روحاني واوباما... خرائط المنطقة التلفونية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الهاتف الارضي والجهاز المحمول اختراعان امريكيان، مكّنا البشرية من هذا التواصل الذي هم عليه الان.. والاتصال الهاتفي عبر الاجهزة الثابتة او المحمولة يمر عبر الالاف من الخلايا الضوئية مع الاحتفاظ بنقاء الصوت بدرجات معينة..

السياسة عمل متواصل، لايتقيد بساعات معينة من الدوام الرسمي في اليوم الواحد، انها عمل متواصل طوال الساعات والايام والشهور والسنوات، فيها يتأسس وينبني الكثير، وينهدم ايضا ماتم بناؤه..

الامريكان ومثلهم الشعوب الاوربية يبرعون في وسائل الاتصال والتواصل، لانها حاجة ضروررية وحياتية ملحة.. الكثير من اعمالهم تنجز عن طريق الاتصال بالمقابل، ولهذا ظهر التسويق الالكتروني عندهم اولا وظهر التعليم عن بعد والتحويلات المالية وغيرها من الاعمال..

يمكن ان يندرج الاتصال الهاتفي بين الرئيس الامريكي والايراني ضمن تلك المقدمة المتعلقة بالاتصال والتواصل عبر اجهزة الهاتف، فهي خطوة اولى دون ضجيج الكاميرات واصوات المراسلين الصحفيين في اجتماعات القمم التي برعت بها شعوب اخرى، ومنها الشعوب العربية، والتي لاتعدو كونها ملتقيات بائسة لاتضيف شيئا الى الواقع السياسي او تصنع الفارق في وقائعه، وهي اقرب الى التندر الساخر منها دون الاهتمام الجاد بها..

غير الاتصال الهاتفي، هناك الهدية الأميركية التي عاد بها الرئيس الايراني الى بلاده وهي عبارة عن كأس فارسية من الفضة تعود الى القرن السابع قبل الميلاد على شكل حيوان اسطوري له رأس نسر وجسد أسد.

ماهي الدلالة الرمزية التي حملتها الهدية المقدمة من الرئيس اوباما الى الرئيس الايراني؟

يرمز النسر للدولة الأميركية، اما الأسد فهو من رموز الحضارة الفارسية، أيام الحكام الأكاسرة.

ماهي دلالات الكأس؟

في التقاليد الامريكية والاوربية يكون رفع الكؤؤس وتبادل الانخاب بين الحاضرين علامة على الثقة وترك الماضي والبدء من جديد، في حالات التخاصم، وهي لزيادة الثقة والاطمئنان بين الاصدقاء الحاضرين ايضا.. او هي ربما اذا اشتط بنا التفسير قد ترمز الى كأس السم الذي يتجرعه الانسان مكرها بضغط مما يؤمن به كما فعل سقراط، او بضغط من الاخرين كما فعل الخميني في الحرب العراقية الايرانية، مع الفارق في الحالتين، ففي الاولى كان السم حقيقيا ادى الى موت متناوله وفي الثانية كان معنويا وضع حدا لحالة الاقتتال بين العراق وايران..

فلعل ثمة دلالة رمزية في الهدية، فيجب أن يكون هناك تناغم بين رأس أميركا وجسد إيران.

ينشغل العالم بتقديم تفسيرات للمكالمة الهاتفية بين اوباما وروحاني، لتاثيرات مايترتب مستقبلا على تلك المكالمة من ايجابيات او سلبيات في منطقة تشهد الكثير من التطورات والاضطرابات التي قرعت فيها طبول الحرب اكثر من مرة الا انها اكتفت بضجيج الطبول دون دوي الانفجارات ولعلة الرصاص..

افرزت الانتخابات الايرانية اختيار شخصية براغماتية تهدف إلى تحسين المستوى المعيشي والواقع الاقتصادي للشعب الإيراني، بعد دورتين رئاسيتين كانتا مثار جدل في العالم، وفافما من صعوبات ايران في التعامل مع المجتمع الدولي، وخسرت بذلك الكثير من اوراق نفوذها ..

الهدف من انتخاب تلك الشخصية لايتحقق الا عبر خفض مناسيب التوتر الناجم عن السياسة الخارجية الايرانية التي كانت اغلب اوراقها بيد جنرالات الحرس الثوري، ولعل ابرز تلك الاوراق هما الموضوع النووي والأزمة السورية.

من اين كانت البداية التي ادت الى هذا الاتصال الهاتفي؟

ربما يعود ذلك الى المبادرة الروسية الايرانية المتعلقة بالسلاح الكيمياوي السوري التي اتاحت الفرصة للتوصل الى نوع من التفاهمات في ما يتعلق بالكثير من الملفات التي تشغل منطقة الشرق الاوسط والعالم.. ولعل الملف النووي الايراني هو على راس اولويات الادارة الامريكية، يليه الصراع العربي – الإسرائيلي، وحسب الرئيس الامريكي : فإن الدبلوماسية التي (تلوح) بإستخدام القوة والتي أثمرت (مؤخرا) في التعامل مع دمشق، قد تصلح في التفاوض (الناجع) مع إيران الآن.

