صحفيو تونس... خشية متنامية من عودة الاستبداد

 

شبكة النبأ: يعرب معظم العاملين في قطاع الصحافة التونسية عن خشيتهم من استبداد السلطات الحاكمة في تعاملها مع اصحاب القلم والرأي من الصحفيين بعد ان رصدت بعض الانتهاكات الحقوقية بحقهم.

حيث أعلنت الهيئة التعديلية للاعلام السمعي والمرئي في تونس انها ستقاضي الحكومة التونسية التي تقودها حركة النهضة الاسلامية بهدف "الحد من تعسف السلطة على القطاع" الاعلامي وذلك إثر "تصاعد عدد التتبعات القضائية ضد الصحافيين والاعلاميين".

وأوردت "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (هايكا) في بيان أنها "سوف تلجأ الى القضاء لحل الاشكاليات القائمة (في القطاع الإعلامي) والحد من تعسف السلطة على القطاع".

وتأسست "هايكا" في 3 أيار/مايو 2013 بقرار جمهوري، ومن مهامها الاساسية تحقيق استقلالية الإعلام العمومي حيال مراكز الضغط السياسي والمالي. وقالت الهيئة انها "تتابع بانشغال كبير تصاعد عدد التتبعات (الملاحقات) القضائية ضد الصحافيين والاعلاميين، وإحالتهم (على القضاء) على معنى (بموجب) أحكام المجلة الجزائية (القانون الجنائي) السالبة للحرية عوض المرسومين عدد 115 و116 لسنة 2011 (قانون الصحافة الجديد) المتعلقين بممارسة حرية التعبير والصحافة والإعلام".

ونبهت الى أن "هذا الخيار يتعارض وخصوصية المهنة الصحافية، ومن شأنه أن يمس بحق المواطن في إعلام مهني وحر، علاوة على خرقه لقاعدة تقديم النص القانوني الخاص على النص العام".

وقالت ان "معالجة القضايا المتعلقة بحرية الاعلام والتعبير خارج اطار المرسومين عدد 115 و116، يُعَدُّ تراجعا عن مسار اصلاح الاعلام القائم على مبدأ رفع يد السلطة عن القطاع، وتكريس منظومة التعديل والتعديل الذاتي لتنظيم المهنة، والحد من التجاوزات والإخلالات بأخلاقياتها".

وتابعت "لقد سبق للهيئة (...) أن نبهت الى الوضع المتفجر في قطاع الاعلام واهتزاز الثقة بين مختلف الهياكل المهنية والسلطة السياسية، إلا أن تجاهل الاخيرة للحلول التي اقترحتها الهيئة يثبت انعدام إرادة حقيقية في إصلاح الاعلام والسعي الى توظيف عملية الاصلاح سياسيا".

وقالت الهيئة إنها "تتمسك بدورها في +فرض احترام جميع السلطات والمؤسسات والأطراف المتدخلة للقواعد والأنظمة المنطبقة على القطاع السمعي البصري+ كما جاء بالمرسوم عدد 116" الذي أحدثت بموجبه.

القضاء التونسي يستخدم القانون الجنائي "لخنق حرية التعبير"

من جانبها اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السلطات القضائية في تونس تستخدم القانون الجنائي "كوسيلة قمعية لخنق حرية التعبير" داعية الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية إلى تعديل القوانين "القمعية" الموروثة عن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وأصدر قاض تونسي اليوم مذكرة ايقاف بحق الصحافي البارز زياد الهاني على خلفية انتقاده قرارا قضائيا بإيقاف وتتبع المصور التلفزيوني مراد المحرزي لتصويره حادثة رشق وزير الثقافة ببيضة.

وقالت هيومن رايتس ووتش في بيان "هل انه فعلا خطر داهم هذا الذي تواجهه البلاد، وتحاول السلطات المكلفة بإنفاذ القانون تفاديه، بمحاكمة مصور تلفزيوني قام بتصوير شخص ألقى بيضة، وصحافي انتقد اعتقال المصور؟".

وتابعت المنظمة "تعتمد السلطات القضائية بشكل متكرر على نفس الأحكام القانونية الواردة في المجلة الجزائية (القانون الجنائي) كوسيلة قمعية لخنق حرية التعبير".

وذكرت بأن "جميع هذه الاحكام القانونية الجزائية تُشكل جزءً من ترسانة القوانين القمعية التي استخدمتها حكومة بن علي لمعاقبة المعارضين وإخماد صوت النشطاء.

ولفتت الى ان "المجلس التأسيسي لم يقم بأي محاولة لالغاء هذه القوانين أو تعليق العمل بها، كما لم تقض أي محكمة بعدم تطبيقها نظرا لعدم تناسبها مع معايير حقوق الإنسان".

وأضافت "بدلا من محاولة إخماد المنتقدين، يتعين على الحكومة تمحيص ادعاءاتهم، وتعديل القوانين الموروثة عن النظام القمعي والتي تجرّم انتقاد الشخصيات العامة".

