الإدارة والتخطيط الإستراتيجي.. الطريق الى المستقبل

زاهر الزبيدي

 

حالما تنتهي من قراءة مرجع من المراجع التي تتحدث عن الإستراتيجيات المتبعة في تنفيذ خطط الشركات الصناعية في العالم وكافة المنظمات الربحية وغير الربحية؛ حتى ينتابك الكثير من التعجب والتساؤل عن الستراتيجية المتبعة في الصناعة العراقية؟.. أين نحن اليوم وما نطمح أن نكون عليه بعد خطط ستراتيجية على مدياتها المعروفة خمس.. عشر سنوات؟.. فمنذ عشر سنين لا أعتقد أن هناك أحد قد وضع ستراتيجية خاصة تنقذ صناعتنا من وحل تخلفها وتنطلق بها بعيداً في عالم المنافسة والربح والإنتاج الذي يحقق طموح المستهلكين.. 35 مليون مستهلك عراقي لم تسعفهم الصناعة في وطنهم في تقديم إحتياجاتهم وفق التكنولوجيات الحديثة مع العلم بأنه جميعاً بحاجة الى صناعة وطنية متكاملة بأسعار ونوعية منافسة تنقذنا من عدم الثقة المتراكمة لدينا من الخفيَ القادم من وراء الحدود.. وما ذلك إلا دليل على عظم التهديدات التي تنتاب البيئة الخارجية المضطربة ومحدودية الفرص المتاحة أمام الشركات الصناعية ونقاط الضعف الكبيرة المتمثلة بعدم توفر مخططين ستراتيجيين على قدر عال من الكفاءة قادرون على قيادة تلك المؤسسات على إختلافها.

وبعيداً عن كل الإجراءات الإستراتيجية في التخطيط والتحليل والتنفيذ والمراقبة نرى أن التهديد الأعظم الذي تواجهه الصناعة اليوم هي المحاصصة بمعناها الحقيقي الواسع.. فالمحاصصة ومسمياتها الأخرى المتمثلة بالتسمية الأخرى الأقل حدة " التوازن " ؛ قد ابتعدت بنا كثيراً عن التخطيط الستراتيجي حين لم توفر لنا "قادة القمة الستراتيجية" القادرون بخطط فعلية على إنقاذ الصناعة، وكل المنظمات غير الربحية الأخرى، الى طريق النجاح الحقيقي في تقديم المنتجات المادية والخدمات العامة للمجتمع.

الشركات الفاشلة وما أكثرها ففي حزيران 2013، أعلن السيد عامر عبد الرزاق مسؤول دائرة الاستثمارات في وزارة الصناعة العراقية، عن حلول الوزارة لإبعاد "شبح الانهيار "عن 74 شركة" في وزارة الصناعة فقط ! تعتبر في المقاييس الاقتصادية خاسرة ! حيث يتلقى ربع مليون عامل فيها رواتبهم عن طريق القروض من المصارف، لتتجاوز تلك القروض الـ 11 مليار دولار ؛ تعبر تلك الشركات عن عظم مأساتنا بعدم توفر القدرات على إستثمار المبالغ المخصصة في موازنة 2013 والبالغة 55 تريلون دينار توزعت بين مؤسساتنا لتنفذ خططها الإستثمارية، منها 1 تريليون فقط لنفقات المشاريع الإستثمارية لوزارة الصناعة في حين استحوذت (الكهرباء والدفاع والنفط والدوائر الغير مرتبطة بوزارة والإدارات المحلية في القطر على 44 تريلون وبما نسبته 80% من كل الموازنة الإستثمارية) وعلى الرغم من ضآلة هذا الرقم المخصص لوزارة الصناعة وفي بلد لا يمتلك الصناعة أو لا يمتلك البنية التحتية الحديثة لها إلا أنه مبلغ لا يمكن الإستهانة به في تنفيذ بعض مشاريع الصناعة الكبرى والتي نعتقد بأنها ستكون نواة حقيقية لما نصبو له بعد سنوات.. مليارات تذهب الى الإستيرادات الخارجية والتي لم تسهم إلا في هروب تلك العملة التي يتقاتل العالم اليوم على إبقاءها في أوطانهم أو يسعوا كل السعي في سبيل جلبها فنظرة واحدة الى جدول الإستيرادات الخارجية التي فاقت تنوعها إستيرادات أي دولة في العالم وبقينا على هذا الحال..

مزاد العملة في البنك المركزي يبيع العملة الصعبة بمبالغ تصل الى مئآت الملايين يومياً.. ونحن نستورد كل شيء تقريباً ولا أعتقد أن صناعة وطنية واحدة قد نافست الصناعات المستورة وأخذت مكانها في قلوب الشعب لا شيء مطلقاً حتى اللحظة لذلك :

علينا أن نضع في حساباتنا بإن الإستيرادات المفتوحة حالياً تعتبر من أكثر التهديدات تأثيراً على الصناعة العراقية فقد أدت الى ركود في حركة المصانع وأغلاق الكثير منها في القطاع الخاص فهي لم تستطيع المواجهة مع الصناعات الصينية الرخيصة جداً مثلاً.. مضافاً الى ذلك عدم وجود تشجيع حكومي للصناعة الوطنية فعزوف الدوائر الحكومية على التعاطي بإيجابية مع بعض الصناعات المحلية، كما حدث مع شركة الصناعات الجلدية التي صنعت مئات الآلاف من أحذية الخدمة العسكرية ولم يقدم أحداً على شراءها ؛ تسبب في أغلب مواطن الخلل وكأن أحد ما، نعرفه جميعاً وهو أساس الخراب..

