شبكة النبأ: مشاركة الكوماندوز
الاسرائيلي في عملية إنهاء عملية احتجاز الرهائن في المركز التجاري
بالعاصمة الكينية نيروبي، فتح من جديد ملف العلاقات الاسرائيلية –
الافريقية، لاسيما الجهود المبذولة لتكريس هذه العلاقة مع منطقة "القرن
الافريقي" متمثلاً بدول مثل كينيا و إريتريا واثيوبيا، فجاءت العمليات
الارهابية التي تقوم بها جماعات متطرفة وتكفيرية، مثل "حركة الشباب
الصومالي"، لتكون مناسبة لتطويد هذه العلاقات التي تعود الى عقد
الستينات من القرن الماضي، وتؤكد مرة اخرى على حرص الدولة العبرية على
الجانب الاستراتيجي في سياساتها الخارجية، لأن المعروف أن توفير الأمن
القومي، لن يتحقق بعلاقات جيدة مع دول الجوار، إنما يجب أن تتسع الحلقة
أكثر لتصل الى مديات أبعد، فكلما كانت الدولة باسطة شبكة علاقاتها
الاستراتيجية على مساحة أوسع من الخارطة، كلما ضمنت مصالحها الاقتصادية
والسياسية وكذلك الامنية.
الدلائل والشواهد على الأرض تشير الى اسباب عديدة لحرص اسرائيل على
الاحتفاظ بعلاقات قوية مع دول مثل اثيوبيا وإريتريا وكينيا، الى جانب
دول افريقية اخرى. أهمها؛ الماء.. إذ إن مصدر نهر النيل هو بحيرة
فكتوريا في اثيوبيا، حيث يتجمع الماء المنهمر من أعالي الجبال، هذا
الشريان الحيوي، له صلة مباشرة بالاقتصاد في كل من السودان ومصر. وكذلك
هنالك السيطرة على البحر الأحمر، فالدولة العبرية ليس على هذا البحر
سوى ميناء "ايلات" الصغير، بينما في ظل علاقاتها الاستراتيجية والواسعة
مع القرن الافريقي، تتمكن من توسيع هذه الإطلالة لتكون نافذة واسعة
تشرف على مصالح دول عربية ذات شأن في المنطقة. وهناك أمر آخر اكثر
أهمية، ولم يظهر على سطح الاحداث بعد، وهو الهاجس الاسرائيلي من
التنافس الايراني الشديد والعنيد على النفوذ في هذه المنطقة تحديداً،
فقد اكتشف الاسرائيليون اخيراً، أن البحر الأحمر أحد الممرات الآمنة
التي توفر الامداد اللوجستي لحزب الله في لبنان، ليكون بديلاً في
المستقبل عن الممر السوري. وقد رصد الاسرائيليون عدة مرات سفن شحن
عديدة محملة بالاسلحة والاعتدة تمخر عبر البحر الاحمر باتجاه السواحل
اللبنانية.
خلفية تاريخية منذ عام 1948
تؤكد المصادر التاريخية أن العلاقات الاسرائيلية – الافريقية تعود
الى تاريخ قيام الدولة العبرية، بل ان محاولات التوغل تمتد الى حقبة
الاستعمار، حيث كان الموظفون اليهود ينتشرون بين صفوف الدول المستعمِرة
لاسيما بريطانيا وفرنسا، اللتان كانتا يحتلان مساحة واسعة من القارة
السمراء. وأبرز هذه العلاقات، كانت مع دولة جنوب افريقيا التي كانت
تنتهج نظام الفصل العنصري، فهو بلد افريقي كان تحكمه أقلية بيضاء
بالقمع الحديد والنار طوال القرن الماضي. كما ركزت اسرائيل بشكل ملحوظ
على دولة اثيوبيا، في القرن الافريقي. وحسب إدعاءات الاسرائيليين، فان
هذه الدولة تضم جالية يهودية تحت اسم "اليهود الفلاشا"، وعلى هذا
الاساس قامت بفتح جسور الهجرة أمام الراغبين من هؤلاء اليهود الى
الاراضي المحتلة.
