لله درّك يا بائعة البخور

زاهر الزبيدي

 

مع كل إنفجار وما يحدثه من عصف وقتل وتجريح وتقطيع وحرق ؛ هناك عشرات القصص المؤلمة.. فقصة أي تفجير إرهابي لا تنتهي بمجرد لملمة ما خلفته من حطام وأعضاء بشرية متناثرة هنا وهناك ولا بمجرد غسل مكان الحادث من دمائنا المراقة بل تبقى ذكرى مؤلمة معلقة على شماعة أحزاننا المتواصلة التي لا أمل في إنتهاء مأساتها من حياتنا.. ارواح تزهق ومع كل روح قصة.. ليس فيها قصة سعيدة مطلقاً كلها قصص تخبرنا بعمق عن عُظم ما نحن فيه من بلية وفداحة الخسارة.. سنين وسنين من العمل والعلم والجهاد في سبيل توفير الحياة الحرة الكريمة لأبٍ عراقي مؤمن صبور تضيع بشظية قنبلة أو بطلقة كاتم فيغلق باب المستقبل أمام عائلة من عوائل شهداءنا المنكوبة.. والتي تصعبها المصائب كل يوم على نواص الطرق المعبدة بالموت.

ومن قصص حزننا.. قصة تلك الفتاة الصبية اليتيمة الشهيدة، بائعة البخور، التي أتى بها قدرها للبحث عن قوت من تعيلهم من أخوة صغار.. تلك الطفلة ذات الثلاث عشرة ربيعاً التي بقى جسدها الشريف، والأشرف من كل لحى من أفتوا وأحلو دمها على أنياب الإرهاب، في الثلاجات ولا من أحد ليستلمه ليواريه الثرى ! ليس ذلك من بخل من أبناء العراق.. ولكن المصيبة كبيرة فالعشرات من الجثث كانت تُستلم ولم ينتبه أحد الى أن ذلك الجسد النحيل الغريب لا أب ليستلمه ويشيعه ولا أم لتعزى به وتغسله بدموع الثكالى.. ليس لديها سوى أطفال كانت تعيلهم تلك الفتاة الشهيدة ولا ندري أحزننا عليها أم على ما تركته من مصيبة المفجوعين بها.

ويستمر مسلسل موتنا وكأننا توارثنا الموت كما توارثنا الحقد والكره.. في وطن الكل يأكل فيه ويقرض منه حتى أضحى كالرجل المريض الذي تكاثرت عليه محنه وأعداءه على الرغم من كل مرضه وهو يحاول ولوج مستقبله ولكن.. على كرسي مدولب!

على أحد أن يوقف تلك القصص فما عادت في ذكرياتنا مساحة لحزن أكثر، لقد شبعنا من آلامها التي تتجدد يومياً أمام مسامعنا وتجتاح كل المساحات السعيدة فينا فمع كل إنفجار نفجع به بأبناء وطننا ننسج في مخيلتنا قصص عن القتلى.. لأب كبير أو شاب تزوج حديثاً لم يسمي طفله الأول بعد.. أو طفل يخط للتو حرفه الأول في المدرسة ويحفظ نشيده الأول عن الوطن.. أو صبية أو شيخ يأمل في ضيافة الله له في بيته المكرم.. عظّم الله اجورنا وأجوركم بشهدائنا.. ولله درك يا بائعة البخور.. ما أرى روحك الآن إلا وهي في ربيع جنة الخلد تتمرغ في مسكها وبخورها فهنيئاً لك بها وهنيئاً لنا بك.. حفظ الله العراق.

zzubaidi@gmail.com

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/أيلول/2013 - 18/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م