كان جعفر من الطلبة المتفوقين في الدراسة في مرحلة الابتدائية
والاول على أقرانه وعبر الى مرحلة المتوسطة مستصحباً هذا التفوق فكان
الاعفاء في كافة الدروس وسام التميز الذي له نكهة خاصة حتى انتقاله الى
الصف الثاني متوسط الذي كان مفترق طرق في حياة جعفر الدراسية وخاصة في
مادة الرياضيات التي كان من المميزين فيها، فخرج من الصف الثاني وهو
يكره هذه المادة الثقيلة كثقل جامبو الجبار وغبائه مقارنة مع خفة وذكاء
صاحبه ساسوكي في الكارتون المشهور الذي كان يعشقه في ثمانينات القرن
الماضي، والسبب الرئيسي في هذا التحول الذي كلفه تغير في بوصلة مستقبله
هي مدرسة مادة الرياضيات الست (رضية) التي كانت تشبه السيد جامبو
الجبار في كل شيء الا في كونها امرأة تقريباً، ولأختصر لكم ما كانت
تفعله في واجبها المقرر في التدريس والذي كانت تأخذ عليه راتبها هو
أنها نقلت مطبخها وبيتها الى الصف وسرقت من جعفر وأصحابه درسهم
ومستقبلهم....
من المعروف إن مادة الرياضيات هي مادة علمية وعقلية بحتة تعتمد على
الفهم العقلي للدرس وليست مادة نصية يمكن ان يحفظ منطوقها الطالب
ويرددها عن ظهر الغيب كالقصائد وغيرها وكانت نوعية الدرس في الصف
الثاني المتوسط هي انتقالة نوعية من الحساب الى العمليات المعقدة
كالجبر واللوغارتميتات وغيرها ولكل هذا كان دور مدرس مادة الرياضيات
مفصلي ومهم جدا في ايصال المعلومة لذهن الطالب ولكن هذا لم يكن في ذهن
الست رضية التي كانت تدرس الرياضيات على طريقة لك سيدتي.. فقد كانت
تدخل الصف وفي يدها تلك الحقيبة المصنوعة من القماش والمطرزة بالورود
والدببة لتخفيها تحت المصطبة وتباشر عملية التدريس فتكتب عنوان الموضوع
على السبورة وتنقل الامثلة الموجودة في الكتاب مرددة الارقام بصوت لا
يسمعه الا هي والسبورة ثم تلتفت الى الطلبة الذين انشغلوا بكل شيء الا
الانتباه لما تكتب وتبادرهم بعبارتها المعهودة : هل يوجد من لم يفهم
الدرس؟؟
فيرفع كل من في الصف يده ملوحاً أنه لم يفهم شيئاً من الدرس !!
فتجيبهم بجملتها السحرية : ستفهمون عند حل التمارين...؟؟
لتنتهي الخمس دقائق المخصصة للتدريس وتبدأ فترة الطبخ..
فتصعد حقيبة القماش الى المنصة وتخرج منها القدور والخضر والرز
وتبدأ مرحلة صنع الدولمة أو التبسي أو الباميا بحسب المقرر في ذلك
اليوم أو تخرج منها أدوات الحياكة من صوف وأميال ولتذهب الرياضيات الى
الجحيم وليذهب الطلاب للعب والمزاح والصراخ والقصص والعراك وعندما
يرتفع الصراخ الى ابعد من حدود الصف تصرخ الست رضية بهم : هدوء.. شنو
أنتم مخابيل؟؟
فتعيد الحياة الى طبيعتها ولكن ليس لوقت طويل فسرعان ما يعود كل
منهم الى شأنه... في الدرس الذي يليه يأتي الطلاب منتظرين فهم الموضوع
من خلال حل التمارين كما وعدتهم الست رضية ولكن هذه المهمة يتكفل بها
ثلاثة فقط من الطلاب وهم ابن المدير وابن المعلم وابن الرفيق الذين
ولدوا والقلم في ايديهم على غرار من ولد وملعقة الذهب في فمه أما ولد
الخايبة من غير المحظوظين فمصيره الحكم بغبائه لينتهي منتحلا صفة أبو
خليل وليدافع عن البوابة الشرقية لوطن الاعراب، بعد أن كرهوا درس
الرياضيات، أما اليوم فجعفر يجمع الاموال من عمله في (العمالة) ليوفر
لابنه مبلغ المدرسين الخصوصيين ودورات التقوية حتى لا يكره ابنه درس
الرياضيات، ودمتم سالمين. |