مهني وفني وعلمي في التدريس، فانه يبقى ضمن منظومة ادارية تتشكل منها أجهزة  الدولة، فهناك الجانب السياسي والجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي، وفوق ذلك المسار  الثقافي – الفكري الذي تتبناه الدولة، فكلما كان المنهج مضيئاً وشفافاً، كان المعلم والمدرس قادراً على الإبداع والعطاء ، بل حتى التضحية من أجل الارتقاء بمستوى الطالب. فاذا كان امام الكادر التعليمي في العراق آفاق للنهوض والتطور الاقتصادي، فان المسؤولية الاخلاقية – على الأقل- تدفعه لأن يتحمل مسؤوليته كمواطن عراقي، في الإسهام في دفع هذه المسيرة الى الامام، والمساعدة على تخريج جيل من العلماء والمبدعين والمنتجين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الاول/2013 - 24/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م