وقد شهدت حقبة الخمسينات من القرن الماضي، بناءً للعلاقات
الاسرائيلية – الافريقية، وهذا يعود الى النهج الاسرائيلي في إقامة
العلاقات مع الدول الضعيفة التي تحتاج الى عوامل القوة الاقتصادية
والامنية. وهو ما يمكن ان توفره الدولة العبرية، لذا نجد أن الزيارات
المكوكية للمسؤولين الاسرائيليين للقارة السمراء بدأت في تلك الحقبة،
فقد قامت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة غولدا مائير ما بين 1958
و1963، بزيارة العديد من الدول الإفريقية، منها ليبيريا وغانا ونيجيريا
والسنغال، وقد قام أيضا إسحاق بن زفى رئيس الدولة العبرية السابق عام
1962 م بزيارة خمس دول أفريقية, وقام رئيس الوزراء الأسبق ليفى أشكول
عام 1966 بجولة إفريقية شملت كل من زائير, أوغندا, ليبيريا, السنغال
ومدغشقر, وفى عام 2009، قام وزير الخارجية افيغودور ليبرمان بجولة شملت
خمسة دول أفريقية ابتدأها من أثيوبيا حيث إفتتح فيها المنتدى الإقتصادى
الإسرائيلى الأثيوبى ومنها توجه إلى أوغندا, و رواندا, وغانا و نيجريا,
موقعا العديد من الإتفاقيات فى شتى المجالات السياسية والإقتصادية
والأمنية والعسكرية.
وتؤكد المصادر الأهمية التي توليها اسرائيل لاثيوبيا، حيث ترتبطهما
علاقات وثيقة ترجع للعام 1956, حينما قامت إسرائيل بإنشاء أول قنصلية
لها فى أفريقيا فى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا, وقد قام ليبرمان فى
هذه الزيارة بتوقيع إتفاقية التعاون بين البلدين, وقام بتدشين المنتدى
الإقتصادى لأثيوبيا وأسرائيل بهدف دعم العلاقات التجارية والإقتصادية
بين البلدين, بالإضافة لتدشين مشروع التفوق الزراعى لبناء رأس المال
البشرى الزراعى فى منطقة بوتاغارا, وهو مشروع مشترك بين أثيوبيا
وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية, ويهدف إلى زيادة إنتاج المحاصيل
الزراعية, بالإضافة لعرض إسرائيل لأثيوبيا بتقديم المساعدة فى مجالات
البيوتكنولوجى وتخزين المياه, وتمويل كل المشروعات الزراعية بما فيها
سد الألفية التى تنوى إثيوبيا إقامته على النيل الأزرق (توكر أباى),
بالقرب من الحدود السودانية الإثيوبية شرق منطقة بومبودى الحدودية
الأثيوبية عبر دائرة التعاون الدولى فى وزارة الخارجية الإسرائيلية
(الماشاف), بجانب التباحث حول مياه النيل، وكيفية توظيفها في مصلحة
البلدين كل حسب استراتيجيتة.
و نشرت وكالة "أنباء أميركا إن أرابيك" أن وفدا من مسؤولين أفارقة
رفيعي المستوى من دول حوض النيل التي ثارت خلافات بينها وبين مصر فى
إجتماع الإسكندرية الذى إنعقد فى يوليو من العام 2009 ، حول تقسيم مياه
النيل، قام بزيارة إلى إسرائيل بترتيب من منظمة يهودية أميركية, وسط
تقارير تتحدث عن مشروعات إسرائيلية على نهر النيل, فقد كشفت منظمة
"مشروع التبادل" وهي تابعة للجنة الأميركية اليهودية إحدى أكبر منظمات
اللوبي الإسرائيلي الأميركي أنها قامت بترتيب رحلة لمسؤولين من رواندا
وأوغندا إلى إسرائيل لدعم التعاون بين إسرائيل والبلدين في الشؤون
التنموية والزراعية والمائية, وشارك في الرحلة التي جرت بين 16-21
أغسطس من العام 2009 م من رواندا وزيرة التجارة والصناعة مونيك
نسانزاباغانوا، ومدير المعهد العالمي للتنمية البيولوجية العلمية جون
كيلاما، ومدير منظمة أكسس بليس كاريبوشي إضافة إلى تيكو بيتر لوكيريس
نائب وزير الزراعة الأوغندي.
أما بالنسبة لكينيا فتقول "جاليا صبار" مديرة قسم الدراسات
الافريقية في جامعة تل ابيب: أن كينيا تلعب دورا هاما في المنطقة مشيرة
الى انه "منذ استقلال كينيا عام 1963 تمتعت اسرائيل بعلاقة وثيقة مع
هذا البلد ظهرت من خلال التعاون في مجالات مختلفة مثل الزراعة والتعليم
والامن والقضايا العسكرية والاستخبارات". وتشير ارقام صادرة عن معهد
الصادرات الاسرائيلي ان التبادلات الاقتصادية بين البلدين شكلت في عام
2012 نحو 8% من التبادل الاقتصادي بين اسرائيل وكل افريقيا بقيمة تقدر
ب139 مليون دولار.
