اللغات الانسانية في مواجهة خطر الانقراض

 

شبكة النبأ: تعتبر اللغة من أهم وسائل التفاهم بين الجماعات البشرية المختلفة، وقد أعطيت اللغة تعاريف عديدة ومختلفة منها انها مجموع الألفاظ والقواعد التي تتعلّق بوظيفة التخاطب والتفاهم بين جماعة من الناس، وهي تعبِّر عن الفئة الناطقة بها، ونفسيّتها، وعقليتها، وطباعها ومناخها الاجتماعي والتاريخي، وتنقسم لغات العالم إلى عائلات لغوية، كاللغات الأفريقية الآسيوية واللغات الهندية الأوروبية، حيث تحوي كل منها عددًا من اللغات ذوات الأصول والخصائص المتشابهة.

وبحسب بعض المصادر فان عدد اللغات يتراوح ما بين ثلاثة الاف وعشرة الاف لغة، وفي بعض المناطق في العالم هناك ميل للمغالاة في عدد اللغات اذ يعتمد المحللون علي المعني الحرفي لاسم اللغة، ولا يربطون ما بين اللهجات القريبة من بعضها بعضا. وفي مناطق اخري هناك ميل الى التقليل المتعمد من عدد اللغات. وفي كتاب تصنيف لغات العالم الصادر عام 1977 نجد عشرين الف لغة ولهجة.

ولا شك انه منذ نشر الكتاب انخفض عدد اللغات. ولكن من غير المحتمل ان يصل العدد الاجمالي الى اقل من اربعة الاف لغة، لذا فقد اصبحت اللغة من اولويات العديد من المنظمات العالمية والباحثين والكتاب المتخصِّصين بالثقافات المختلفة الساعين للحفاظ على ما تبقى من هذه اللغات وايجاد السبل الكفيلة لإعادة ما اندثر منها من خلال وضع بعض الخطط والدراسات الخاصة بهذا المجال، ومن الجدير بالذكر ان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) قد شددت على ضرورة الاهتمام والاعتزاز باللغات وخصوصاً اللغة الأم والحفاظ عليها من الاندثار أو الانقراض. حيث أوضحت اليونيسكو في بيان لها أنها تخشى من اندثار نحو 3000 لغة من إجمالي لغات العالم الـ6000 الحالية.

وأعد خبراء اليونيسكو أطلسا باللغات المهددة بالاندثار على مستوى العالم، ويضم 2474 لغة مصنفة حسب اسمها ودرجة تعرضها لخطر الزوال، والمنطقة أو المناطق التي تستخدم فيها، من بينها 230 لغة معرضة للاختفاء عن خريطة العالم منذ عام 1950. ويجري تحديث هذا الأطلس أسبوعيا.

وحسب مصادر المنظمة فإن ثمة عدة أسباب وراء تعرض اللغات للاندثار من بينها الحروب والتهجير وازدراء اللغات، بالإضافة إلى امتزاج اللغات. وفي هذا الشأن فقد انخفض عدد الكنديين الذين يتقنون اللغتين الرسميتين في البلاد، الفرنسية والإنكليزية، انخفاضاً بسيطاً خلال العقد الأخير هو الأول من نوعه منذ عام 1961.

ويتزامن تراجع الثنائية اللغوية مع انخفاض عدد التلاميذ المسجلين في صفوف تعلم الفرنسية كلغة ثانية في المدارس العامة، خارج كيبيك، من جهة، وازدياد نسبة المهاجرين من جهة ثانية. وجاء في تقرير للمعهد الكندي للإحصاءات أن نسبة الثنائية اللغوية في كندا ارتفعت من 12,2 في المئة عام 1961 إلى 13,4 في المئة عام 1971، وواصلت ارتفاعها خلال العقود الثلاثة التالية لتصل إلى 17,7 في المئة عام 2001.

غير أن هذه النسبة انخفضت انخفاضاً بسيطاً خلال العقد الماضي، متراجعة إلى 17,5 في المئة في إحصاءات عام 2011. ولفت المعهد إلى أن عدد الأشخاص الذين يتكلمون لغتين في كندا استمر في الارتفاع خلال السنوات الخمسين الأخيرة ليشمل 5,8 مليون شخص في بلد كان يضم 33,1 مليون نسمة عام 2011، علماً أن هذا العدد كان 2,2 مليون عام 1961.