وذكرت بان "لجنة حقوق الإنسان في الامم المتحدة تؤكد على ضرورة عدم فرض رقابة أو تضييق على الآراء المتعلقة بالمسائل العامة، وعلى مشروعية تعرض الشخصيات العامة إلى الانتقاد العلني، وعدم حظر توجيه انتقادات إلى المؤسسات العامة".

وقالت انه وفق قوانين حقوق الانسان "فإنه يجب عدم تجريم التعبير الذي يتضمن انتقادًا لموظفين عموميين".

واضافت "منذ بداية 2012، قامت السلطات القضائية بتوجيه تهم ضد عديد الصحافيين والمدونين والفنانين والمثقفين بسبب التعبير عن الرأي بشكل سلمي عملا بأحكام قانونية تتعلق بـ +"التشهير+، و+الاعتداء على أعوان الدولة+،و+تهديد النظام العام+، وجميعها أحكام تنص على عقوبات بالسجن". وتابعت "إضافة إلى ذلك، يجب التعامل مع التشهير على أنه مسألة مدنية من حيث المبدأ، وليست جنائية، وعدم معاقبة من يرتكبه بالسجن".

وانتقد "المرصد التونسي لاستقلال القضاء" (منظمة حقوقية مستقلة) الذي يرأسه القاضي أحمد الرحموني "تعمد" محاكمة الصحافيين في تونس على اساس القانون الجنائي بدلا من "المرسوم 115" (قانون الصحافة الجديد) الذي نشر بالجريدة الرسمية في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2011.

وبحسب الفصل 80 من قانون الصحافة الجديد فإن المرسوم 115 "يدخل حيز التنفيذ بداية من تاريخ نشره" في الجريدة الرسمية. وينص الفصل 79 من هذا القانون على بطلان "جميع النصوص" القانونية الأخرى التي تتعارض مع مضمون المرسوم 115.

اضراب عام

في سياق متصل نفذ صحافيو تونس اضرابا عاما هو الثاني منذ وصول حركة النهضة الاسلامية الى الحكم، والثاني في تاريخ البلاد، لمطالبة السلطات القضائية باعتماد قانون الصحافة الجديد في محاكمة الصحافيين وبوقف ملاحقتهم استنادا الى القانون الجنائي التونسي الموروث من عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وقال منجي الخضراوي الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين (مستقلة) التي دعت الى الاضراب، لفرانس برس إن "نسبة المشاركة في الاضراب تجاوزت 90 في المئة، وهي نسبة غير نهائية".

ولفت الى حدوث "محاولة فاشلة لكسر الاضراب" في الاذاعة العمومية التي يرأسها محمد المؤدب المحسوب على حركة النهضة، والذي تطالب نقابات صحافية بعزله وتعيين مستقل مكانه. بحسب فرانس برس.

وأعلنت نجيبة الحمروني رئيسة نقابة الصحافيين خلال تجمع أقيم أمام مقر النقابة وحضره نحو 250 شخصا بين صحافيين ومواطنين ونشطاء حقوقيين وسياسيين، ان اضراب الثلاثاء كان "ناجحا" وان التحركات الاحتجاجية ستتواصل إذا واصل القضاء محاكمة الصحافيين بمقتضى فصول "سالبة للحرية" من القانون الجنائي.

وطالبت الحمروني السلطات القضائية في بلادها بالاستناد في الدعاوى ضد الصحافيين الى "المرسوم 115" (قانون الصحافة الجديد) الذي يضمن حق الصحافي في الدفاع ويحميه من السجن قائلة ان سجن الصحافيين على خلفية عملهم "خط أحمر".

وأصدر قاضي التحقيق بمحكمة تونس الابتدائية مذكرة توقيف ضد الصحافي والنقابي البارز زياد الهاني المعروف بانتقاده الشديد لحركة النهضة.

ويلاحق الهاني على خلفية اتهامه، خلال برنامج بثه تلفزيون "نسمة" التونسي الخاص يوم 28 آب/أغسطس الماضي، المدعي العام للجمهورية بتوفير أدلة ملفقة لتبرير حبس المصور مراد محرزي بسبب تصويره لحادثة رشق بيضة على وزير الثقافة مهدي مبروك يوم 16 آب/أغسطس.

واعتبرت نقابة الصحافيين في بيان أن توقيف الهاني بدون استجوابه أو تمكين محاميه من الترافع امام القضاء مثلما يقتضي القانون، يشكل عملية "اختطاف" و"خطوة إجرامية" و"حلقة من حلقات سياسة القمع والترهيب التي تتوخاها (السلطات) منهجا في معاداة حرية التعبير والصحافة والإبداع والتعبير ضد الإعلاميين والفنانين والمبدعين".

واتهمت النقابة الحكومة بـ"مواصلة تنفيذ مخططها الساعي إلى ضرب حرية التعبير والصحافة والإبداع عبر توظيف القضاء من أجل سجن وترهيب الصحافيين والإعلاميين والمبدعين" مطالبة بـ"وضع حد لمهزلة سجن الصحافيين والمبدعين".