قبل توجهه إلى نيويورك أطلق روحاني مجموعة رسائل في أكثر من اتجاه. موجز الرسائل أنه ليس أحمدي نجاد، لا في موضوع الملف النووي ولا في موضوع المحرقة ولا في موضوع العلاقات الدولية والإقليمية. روحاني يتحدث عن «الانخراط البناء» وعبثية النزاعات الدموية، ويعرض الوساطة في سورية ويقترح معالجة الأزمات بعقاقير الحوار والمصالحة الوطنية.

وفي مقال له عنوانه «لماذا تسعى إيران إلى مشاركة بناءة؟»، كتب الرئيس الايراني أنه يعوّل على (المشاركة في تفاعل بناءٍ مع العالم) وأن العالم (يواجه تحديات مثل الإرهاب والتطرف، والتدخل العسكري الخارجي، وتجارة المخدرات والجرائم الإلكترونية، والتعدي الثقافي). وأن (الأسلوب البناء في الدبلوماسية لا يعني الاستغناء عن حقوق أحد، إنه يعني المشاركة مع النظراء). كما أدان أيضاً التطرف في العراق وسوريا وأفغانستان. وأشار إلى أن نهجه في السياسة الخارجية يعتمد على (العمل معاً في سبيل إنهاء الخصومات والتدخلات المحفوفة بالمخاطر التي تغذي العنف وتثير الشقاق بيننا).

الرئيس الايراني عنده الجدية في (تسوية المشكلة) والخروج بإيران من هذه العزلة السياسية والاقتصادية، وهو أول رئيس إيراني يعلن صراحة: إن انتخابه منح كافة الأطراف المعنية (امكانية وفترة زمنية (قصيرة) لتسوية المشكلة النووية)، رغم تأكيده علي حق ايران في تخصيب اليورانيوم، ضمن اطار الاتفاقيات الدولية وتحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وحسب (يلينا دونايفا) - الباحثة  في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية فان تسوية المشكلة النووية تتمثل في: اقتران الإلغاء التدريجي للعقوبات بالحد من تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%  (أو) الحد من كمية أجهزة الطرد الكيميائي الفاعلة ..

ماذا عن امريكا بعيدا عن الملف النووي؟

يرى عدد من المهتمين والباحثين ان أميركا وخاصة في ظل ادارة اوباما تشعر بالحاجة إلى التفاهم مع إيران لأن هذا التفاهم  يتيح لها أن تنصرف إلى جنوب شرقي آسيا وبحر الصين. يؤدي ذلك إلى التخفيف من حدة الصراع السنّي-الشيعي في المنطقة الإسلامية كلها، وإلى تسهيل انسحاب الأميركيين من أفغانستان ، وإلى خفض الحضور الروسي وتأثيراته في الفضاء الإيراني العام. ولا شك في أن مواصلة التفرج على الأزمة السورية، سيفاقم حدة التوتر السنّي-الشيعي في الإقليم كله. وتدرك واشنطن وطهران أن انفجار هذا التوتر لن يتوقف عند حدود سورية وحدها. وقد بدأ فعلاً يلقي بشرره على لبنان والعراق. ولا شيء يمنع من تمدده إلى كل أرجاء المنطقة. وليس في هذا أي مصلحة، لا للولايات المتحدة وشركائها وحلفائها، ولا لإيران. كما أن لا مصلحة في سقوط الدولة السورية في أيدي قوى متشددة تنادي بدولة إسلامية في سورية، أو في تقسيم البلاد، لأن ذلك سيترك آثاراً سيئة على دول الجوار التي تراود أقلياتها الطائفية والإثنية أحلام الانفصال. وليس هذا ما يريده المتصارعون الدوليون والإقليميون في سورية وعليها.

أما مسألة حضور إيران في سورية ولبنان والعراق ومواضيع أخرى فمسألة معقدة هي الأخرى. فالحضور هذا يتوكأ على أسس دينية وفكرية، وليس على مصالح سياسية أو اقتصادية آنية فحسب تمكن مقايضتها بمصالح في مكان آخر أو في قضية أخرى. لذلك لا يمكن ببساطة التعويل على موقف طهران وحدها في هذا المجال، فهناك مواقف مكونات أساسية في لبنان وسورية والعراق ومصيرها ودورها. ومن المبكر تالياً التعويل على الحوار الأميركي-الإيراني الموعود من أجل تعديل الأوضاع جذرياً في هذه البلدان الثلاثة التي تشكل، إضافة إلى اليمن والبحرين، ميدان مواجهة مع دول مجلس التعاون الخليجي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الاول/2013 - 24/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م