 المفسد، لا يرغب في أن نداور في مبالغ الموازنة بين مؤسساتنا الحكومية بدلاً من تسربها في إستيرادات لا تضع في حساباتها ما تخلفه من بطالة في صفوف شبابنا.. وذلك ما علينا أن نفعله عند تزويد الشركات بالمبالغ الطائلة.. وأولئك التجار ممن يشترون تلك العملة كتنشيط من الحكومة للقطاع الخاص على أساس أن له دوراً في دعم الإقتصاد العراقي وحتى اللحظة لا نعلم إن كانت الحكومة فرضت على التجار وشركات القطاع الخاص تشغيل الكفاءات العراقية ونقلهم من أرصفة البطالة، وهل هم مسجلون رسمياً ويتقاضون رواتب مقنعة أم أنهم مجرد أسماء وهمية؟

علينا أن نفهم أن مواجهة التهديدات الكبيرة والمتعاظمة يومياً في البيئة المضطربة ؛ بحاجة الى عمل مضن ودؤوب في وضع الستراتيجات المناسبة لكل شركة من شركاتنا الوطنية وأن نحاول أن نطور صناعاتنا بإستحداث الخطوط الإنتاجية الجديدة من خلال نقل تكنولوجيا تصنيع الأجهزة والمعدات المتطورة لا أن نبذل جلّ مبالغ على تأهيل مصانع لا تنتج !.. أو حتى أن يتم إستغلال ما متوفر من مواد أولية في إنشاء صناعات توفر لنا جزءاً كبيراً من أموال الصادرات التي أصبحت اليوم تشكل عبئاً كبيراً على موازنتنا السنوية فمليارات الدولارات تنفق على إستيرادات الكهرباء ووقودها ومفردات الحصة التموينية كان بالإمكان توفير الجزء الأكبر منها في بناء صناعة متوازنة توفر بعضاً منها.

التخطيط الستراتيجي لم يعد ترفاً تتباهى به الشركات والمؤسسات الإنتاجية بل هو عمل ذو أبعاد لوجستية على طريق نجاح تلك المنظمات تبذل له ما تبذل من موازنات في سبيل توفير خطط إنقاذ لصناعاتها أثبتت التجارب العالمية المتكررة مدى قدرة التخطيط الستراتيجي على دعم الإنتاج وزيادة النمو الإقتصادي وتوفير الجهد والمال لتلك المنظمات.

لقد كانت لخطوة الأمانة العامة لمجلس الوزراء في زج بعض موظفي الدولة لدراسة الدبلوم العالي في مجال التخطيط الستراتيجي أملاً كبيراً في محاولة إيجاد الأرضية مناسبة لهذا المجال المهم في حياة المنظمات ولكننا على الرغم من أننا نعتبرها خطوة متأخرة بعض الشيء إلا انها وفقاً لمقاييس العراق الأمنية والسياسية قد تأتي أُكلها وتحاول مجابة المقاومة الداخلية داخل المنظمات في التغيير بإتجاه التخطيط فالمقاومة تلك سيكون لها شأن كبير في إفشال كل الخطط لكونها، الخطط الستراتيجية، ستعمل بالضد أمام مطامع المنتفعين ممن يعشعشون اليوم في مؤسساتنا.

أعتقد أن الأجدر بنا، وعلى وجه السرعة، إعداد منهج مكثف ومبسط في مجال الإدارة الستراتيجية وإدخاله في كافة الجامعات العراقية كمادة بديلة عن حقوق الإنسان أو أن يتم تقاسم هذا المقرر في تلك الجامعات بين التخطيط والإدارة الستراتيجية وبين حقوق الإنسان كل فصل لأحدهما فلا نعتقد أن مهندساً أو مديراً إدارياً أو زراعياً أو مدرساً أو موظف في شركة من شركات القطاع الخاص أو حتى طبيباً لا يحتاج الى التخطيط الستراتيجي في بناء ستراتيجية شركته أو مدرسته أو مزرعته أو البدائل لها بعيداً عن الإدارة المتخبطة التي لم تجلب لنا إلا تدهور الصناعة وزيادة الشركات الخاسرة لتجعل من مهمة إنتشالها مسؤولية جسيمة وصعبة تتزايد عوامل فشلها ونقاط ضعفها كل يوم عندما نترك موظفينا يدورون في دوامة فشلنا في توفر الآلة المناسبة لسواعدهم.. العشرات من أنواع الستراتيجيات اليوم يتم تدريسها في العالم ولكل منها محددات وفوائد لم تستثن أي عوامل داخلية وخارجية بالدراسة والتحليل والتخطيط.. نحن بحاجة الى أن نلج مستقبل الصناعة من بوابة التخطيط والإدارة الستراتيجية وإلا فما أن تغلق الأبواب حتى تنقطع صلتنا بالعالم بأسره.. حفظ الله العراق وأهله.

[email protected]

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الاول/2013 - 24/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م