وأفرج عن الهاني بشكل مؤقت بكفالة مالية بقيمة 2000 دينار (نحو ألف يورو) على أن تبدأ محاكته يوم 24 أيلول/سبتمبر الحالي. ويلاحق الهاني بموجب الفصل 128 من القانون الجنائي الذي يعاقب بالسجن مدة عامين وبغرامة قدرها 120 دينارا (نحو 60 يورو) "من ينسب لموظف عمومي أو شبهه بخطب لدى العموم أو عن طريق الصحافة أو غير ذلك من وسائل الإشهار أموراً غير قانونية متعلقة بوظيفته دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك".

ونقلت وكالة الانباء الرسمية عن نجيبة الحمروني قولها ان "هناك خطة (حكومية) ممنهجة للتضييق على الصحافيين والاعتداء عليهم انطلقت منذ نشر وسائل إعلام معلومات خطيرة حول اغتيال" المعارضين العلمانيين شكري بلعيد في 6 شباط/فبراير 2013 ومحمد البراهمي في 25 تموز/يوليو 2013. واتهمت وزارة الداخلية "سلفيين تكفيريين" باغتيال بلعيد والبراهمي فيما تتهم عائلتا القتيلين حركة النهضة الاسلامية باغتيالهما وهو أمر نفته الحركة بشدة.

ودعت "النقابة العامة لأعوان وموظفي وزارة الداخلية" التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية القوية) الثلاثاء السلطات الى "وقف كل المحاكمات الجائرة وعدم ملاحقة" منظوريها أمام القضاء.

وقالت النقابة في بيان "تم رفع دعوات قضائية غير مبررة" ضد أربعة من منخرطيها دون أن توضح إن كانت وزارة الداخلية هي التي رفعت الدعاوى أم جهة أخرى.

وأعربت منظمة مراسلون بلا حدود عن "قلقها" بسبب "زيادة الملاحقات القضائية ضد الصحافيين (في تونس) من قبل الشخصيات العامة" بموجب القانون الجنائي.

وانتقد الاتحاد الدولي للصحافيين في بيان الاثنين ما سماه "تصاعد هجمات السلطات القضائية (في تونس) ضد الصحافيين" معتبرا أن ذلك "يعكس عدم تسامح السلطات التونسية مع أي شكل من أشكال النقد الموجه إليها". وأعلن الاتحاد "مساندته الكاملة" للاضراب العام لصحافيي تونس.

واثارت النيابة العامة في تونس اخيرا دعاوى قضائية عدة ضد صحافيين بموجب فصول من القانون الجنائي التونسي الذي تصفه منظمات حقوقية دولية بـ"القمعي" عوض "المرسوم 115" (قانون الصحافة الجديد) الذي نشر بالجريدة الرسمية في 2 تشرين الأول/نوفمبر 2011.

وينص المرسوم على ضرورة تطبيق قانون الصحافة الجديد منذ نشره في الجريدة الرسمية، وعلى إلغاء جميع النصوص القانونية الأخرى التي تتعارض مع أحكامه. ويمنع الفصل 13 من المرسوم 115 "مساءلة أي صحافي بسبب عمله إلا إذا ثبت إخلاله بالأحكام الواردة بهذا المرسوم دون غيره" من القوانين الاخرى.

وأعلن رضا جنيّح أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية، وأحد المشاركين في صياغة المرسوم 115 ان القضاء التونسي "ليس له استقلالية كاملة" وان وزارة العدل "ما زالت تعطي التعليمات للنيابة العامة لملاحقة الصحافيين وتوقيفهم" وهو أمر نفاه وزير العدل نذير بن عمو (مستقل).

وفي 14 أيلول/سبتمبر 2013 أعلنت الحكومة في بيان أن "استدعاء السلطات القضائية لبعض الصحافيين للمثول أمامها كسائر المواطنين لمساءلتهم (...) هو شأن قضائي لا دخل للحكومة فيه".

وفي 6 ايلول/سبتمبر، دعت منظمة "مراسلون بلا حدود" السلطات التونسية إلى تطبيق قانون الصحافة الجديد "دون غيره في جميع القضايا المرتبطة بحرية الصحافة وحرية التعبير".

وفي 5 أيلول/سبتمبر، أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السلطات التونسية "استخدمت...القوانين القمعية الموروثة... بشكل متكرر لمحاكمة أشكال التعبير التي تعتبرها غير مقبولة" ودعتها الى "التخلي عن القوانين الموروثة عن الحقبة القمعية بدل استخدامها لإخماد الأصوات المنتقدة".

يذكر أن صحافيي تونس نفذوا اضرابا عاما في 17 تشرين الاول/اكتوبر 2012 للاحتجاج على رفض الحكومة تفعيل قانون الصحافة الجديد ولمطالبتها ب"رفع يدها" عن الاعلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/أيلول/2013 - 21/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م