وسجلت مقاطعة كيبيك وحدها ازدياداً في عدد سكانها الذين يتكلمون لغتين خلال العقود الاخيرة منذ عام 1961، علماً أنها المقاطعة الوحيدة من أصل مقاطعات البلاد العشر التي تضم غالبية من السكان الناطقين بالفرنسية. وفي 2011، كان 42,6 في المئة من سكان المقاطعة يتقنون اللغتين، في حين كانت النسبة 9,7 في المئة في بقية المقاطعات.

وفي 2011، كان 86 في المئة من الكنديين الثنائيي اللغة يعيشون في ثلاث مقاطعات هي كيبيك وأونتاريو ونيو برونشفيك. وكانت كيبيك تضم 57 في المئة من السكان الذين يتقنون لغتين، أي 3,3 مليون شخص. ويعود ذلك إلى أن السكان الناطقين بالفرنسية هم أكثر ميلاً إلى اتقان لغتين من الناطقين بالإنكليزية، فضلاً عن النسبة المرتفعة من السكان الناطقين بالإنكليزية في مقاطعة كيبيك الذين يتقنون اللغتين، اي 61 في المئة من بينهم، في حين ان هذه النسبة لدى الناطقين بالانكليزية في المقاطعات الاخرى لا تتجاوز 6 في المئة.

من جانب اخر نشرت المفوضية الأوروبية دراستين جاء فيهما أن أقل من مراهق أوروبي على اثنين يجيد لغة أجنبية، على الرغم من أن تعدد اللغات بات يعتبر من الضروريا في نظر الكثير من الأوروبيين. ولا تزال نسبة إتقان اللغات متفاوتة جدا بين بلد وآخر. فأكثر من 80% من الشبان السويديين والمالطيين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عاما يجيدون اللغة الانكليزية، فيما يتقن 4% منهم فقط اللغة الفرنسية. ويعتبر البريطانيون الأسوأ لأن 9% منهم فقط قادرون على التعبير عن أنفسهم بالفرنسية التي تعتبر اللغة الأجنبية الأولى في بلدهم.

وأظهرت الاختبارات التي شملت حوالى 54 ألف تلميذ أن 42% من التلاميذ يجيدون اللغة الأجنبية الأولى في بلدهم و25% منهم فقط يتقنون اللغة الأجنبية الثانية. وأشارت إلى أن المهارات الكتابية والشفهية تحسنت بفضل الانترنت حيث تعتبر الانكليزية اللغة الأكثر استعمالا.

وقالت أندرولا فاسيليو مفوضية التعليم وتعدد اللغات ينبغي تحسين تعليم اللغات وتعلمها. فإتقان اللغات يوسع الآفاق الشخصية ويزيد فرص التوظيف ويضاعف منافذ الشركات داخل السوق الواحدة. وأضافت أن نحو تسعة مواطنين أوروبيين من أصل عشرة مقتنعون بأن إتقان لغة أجنبية واحدة أو أكثر مفيد للغاية.

وأكد 54% من المواطنين الذي تم استجوابهم في بلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين والذين بلغ عددهم 27 ألفا أنهم يجيدون التواصل في لغة أجنبية. وقد تراجعت هذه النسبة نقطتين مقارنة بالعام 2005، وذلك لأن الروسية والألمانية لم تعودا مادتين إلزاميتين في المناهج المدرسية في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية.

وتبين أن اللغة الانكليزية هي اللغة الأجنبية الأكثر استخداما (38%)، تليها الفرنسية (12%) والألمانية (11%) والاسبانية (7%) والروسية (5%). والانكليزية هي اللغة الأولى في 19 بلدا من البلدان الخمسة والعشرين التي ليست هي اللغة الرسمية فيها. وبغية ترويج تعدد اللغات، تعول المفوضية الاوروبية على برنامجها التبادلي "إيراسموس" الذي تشهد ميزانيته ارتفاعا مستمرا.

على صعيد متصل انطلقت حملة جديدة في المملكة المتحدة تحث كل شخص على تعلم 1000 كلمة على الأقل من لغة أخرى. وظهرت حملة تعلم ألف كلمة بعد وجود مخاوف تشير إلى أن البلاد تفقد فرصا على مستوى التجارة الدولية والوظائف بسبب قلة الإقبال على تعلم اللغات الأجنبية لدى كثير من البريطانيين. وتهدف الحملة إلى مواجهة الرأي الذي يقول إن الأشخاص النجباء فقط هم من يستطيعون تعلم لغة أخرى.