وتؤكد صبّار ان المجال الامني هو اكثر مجال معروف في التعاون
الاسرائيلي- الكيني. ويشرح الخبير الاسرائيلي في القضايا الامنية، يوسي
ميلمان: أن "ذروة التعاون الامني بين اسرائيل وكينيا ظهرت في عملية "عنتيبي"
عام 1976، إبان أزمة اختطاف طائرة اسرائيلية من قبل مجموعة من
الفدائيين الفلسطينيين، فقد شاركت وحدات كوماندوس اسرائيلية باطلاق
سراح الرهائن، وبحسب ميلمان فان المسؤول الحكومي الكيني بروس ماكينزي
الذي كان مقرباً من وكالة الاستخبارات الاسرائيلية الموساد، أقنع
الرئيس الكيني جومو كينياتا بالسماح لعملاء الموساد بجمع المعلومات قبل
العملية والسماح للطائرات الاسرائيلية بالتزود بالوقود في مطار نيروبي.
وتواصل التعاون الامني واصبح وثيقا بشكل اكبر مؤخرا عندما تضررت
مصالح اسرائيلية في كينيا في هجمات شنها تنظيم "القاعدة" الذي تزايد
وجوده في المنطقة على مدى الـ(15) عاما الماضية.
وسبق ان تعرضت مصالح اسرائيلية في كينيا لهجمات تبنتها القاعدة. ففي
العام 2002، ادى هجوم نفذه ثلاثة انتحاريين على فندق يرتاده العديد من
السياح الاسرائيليين الى مقتل 12 كينياً وثلاثة سياح اسرائيليين قرب
مدينة مومباسا الساحلية.
فرص مجانية لتعزيز النفوذ
المستجدات الاخيرة في ملف العلاقات الاسرائيلية – الافريقية، تؤكد
أن الاسرائيليين وجدوا في الاستحقاق الأمني الثغرة الجديدة والكبيرة
لمزيد من التواجد وتكريسه في البلاد الافريقية، وهذا ما يذهب اليه
المراقبون الذين لاحظوا استثمار اسرائيل للفرص الاقتصادية وحاجة الدول
الافريقية الى النمو الاقتصادي والتبادل التجاري مع دول العالم، وهو ما
كانت تواجه فيه صعوبات جمّة، للفارق الكبير في المستوى التجاري بين هذه
الدول، ودول العالم المتقدمة وحتى النامية. وبعد التطور والتوسع
الملحوظ في العالم، عكفت الدولة العبرية على تأجيج الملف الأمني في
القارة السمراء، والظهور على أنها المنقذ من مخاطر الارهاب وحالة عدم
الاستقرار. وهذا ما وفره لها - بشكل غير مباشر طبعاً- التنظيمات
الدينية المتطرفة في الصومال، من خلال العمليات الارهابية التي يقومون
بها ضد المصالح العامة، كالذي حصل في مركز تجاري للتسوق في العاصمة
الكينية نيروبي، حيث تم اقتحام المبنى الضخم واحتجاز المئات من
المدنيين، من قبل شبان صوماليين، يقولون أنهم بذلك يحتجون على كينيا
لارسالها قوات لدعم النظام الحاكم في الصومال.
واليوم تقيم الدولة العبرية علاقات دبلوماسية مع 46 دولة افريقية
من مجموع دول القارة البالغ عددها 53 دولة، منها 11 دولة بتمثيل مقيم
بدرجة سفير وسفارة، و33 بتمثيل غير مقيم، ودولة واحدة بتمثيل على مستوى
مكتب رعاية مصالح، ودولة واحدة أيضا بتمثيل على مستوى مكتب اتصال، علما
أن لإسرائيل 72 سفارة و13 قنصلية، واربعة بعثات خاصة على مستوى العالم,
وهذا يعني أن البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا بالمقارنة مع
بعثاتها في العالم تشكل 48%، في حين تبلغ نسبة العلاقات الدبلوماسية
الأفريقية الإسرائيلية بالمقارنة مع نسبتها بالعالم 80%. |