وقالت فيكي غوف من المجلس الثقافي البريطاني يعاني الناس في بريطانيا منذ فترة طويلة من سمعة تقول إننا كسالى من الناحية اللغوية. وأضافت يعد التحدث بلغة أخرى أمرا ضروريا لفهم الثقافات الأخرى. وقالت غوف دعونا نغير سجلنا المتواضع في مجال تعلم اللغات، ونظهر أننا مستعدون للتواصل مع عالم متعدد اللغات. وتقول الحملة إن حصيلة من المفردات مكونة من 1000 كلمة من شأنها أن تمكن المتحدث من بدء محادثة بسيطة.

ويأتي هذا التحدي في إطار حملة أوسع تحمل اسم تحدث إلى المستقبل تلقى دعم العديد من المنظمات، من بينها المجلس الثقافي البريطاني، واتحاد الصناعة البريطاني، وعدد من السفارات والمؤسسات المعنية بتدريس اللغات. وأظهرت نتائج المستويات الأولى لهذا العام تراجعا مستمرا في عدد الأشخاص المتقدمين لدراسة اللغتين الفرنسية و الألمانية، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة عشرة في المئة للغة الفرنسية، و11 في المئة للألمانية، بينما سارت اللغة الأسبانية عكس ذلك الاتجاه بتحقيق زيادة قدرها أربعة في المئة في عدد المتقدمين. وفي مقابل ذلك، زادت نسبة إقبال الطلبة الراغبين في دراسة الفرنسية والألمانية والأسبانية من طلاب الشهادة الثانوية العامة التي بلغت 16.9 في المئة العام الماضي.

وتقول تريسا تينسلي من حملة تحدث إلى المستقبل إنه نظرا لأن اختبار البكالوريا المكمل لشهادة الثانوية العامة معد خصيصا للطلاب الذين يحصلون على درجات مرتفعة، فإن هناك أدلة على أن بعض المدارس ينصب تركيزها في تعليم اللغات على الطلاب الأكثر تفوقا، وذلك بالرغم من أن مجالات العمل تحتاج إلى أشخاص لديهم مهارات لغوية من كل المستويات في قطاع القوى العاملة.

وقالت تينسلي يتمتع كبار المديرين في الغالب بمهارات لغوية، لكن في الواقع يحتاج العاملون الذين تتطلب وظائفهم تحصيل الفواتير، أو شراء السلع من الخارج إلى تحدث لغة أخرى أيضا. وأضافت تنسلي أن هذا الانقسام بين الشرائح المختلفة للعاملين يثيرا قلقا متزايدا. وقال مدير الحملة برناديت هولمز تعد فكرة استطاعة كل شخص تعلم أساسيات لغة أخرى فكرة واقعية وقابلة للتحقيق.

وأضاف نحن لا نتوقع طلاقة فورية، لكن إذا تمكن كل شخص من تحصيل 1000 كلمة على الأقل من لغة جديدة، فذلك من شأنه أن يعزز بعض الاتجاهات الاجتماعية والجوانب الاقتصادية بشكل كبير، وأن يجعل الشباب على استعداد لمواجهة تحديات العولمة بشكل أفضل، وأن يعلي من شأن ثقافتنا ومستوياتنا الفكرية. وأضاف هولمز أحث كل شخص في موقع مؤثر أن ينضم إلى الحملة وأن يساعد في تحقيق هذا الهدف. وتمول حملة تحدث إلى المستقبل من قبل الأكاديمية البريطانية وبرنامج الطريق إلى اللغات التابع للجامعات البريطانية.

الى جانب ذلك وللمرة الاولى في مدرسة فرنسية، يتابع طلاب معظمهم من أصول عراقية او تركية دروسا لتعلم اللغة الآرامية، إحدى أقدم اللغات في العالم، وأكثرها تهديدا بالاندثار. ويستقبل الاستاذ بابلو كيرتشوك طلابه الثلاثين في احدى قاعات مدرسة جان جاك روسو قائلا عبارة ترحيبية باللغة الآرامية وهي "شلاما لكن" اي السلام عليكم. ويجيب الطلاب بصوت واحد "شلاما لوخ"، أي عليك السلام.

وبطلب من المدرس، تقترب فتاة من اللوح لتكتب تاريع اليوم بالحروف السريانية. ويشرح كيرتشوك لطلابه ان اسماء هذه الاشهر تعود الى اللغة البابلية. ويقول هذا المدرس، وهو صحافي سابق في السادسة والخمسين من عمره متخصص في اللغات السامية عملت في تدريس اللغة العبرية منذ سنوات عدة في المدرسة. ويضيف ارادت الادارة ان نغوص في الأمر أكثر، وأن نبدأ بإعطاء دروس باللغة الآرامية، التي يتكلمها بعض تلامذتنا في بيوتهم.

ويشكل تدريس اللغة الآرامية فرصة لتبيان اهميتها بين اللغات القديمة في العالم، بحسب الاستاذ. ولم يعد يتكلم الآرامية اليوم سوى 500 الف شخص في العالم، وهم غالبا من المسيحيين المشرقيين من دول مثل تركيا وسوريا والعراق وايران. ويشارك في صفوف اللغة الآرامية في مدرسة جان جاك روسو تلاميذ من خارج المدرسة، على غرار جوني ايم ذي الستة عشر عاما، والذي يقول اللغة الآرامية هي تاريخنا، ويتعين علينا ان نحافظ عليها.

وبحسب منظمة اليونسكو، فان اللغة الآرامية الحديثة هي واحدة من ثلاثة الاف لغة مهددة بالاندثار، من أصل ستة آلاف لغة ما زالت منتشرة في العالم. ويفاقم من هذه المشكلة تشتت المسيحيين اتباع طائفية الكلدان الاشوريين في العالم بعد خروج عدد كبير منهم من العراق هربا من اعمال العنف.

ويوضح بابلو كيرتشوك ان اللغة الآرامية كانت اللغة السائدة في الشرق الاوسط في العصور الغابرة، وكانت اللغة المحكية في فلسطين في زمن السيد المسيح، وهي ليست لغة ميتة كما يظن البعض، بل انها لم تتوقف منذ ثلاثة الاف سنة. بحسب فرانس برس.

في مدينة سارسيل الفرنسية، حيث يعيش منذ الثمانينات من القرن العشرين عدد كبير من الكلدان الآشوريين القادمين من جنوب تركيا وشمال العراق، ما زالت بعض العائلات تتخاطب بلغة السيد المسيح. ويقول الفتى ميلودي كالكان الذي يتابع دروس اللغة في الصف نتعلم جذور الكلمات وكيف تكتب، الامر غريب لاننا نتكلم هذه اللغة منذ الصغر ولكن من دون ان نتقنها. وتقول زميلته اليسيا يالاب في صغري كنت اتكلم الآرامية بشكل جيد، لكن اللغة الفرنسية حلت مكانها شيئا فشيئا، حاليا احاول ان اتمرن عليها مجددا مع أهلي وأصدقائي.

في السياق ذاته أعلنت المجموعة المعلوماتية غوغل إطلاق موقع إلكتروني يرمي إلى المساعدة على الحفاظ على اللغات المهددة بالاندثار يحمل اسم مشروع اللغات المهددة. وكشفت غوغل أن توثيق أكثر من سبعة آلاف لغة هي على وشك الاندثار خطوة كبيرة للحفاظ على التنوع الثقافي وتثمين معارف أسلافنا ومد الشباب بالقوة. وأضافت يمكن للتكنولوجيات أن تدعم هذه الجهود من خلال مساعدة الأشخاص على إعداد تسجيلات عالية النوعية لأجدادهم الذين غالبا ما يكونون آخر من يتكلم بهذه اللغات، ومن خلال اقامة تواصل بين مجتمعات مختلفة متفرقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتسهيل تعلم اللغات.

وأوضحت المجموعة المعلوماتية أنها تعتزم في غضون بضعة أشهر نقل إدارة الموقع إلى مختبر جامعي ومعهد التكنولوجيا والمعلوماتية في مجال اللغات التابع لجامعة ميشيغان شرق الولايات المتحدة والمجلس الثقافي للشعوب الاولية. وأكدت غوغل ان هذا المشروع يحظى بتمويل من فرعها الخيري "غوغل. أورغ" ودعت جمعيات أخرى إلى الانضمام إليه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/أيلول/2013 - 22/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م